الرئيسية البديل الثقافي أسطورة الخلق الأمازيغية ج 2 – الأخير.. الأستاذ عبد المجيد طعام

أسطورة الخلق الأمازيغية ج 2 – الأخير.. الأستاذ عبد المجيد طعام

كتبه كتب في 16 أبريل 2024 - 5:23 م

الأستاذ عبد المجيد طعام – جريدة البديل السياسي 

أسطورة الخلق الأمازيغية ج 2 – الأخير

 

بعيداً عن الحديث عن رغبة الغزاة في تقليص انتشار الأساطير الأمازيغية، يمكن القول إن الميثولوجيا الأمازيغية ماتزال حاضرة ومتجذرة في العقل الجمعي الأمازيغي، استمرت بفضل الحكواتي الذي حفظ هذا التراث الثقافي القديم من الضياع ،بفضله ظلت الحكايات الشعبية والأساطير قيد الحياة .

يمكن أن نعتبر رسومات الطاسيلي وأكاكوس في الجزائر وليبيا، دليلا قويا على أصالة هذه الميثولوجيا وتجذرها في عمق التاريخ البشري ، وهي تضم رسومات ونقوشاً لعدة مخلوقات أسطورية، منها الإلهة الأم وكائنات أسطورية ورجال برؤوس الحيوانات.

إن التلاقح الثقافي والمعرفي والفكري بين الشعوب أمر طبيعي وإيجابي، ولكن يجب الإشارة إلى أن أساطير الأمازيغ بشمال إفريقيا لم تنتج عن التمازج مع الحضارات المتنوعة، بل هي خاصة بالأمازيغ، رغم وجود تقاطعات في بعض الأحداث مع أساطير أخرى عرفتها الحضارات المجاورة . تعبر الأساطير الأمازيغية عن خصوصية هذا الشعب الذي خط لنفسه هوية وثقافة تاريخية تمتح من الأسطورة، كان دولاتور يقول :” الشعب الذي لا توجد له أساطير يموت من البرد” يجب أن نسجل منذ الان أن أسطورة الخلق الأمازيغية تختلف عن أساطير بلاد الرافدين والفراعنة والإغريق، لا يوجد فيها حضور مكثفة للآلهة التي تخوض صراعا داميا في ما بينها للسيطرة على الكون ، ولكن مع ذلك فإنها تتمتع بقوام أسطوري يتناسب مع الأساطير البشرية التي تتحدث عن خلق الإنسان وبداية الحياة.تتمحور هذه الأسطورة حزل التساؤلات الوجودية التي أثيرت في جميع المعتقدات ذات الأصول الميثولوجية النباتية والحيوانية ، الأصل النباتي تحدده الأرض منطلق الخلق ، الأصل الحيواني للخلق ،تحدده حالة الإدراك البشري الشبيهة بإدراك الحيوانات، يمكن العثور على هذين الأصلين في أساطير سومر وبابل الموثقة كتابيًا في الألواح المكتشفة في منطقة بلاد الرافدين وسوريا.

تعتبر أسطورة الخلق الأمازيغية جزءاً لا يتجزأ من تراث الأساطير البشرية ، التي تحدثت عن خلق الإنسان وحاولت أن تجيب عن التساؤلات الأساسية حول مصدر الحياة وطبيعتها .

تقدس أسطورة الخلق الأمازيغية الأرض وتعتبرها بداية الخلق وأم البشر، ومصدر الخصوبة والماء، إنها تتضمن كل العناصر التي تجسد قيم الأنوثة والذكورة معا ، ويلاحظ وجود تقاطع بينها وبين قصص ليليث العبرية وحواء الإبراهيمية، رغم أننا لا نعرف كيف تشكلت هذه الأسطورة، إلا أنها تعكس أصالة فكرتها والأسس التي قامت عليها، بالإضافة إلى أنها استفادت من الأفكار المشتركة بين الثقافات الأخرى، خاصة المنتمية للشرق الأوسط.

تبدأ الأسطورة في باطن الأرض بخلق زوجين أولين في فضاء وزمان لم يوجد فيه سوى الماء والظلام ، وعلى نسق سفر التكوين العبري ، خلقا الزوجان دون أن تفتح بصيرتهما ،لم يدركا بعد ماهيتهما وطبيعة جسديهما ، كما لم يعرفا بعد معنى العلاقة الجنسية. عن طريق الرحلة في هذا الفضاء الجديد سيصل المخلوقان إلى بركة ماء، أين تسقط أنثى وهي تحاول أن تشرب ، فتكتشف جسدها كما اكتشفه الرجل ، سيتبادلان النظرات ، يتحقق الإعجاب بالجسدين العاريين ، وتخلق لدى المرأة قابلية قبول جسد الرجل ، وهكذا سيحدث أول فعل جنسي بين الذكر والأنثى في عمق الأرض، وتكون بركة الماء هي ما شيّأ الجسد وحدد وجوده المادي.

إن اكتشاف الأب والأم الأولين لجسديهما ، وتشيئه وتحقيق العلاقة الجنسية، يدعونا إلى استحضار أساطير الخلق التي نشأت في المشرق، إذ نقف على نوع من التداخل بين أسطورة الخلق الأمازيغية وأسطورة الخلق في الديانات الإبراهيمية، حيث تحل شجرة المعرفة محل بركة الماء، وبسبب اكتشاف آدم وحواء لجسديهما تبدأ عملية التحول الكبرى في الخلق، وهو نفس ما وقع في الميثولوجيا الأمازيغية عندما يكتشف الطرفان جسديهما.

في قصة الخلق الإبراهيمية، سيغضب الله من آدم وحواء ، ويعاقبهما بإخراجهما من الجنة ،ليعيشا تجربة الحياة والموت بأبعادها المأساوية ، أما في الأسطورة الأمازيغية فقد بدأ الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة في باطن الأرض، ليتحقق فعل الإنجاب ، ذلك أن المرأة ستنجب عددا كبيرا من الذكور والإناث ، مانوأ يعيشون بدورهم في باطن الأرض أين يوجد الظلام ،لكنهم سيقررون مغادرته. بحثا عن النور تحكي الأسطورة أن البنات وصلن إلى سطح الأرض قبل الذكور بعدة سنوات، ولا تخبرنا بما حل بالأب والأم ،بمجرد ما خرجن من القعر انطلقن للبحث عن مكان للاستقرار ، فاخترن العيش بالقرب من ضفة النهر، هذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن الأسطورة صيغت زمن تحول البشرية من نمط الإنتاج القائم على الصيد وجني الثمار إلى نمط الإنتاج الزراعي، كما تدلنا على بداية استقرار الجنس البشري في منطقة الأمازيغ بشمال إفريقيا.

تروي الأسطورة أن الذكور وصلوا إلى سطح الأرض بعد سنوات من خروج الإناث، ولكنهم سلكوا مسلكا مختلفًا ، حيث استقروا في الضفة المقابلة للإناث، اهتموا ببناء المساكن والبيوت ليحتموا من الأخطار، بينما اهتمت الإناث بالزراعة.

تشير الأسطورة إلى بداية الاستقرار الفعلي، ببناء المستوطنات التي ستتحول فيما بعد إلى قرى ومدن ودول لكن الذكور والإناث حملوا نفس الإشكالات الوجودية التي حملها الأبوان الأولان ، لم يتمكنوا من إدراك أجسادهم ولم يعرفوا بعد طبيعة العلاقة الجنسية ، لم يتمكنوا من الإدراك والوعي الذي يقودهم للعيش معا .

ستتدخل مرة أخرى الصدفة ، حينما يدخل الذكور إلى النهر للاستحمام وعيون الإناث تراقبهم ، كانت الأجساد العارية للفتيان كافية لتلتفت الإناث إلى أجسادهن ،فيخلق ل الوعي بالاختلاف ، وتنشأ فيهن الرغبة الجنسية ، كما زاد وعي الذكور بأجسادهم وتحركت فيهم الرغبة الجنسية هم أيضا ، ومع ذلك لم يحدث أي اتصال جنسي بين سكان الضفتين إلى أن جاء اليوم الذي عبرت فيه إحدى الإناث النهر، لكنها تعرضت للاعتداء من قبل كائنين مختلفين، ذكر يشبه الحيوان، إلى جانب أنثى ظلت هي الأخرى تحافظ على نفس الطبيعة الحيوانية ، وهما شخصيتان ستؤثثان المخيال الشعبي الخرافي الأمازيغي بتجسيدهما لشخصيتي “الغول والغولة” ، الذين سيتكرر ظهورهما في الكثير من الحكايات الشعبية الأمازيغية.

وصل صوت صراخ الفتاة التي تعرضت للهجوم إلى الضفة الأخرى من النهر، هرعت الفتيات الأخريات لإنقاذها، فحدث اشتباك بين الجنسين، انتهى بانتصار الفتيات، لكن رغبة استكشاف الآخر المختلف كانت أقوى، انشغلن بالتعرف على الأعضاء التناسلية للذكور ولمسها ، اشتعلت الرغبة و حدث أول اتصال جنسي بين الذكور والإناث.

تحكي الأسطورة أن الإناث كن السباقات لعقد اتصال جنسي وهن من كن يعتلين الذكور ، وهكذا اجتمع الفريقان وحدث التزاوج والزواج، وتم تغييرعادة اعتلاء المرأة للرجل ، أصبح هو الذي يتحكم في العملية الجنسية ، أما الذكر المتوحش، فقد تحول إلى أسد، والأنثى المتوحشة تحولت إلى غولة، سيبتعدان عن المجموعة ليعيشا في الغابة،ويحتلا المخيال الشعبي .

تضم أسطورة الخلق الأمازيغية العديد من الرموز المميزة، منها الأرض التي تعتبر مقدسة بالنسبة للأمازيغ، فقد رأوا أنها تمثل الأم الجامعة لجميع الكائنات الحية، نهوا عن ضربها بالأقدام خلال الاحتفالات حتى لا تتألم ، كما يعد الماء من الرموز الأساسية في هذه الأسطورة وهو يشكل عنصرًا أساسيًا في حياة الأمازيغ، يستخدم في الزراعة وفي كل مناحي العيش اليومي، لهذا سيعبد الأمازيغ ينابيع الماء والبرك.

كما يشكل الظلام رمزًا آخر في الأسطورة، فلا يمكن فهمه إلا بعلاقته بالماء، تم التركيز عليهما معا في العديد من الأساطير القديمة البابلية والسومرية والفرعونية يعتبران أساس كل خلق وهذا ما أشارت أيضًا أ،سطورة الخلق الأمازيغية، حيث يمشي الأب والأم الأولان في باطن الأرض المظلم حتى يصلا إلى البركة، وهناك تنشأ رغبتهما الجنسية وتتم عملية التزاوج.إضافة إلى ما قيل ، تتضمن أسطورة الخلق الأمازيغية علاقة ذات بعد رمزي مهم تجسدها كل من الماء والجنس، أما الوعي بالجسد فيمنح الأسطورة بعدها الوجودي الذي نلمحه في كل الأساطير البشرية ، لقد أدرك آدم وحواء ذاتيهما بعد أكلهما من شجرة المعرفة، وهذا ما يذكرصراحة في سفر التكوين “فأكلا فانفتحت أعينهما، وعلما أنهما عُراة …”. وهو نفس ما حدث للرجل والمرأة في الأسطورة الأمازيغية، اكتشفا جسديهما بفضل الماء، كما حرك ماء النهر الرغبة الجنسية عند الفتيات اللواتي شاهدن الفتيان أثناء استحمامهم، وتتشابه هذه الأسطورة بشدة مع أسطورة من بلاد الرافدين تنقل إلينا تلذذ الإله “إنليل” بجمال الإلهة “سود” التي كانت تستحم قرب النهر، فضلا عن ولادة أطفالهما في العالم السفلي على قارب بالنهر.

تلعب الشمس دورًا هامًا في أسطورة الخلق الأمازيغية،وتحظى بحضور مهم في الثقافة الأمازيغية كعنصر أساسي في دورة الحياة والزراعة، وبلغت درجة من التقديس عند بعض القبائل حتى جعلوها إلها، وكان وضع الموتى داخل القبور في شمال إفريقيا يتج نحو شروق الشمس.

تروي الأسطورة أن الأم كانت الرمز الأساسي للخصوبة والحيوية، وكانت لها الريادة في المجتمع الأموسي الأولى، كانت للمرأة الأولى الحق في الشرب قبل الرجل ، إلا أن سقوطها داخل البركة غير الوجود كله ، وتحكي الأسطورة أن الفتيات وصلن قبل الفتيان إلى سطح الأرض ، وهن من اكتشفن اختلافهن عن الذكور وتفوقن عليهم واعتلين أجسادهم أثناء الاتصال الجنسي ، كلها إشارات تدل على أن الشعب الأمازيغي كان يعرف نظاما أميسيا.

بعد استقرار المستوطنات، حدث انقلاب في بنية المجتمع الأمازيغي، تحول من المجتمع الأميسي إلى مجتمع أبيسي فأسقط الذكر حقوق المرأة وألغى كل امتيازاتها ، خاصة بعد ان تفوق في بناء المنازل والاعتلاء الجنسي

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .