الرئيسية البديل الثقافي ​​الخطوبة وتقاليدها في التراث المغربي الأصيل

​​الخطوبة وتقاليدها في التراث المغربي الأصيل

كتبه كتب في 6 يناير 2024 - 11:46 م

 حرر بواسطة:  -جريدة البديل السياسي 

تتنوع مراسم الأعراس المغربية من شمال المملكة إلى جنوبها حسب كل جهة وأعرافها، إلا أن الأمر يتوحد في مرحلة الخطوبة.

وتكتسي الخطوبة أهمية كبيرة لدى المجتمع المغربي، لكونها محطة تعارف ضرورية ومحتمة بين الشريكين لمحاولة فهم طباع ومبادئ بعضهما البعض،  وفرصة جوهرية وأساسية أيضا لتعارف عائلتيْهما واكتشاف مدى قابلية توافقهم من أجل توطيد علاقات القرابة حتى يصبحوا أسرة واحدة.

“زواج ليلة تدبيرو عام”

“زواج ليلة تدبيرو عام”، مثل مغربي شهير وعريق يدعو للتريث قبل الزواج لضمان نجاحه. إذ أن في الغالب ما يقيم المغاربة حفلات الخطبة قبل موعد العرس بعام، رغم ما عرفته التقاليد من عصرنة في الوقت الحالي. إلا أن هناك جزءا هاما من الأسر المغربية التي لازالت تحتفظ بهذه العادات الأصيلة. فكيف تسير مراحل “الخطوبة المغربية” يا ترى؟

 يوم “الشوفة” … عادة ذات أصول عريقة

عادة قديمة جدا لم يعد يعتنقها الكثير من المغاربة حاليا، نظرا لتطور طرق التعارف مع مرور السنين. حيث أضحى المقبلان على الزواج يتعارفان قبل مرحلة الخطوبة فيتجاوزان هاته الخطوة إلى ما يليها. لكنها أصل ثابت وإن كان المحافظون عليها قلائل. بحيث كان قديما يرسل الشاب نساء أسرته المتمثلات في أمه، أخواته، جداته… وغيرهن من المقربات بعد أن يتم إخطار أم الشابة المزعوم خطبتها لتستعد هي الأخرى لاستقبالهم. بغية التعرف على محاسنها قلبا وقالبا. وفي رضاهن عليها رضاه.

 يوم “التعارف” … عندما تلتقي العائلتان

يوم تعارف عائلتي المخطوبين فيما بينهما
يوم تعارف عائلتي زوجي المستقبل فيما بينهما

صار كثير من المغاربة في الوقت الراهن يتجاوزون يوم “الشوفة” بالانتقال مباشرة ليوم “التعارف”. إذ أصبح والد الخاطب في غالب الأحيان هو المكلف بإخبار والد المخطوبة بقدومهم لطلب يد هذه الأخيرة، بعد تأكدهم طبعا من إعجاب ابنهم بسعيدة الحظ. سواء لارتباطه المسبق بها أو إعجابه بها من خلال رؤية صورها،  أو حتى من خلال سرقته النظر إليها في مكان ما. بل وقد لا يكون أي من هذا القبيل حيث يكون الخاطب قد تقصى مسبقا أخبارا طيبة عن المخطوبة ترمي لحسن جمالها وأخلاقها دون رؤيتها حتى …

لا يمكن أن نستحضر هذا اليوم البهيج، دون أن  نستشعر مشاعر الارتباك المختلط بالفرح والخوف التي تغمر المخطوبين آنذاك. وهنا يتم استقبال أهل الخاطب بمائدة مليئة بالأطباق المغربية، عادة تتكون من حلويات مغربية و رغايف ومكسرات … وغير ذلك من الأطباق التي يترأسها الشاي المغربي.

 يوم “التعارف” … طقوس وتقاليد من التراث المغربي الأصلي

يرتدي جميع حضور هذا اليوم غالبا ملابس تقليدية بسيطة خاصة بمثل هذه المناسبات، كجلابيب أنيقة و جبادورات نسائية ورجالية وكذا الكندوره والبلغة المغربية … عدا الخاطب الذي يتميز بارتدائه بذلة رسمية بهيّة.

يأتي طالب اليد حاملا بعض الهدايا المكونة من حلي بسيط من الذهب (عند المقدور) ليقوم برشمها إن توافق هو وسعيدة الحظ وتم القبول بينهما. و أهم عنصر بين الهدايا هو السكر أو باللقب المغربي الصحيح ” قوالب السكر”. والذي تم تعويضه عند بعض العائلات المغربية مؤخرا بباقة الورود والشوكولاتة كعادة دخيلة على الثقافة المغربية العريقة. إذ يعتبر قالب السكر من التقاليد والطقوس الأساسية، ويرمز للنية السليمة و الإخلاص. ففي حال لم تقبل المخطوبة بالخاطب يعاد السكر كتعبير عن الرفض دون التلفظ بكلمات قد تكون جارحة لأهل الخاطب.

ومن المتعاهد عليه في يوم التعارف عند المغاربة تواري سعيد الحظ عن الأنظار بدافع الخجل و الاستحياء. فيما يشرع أهل الخاطب في طلب يدها من ذويها، مستهلين بالعبارة المغربية الأثيلة ” جينا طالبين راغبين يد بنتكم لولدنا “. لتتبعها الشروط و المتطلبات من كلا العائلتين بما في ذلك الاتفاق على قيمة المهر و موعد العرس في حال القبول.

وهنا لا يكون قرار والدي المخطوبة قرارا حاسما، بل يلزم لزوما أخد رأي الأخيرة التي تطل على الحضور بإطلالتها التقليدية الأنيقة بعدما تمت استشارتها من طرف أمها. مرتدية في كثير الأحيان ” قفطان جوهرة المغربي ” المخصص لمثل هذه المناسبات أو كندوره بتفاصيلها الجميلة…

مع العلم أن مسألة الهندام هذه قد دخلت عليها لمسات الحداثة. إذ أصبحت تلبس أيضا فساتين وملابس رسمية… وعليه، فبمجرد قدوم المخطوبة يفهم الجميع موافقتها، وينتقل الحضور مباشرة لقراءة الفاتحة وبعدها تعلو الزغاريد والصلاة والسلام على رسول الله، ثم يحسمون أخيرا في اختيار الموعد الرسمي وتفاصيل يوم الزفاف.

 الرشيم … حجز الفتاة لزوج المستقبل

سبق وأشرنا بين السطور أعلاه لمصطلح الرشيم. وهي عادة يؤيدها البعض ويرى فيها آخرون تبخيسا لقيمة الشابة المخطوبة. لكنه، وإن كانت تشوبه المفارقات فإنه طقس تقليدي لا يزال ساري المفعول.

فبمجرد قبول المخطوبة وأهلها بالخاطب. يقدم لها هذا الأخير غالبا حليا من الذهب الخالص (خاتم، دملج، عقد أو حلقات…). وهذه الحركة تعتبر كنوع من أنواع حجز الشابة للشاب المتقدم لها إلى أن يقام العرس. والهدف منها هو إبعاد أنظار باقي الرجال عليها، فيما هناك من يؤجلها إلى يوم الخطوبة الرسمية.

قبل الوصول إلى يوم عقد القران، يجب أن نذكر عادة قديمة العهد تحصل بعد مرحلة ” الرشيم ” والتي أصبح يهملها الكثير ألا وهي “التفكور “. ويبدو أنها مستوحاة من عبارة ” تفكرتك ” المغربية، التي تعني ” تذكرتك “. حيث أن المقصود من ” التفكور ” هو تقديم هدية بسيطة للمخطوبة من الخاطب في مناسبات الأعياد، غالبا ما تكون من الملابس. إذ يحملها أهله إلى بيتها كبرقية تدعو إلى تأكيد استمرارية الرغبة في الزواج منها.

 مرحلة الاستعداد للخطوبة الرسمية

صورة جهاز المخطوبة المغربي
صورة جهاز المخطوبة المغربي

في هذه المرحلة بالذات، نفهم المغزى من اتفاق عدد كبير من الأهالي المغربية على مدة سنة كحد أقصى و6 أشهر كحد أدنى قبل يوم العرس. لما في هذه الخطوة من مهام كثيرة يجب القيام بها والاهتمام بتفاصيلها.

إذ تباشر المخطوبة بعد تسلمها قيمة المهر المهدى لها من طرف خاطبها، بتحضير “الجهاز” الخاص بها أو كما تنعته بعض المناطق المغربية ب “الدهاز” أو “الشوار”. بيد أن هناك مناطق توكل فيها إلى أهل الخاطب مهمة التجهيزات ومفاجأة العروس بها، ومن ذلك مثلا الإقليم الصحراوي “آسا الزاك” بجهة كلميم السمارة. لكن المعتاد عند الأغلب هو تكلف المخطوبة بهذه الأمور ودائما ما يكون الاستعداد بمعية أمها لأخد مشورتها.

ويشمل الجهاز كل مستلزمات العروس (خياطة ملابس تقليدية جديدة، شراء أدوات ومستحضرات التجميل، لوازم الحمام، ملابس بيتية وملابس النوم…). وكذا الهدايا المقدمة من الأهل والأحباب. ومن جهة أخرى، تقوم هي والخاطب صحبة أحد أقاربها باختيار وتجهيز لوازم البيت الذي سيستقران فيه بعد يوم العرس. ويتضمن ذلك غالبا لوازم مقدمة من طرف العائلتين كشكل من أشكال مساعدة المخطوبين في بداية طريقهما نحو إنشاء القفص الذهبي.

 اليوم الموعود … الخطوبة الرسمية

كتب الكتاب، الملاك، ضريب الصداق كلها عبارات تعني عقد القران
كتب الكتاب، الملاك، ضريب الصداق كلها عبارات تعني عقد القران

يوم الخطوبة الرسمية هو يوم يختلف شيئا ما من حيث تفاصيله وتسمياته من جهة لأخرى. ففي مناطق شمالية كتطوان يسمونه “حفل الملاك”. والذي يقام قبله بليلة حمام مغربي ملكي للمخطوبة رفقة البنات من رفيقاتها وقريباتها على أصوله المغربية.

ويتم في هذا اليوم عقد قران زوجي المستقبل عادة وسط أهازيج الجوق النسوي الذي يمزج في عزفه وطربه بين أصالة الأندلس وحداثة الشمال المغربي. في حين ترتدي المخطوبة “التكشيطة المغربية” وتجلس في مكانها المزين والمخصص لها وبجانبها الأحباب والأصحاب في انتظار حضور الخاطب رفقة أهله وهم يحملون باقة ورد والجهاز الذي قامت المخطوبة بترتيبه بنفسها. ثم يعقد القران و يعلن رسميا زواجهما وينتقلان من لقب المخطوبين إلى العروسين.  ومباشرة بعد هذا اليوم تبدأ مراسم العرس في أولى خطواته و هي يوم “الحناء” إذ يكون كل شيء جاهز لانطلاق الاحتفالات.

فيما نجد معظم الجهات المغربية الأخرى، تنظم احتفالا بسيطا يسمونه يوم “كتب الكتاب” أو “ضريب الصداق”. حيث أن هناك من يعقد القران صباح الحفل بمقر العدول، ومنهم من يعقده ليلتها ومنهم أيضا من يؤجله ليوم الزفاف … لكن الغاية واحدة، وهي إعلان ارتباط المخطوبين رسميا وتشهيره بحضور الأقارب والأصدقاء وتركيب الخواتم الذهبية لكلا الطرفين، عربونا على الارتباط الرسمي بكليهما. وما إلى ذلك من شرب الحليب والتمر كافتتاح لأيام حلوة وسديدة. فيما يوثق هذا الحدث بأخذ صور للعروسين معا ومع الأهل كذكرى جميلة للطرفين في يوم “العمر” كما يقال.

موسم الخطوبة ب”إملشيل”

موسم الخطوبة السنوي الذي يقام بإملشيل الأطلسية
موسم الخطوبة السنوي الذي يقام بإملشيل الأطلسية

لا يمكن وضع نقطة الانتهاء دون التطرق لموروث “موسم الخطوبة” الذي يقام سنويا بمنطقة “إملشيل”، الواقعة في قلب جبال الأطلس الكبير. حيث اعتاد أهل هذه المنطقة تنظيم موسم للخطوبة كل سنة في شهر شتنبر.

وتعود أصول هذه المناسبة إلى أسطورة حب حدثت في الأزمنة الغابرة.إذ يقوم الشباب الذكور باختيار عروساتهم قبل بداية الموسم. ثم تقام احتفالات شعبية ضخمة، على شكل عرس جماعي. يعقد خلاله قران العديد من الزيجات، ويقوم بعدها العريس بتقبيل يد عروسه كنوع من التقدير والاحترام لها.

ويتميز افتتاح الموسم باستعراض تقدمه الفرق الفلكلورية المحلية، التي تسعى إلى إبراز المميزات الثقافية والتراثية للمنطقة. كما يتم نصب خيمة أمازيغية بربرية، و يقبل العرسان بلباسهم التقليدي الأطلسي لعقد القران. و كذلك تنظم سهرات ومسابقات لتجويد القرآن الكريم.

إلى هنا تنتهي رحلتنا المشوقة، ونحن نستنشق من عبق التراث المغربي الأصيل. حيث وجدنا أنفسنا ونحن بصدد خط هذه الكلمات وكأننا حاضرون وسط هذه الأجواء المميزة. إلى موعد آخر في رحلة أخرى لنكمل مراسم العرس المغربي.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .