الرئيسية كتاب وآراء حالة عشق … / مشهد…ليلى عبدالواحد المرّاني

حالة عشق … / مشهد…ليلى عبدالواحد المرّاني

كتبه كتب في 19 أكتوبر 2023 - 5:50 م

جريدة البديل السياسي 

حالة عشق … / مشهد

ليلى عبدالواحد المرّاني

وضع زهرة القرنفل الحمراء في حضنها، نظرت إليها، رفعتها بيد مرتجفة وفتحت فمها.. تلقّفها منها، وأنزل يدها باعتذارٍ صامت..

-هل رأيت كم تعشق القرنفل الأحمر صغيرتي الحبيبة ؟

لم أر شيئا، سوى صمتها، ووردة حمراء كانت ستأكلها..

– أتدرين ماذا كتبت لها يوما؟

– كلّي شوق لأسمعك.

أخرج محفظةً صغيرة من جيبه، تجرّدت من قدمها الألوان، انتقى قصاصة ورق صغيرة من بين أوراق أخرى استحال لونها إلى أصفر باهت وأخذ يقرأ بصوت دافئ عميق.. ” حبيبتي، أتعرفين من لملم ضوء النجوم وسكبه دفئا في عينيك؟ كيوبيد، هو كيوبيد الذي يسكن النجوم من فعل..”

ابتسم كيوبيد، وأنا ابتسمت.. كنت أراقبه بهدوء..

سألته : هل تسمعك؟

– كلماتي نغم ينساب إلى روحها.. اسمعي،

وسحب قصاصةً صغيرة أخرى،” حبيبتي، هل تذكرين كيف جمّعت زهور البراري رحيقها، وسكبته شهداً في رضابك؟ .

– الله، ما أحلى، وأعذب ما تقول!

مستطردا، وهو ينظر بعينيها التائهتين..” الشمس يا حبيبتي تشرق على جبينك، وتغرب فوق جدائلك.. وشقائق النعمان تكدّست، تنام وتغفو على شفتيك. “،

توقّف، وكأنه نسي شيئاً، ثمّ.. ” أتذكرين يا صغيرتي، حين نسج الليل خيوطه جدائلَ، فانسدلت بزهوٍ وبذخ فوق كتفيك ”

دهشت لهذا الغزل الرقيق، ينطلق شدوا عذبا من فم رجل سبعينيّ، وكأنه عاشق صغير يلتقي حبيبته أوّل مرّة. للحظة، تهيّأت لي ومضة حبّ، طافت فوق محيّاها..

– كتبت لها كثيرا، ولا أزال أذكر ما كتبت، كلمةً كلمة، وحرفاً حرفاً.. وسأظلّ أكتب لها ما دام نفس في رئتي.

– كم كان عمرك حينذاك..؟ سألته بعفوية

– ثمانية عشر عاما

– وهي..؟

– ستة عشر عاما

– يالله…! وإلى الآن تحتفظ بهذه الأوراق التي كتبت عليها منذ أكثر من نصف قرن…!

– الأعمار يا صغيرتي لا تحسب بالسنين، بل بصدق المشاعر ودفئها.

– وهي، أتظنّها تذكر ما كتبت؟

– ألا ترين الابتسامة على وجهها تشرق؟

نظرتُ، ليس غير وجه شاحب، وعينين فارغتين تنظران إلى العدم، وجسم نحيل مصلوب على كرسيّ بارد، في غرفة باردة كالقبو. توقّف ثانية، كدت أحثّه أن يكمل، فقد انتشيت وحلّقت معه. وضع رأسه الفضيّ فوق يدها كطفل جائع، يرتمي في حضن أمّ لا تعرفه، فصمتّ إجلالاً لتلك اللحظة، وأحنيت رأسي. لمحت كيوبيد يحتضن قوسه وسهمه، حانياً هو الآخر رأسه بإجلالٍ لحالة عشق قدسيّة.. ملتفتاً نحوي، وبيده ورقته الحبيبة..

– خذيها، احتفظي بها، سرقتها من صندوق أسرارها. بصوتٍ خاشع اقرأيها، هي لا تحب الضجيج..

وقرأتُ، وآخر ما كتبَ: ” يا أنت، يا مرفئي ومنفاي.. أضعتُ فيك كبريائي، خاشعاً متعبّداً في محرابك كراهب بوذيّ.. نجمة تائهة ما أزال حبيبتي، أهيم في مداراتك..

فجأة، انتفضت، بعنف دفعت رأسه، ألقت قرنفلته الحمراء أرضاً.. “من أنت؟ “..

ساد صمت كثيف.. وسقط قوس كيوبيد بصمتٍ حزين….

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .