الرئيسية كتاب وآراء بنــــــي انـــــصـــار غيـــــــــــــــاب الفن والتراث والإبداع…بقلم ذ. محمادي راسي

بنــــــي انـــــصـــار غيـــــــــــــــاب الفن والتراث والإبداع…بقلم ذ. محمادي راسي

كتبه كتب في 26 يوليو 2023 - 12:36 ص

بقلم ذ. محمادي راسي- جريدة البديل السياسي 

بنــــــي انـــــصـــار

غيـــــــــــــــاب الفن والتراث والإبداع

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

“حينما يتزوج الفكر بالحياة تولد التجربة في الفن ” هذه مقولة قديمة بقيت عالقة في ذهني منذ عقود من السنين ، ولا أتذكر المرجع ولا الصفحة ولا قائلها ، ومازلت حيران في فهمها ….

الفن له صلة بالنشاطات التي يقوم بها الإنسان ، وله علاقة ، بالعلوم والفلسفة والأدب وحتى باللعب ، أفلاطون أطلق اسم فنون المحاكاة على الفنون الجميلة ، كالتصوير والنحت والموسيقى والشعر…. وأرسطو قال :”إن الفن محاكاة للطبيعة “،وأفلوطين بعده يحمل روح التصوف الشرقي القديم ويمزجها بفلسفة اليونان إلى أن قال :”إن الفن محاكاة للجمال المطلق الباطن في نفس الإنسان ” ، وقال بيكون :” إن الفن هو الإنسان مضافا إلى الطبيعة ” ،وهذا أفلاطون “إن الشعر جنون تخلقه ربات الشعر في نفس الشاعر ، ولا يتاح لأحد أن يقول الشعر إلا بواسطة هذا الجنون الطبيعي الصادر عن الألهات ” ،والعرب قديما آمنوا حسب ما تروي الأساطير : بالهوبر شيطانا يلقن الشعر الجيد وبالهوجل شيطانا يلقن الشعر الردئ، قيل الشيء الكثير عنه، وهناك مدارس لها نظرياتها وتعريفاتها للفن، وما له من علاقة بالعلوم وفنون الأدب ، كالشعر والمسرح والرواية والحق والخير والجمال … وقد ناقش الفلاسفة والأدباء نظرية “المحاكاة ” هناك مجلدات حول الفن يعجز الإنسان عن فهم تلك الأفكار الفلسفية ، سيحدث لنا ما حدث للذي يبحث عن قطة سوداء في بيت مظلم ، والقطة لا وجود لها في البيت ، أوالفيلسوف اليوناني القديم ، الذي حمل الفانوس في واضحة النهار ، والشمس في كبد السماء ، سئل عن علة حمله للفانوس في النهار ، فأجاب :إنني أبحث عن الحقيقة ، لذا علينا أن ندع هذا المجال الصعب المعقد ، لنتحدث عن الفن المعهود بصفة بسيطة ، وما يتعلق بالمسرح والغناء والتراث الشعبي والشعر بأنواعه .

غياب الفن ناتج عن الإهمال والجمود والسخرية ، وخسوف الذوق وكسوف التذوق ، وعن بعض العقليات المتحجرة المفتقرة إلى الثقافة الفنية ، لذلك فإن مدينتنا غائبة من حيث المشاركة في المهرجانات التي تعقد بالناظور وغيرها من المدن ،ولقاءات شعرية بجميع اللغات ، واضمحلال الجانب الفني المحارب المهجور ، جعل مدينتنا جافة خاملة لا تبدع ، لا وجود لها فهي موجودة بعماراتها الجامدة الميتة ، إن الذي قتل فينا الفن ، هو الجري وراء الربح ، ثم قتلت عقولنا المخدرات التي قضت على حاسة الاستماع إلى كل ما هو فني أصيل ، والاستمتاع به ، ثم غياب التشجيع من طرف وزارة الثقافة ، والمجلس البلدي والجمعيات المتواجدة بوفرة ، إن الفن هو الذي يعرف بمستوانا الفكري والإبداعي والجمالي والثقافي ، ويرفع من قيمتنا وشأننا ، ويميزنا عن الحيوانات ، وإن كانت أي الحيوانات :تقوم بألعاب رياضية ورقصات مختلفة في “السرك ” ، وغيرها من ألعاب كالفروسية ، و”التبوريدة “أو “الفانتسية “، أو “أرمرعب بالأمازيغية ،لأن الهدف من الفن هو التنشيط والتسلية والتطهير ، والنقد والتوجيه، والقضاء على الرتوب .

لا بد من البحث عن المواهب في المدارس ، والسادة الأساتذة هم الذين سيعملون على إبرازها إلى حيز الوجود ، على المسؤولين .

أن يعملوا على إيجاد فرق مسرحية ، وموسيقية ، وغنائية وتنمية المواهب ، وتوجيهها في الرسم وغيره ، وفتح الباب لمسابقات في الشعر والقصة والغناء والتجويد في وجه الشباب الذين سيرفعون مدينتهم فنيا لينافسوا المدن الأخرى ،بالمشاركة شعرا ومسرحا وغناء … في مهرجانات محلية ، ومناسبات وطنية ودينية وتاريخية …بهذا ستبرز شخصية المدينة في المجال الثقافي والفني ، ولا بد من تشجيع الساكنة بالحضور ، متجاوبة مع ما تشاهده وتسمعه ، مكتسبة ثقافة مجدية ، ومعرفة وتعرفا عن مدينتها ، مستمتعة نفسيا ،ناسية الرتوب والقبوع في الدار ، وحتى المعاق أن يساهم بدوره ، ليكون حاضرا لا مهمشا مقبزا .

ولنفرض أن الفرق متواجدة والمواهب متوفرة ، ولكن أين المكان للتدريب ؟؟ ، البحث عنه ، من واجب القائمين على شؤون المدينة ،

أظن أن البعض منهم لا يعرفون قيمة الفن ودوره …

إن الخطأ الكبير الذي نقترفه ، هو ، عدم الاهتمام بتراثنا الأمازيغي ، اليوم نسينا ما كان يقام في أعراسنا ، والخطوات المتبعة والتقاليد والعادات ، إن الأعراس قيمتها :التواصل والتعارف وصلة الرحم ،

والمساعدة المادية والمعنوية ، والمشاركة في إقامة الخباء أو الخيمة أوالسرادق ، وفي ذلك نشاط ،وتجزية للوقت في جو ملؤه الفرح والبشاشة والحبور ، خال من النشوز والنفور ، ثم التسآل عن أحوال الأقارب والجيران ، خلال مدة العرس ــــ اليوم نسينا ما كان يتغنى به وطريقة الرقص ــــ المشاركون في الغناء والرقص هم الأقارب ذكورا وإناثا ، أما اليوم ؛ فقد هجرنا هذه الثقافة الشعبية الفنية ، بدافع الحداثة والعصرنة والتحديث وقس على ذلك من المصطلحات العابرة المتبخرة ،والموضات المرفوضة الزائلة ، باتخاذ “التريتورات ” المكلفة ماديا والمنفرة عائليا ، اليوم لا نفقه ولا نحفظ شيئا ،من تلك الأغاني “إيزران” ،ولا نسمع تلك الرنة الجميلة رنة الدف ،ولا نشاهد تلك الرقصات الشعبية المتنوعة الصادرة عن إمذيازن وباقي الفرق الأخرى .

إن الفن فوق العلوم ، وهو نشاط يقوم به الإنسان ، للتعبير عما يختلج في حيزومه من أفراح وأحزان ، وتصريف الوقت في وقت محدد قصد نسيان هموم الحياة ومصائبها ،وهو نشاط نظري وعملي ،فالفن بالألفاظ يعتبر أدبا ،وبالأنغام موسيقى ،وبالألوان رسما ،وبالأشكال نحتا ،وبالحركات رقصا ،فالأدب والموسيقى من صنف الفن السماعي ،والنحت والرسم والعمران من الفن البصري والرقص والرياضة من الفن اللمسي العضلي …..

مدينتنا خالية من المآثر والمعالم ، حبذا لو تركت تلك المعلمة الضخمة “سيتولاسار” التي كانت مخصصة لخزن المعادن وشحنها إلى مليلة السليبة ، وأخيرا عبر ميناء بني انصار ، لكان أنجع اقتصاديا بعد ترميمها سيكون سطحها عبارة عن مقهى كبير للاستراحة ، والتمتع بالنظر إلى البحر وشاطئه والميناء والجبال والهضاب ….ولكن هدمت ،،،ولو ترك قطار كذكرى في الحديقة لكان أنفع سياحيا ،،،أين الثقافة الفنية والجمالية .؟؟ .

مدينتنا مدينة جافة قاحلة ، لأنها خالية من الفن ، خاوية من الاحتفائية والاحتفالية والفرجة والتسلية والفرحة ، نتركها تموت شيئا فشيئا ،فارغة من الأندية الثقافية والفنية والأدبية ،الفيلسوف جان بول سارتر رافض جائزة نوبل 1964،أنشأ المقهى الأدبي للمناقشة والحوار لإثراء الفكر ، بعيدا عن الرسميات والتعليمات والتوصيات .

أما الإبداع فضئيل ،لكثرة الإهمال وعدم الاكتراث والاهتمام به ،فالمدينة تعرف بمبدعيها في جميع المجالات ، وتشتهر ويذاع صيتها بهم ،وهي أيضا تفتخر بهم ، لا بكسلائها القابعين المنزوين في زاوية مهجورة .

الإنسان هو الإبداع والفن والتراث ،وهو المشارك في إظهار العناصر المذكورة ، بالعمل والمواظبة والاستمرار والاجتهاد والتضحية ،وحينما نقول الإبداع الذي جاء من بدع :يعني اختراع الشيء وصنعه لا على مثال ،ويقال :”فلان بدع في الأمر” أي أول ما فعله ،ومن الرجال :”الجاهل ومن لا يجرب الأمور ”

إن المبدع الأول هو الله سبحانه وتعالى ” الله بديع السماوات والأرض ” والخالق لكل شيء ، كل ما خلقه فيه إبداع وفن وجمال ومنفعة ، الشمس جميلة بشكلها واحمرارها في الغروب والشروق ،ومنها نستمد الطاقة الشمسية إضافة إلى الفوائد الصحية للإنسان والحيوان والنبات والأرض والبحار، فهل يستطيع العالم أن يخلق الناموس أو البعوض ،مع أنه يصنع الطائرات الضخمة لأنه يحلل ويركب فقط ،لا يخلق شيئا من لا شيء.

ونقول الإبداع بالنسبة للإنسان ، عندما يأتي بالجديد في ميدان الأدب والشعر والمسرح والرواية وو….، بواسطة الكلمات والأفكار واللحن في الغناء وغيرها من الفنون ، وبالنسبة للاختراع العلمي ما يتوصل إليه من جديد بالتجربة والتحليل والتركيب تارة ، والرفض والدحض والترك تارة أخرى، والأخذ والرد والدراسة للتحقيق والتحقق والتمكن لنجاح وإنجاح الاختراع .

غياب الإبداع في الصناعات التقليدية التي لا وجود لها في مدينتنا ، وغياب الفن الشعبي والمسرحي و”السيرك “والحكي ، والمواسم ،إن بعض الحيوانات تشتغل وتبدع كالطائر النجار الذي يصنع وكره في قلب الشجرة ،والحشرات كالعنكبوت تنسج من لعابها خيوطا في الهواء ،تصيد بها طعامها ، وتبني لنفسها بيتا محكما ،والنحل الذي يبدع في خلاياه لصنع العسل ، واجتهاد النمل ــــ رغم أنه مستهلك ـــ ومواظبته وطريقة الحصول على قوته ، ثم العمل الجمعوي المستمر لأجل التعاون ،وشكل مسكنه تحت الأرض … على سبيل المثال ، ودودة القز التي تصنع الحرير ، إننا بسلوكاتنا السلبية الظلامية المتشائمة ،ستفوقنا وستبزنا الحيوانات ، رغم أن الإنسان عقل ويد ، وسندمج مع الجمادات ،ولكن ؛لو كانت الحياة هي الغاية لاستطاعت الحيوانات تكوين دولة كما قيل .

يرى موندريان “أن العمل الفني لا يعدو أن يكون تعويضا لانعدام التوازن في الواقع الراهن ” أي هو تعويض للحياة .

وأختم بهذه القولة لأحد الأدباء من القرن الماضي “الفنان ،إجمالا مسؤول عن تقدم مجتمعه وتأخره باعتباره مشاركا فيه ،وباعتباره مؤثرا فيه ،ولعل مسؤولية الأديب أعظمها شأنا ،وأبعدها خطرا ،لأن الأدب وحده ،من دون سائر الفنون ،يقوم على مادة الألفاظ اللغوية ،أي على مدلولات معنوية صريحة ،فيما تتوسل الفنون الجميلة الأخرى ،بمواد النغم واللون والشكل والحركة ،وهي مواد لا تحتمل الإبانة المعنوية المباشرة ،بل تقصد إلى التعبير ،عن طريق الأجواء الإيحائية ،البعيدة عن المعنى الصريح والفكر المعلن “”

إن مدينتنا مدينة بلا أرشيف ، ولا ذاكرة ولا تاريخ ولا تراث ولا إبداع ، بسبب غياب المتحف والمكتبة والمكان ….ااا ويأس الموهوبين المتألمين داخليا ، والمقهورين من لدن الذين لا يفهمون الفن وقيمته ، ولا يعرفون إلا فن الجشع والطمع ،والبحث عن البرطلة ، والغنيمة الباردة ، والترامي على أراضي الغير ، وحتى جغرافية المدينة من حيث أوديتها ، ثم غياب الباحثين المهتمين بالتراث الشعبي الذين سيعملون على جمعه وتوثيقه وخصوصا الأمازيغي ، … لا أدري لماذا يذهبون إلى الدول الأجنبية التي لا تفهم لغتنا وتراثنا ….؟؟؟ إن التراث الشفوي يجب أن يجمع عن طريق السماع مع تدوينه ، لأنه يضيع يوما بعد يوم، لهلاك بعض حفظته القدائم ، لأنهم بمثابة المصادر والمراجع والدعائم .

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .