الرئيسية البديل الثقافي الدياليكتيك بين هيجل وماركس … من المثالية الى المادية التاريخية .

الدياليكتيك بين هيجل وماركس … من المثالية الى المادية التاريخية .

كتبه كتب في 5 مايو 2024 - 1:55 ص

إعداد عبد المجيد طعام-  جريدة البديل السياسي 

  الدياليكتيك بين هيجل وماركس من المثالية الى المادية التاريخية .

 

اعتمد كل من هيجل وماركس على الدياليكتيك رغم التباعد الزمني واختلاف النظرية الفلسفية بينهما ، هيجل كان فيلسوفا مثاليا ، بينما ماركس كان فيلسوفا ماديا ،هيجل عاش بين 1770و1831 بينما عاش ماركس بين 1818 و 1883 ، مع ماركس نعيش زمن الاستعمال الفلسفي الثالث لهذا المفهوم ، هذا يعني أن هذا المفهوم خضع لإعادة التشكيل ثلاث مرات.

الاستعمال الأول للديالكتيك بدأ مع سقراط ، الاستعمال الثاني مع هيجل والاستعمال الثالث والأخير كان كارل ماركس .

بين سقراط وهيجل لا يوجد اختلاف كبير في المفهوم ، ارتبط عندهما بمجال الخطاب أو بمجال الفكر الذي يصنع أفكارا مرتبطة فيما بينها بالمنطق والحجاج والبرهنة ، وهذا ما يمكن أن نلخصه في كلمة العقلنة ، التي تمكن الفرد من إنتاج خطاب منطقي يستجيب لقواعد النقاش والبرهنة .

يعبر الدياليكتيك عند كل من سقراط وهيجل ، عن بعد الخطاب الذي يمثل بدوره ظاهرة لها علاقة بالحياة و الفكر ، لدى سقراط يمكن أن نفهم الدياليكتيك على أنه فن الحوار، حيث يتم تبادل الكلام والرموز اللغوية ، بين متحاورين ، كان يرى سقراط بأن الجدل وسيلة للوصول إلى المعرفة والحقيقة عن طريق استعمال النقض والإقصاء réfutation et élimination أي الإقصاء التدريجي للخطأ ،الذي وقع فيه المُحاوَر بالاعتماد على البرهنة والحجاج

عند هيجل يأخذ الديالكتيك أو الجدل هيئة أكثر تقنية ، وأكثر تجريدية ،هو مفهوم فلسفي يُشير إلى عملية تطور الفكرة أو الحقيقة من خلال صراع التناقضات، هو العملية التي من خلالها يتقدم الفكر أو الروح أو التاريخ ، كيف نفهم هذا؟ الديالكتيك عند هيجل يشير إلى أن التقدم في الفكر أو الروح أو التاريخ ، يتم من خلال عملية جدلية تقوم على الصراع وتفاعل بين الأطروحة وهي الفكرة أو الوضع الحالي الذي يمثل نقطة البداية ،قد يكون فكرة، نظام اجتماعي، أو حالة نفسية ….. ونقيض الأطروحة وهي الفكرة أو الحالة التي تتعارض مع الأطروحة، تمثل التناقض أو المعارضة الطبيعية، والتوليف وهو النتيجة التي تأتي من صراع الأطروحة ونقيض الأطروحة ، لا يعني التوليف التسوية البسيطة بين النقيضين، بل هو فكرة أو حالة جديدة تتضمن عناصر من الأطروحة ونقيضها ، ولكن في مستوى أعلى أو بشكل أكثر تطورًا. يعتقد هيجل أن هذا الصراع بين التناقضات هو ما يؤدي إلى الحركة والتغيير ،حيث يرى أن العالم ليس ثابتًا، بل هو في حالة تغير مستمر، يحدث بسبب الصراع بين الأفكار والقوى المتعارضة، وهذا ما يؤدي إلى ظهور أفكار وقوى جديدة. استخدم هيجل الديالكتيك أو الجدل لفهم تطور الفلسفة والتاريخ. أثرت أفكار هيجل حول الديالكتيك على العديد من الفلاسفة والمفكرين، أبرزهم كارل ماركس، الذي استخدمه في تحليل التطور التاريخي ، ولكن من منظور مادي، وهذا ما أنتج أيضا المادية الجدلية أوالديالكتيك المادي، رأى ماركس أن تطور المجتمع يحدث من خلال صراع القوى المادية والاقتصادية.

بعد كل هذه الدقة التي جاء بها هيجل في تحديده للدياليكتيك ألا يمكن أن نتساءل : ماذا أضاف كارل ماركس لهذا المفهوم ؟ بما أن ماركس جاء بعد هيجل وأخذ عنه المفهوم ، فلا شك أنه سيعتمد عليه في فلسفته ، بعد أن يخضعه للتعديل ليتناسب مع الفلسفة المادية .سيعرف الدياليكتيك مع ماركس تغييرا جوهريا، يعد بمثابة انقلاب عن الدياليكتيك الهيجلي ، فإذا كان هيجل قد اعتبر الجدل شكلا من أشكال حركة الفكر، مع ماركس أصبح يدل على شكل من أشكال حركة المادة كيف ذلك؟ استخدم ماركس الديالكتيك لفهم التطور التاريخي والاجتماعي من منظور مادي، وهو ما يُعرف بالديالكتيك المادي أو المادية الجدلية .

أخذ ماركس الديالكتيك الهيجلي ، لكنه ركز على العناصر المادية والاقتصادية في تطور التاريخ، بينما كان يعتقد هيجل أن الفكر والروح هي المحركات الرئيسية للتغيير، بحكم أنه فيلسوف مثالي ، رأى ماركس أن القوى المادية، وخاصة العلاقات الاقتصادية والإنتاجية، هي المحركات الحقيقية للتطور التاريخي والاجتماعي .

مثل هيجل، استخدم ماركس التركيب الثلاثي للديالكتيك لكنه ركّز على العوامل الاقتصادية والاجتماعية ، في هذا الاتجاه الفلسفي : ستمثل الأطروحة النظام الاجتماعي أوالاقتصادي القائم، مثل النظام الإقطاعي أو الرأسمالي.

بينما سيُحيل نقيض الأطروحة على التناقض أو الصراع الناتج عن القوى المعارضة للنظام القائم، مثل الصراع بين الطبقات.

وسيكون التوليف هو النظام الجديد الذي ينتج عن الصراع بين الأطروحة ونقيضها، مثل التحول من الإقطاعية إلى الرأسمالية، أو من الرأسمالية إلى الاشتراكية .

استخدم ماركس الديالكتيك لفهم التطور التاريخي من خلال منظور الصراع الطبقي ، رأى أن كل مرحلة من مراحل التاريخ تتميز بصراع بين طبقات لها مصالح مختلفة، وأن هذا الصراع هو الذي يدفع نحو التغيير الاجتماعي، على سبيل المثال:في المجتمع الإقطاعي، كان هناك صراع بين النبلاء والفلاحين، مما أدى إلى ظهور الرأسمالية ، وفي المجتمع الرأسمالي، هناك صراع بين البرجوازية (المُلاَّك) والبروليتاريا (العمال)، يمكن أن يؤدي إلى ظهور الاشتراكية. بالنسبة لماركس، الديالكتيك ليس مجرد نظرية لفهم التاريخ، بل هو أداة للتحليل الثوري ، يرى أن فهم الديالكتيك يساعد على تحديد القوى المحركة للتغيير الاجتماعي ، وبالتالي يمكن استخدامه لتحقيق تحول اجتماعي وسياسي ، يتجه بالمجتمع نحو تحقيق العدالة.

من خلال عرضنا لخصوصيات الدياليكتيك بين هيجل وماركس ، يبدو أن الاختلاف بينهما يرجع إلى خلفياتهما الفلسفية المتناقضة ،فإذا كان ماركس ماديا فإن هيجل كان مثاليا، يعتقد بأن الفكر هو أساس كل شيء بما في ذلك الأفعال ، الفلسفة المثالية تقول بأسبقية الفكر على المادة ، عكس ما يعتقده ماركس في فلسفته المادية التي تقر بأسبقية المادة على الفكر ، وهذا ما سيبعد دياليكتيك هيجل عن دياليكتيك ماركس ، رغم أنهما يقومان على نفس المبدأ أي التناقض والصراع.

حسب ماركس محرك التاريخ هو الاقتصاد، لأن العلاقات الاقتصادية هي التي تتحكم في مجموع العلاقات الاجتماعية والإنسانية ، الإنسان يتحدد أولا من خلال مركزه الاجتماعي أو الاقتصادي و بشروط ملموسة لوجوده، فالأجير يتحدد من خلال ما يمارسه يوميا، ومن خلال نمط عيشه الحقيقي وبإكراهاته المادية ،من هنا ترى الماركسية أنه لا يكفي أن تكون للأجير فكرة عن وضعيته المادية ، كلنا لدينا أفكار عن وضعياتنا المادية ، لهذا سيقول ماركس : الوجود الاجتماعي هو ما يحدد الوعي وليس العكس .

من وجهة نظر ماركس العالم هو نتيجة الصراع الاقتصادي المادي،بين الطبقات و الإديولوجيات التي تعبر عن كل طبقة ، لهذا نؤكد على أن الدياليكتيك الماركسي هو في الحقيقة انقلاب على الدياليكتيك الهيجلي الذي انحسر في عالم الأفكار والمثالية ، ماركس أنزل الدياليكتيك من السماء إلى الأرض ،وأوقفه على رجليه، حينما منح للصراع الطبقي قوة تحريك التاريخ .

كان ماركس يراقب التاريخ ، يدرس الأحداث الاقتصادية وأثرها على المجتمعات الطبقية ، وخلص من ملاحظاته إلى أن ظهور البرجوازية والرأسمالية في الفترة الصناعية ،سيؤدي حتما إلى ميلاد قوة جديدة تسمى في النظرية الماركسية البروليتاريا ، وهي القوة الوحيدة القادرة على الانخراط في الصراع الطبقي .

يرى ماركس أن البروليتاريا الحديثة تملك القدرة على الوعي بوجودها ، كطبقة تعيش تحت الهيمنة، وبفضل هذا النوع من الوعي ستتمكن من إدراك دورها التاريخي وستصبح قوة ثورية حقيقية قادرة على التنظيم وتحقيق الحتمية التاريخية ،بالانقلاب على الهيمنة البرجوازية والإعلان عن انتصار البروليتاريا ،ونهاية التاريخ ….. .

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .