الرئيسية كتاب وآراء من الأرشيف / اليوم العالمي لحرية الصحافة…بقلم ذ. محمادي راسي

من الأرشيف / اليوم العالمي لحرية الصحافة…بقلم ذ. محمادي راسي

كتبه كتب في 2 مايو 2023 - 11:02 م

بقلم ذ. محمادي راسي

من الأرشيف / اليوم العالمي لحرية الصحافة

“الحرية مع الألم أكرم من العبودية مع السعادة” .أبو حامد الغزالي.

“لا حرية دون مسِؤولية “.جان جاك روسو .

“ليست الصحافة إلا وليدة البيئة وصورة العصر ومرآة تنعكس على صفحتها بدوات المجتمع ونزواته “. محمود تيمور.

“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””

صحف الكلمة بتضعيف الحاء أخطأ في قراءتها وروايتها في الصحيفة أو حرّفها عن وضعها، تصحّف القارئ: أخطأ في القراءة، الصحافة بكسر الصاد هو الصحيح عند المحدثين: كتابة الجرائد، الصحفي بفتح الصاد: الذي يروي الخطأ عن قراءة صحف بأشباه الحروف ،والصحافي بكسر الصاد: الذي اتخذ الصحافة مهنة له، الصحّاف من يخطئ في قراءة الصحيفة ، والصحيفة القرطاس المكتوب جمع صحائف وصحف وجمع فعيلة على فعل بضم الفاء والعين من النوادر / الورقة من الكتاب بوجهيها / الجريدة .

حر حرارا العبد عتق بضم العين وصار حرا وحرارا وحرية :كان حر الأصل ، الحر خلاف العبد والأسير.

الحرية اختلف فيها الفلاسفة والمفكرون، ولكل واحد رأيه وتعريفه، “روسو” :”إن تنازل الشخص عن حريته هو تنازله عن صفته كإنسان”، “عمر بن الخطاب ” :”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا “.؟ “كانط” :”الحرية هي استقلال الإنسان عن أي شيء فيما عدا القانون الخلقي وحده”. وهناك مأثورة تقول: أجمل ما في الحرية شموخها، وهناك تعاريف كثيرة لا يمكن الإحاطة بها، فالحرية نسبية، ألا ترى أن الطائر يطير من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، بدون جواز سفر ولا تأشيرة ورغم ذلك تقيده العوامل الطبيعية فيلجأ إلى وكره…ااا، والحرية أنواع، الحرية الشخصية، الاجتماعية، حرية الشعوب والدول، الحرية الأخلاقية، الحرية الرشيدة، الحرية الخرقاء، الحرية السياسية…. وهناك آراء في الحرية عند الصوفية، والحرية في الفلسفة الإسلامية وفرقها، وفي الفلسفة اليونانية… والأدب العربي زاخر بقصائد شعرية تتغنى بالحرية كقصيدة ؛الطفل والحمامة للبياتي، ولاجئ ؛لسالم جبران، وقبري بطن النسر؛ للطرماح الطائي…وبمقالات أدبية وفلسفية واجتماعية …..

إن الإنسان منذ نعومة أظفاره يتوق إلى الحرية، ويسعى إلى التحرر حتى من سلطة الأبوين ـ حينما كان مراهقا ـ فلجأ إلى إنشاء نقابات للدفاع عن حقوقه المهضومة وحريته المسلوبة، والصحافيون المغاربة أنشأوا نقابتهم كغيرهم من المهنيين لكسب حرية التعبير، وما زالوا ينتظرون تعديل قانون الصحافة الجديد، وإصلاح الإعلام العمومي في ظل الحرية والديمقراطية وفق متطلبات العصر الحديث وعدم التضييق على حرية الصحافة.

 

ولكن لابد من الالتزام بأخلاقيات وتقاليد مهنة الصحافة، والصحافة يقال لها السلطة الرابعة، ومهنة المتاعب من حيث الكتابة وتحضير المقال، ويجب التأكد من المعلومات في الاستطلاعات والتحقيقات والتقارير وغيرها، ومهنة المخاطر من حيث نقل وقائع الحروب والكوارث الطبيعية، فكم من صحافي لقي حتفه وتعرض للاختطاف والسجن…

الصحافة لها دور هام في نقل المعلومات وما يحدث في العالم، وهي من وسائل التثقيف ونقل معلومات جديدة، وكذلك وسائل الإعلام من مذياع وشاشة. والهاتف اليوم أصبح من وسائل الاتصال والإنقاذ من غرق أو حادثة، والإنترنيت يحتل الصدارة….تقدمت وازدهرت الصحافة وتزايدت عدد الصحف، بفضل اختراع الطباعة الذي أجهز على زمن الظلم والاستبداد والجهل ، رغم أن المطابع كانت مقننة وتحت المراقبة كما في عهد العثمانيين. ومن جهة أخرى ؛فإن المثقفين والأدباء ورجال الفكر ساهموا بقسط وافر في دحض التغريب والتبشير والاحتواء الثقافي من طرف الاستعمار الغاشم ، فقامت الجمعيات والأحزاب بإصدار مجلات وجرائد سياسية وأدبية وثقافية، وهناك الإصدارات الأولى للصحافة العربية “حديقة الأخبار” في سنة 1858 لخليل خوري، “نفير سوريا” لبطرس البستاني 1860 ،”الضياء والبيان” لإبراهيم اليازجي 1897 وغيرها…

وقد تعرضت الصحافة العربية للهجرة كانتقال الصحافيين إلى مصر والسودان ، واتجه وديع كرم إلى المغرب فأصدر”الصباح” في طنجة 1908، ثم هجرة أخرى إلى الدول الغربية والهجرة الأخيرة التي قام بها أدباء وشعراء المهجر إلى أمريكا الشمالية والجنوبية وإفريقيا واستراليا ، وكانت الصحافة في هذه الأقطار طائفية إقليمية، وانتبه الأدباء إلى خطورة هذا الوضع، فأصدروا صحفا: الهدى، مرآة الغرب، البيان، كوكب أمريكا، السائح، ومجلة الجامعة…

والشاعر إيليا أبو ماضي أصدر في 1929 مجلة السمير، ثم حولها إلى جريدة يومية 1933 وتوقفت 1957 على إثر وفاته، وجبران خليل جبران كتب أعماله في جريدة المهاجر 1903 ،وكان له عموده “دمعة وابتسامة”…

إن معظم الصحف والمجلات العربية توقفت عن الصدور إما لأسباب مادية أو سياسية، وحتى بعض الصحف الأجنبية العالمية… ومن معاناة بعض الصحافيين القدماء، محمد فكري حسين السيد أباظة المعروف والمشهور بفكري أباظة، ندم عن عشقه للصحافة، كان يريد الاشتغال بالمحاماة يقول على لسانه: أعطتني الصحافة خمس عشرة قضية وقفت فيها متهما أمام المحاكم، ومعاناة يومية مع أقلام الرقباء الحمراء، تترك الغث وتشطب السمين الذي ينفع الناس، ومستقبلا هبط من رئيس مجلس إدارة مؤسستي الأهرام والهلال، إلى رئيس مؤسسة الهلال وحدها، إلى محروم من كل مناصبي، ثم أعود محررا عاديا، فرئيسا للمؤسسة فمحررا بسيطا مرة أخرى…

قال مصورا حاله بالزجل:

وقالوا لي اشتغل صحفي… وبطل المحاماة

خلعت الروب… ومسكت القلم

شفت الغلب… أقصاه وأدناه

الأسود يبقى أبيض…

والحق؟… باطل: والله

والنفاق هو اللي جاري…

وشاعر القطرين خليل مطران كانت الصحافة هي الميدان الأول، احترفها في جريدة الأهرام، وكان منهجه الصحفي يعتمد على وصف الطبيعة وثقة المصدر، مع الطابع الرومانسي في أسلوبه، فقد أصدر 1900 المجلة المصرية وهي مجلة في مختلف الفنون والعلوم والآداب، وكان يشاركه أحمد شوقي وساهم فيها حافظ إبراهيم، وشكيب أرسلان… ونظرا لظروفه المادية توقفت المجلة، ثم أصدر جريدة سياسية واقتصادية أطلق عليها “الجوائب المصرية” وفي سنة 1909عملت الحكومة القائمة بقانون تقييد الصحافة الذي سبق أن صدر سنة 1881 للحد من الحرية وقال خليل مطران في ذلك:

كسروا الأقلام، هل تكسيرها….. يمنع الأيدي أن تنقش صخرا؟

قطعوا الأيدي، هل تقطيعها……. يمنع الأعين أن تنظر شزرا؟

ولما قرأ رئيس الوزارة أبيات الشاعر أرسل إليه من يهدده بالنفي من مصر

،وقد رد الشاعر على ذلك التهديد بقصيدة أهداها إلى رئيس الوزارة مطلعها:

أنا لا أخاف ولا أرجّي …… فرسي مؤهبة وسرجي.

فإذا نبا بي متن بر …………. فالمطية بطن لــــــــــج .

لا قول غير الحق لي …..قول وهذا النهج نهجي .

وبهذا القانون اعتزل مطران الصحافة ليشتغل بالتجارة ، وبالنسبة للصحافة المغربية فيرى بعض الباحثين أن جريدة المغرب هي أول جريدة صدرت بطنجة سنة 1889 ، مع أن ظهور المطبعة بالمغرب كان سنة 1765، كما يعتبر المغرب تاسع بلاد عربية ظهرت فيها الصحافة، وعمل الباحثون على تقسيم الصحافة إلى فترات: صحافة فترة ما قبل 1912 ثم فترة ما قبل 1955 فصحافة ما بعد 1956.ثم ظهرت بعض المجلات كالصباح بطنجة ،ومجلة الجيش العرمرم وصدرت بفاس 1909، ومجلة “مغرب” بالفرنسية في فرنسا ، 1932وجريدة النفحات الزكية في الأخبار المغربية 1889 بطنجة ، وجريدة أهل فاس 1908، وهناك جرائد ومجلات قبل الاستقلال توقفت عن الصدور: بريد الصباح، الإصلاح، الوحدة المغربية، اليومية الإسبانية بالحسيمة، وكذلك الزرقاء كانتا تصدران بالحسيمة، الأنوار، المعرفة، صوت مدرستي بالناظور وصوت مدرستي بأزغنغان ، الأنيس….

وهناك بعض الصحف مازالت مستمرة كجريدة العلم منذ1946 ،وجريدة الاتحاد الاشتراكي التي كانت تسمى بالمحرر، وغيرهما من الجرائد القديمة التي ما زالت مستمرة وبعضها غيرت التسمية وبعضها توقفت عن الصدور …، واليوم تعددت الصحف والمجلات وتطورت شكلا ومضمونا وبالألوان، كما ظهرت صحف ومجلات محلية وجهوية وهي كلها نعمة ليطلع المواطن أكثر على ما يروج في بلدته وقريته وجهته وحارته وشارعه …وما جد في الشأن المحلي والجهوي.

إن الصحافة تعتمد على القلم والورق والدواة “الحبر” والأفكار، والقلم من أدوات تخليد العلوم والتجارب ونقل الحضارة من جيل إلى جيل آخر.

والصحيفة قديما كانت تطلق على الكتاب، وكذلك المصحف، قال لقيط الإيّادي:

سلام في الصحيفة من لقيط …. إلى من بالجزيرة من إياد

وختاما فالحديث عن الصحافة طويل وعويص، هي أدب، والأدب نقد وتوجيه للحياة، وتهذيب للإنسان، وتطهير من الشر، وتعبير عن معاناة الإنسان من قمع وظلم… وتعبير عن إحساسات ومشاعر عاطفية وإنسانية… والصحافة معرضة للمقص، والقلم الأحمر، والرقابة، والحجز والمنع من الصدور، لذا فهي مسؤولية ومهنة أخلاقية ، يجب تحري الدقة والصدق في النشر، ولكن؛ لابد من نقد سلوكات مشينة ومخلة، وتصرفات بعض المسؤولين الذين ليسوا في مستوى تحمل المسؤولية، نظرا لتهورهم ونزقهم واستهتارهم واستهانتهم بالمواطنين الأبرياء، وطمس حقوقهم والميل إلى الباطل أكثر من الميل إلى الحق.، إن الحق أبلج والباطل لجلج ، فلماذا تصلح الكتابة؟ ؛الكتابة أو أغراض التأليف حسب تعبير حاجي خليفة، صاحب الكتاب الشهير؛ “كشف الظنون” هي سبعة:

1ـ اختراع جديد، 2ـ إتمام ناقص، 3ـ شرح غامض، 4ـ اختصار طويل، 5ـ جمع متفرق، 6ـ ترتيب مختلط، 7ـ تصحيح خطأ.

إن الصحافة الورقية بدأت بمسار غريب منذ اختراع الكتابة والمطبعة ،

لها الفضل في تأريخ تاريخ وحضارة البشرية ،وكان مسارها دائما وإلى يومنا هذا بين الجزر والمد، والأخذ والرد، والاختفاء والظهور والصدور ، والإقدام والإحجام ، والفشل والنجاح …..وربما ستعود غريبة بظهور الصحافة الإلكترونية وغيرها من وسائل الإعلام الحديثة والله أعلم.

وأختم بالعود إلى مثل ما بدأت به هذه المقالة المتواضعة من قول ورأي وفطير، والعود أحمد ، وفي الإعادة إفادة واستفادة ،وفي التكرار إقرار وترسيخ وحفظ وتذكير.. والله يحب العبد الملحاح …. بقولة لفيكتور هوجو ؛”تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل ” ، وبأبيات شعرية ؛

1ــ لمعروف الرصافي ؛

إذا لم يعش حرا بموطنه الفتى …فسمّ الفتى ميتا وموطنه قبرا .

2ـــ لولي الدين يكن ؛

سادتي إن في الوجود نفوسا ….ظلمتها الأقدار ظلما شديدا .

هي تشقى من غير ذنب جنته ….ولكم مذنب يعيش سعيـــدا .

…………………………

تتناجي حمائم الروض صبحا …لا نراها ونسمع التغريدا .

ويكون الربيع منا قريبا …. … فنظن الربيع منا بديـــــــدا .

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .