الرئيسية ضيف البديل الوسادة الخالية / قصة قصيرة .. من مجموعة كليشيهات مشروخة

الوسادة الخالية / قصة قصيرة .. من مجموعة كليشيهات مشروخة

كتبه كتب في 7 يوليو 2023 - 3:09 ص

الأستاذ عبد المجيد طعام – جريدة البديل السياسي 

الوسادة الخالية / قصة قصيرة

من مجموعة كليشيهات مشروخة

 

إلى كل المناضلين ضد الكليشيهات الجاهزة القاتلة

نسج علاقة روحية غريبة مع هاتفه الذكي ، أصبح امتدادا لهويته الدينية ، فاق كتب الفقه والأصول ، تساوى مع صحيح البخاري، وتجاوز صحيح مسلم وموطأ مالك . صحيح أنه لم يقرأ كتب الفقه والأصول ولم يطلع على الصحيحين والموطأ ، ولكنه عرف بواسطة غوغل كل تفاصيل المصنفات الدينية ، و نهل من مواقع التواصل الاجتماعي كل المعرفة الدينية .

جمع ذو النورين في خزان هاتفه الذكي كل ما له علاقة بالدين ،كما جمع كل أنواع وأشكال الأدعية التي يحتاجها في حياته اليومية والأخروية ، صنفها حسب الحاجات والأوقات والظروف والأيام والشهور والأعياد والمناسبات والدخول والخروج والسفر والنوم والأكل والجماع…

بدأ مشروعه الضخم مباشرة بعد أن أنجبت زوجته طفلتيه : نور الهدى ونور الهداية ، حرص على أن يجمع كل ما يحتاجه من أدعية لتحصين نفسه فطفلتيه ثم زوجته من الشياطين والجن والعين والحسد والمرض، كما راكم أدعية أخرى كثيرة لجلب الرزق وتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية .

كلما أراد شيئا كان يعود إلى هاتفه يبحث فيه عن الدعاء المناسب ، يقرأه عدة مرات ، وعندما يشعر بالامتلاء الروحي ،يرسله إلى كل أصدقائه … كان يشعر بأن الله يحبه، بما أنه سهل له الطريق ليجمع هذا الكم الهائل من الأدعية ، لكن مع توالي الأيام أحس بثقل المسؤولية ،لم يكن يشعر بالراحة والطمأنينة إلا بعدما يمدد جسده على سريره ،ويضع رأسه المثقل بالهواجس على وسادته ، وهو يردد دعاء الاستعداد لاستقبال النوم.

في يوم شديد البرودة استيقظ كعادته لأداء صلاة الفجر ، حمل هاتفه الذكي بين يديه ، قبله قبلتين خاشعتين،ثم شرع في أداء طقوسه التعبدية اليومية ، قرأ المعوذتين على هاتفه ، ثم قرأ دعاء النزول من السرير ودعاء الخروج من غرفة النوم ، ودعاء دخول المرحاض ، ودعاء قضاء الحاجة ، ثم قرأ دعاء الوضوء ودعاء الخروج من المرحاض.

وكعادته بعد كل صلاة ، نظر في هاتفه الذكي ، فتح الواتساب واختار الدعاء الخاص بيوم الأربعاء ، كان دعاء طويلا جميلا :” أَللَّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الاَرْبِعآءِ أَرْبَعَاً: إجْعَلْ قُوَّتِي فِي طاعَتِكَ، وَنَشاطِي فِي عِبادَتِكَ، وَرَغْبَتِي فِي ثَوَابِكَ، وَزُهْدِي فِيما يُوجِبُ لِي أَلِيمَ عِقابِكَ، إنَّكَ لَطِيفٌ لِما تَشآءُ.”ردد الدعاء مرات عديدة ،أرسله إلى كل الذين تعودوا أن يبادلونه الأدعية الصباحية ، ثم خرج إلى عمله وهو يردد سلسلة طويلة من الأدعية ، لم يفرغ منها إلا حين جلس على كرسي مكتبه .

قضى يوما جميلا ، توزع بين قليل من العمل والكثير من الأدعية ، عاد إلى بيته بنفس النشاط ، لكن فجأة انتابه القلق وهو يهم بطرح جسده على سريره ، اكتشف أن اليوم هو الثلاثاء وليس الأربعاء، اكتشف أنه أخطأ في تقدير اليوم وأخطأ في اختيار الدعاء المناسب لليوم ، قام من فراشه ، نظر في كل الاتجاهات ،رفع عينيه إلى سقف الغرفة..ما العمل ؟

كيف أصلح هذا الخطأ ؟ هل أثمت ؟ هل أذنبت؟ إلهي ما العمل؟ حمل هاتفه الذكي نظر إلى الساعة كانت 11 و 55 دقيقة ليلا .. لم يبق أمامه إلا خمس دقائق لتدارك هذا الخطأ الجسيم …. عليه أن يقرأ دعاء يوم الثلاثاء وبسرعة ، فتح الواتساب على عجل ، بحث عن دعاء يوم الثلاثاء ، ردده بكثير من الخوف والرهبة… إلى أن أعياه القلق ، ألقى بهاتفه جانبا ثم وضع رأسه على وسادته الخالية التي لم تجد فيها أبدا زوجته الدفء الذي ينتشلها من سفرها السيزيفي اليومي…….

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .