الرئيسية البديل الثقافي قراءة في قصيدة “أوفغشم ذي أزمان إينو” للشاعر علال قيشوح…بقلم ذ.محمادي راسي

قراءة في قصيدة “أوفغشم ذي أزمان إينو” للشاعر علال قيشوح…بقلم ذ.محمادي راسي

كتبه كتب في 7 يوليو 2023 - 4:52 م

بقلم ذ.محمادي راسي – جريدة البديل السياسي 

من الأرشيف

“”””””””””

/قراءة في قصيدة “أوفغشم ذي أزمان إينو”/

للشاعر علال قيشوح

“””””””””””””””””””””””””””””””

على أسكوفة القصيدة :

قصيدة غزلية عفيفة بريئة مفعمة بالحب والوله والولع ،والحب له تعاريف كثيرة ، قد تجمع في كتب ومجلدات باعتبار قدم الإنسان ،وهو تجربة مر ويمر بها كل إنسان ،أحيانا يكون ضربا من الجنون والتيه والهذيان ، يعبر عنه الشعراء والأدباء والفنانون بإنتاجاتهم الفنية ، لإبراز ما يختلج في حيازيمهم من شوق وألم وحزن وجنون وفرح أحيانا ، وهنا تحضرني أبيات لجميل بثينة :

وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به

مع الناس قالت ذاك منك بعيد

يموت الهوى مني إذا ما لقيتها

ويحيا إذا فارقتها فيعود

وكما قيل : “الحب يبدأ بالسماع والنظر فيتولد عنه الاستحسان ،ثم يقوى فيصير مودة ، ثم تقوى المودة فتصير محبة، ثم تقوى المحبة فتوجب الهوى ، فإذا قوى الهوى صار عشقا، ثم يزداد العشق فيصير تتييما ، ثم يزداد التتييم فيصير ولها ،…وهو قمة ما يبلغ المحب ”

قديما كتب على حجر هذا البيت :

أيا معشر العشاق بالله خبروا /

إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع

وفي رواية أخرى “ألا أيها العشاق بالله خبروا ”

ولكن ابن حزم الأندلسي يقول :”الحب ـــ أعزك الله ـــ أوله هزل وآخره جد”

وشاعر آخر هو بدوره ، يتعجب كيف يمكن للمحب أن ينام قوله:

عجبا للمحب كيف ينام //وكل نوم على المحب حرام

أكتفي بهذا القدر لكي لا نتيه في بحر الحب بدون شط وساحل وريف ،وسوف لا نعرف في بحر الهوى أين موضعنا كما عبر عنه شاعر قديم ؟.

فحوى أو مضمون القصيدة ، أو التيماتيات كما يحلو لبعض الدارسين :

هذه القصيدة تنتمي إلى القرن الماضي عمرها عشرون عاما تقريبا ،قالها الشاعر في منتصف صيف 1994م ،وقد مرت خمس سنوات على بداية نظم الشاعر للشعر في سنة 1989م ،في أيام الصبابة والعشق والهوى والجوى والشوق والحنين والأنين ،جاءت قصيدته جياشة من شدة اللوعة والحرقة ،جاءت كتعويض عن ذلك الحب الذي كان قويا ولم يتم الوصل ، فعبر عنه بهذه القصيدة التي ترجمت ما يعتمل ويختلج من خوالج ولواعج ، واضطراب جوانح ، وهموم وجوائح ، ودواعي الدهر والصدر بصدره وحيزومه وقلبه .

قصيدة غزلية فيها غزل بريء عفيف ،لقد تم اللقاء ولكنه كان صدفة ، سببه حفل زفاف ، وقد أهدته حبيبته وردة تحمل دلالات وإشارات ،والأعراس هي مناسبة عابرة ، لصلة الرحم والتواصل والتعارف، وقضاء وقت ممتع في الاستماع إلى الأغاني والأهازيج الشعبية والزغاريد ، بينما جميل صاحب بثينة كان أول اللقاء سبابا :

وأول ما قاد المودة بيننا //بوادي بغيض يا بثين سباب

وقلنا لها قولا فجاءت بمثله// لكل كلام يا بثين جواب

وقد حذفت التاء ترخيما في لغة من ينتظر ، وكذلك مراعاة للضرورة الشعرية .

قصيدة بكر مهملة منسية في زاوية من زوايا بيت الشاعر ، لم تقرأ ولم تخرج إلى الوجود ، رغم أنها عزيزة عليه ، كلما قرأها تفيض عيناه دمعا ،وفؤاده يتحسر شوقا ولوعة ، ويزداد قلبه خفقانا ، بسب الحنين إلى الماضي البعيد الذي لا يرجع ،ذلك “الزمان الذي وجد فيه حبيبته “كما جاء في عنوان القصيدة .

العنوان نفسه خطاب موجه إلى حبيبته التي وجد فيها كل ما يوافق أحاسيسه وأفكاره وآفاقه ، كأنه قام بقراءة تليباتية قبل التعرف عليها ، يبدو الشاعر من خلال البيت الأول انهزاميا ،بسبب الشوق الذي أضناه ،فقد ذابت عظامه من شدة الوجد ، صارت كالحبل وكأوراق الوردة الرقيقة ، تلكم الوردة الجميلة رغم قضافتها المشرفة على حافة النهر الدائم الجريان ،تذكرني النحافة بقول الشاعر :

لي في محبتكم شهود أربع

وشهود كل قضية اثنان

خفقان قلبي ،واضطراب جوانحي //

ونحول جسمي ،وانعقاد لساني

لما هم بالرحيل وجدها أيضا تعيش في عهد يناسب ومزاج الشاعر ، وقد شبهها بحلية الحياة ، ترعرعت ونمت وكبرت في مخيلته وذاكرته وعقله ، أي أن الحبيبة حاضرة في ذهن الشاعر في غيابه وحضوره وترحاله وسفره ، دليل على شدة الوجد و التعلق بها ، إنه حب صادق عفيف طاهر ، وهذا الحب يجعل الشاعر يعيش في رومانسية وأحلام ، بل الحبيبة لها علاقة بالأرض ، غلاتها نمت وبرضت ، وبرزت وأينعت مع مصاب المطر ، في ذلك الحقل الكبير الذي هيأه أجداده وخصوصا جده الذي اشتغل طوال حياته بالحقول ، في هذه القصيدة يتغنى الشاعر بالحبيبة والطبيعة ويشيد بدور الأرض ، وهذا المزج نجده عند شعراء الأندلس قديما ، وشعراء المهجر في القرن الماضي ، وشعراء فلسطين وغيرهم من الشعراء ، موظفين الرمزية في التعبير ،والرومانسية في التخييل ،والكآبة في المضامين .

يشير الشاعر إلى فترة عمتها الضبابية التي عتمتها، ولكنها انقشعت بقدوم السحب التي مررها الزمن إلى جهة أخرى ،وإن كان قليل الجود والكرم ، يشير الشاعر إلى العطالة عن العمل في فترة معينة قصيرة الأمد، فبعد الكرب يأتي الفرج ،إنها قصيدة تعبر عن ذاتية الشاعر و مشاعره ، وحالته النفسية الحزينة ،جاءت كسيرة ذاتية جزئية حزينة .

يوجه الخطاب إلى حبيبته قائلا :لقد حام حولك الأعداء ، كالطيور ذات اللون الأسود والرمادي التي تحوم حول الزرع وحب الزيتون ، وقيل لهم لقد طارت في السماء ، ولكن في قرارهم سيقطعون أجنحتها ،ليحرموها من الطيران الذي هو رمز للحرية والتواصل والانسلاخ والانفتاح والانزياح، ليردوها لا شيء يذكر كالقش والغثاء ،في هذا تشبيه بدوي استوحاه الشاعر من الطبيعة :الطيور التي تنقر الحب وغيره / الطيران /الأجنحة .

ولما عزم الشاعر على الخطو والانصراف والوداع ، أحس بحرارة تسري في جسمه من أخمص قدميه إلى رأسه من شدة الحب والولع ،وما ذلك إلا شعر وإحساس ، وتذكر للكلام الذي قالاه في البداية أثناء اللقاء؛ كلام العاشقين بحس مرهف ،وشعور رقيق، وحب عفيف صادق ، نابع من الفؤاد المعذب بالهوى والجوى .

ينتقل إلى الحديث عن العين التي أصبحت عميقة ، بعد حفرها وقد ازداد عرضها ،كل من مر بها ينحني لينهل ويشرب ، ولكن يستحيل الشرب من منهل قعره عميق ، يشير إلى ما هو صعب تحقيقه ، والفوز والظفر به بسهولة ويسر .

لقد هم بالكتابة بالنابع واصفا ناقلا ما دار بينه وبين حبيبته ،من كلام حميمي عذب ، وتبادل نظرات بريئة نقية خالية من الرياء ، وفي تلك اللحظة نظرت إليه نظرة أخيرة ، والدموع تنهمر من عينيها اللتين نفسهما بحر واسع ، وعالم مليء بصور فحواها عشق وذكريات …..قائلة نحن مررنا مر الكرام ، كان هذا الكلام عبارة عن وداع وحب لم يتحقق ،لذلك كان الحب حبا عذريا ، وقد أشارت بقولها نحن مررنا وانتهى كل شيء ، رغم أن الشاعر عنون قصيدته ب “ءفغشم ذزمان ءنو “،وفي الحقيقة لم يجدها ، فقد تركته يتيما ، وبقي متحسرا يعيش على ذكريات هذه القصيدة العزيزة عليه ، كلما تلاها اغرورقت عيناه دمعا ، يحس كأن شيئا ضاع منه، وشاعرنا لم يكن عاشقا غرا كالذي قال فيه بلزاك :”إن العشيق الغر يشبه القرد الذي يحاول اللعب على الكمان “.

معمـــــــــــــارية القصيدة :

تتكون القصيدة من ستة عشر بيتا ، هي عمودية من “ميزان ” للابويا ” ،الشاعر التزم حرف الوصل وهو حرف الواو الذي يصل حرف حركة حرف الروي في اللغة العربية..

البيت الأول غير مصرع ، كان على الشاعر أن يأتي بحرف النون في الشطر الثاني ، ثم إن القافية تبدو وتتخفر ، ففي الشعر التقليدي يلتزم الشاعر بحرف الروي، أي الإتيان بنفس الحرف ،كما هو مألوف في الشعر العمودي الريفي القديم ، وغالبا ما يلتزم أو يتقيد بالقافية هو :رغنوج أو إيزران ،في الصدر والعجز،ويرى بعض الباحثين” أن القافية في الشعر الأمازيغي غير ذات أهمية كما التزمها شعراء العربية ”

غزل مشوب بالطبيعة التي فيها ورود مختلفة :من أبيض يقق ، وأحمر ناصع ، وأخضر حانئ ، وذلك ما نجده عند شعراء الأندلس ، نظرا لجمال الطبيعة الملهم للرسامين والكتاب والشعراء، فقد شبه الحبيبة بالوردة والياقوت ،وبجمالية الحقول تشبيهات مستقاة ومستوحاة من الطبيعة ، تكاد أن تكون بدوية فطرية مع استعمال مجازات واستعارات وكنايات.

أسلوب سهل مليء بالرمزية فيه كلمات غريبة ؛ ثجست /ءمغذو /ذمحثجو / ذكيار / دليل على أنه يملك ثروة لغوية ، تتجلى في الإتيان بكلمات قديمة ، كما وظف كلمات عربية بالتحريف “ءزمان ” “جذوذ “.

أسلوب النداء والحوار والخطاب ، استعمل النداءات كالهمزة “ء”بالفتح في المخاطب والجمع ، وللهمزة معان كثيرة في سياق الجمل ، فالهمزة تكون تارة حرف نداء بالفتح ،وفي الأمر تكون بالضم والفتح والكسر ،وتختلف حسب تصريف الأفعال من حيث الأزمنة ، يكرر جملة “زك يسغ”في البيت الحادي عشر ،وفي البيت الخامس عشر ،كذلك “يريد كذي” في البيت الحادي عشر،و”يريد كذي” في البيت الثاني عشر ،يوظف الهمزة بكثرة وحرف الذال.

الجناس بذو / أنبذو/ ضعيف ، الطباق تمزيانت / ذمقران

اجتماع حروف الحاء والخاء ، وهما من حروف الحلق كما في البيت الثامن؛ “وخاذمحثجو “/حومند خام إجحمام ،

وحرف السين يؤدي جرسا موسيقيا مهموسا كما في :”فسين “يخسان “يسيغ ” “ءذيسو “ثجست ” ءسنو ” يسعذت “،

ورود حرف الذال الذي له دلالات متعددة، تارة يدل على معنى الجر ، وتارة يدل على المتكلم في الحاضر ، وكذلك حرف الثاء ؛اجتمع في الشطر الثاني من البيت الثالث عشر: ثجغ /ثني / ثيرو/ ، وفي الشطر الثاني من البيت الخامس عشر ثخزارد/ ثترو / .

إن القارئ أو المتذوق للنصوص الشعرية بقراءته المتأنية ،سيلمس موسيقى شعرية ، تنبعث من حروف مختلفة ، وفي نفس الوقت منسجمة من حيث النغمات والرنات .

معطيــــــــــــــات النص :

من حيث الأعلام الجغرافية المكان عند الشاعر؛ “إيار ” و”العين “ّوكلمة “بذو” وربما كلمة إسبانية :vado” ” تعني معبر/ مقطع /مخاضة النهر ، هي أمكنة نكرة عند القارئ ، ولكنها معرفة ومعروفة عند الشاعر، له معها ذكريات ومواقف وحنين ،وتجربة عاطفية حميمية .

الناحية الاجتماعية :طبيعة البيئة الاجتماعية المحافظة تدفع إلى ظهور الغزل العفيف ، ويصعب التواصل بين العاشقين ، فيحدث الهجر والانقطاع والانفصال ، وقد تحصل حزازات عائلية بدافع الخوف على مستقبل الحياة الزوجية للأبناء، تفاديا الوقوع في الموبقات والمحرمات شرعا ، التي تترك وراءها اللقطاء والأدعياء ، واختلاط الحابل بالنابل ، وحيص بيص ، وهيان بن بيان .

وعلاوة على ما سبق ، هناك أيضا دور العادات والتقاليد والأعراف التي تتشبث بها بعض الأسر المحافظة ، وفي الأخير الإشارة إلى الأعداء والحاسدين ،والعذل ،وهذه ظاهرة اجتماعية أنى اتجهت وارتحلت ….

الأعراس دورها ؛ التقاء العائلات لتجديد العلاقات والتواصل والاطلاع على الأحوال المادية والصحية والنفسية ، زيادة على المشاركة في الأفراح بالزغاريد والغناء والرقص ، أما في الوقت الراهن ، فتكاد الأعراس الحالية تفقد دورها ومصداقيتها ، لتلاشي دورها الاحتفالي والتعاضدي والمساعدة المادية والمعنوية والأدبية ، نظرا لسلوكات دخيلة بدعوى التجديد والحداثة والموضات الزائلة …

من الناحية الجغرافية والفلاحية والمناخية :جمال الطبيعة الحقول الواسعة ،الورود ،النهر ، الطيور ، الضباب ، السحب ،تهذيب الحقول ، حفر العيون ،ولا ننسى جد الشاعر الذي كان يهتم بالحقول ، وخدمة الحقول مهمة اقتصادية وإنسانية ، تتجلى في محاربة الفقر والجوع ، عن عمر بن عبد العزيز قوله :”انثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يقال جاع طائر في بلاد المسلمين “.

من الناحية الفكرية :التأمل في الزمن الذي يمر ، الشروع في الكتابة التي تستوجب التفكر والتدبر ، فيما يكتبه الكاتب والشاعر وغيرهما ،الحوار ،التواصل بالكلام ،التذكر .

من الناحية النفسية والوجدانية ؛الشعور بالضيق ،ولكن الشاعر شبه حالته النفسية بالوردة اليانعة الرقيقة ، وقدها الرشيق النحيف ولكنها جميلة بمنظرها ،التحدث عن الحياة ،الحزن الحنين ، أثر الحب ، البكاء أثناء الوداع ،التأثر بالكلام الجميل .

من الناحية الجسمية والصحية :الضمور ،ذوبان العظام ،

من الناحية الصناعية :صناعة الحبال ، والحلي

قيمـــــــــــــــــة النــــــــــــــــــص

للقصيدة قيمة اجتماعية تعبر عن الواقع الاجتماعي من حيث العلاقات العاطفية ؛ من حب وغزل ونسيب ، وما قد ينتج من عواقب ، قد تكون ناجحة تتم بالزواج ،أو فاشلة تتم بالفراق والهجر وعدم الوصل والاتصال ، فهذه ظاهرة قديمة منذ أن وجد الإنسان وإلى يومنا هذا ،لأنها من طبيعة وغريزة الإنسان ؛ من عواطف ووجدان وحب وكراهية ،وأحيانا تكون النهاية بالقتل أو الانتحار، وفي زمننا هذا يكثر الطلاق والعنف والقتل من خلال ما نشاهده على شاشة التلفزة ،وما نقرأه في الجرائد يوميا ،وما نسمعه في الإذاعة .

وطابع القصيدة هو الذاتية :البحث عن الذات /والذات الأخرى ، والرومانسية والرمزية والإيحائية .

خاتمـــــــــــــــــتة واستنتـــــــــــاج

1)هذه قراءة عابرة للقصيدة وليست دراسة نقدية ؛لغياب أدوات الدراسة من قواعد اللغة وعلوم البلاغة والعروض لهذا الشعر الذي يسمى شعرا، إذ لا بد من دراسة أوزانه وقوافيه .، نقول ويقولون “ميزان للابويا” ولكن لا نعرف بحوره …فلو حاولنا تقطيع البيت إلى أسباب وأوتاد لقطعناه على هذا الشكل :

إفغ/ شم / ذز/ما /ني/نو .

متف/عل /فا / عل /فا/عل/ ، ولكن لا نعرف نوع البحر قد يكون قريبا من البسيط ولكن تنقصه التفعيلة :مستفعلن فاعلن مستفعلن فعل .

وفي ميزان” للابويا “تختلف أوجه الأداء من حيث النغم الموسيقي واللحن ، تارة الأداء يكون خفيفا سريعا ، وتارة ثقيلا من حيث مد الصوت وتقصيره وبين /وبين /وترديده، إذا أردنا تقطيع ميزان للابويا ـــ ولكن هناك مقامات مختلفة ومتداخلة ــ نحتاج إلى دراسة علمية ، لضبط ووضع قواعد للنظم ، كالبحور الشعرية في الأدب العربي ، ما دامت الحروف تحمل دلالات موسيقية وصوتية مختلفة.

أي / يرل/ لا/ بو/يا /أي /يرل/ لي/يا/ را ـــ يعتبر هذا الشطر الأول ثم يأتي الشطر الثاني بنفس الوزن ويسمى البيت ويكون مقيدا بحرف الروي في الشطر الأول والشطر الثاني .

لكن نجد أبياتا في الشعر الأمازيغي لا تتقيد بهذه الأوزان حرفيا ،لأن هناك اختلالات تعد من عيوب القافية والعروض ، ولكن لا نعرفها ،إذ لابد من استظهار الشعر الأمازيغي بالدراسة والتمحيص لاستخراج الأوزان ، فالشعر سبق الأوزان ، لذا يجب استخراجها بدراسة وافية وعلمية ،فمعظم القراءات تشير إلى الجرس الموسيقي ، وميزان للابويا ولكن أين الأوزان ؟؟، فحتى الشعر الحر فيه التفعيلة العروضية ، وإن كان البعض لا يتقيد بذلك ، كما في القصيدة النثرية هروبا من التقيد والتعقيد .

ففي وقع “كع كع أزوبيدا “نجد أن وزن للابويا يتغير بحركة سريعة من حيث مخارج الحروف والأصوات ، بخلاف عند المرحوم الشيخ أحمد شعطوف ، وزن للابويا فيه هدوء ورزانة وحزن أحيانا ،علينا أن نترك المجال للباحثين الذين استغرق بحثهم حوالي نصف قرن، أو أكثر ولا نرى شيئا من هذا القبيل.

إننا ما زلنا ننتظر من الباحثين في اللغة الأمازيغية الريفية إيجاد قواعد للغة ، ودراسة الأوزان الشعرية والوقوف على العلل والزحافات وعيوب الشعر ..، فالجرس الموسيقي ملموس ، ولكنه أحيانا لا يستقيم ، فلا بد من دراسة هذه الظواهر ، لتجنب الهروب عند التقعيد والتفعيل الذي هو نوع من الفشل ، في ميدان البحث الذي يجب أن يكون ميدانيا /عمليا /علميا /منطقيا ، بعيدا عن الهذرمة والهرطقة والخرشفة والإدعاء والرغاء والهراء .

2) القصيدة وثيقة تاريخية ، تؤرخ لإبداع الشاعر في يوليوز من صيف 1994م من القرن الماضي ، وصورة فتوغرافية للحالة التي كان يعيش فيها ، والأماكن التي كان يتردد عليها ،نقلها في صور شعرية حية ناطقة ،،لأن الشعر رسم ناطق ،والرسم شعر صامت ، وتكاد أن تكون قصة ـــ لتوفرها على المقدمة والعقدة والخاتمة والمكان الذي تدور فيه الأحداث والحوار ؛الشخصية الرئيسية الشاعر /الحبيبة /والشخصيات الثانوية: الحساد وغيرهم من الأعداء ــــ رغم عدم توفر جميع الشروط ، إلا أنه لابد من الإشارة إلى بعضها ؛ كالمقدمة التي هي البحث عن حبيبته وقد وجدها بقوله :”ءفغشم ” بتكرار الكلمة في القصيدة بالإضافة إلى العنوان ،كأنه قام برحلة طويلة من البحث ، ولكن العقدة بدأت مع ظهور الأعداء والحساد ، وكذلك العراقيل والمعضلات والعقد التي اعتبرها الشاعر كسحابة صيف ، وضبابة عابرة ، ولكن النهاية كانت مأساة فجائية للشاعر ، تتجلى في الوداع والفراق غير المنتظرين ، هما السبب في نظم هذه القصيدة ، جاءت كتعويض عن الحب الفاشل ، وبيان الشاعر انهزامه ، بينما عنترة كان يقوم بالتصعيد والافتخار، مظهرا شجاعته في جميع الميادين .

3) هذا الحب أو الغزل ، سبق للشعراء أن نظموا فيه أشعارا وللأدباء أن ألفوا مؤلفات ، كان معروفا منذ العصر الجاهلي أو الفني كما يسميه أستاذنا محمد نجيب البهبيتي رحمه الله ،ويمثله عنترة بن شداد ، ثم بعد ذلك أصبح مدرسة :المدرسة الغزلية الحضرية؛ يمثلها الشاعر عمر بن أبي ربيعة ،والمدرسة الغزلية البدوية التي تتسم بالغزل العفيف ليس فيه عهر ولا مجون ، يمثلها جميل بن معمر صاحب بثينة ،وقيس بن الملوح صاحب ليلى أو مجنون ليلى ،وقيس بن ذريح صاحب لبنى ،وكثير بن عبد الرحمان صاحب عزة وغيرهم ،

كما أن عباس محمود العقاد ألف قصة بعنوان “سارة “بسبب فشله في حبه لسارة ، وعوض ذلك بتأليف القصة ، وأقسم ألا يتزوج ، وعن الحب قال: “عندما نحب لا نختار، وعندما نختار لا نحب”، وفي الأدب الغربي قصة روميو وجولييت ،ورواية آلام فارتر ليوهان غوته الألماني ،وهي قصة معقدة عاطفيا ، الحبيب والحبيبة “شارلوت” والزوج ، يقول في مقدمة الرواية :”وأنت أيتها النفس اللطيفة الشاعرة ، إذا أشجاك ما أشجاه من غصة الهم وحرقة الجوى ، فاستمدي الصبر والعزاء من آلامه ، وتلمسي البرء والشفاء من أسقامه ، واتخذي هذا الكتاب صاحبا وصديقا..” وهناك أمثلة كثيرة لا يمكن سردها لأنها عبارة عن مجلدات .

فشاعرنا كان أيضا في غزله عفيفا نقيا طاهرا بريئا ،ولكن شاءت الأقدار أن تتم هذه التجربة بالفشل ، وعدم اللقاء والزواج ، كما حدث للشاعر المطرب أحمد شعطوف من فرخانة ، فقد فشل هو أيضا في حبه لميمونت ،وشرع ينظم فيها أشعارا ويتغنى بها ، وهذه من سنن الحياة ومن طبيعة الحب الذي يكون ضربا من الجنون ، وتارة يكون أعمى ،وتارة متذبذبا يتجلى في هذه الحالات ؛أثناء اللقاء يفنى ،وأثناء الفراق والغياب يحيا ، وعند بشار بن برد “الأذن تعشق قبل العين أحيانا “،إنه داء ودواء .

أما الراحل نزار قباني فلا يستقر على حال ، فهو يتغزل كلما رأى امرأة جميلة ، لذلك لقب بشاعر المرأة وشاعر الحب قوله في لقاء بلا ميعاد :

“في مدخل الحمراء كان لقاؤنا

ما أطيب اللقيا بلا ميعاد

عينان سوداوان في جحريهما

تتوالد الأبعاد من أبعاد ”

وقوله في قصيدة ” حب بلا حدود” :

“ياسيدتي

لا تهتمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات

أنت امرأة تبقى امرأة في كل الأوقات

سوف أحبك ….

عند دخول القرن الواحد والعشرين

وعند دخول القرن الخامس والعشرين

وعند دخول القرن التاسع والعشرين

وسوف أحبك

حين تجف مياه البحر ….

وتحترق الغابات ….”

والحب أنواع يدخل في علم الجمال والحق والخير ، فالحب والأخلاق والإيمان عناصر هامة ، في تقدم وبقاء واستمرار الأمم ، لا بالكراهية والظلامية والحقد والقتل والفتك والبطش والظلم والفساد والفسق والعهر.

4)ملاحظات ومقارنات:

الشاعر اعتبر القافية هي الواو ، في هذه الحالة هو شعر من وزن للا بويا ،ولكن على الشاعر أن يلتزم ما يلي: إن الحرف الأخير في الشطر الأول يكون نفس الحرف في نهاية الشطر الثاني، أي ما يسمى بالتصريع الذي يكون في مطلع القصيدة في القصيدة العربية ، وقد لاحظ بعض الباحثين أن الشعر الغنائي الأمازيغي الريفي يلتزم القافية في كلا الشطرين ربما الشاعر لم يتقيد بذلك .

ميزان للابويا ؛ لا بد من استخراج أوزان أو بحور ،لأنه يتغير من لحن إلى آخر ، هذا سيتم بقراءة الأشعار ، لإظهار بعض العيوب الشعرية قد لا نحس بها ، وهذا من اختصاصات الدارسين الذين استغرقوا أزيد من نصف قرن ولا شيء يلمس ، إنهم ما زالوا يناقشون النمطية والمعيارية ،ونحن لنا قصائد وأ شعار كثيرة قديمة ليست وليدة الأمس، أو العهد القريب ، وإنما قديمة وصلنا منها الشيء القليل ، كما أننا لا نعرف إيقاعاته وتفعيلاته وبنائه وأغراضه ، لذا يجب قراءته قراءة نقدية بدقة وجدية ، لاستخراج جماليات أسلوبه وتعابيره ومعانيه ومراميه .

الواو هو حرف وصل ، يكون بعد حرف الروي المتحرك في الشعر العربي ، لأنه يصل حركة حرف الروي .

ففي قول الشاعر :”فإن همو”،فالواو هنا ضمة صغيرة تكون في الشعر العربي .

وفي قو ل الشاعر :

فما رجعت بخائبة ركاب /// حكيم بن المسيب منتهاها

فالروي هو الهاء وليس الألف .

أما في قول الشاعر:

إذا ما ترعرع فينا الغلام /// فما إن يقال له :من هوه

فالروي هو الواو وليس الهاء.

وللإيضاح لا بد من الإشارة إلى :

1)الروي :هو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة فيتكرر في كل بيت ويقع عليه الإعراب .

2) المطلق والمقيد:إن الشعر كله مطلق ومقيد ، أ) فالمقيد ما جاء حرف رويه ساكنا .

ب ) المطلق على نوعين أحدهما :ما ولي رويه وصل فقط ،والثاني ما كان لوصله خروج ، ووصله لا يكون إلا “هاء متحركة “.

4) الوصل هو حرف يتبع حرف الروي أحيانا وأحرف الوصل أربعة :1ــ الياء/ 2ـــ الواو/ 3ـــالألف / 4ــ الهاء

ولا بد من ملاحظة أن كل وصل ساكن ما عدا “الهاء “، فإنها تكون ساكنة ومتحركة ، هذه بعض إشارات عروضية وهي كنقطة من ماء اليم، وغيض من فيض ، وبرض من عد ،بل هي لافظة بلا ريف .

وختاما الشعر هو تاريخ وسجل ، وذاكرة الشعوب والأمم بدون حدود ، يتصف بالعالمية والخلود والصمود والإنسانية ، ومحاربة كل استبداد وظلم ، قبل أن يكون شعورا نبيلا ، وفنا راقصا ،ورسما ناطقا ،وإذا فتشنا عن شعرائنا في هذه البلدة الميتة المنسية نجد عددا قليلا من الشعراء ، لأن الفن في هذه البلدة مكبوت ومرفوض ، بالإضافة إلى قتله ودفنه من طرف الحاقدين غير المتذوقين للنصوص الفنية والشعرية ، وكل ما له صلة بالفكر والثقافة والرياضة والفن والغناء ….

فهذه القصيدة تجسد عواطف الشاعر وشغفه وولعه ، بصيغة غنائية رومانسية غزلية ، وبطريقة وصفية رسمها بحروف وكلمات لها دلالات وإيحاءات ورموز ، يذوب حبا وشغفا ،يبحث عن الذات ،والزمن الضائع ،تنقل آهات ولوعة الشاعر،كشفاء من شدة الوجد ،ونسيان لآلام الهوى والجوى ، ولكي لا يقدم على ما لا يحل ،فقد كتب غوستاف فلوبير يقول: “كم من الرذائل كنت سأملك لو لم أكتب ” .

إن الكاتب ، أو الشاعر، أو الفنان، أو الرسام، كما قال فولتير :” إن الكاتب يموت مختنقا تحت باقات الورود }”وكما يرى البعض “الشعر لا يموت ويتناسب مع كل الأزمنة” و”الشعر لا يؤخذ عنوة :إنه يمنح نفسه لذوي الأنفس المرهفة ”

فالشاعر مرتبط بأرضه ، ومحافظ على عاداته ، يذكرنا بالفيلسوف البلجيكي جلبير هوتوا الذي تحدث عن ضرورة عودة الإنسان إلى الجذور، والارتباط بالأرض،والتمسك بالثقافة والعادات والتقاليد ، وعدم نسيان الماضي …

إن القصيدة أنساقها تصويرية/ رمزية /سيميائية/ منبثقة من الذات المكتوية بنار العشق ، ذلكم العشق الذي يؤدي إلى الجنون أحيانا ، ومن حرقة الجوى ،ولوعة الهوى ، وشجن النوى ، ف “يا يول الشجي من الخلي”، إلى جانب أنساق التوازن الصوتي ، ذات إيقاعات تدركها الأذن ، وفضاء القصيدة فضاء الحب والتأمل والحزن ، والشعر دائما هو حلم وتوق وبوح وشوق ، لا يمكن أن يعزل عن الحياة والحب ، فهو يتسم بالاستمرارية ،لأنه دائما في تفاعل بين ما هو داخلي نفسي عاطفي همومي ، وخارجي وضعي اجتماعي سياسي اقتصادي ثقافي … ويبحث في اللانهائي ، كما أن الحقل الذي يتحدث عنه الشاعر رمز للاخضرار والاستمرار والأمل ،والورود هي رمز للقوة وللعشق ، إن العين رمز للحياة وفي القرآن الكريم قوله تعالى :”وجعلنا من الماء كل شيء حي “، والماء رمز للاستمرارية والحيوية والخصوبة .

وزيد شهيد الكاتب العراقي يقول في الشعر: “إن الشعر نقيض الافتراضات ،سليل الافتراقات …..إنه النظم الذي يختزل عصارة الروح ، ويكتنفها حتى ليغدو برهافة نسمة هاربة من كف السحر، أو خفق جناح فراشة نزقة أطلقتها ضحكة جدول بهيج ، أو آهة متموجة حررها فم علله الظمأ ، أو نبضة يقولها قلب أضرمته نيران هجر “.

وأختم بقولة روبر فروست “إذا لم يذرف الكاتب العبرات ،فلن يذرفها القارئ ،وإن لم يتفاجأ الكاتب ،فإن القارئ لن يتفاجأ”.

وبعد هذه قراءة متواضعة لاستقراء واستخراج ما في القصيدة ؛ من شوق وآهات وأنين وحنين، أريد أن أبعثها من جديد ، بعد أن كانت مهملة في رفوف مكتبة الشاعر ، وبعد أن مرت عليها عشرون سنة ، فهي جزء من سيرته الذاتية ، وتجربته الشعرية ،وذاكرته التاريخية ، وأرجو أن يستمر في مساره الشعري ، من أجل إبداع أفضل ، لاستنطاق هذه المدينة ،ووصف ما يعتريها من خمول وجمود وركود ،وما يدب فيها من ضيم وطغيان وشطط واستبداد، وحبذا لو عقدت قراءات شعرية ، بتنظيم أمسيات شعرية وفنية وأدبية ،ليشارك فيها الشعراء الشباب ،والشعراء القدماء أمثال عائشة بوسنينة؛ المرأة المناضلة التي كونت نفسها بنفسها ، وركمت تجربة شعرية لا بأس بها ، ودواوينها خير دليل على ذلك ، إلى جانب الشاعر نجيب أياو” الذي له قصائد شعرية في الشعر الأمازيغي ذات مضامين مشحونة بهموم المجتمع ووضعه وواقعه ، والأستاذ حسن فهري في الشعر العربي ،هذه الأصوات وغيرها إن لم تخرج إلى حيز الوجود ، ستبقى مهملة منسية ، بل سوف لا نعرفها بتاتا ،كما أن هناك أصواتا شعرية ، ولكننا لا نعرفها ، ولا نسمع بها ، بعلة الإهمال والتهميش والإغفال…وعدم التشجيع اا؟؟.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .