الرئيسية ضيف البديل تأملات في مفهوم “الشَّنَّاقة” كل فرد من المجتمع هو مشروع”” شَّنَّاق.

تأملات في مفهوم “الشَّنَّاقة” كل فرد من المجتمع هو مشروع”” شَّنَّاق.

كتبه كتب في 29 يونيو 2023 - 3:11 ص

عبد المجيد طعام –  جريدة البديل السياسي 

مع اقتراب عيد الأضحى ، كثر الحديث عن ” الشَّنَّاقة ” les speculateurs إلى درجة أن هذه اللفظة أصبحت الأكثر تداولا واستعمالا بين كل شرائح المجتمع ،على اختلاف مرجعياتهم الفكرية ومستواهم التعليمي ، كل المواطنين يستعملون اللفظة على الأقل مرة أو مرتين في اليوم ، هذا الاستعمال المكثف يفرض علينا أن نقف وقفة تأمل ، للنظر في طبيعة اللفظة وسلطتها التداولية ودلالاتها الرمزية.

“الشَّنَّاقة” مفردها “الشَّنَّاق” un speculateur ، في لغتنا اليومية نستعملها جمعا وليس مفردا ، للتعبير عن سلطتها وقوة فعلها ، كما أنها عصية على تكون مذكرا آو مؤنثا ، لتفصح عن انزياحها وصعوبة فهمها والكشف عن طبيعتها ، ومعلوم أن استحالة تحديد الجنس لشيء ما ، يدخله في دائرة اللغز الذي قد يثير فينا مشاعر الخوف والقلق ، جاء في المعجم الوسيط .

الشَّنَّاق يستوى فيه المفردُ وغيرهُ والمذَكَّرُ والمؤنَّث . تحيل اللفظة على جماعة غير محددة،غير معروفة ، تثير الخوف والهلع ، ويمكن أن نشتق منها فعل ” الشنق” الذي يعتبر هو الجامع المشترك بين عناصر هذه الجماعة الشبح ، أما على مستوى الميزان الصرفي للفظة ، فقد جاء اللفظة على وزن الفَّعَّالة والفَّعَّال ، بالتشديد على فاء وعين الفعل.

حسب معجم المعاني هذا الوزن جاء على صيغة مبالغة من فَّعَّل وهو يعني كثير الفعل، نافِذ، مؤثِّر، سُلطة ووسيلة فعل ،قَوِيَّةٌ، نَافِذَةٌ ، وهو العلَّة الفاعلة والسَّبب المحدث للأشياء, والشَّنَّاق هو من يستخدم الشِّنَاق لممارسة فعل الشنق ، والشِّنَاق هوالحَبْلُ أَو السَّيْرُ يُشَدُّ به الشيءُ ويُعَلَّقُ.

و الشِّنَاق وتَرُ القَوس كذلك وهو أداة إطلاق السهم على الضحية ، اسم الفاعل “الشَّنَّاق ” يفرض وجود طرفين ، الشَّنَّاق والمشنوق وبينهما فعل الشنق . على ضوء ما سبق ، يبدو أننا أمام ظاهرة لغوية ذات دلالات رمزية مهمة ، تحيل على أننا أمام مفهوم قائم بذاته ، يتجاوز مستوى إدراكنا السطحي للظواهر الاجتماعية ، بمعزل عن بعدها الثقافي ومرجعيتها الفكرية والنفسية والسياسية وعلاقات الاستغلال التي تقوم عليها.

لا تشير لفظة الشَّنَّاقة إلى مجموعة أفراد متحيزين في الفضاء الفيزيقي ، وإنما تدل على جماعة مطلقة غير متحيزة ، لها سلطة التجلي والاختفاء حسب الظروف ،و قد نكون نحن أيضا ضمن عناصر مجموعة الشَّنَّاقة ، كل فرد يحتمل أن يكون شَّنَّاقا ، بما أن المفهوم يحيل على سلوك غير محدد ،له تمظهرات كثيرة ، متعددة ولا متناهية ، يتميز بالسلطة و قوة الجاذبية والاستقطاب ، لهذا وعن طريق الانزياح ستتزحلق اللفظة نحو الميتافيزيقا ، لتشير إلى مجموعة بشرية تنفلت من أي تحديد ،إلى درجة أصبح الشَّنَّاق يعادل الغول في مخيالنا ، أصبحنا نعتقد أنه غول يملك جبروت الفعل وقوة التأثير في مصير الناس ، ونتيجة قوة الجاذبية التي تميز مفهوم الشَّنَّاقة ، أصبح كل فرد من المجتمع شناقا / غولا محتملا.

 

من هنا نخلص إلى أن لفظة الشَّنَّاقة تجاوزت أن تكون لفظة نتداولها ، لوصف شخص أو مجموعة أشخاص ، تجاوزت أن تكون مجرد لفظة لها صورة سمعية ثابتة وواضحة ، في الحقيقة العقل يعجز على أن يرسم صورة سمعية للفظة une image acoustique ، بمجرد ما نسمع لفظة الشَّنَّاقة نشعر باضطراب ،لأن المخ سيفرز هرمون الكورتيزول وهو المسؤول عن التوتر ، خاصة وأنه غير قادر على تحديد صورة سمعية ، لهذا قلنا إن اللفظة تعبر عن مفهوم وليس معنى يرتبط بسياق محدد ، وهذا ما جعل اللفظة تتزحلق نحو الميتافيزيقا .

وما ساهم في هذا التزحلق ،أنها تدل على سلوك تحمله كل الفئات الاجتماعية ، على اختلاف مرجعياتها الثقافية والفكرية ، وانتماءاتها الطبقية ومستواها المادي ، قد نجد الشَّنَّاقة بين الأغنياء والفقراء والمتعلمين والأميين  ، بين المتدينين وغير المتدينين ،بين المزارعين والرعاة ،وبين الأطباء والمهندسين ورجال التربية والتعليم ،وسائقي الطاكسيات وبائعي الغنم والخضر ، وبين المسؤولين والمواطنين الذين يرغمون على بيع جهدهم العضلي مقابل أجر لا يحقق لهم الكرامة ، لكن الغريب الصادم أن كل فرد من هذه الفئات هو شَّنَّاق محتمل. إن لفظة الشَّنَّاقة لا تحيل على أشخاص محددين .

وإنما تحيل على سلوك عام انتشر في كل مجالات الحياة اليومية ، وأصبح سلوكا اعتياديا بعد التطبيع معه ، ولكنه في نفس الوقت يعبر عن أعلى درجات الفساد المستشري في كل المجالات ، إنه نوع من السرطان الذي ينخر جسم المجتمع ، بسببه غابت القيم ، وانهارت المنظومة الفكرية الثقافية التي يعول عليها لتأسيس مجتمع وإنسان متوازن.

إن نظام الفساد المؤسس يهدم المجتمع ويضرب كل مؤسسات بناء الفرد والمجتمع : الأسرة ، المدرسة، الجامعة، جمعيات المجتمع المدني ، الأحزاب ….. الخ ” الشَّنَّاقة ” les speculateurs هم نتاج طبيعي للأنظمة الكليبتوقراطية والبلوتوقراطية ، لا يمكن أن نقضي على السلوك الشَّنَّاقة إلا بالإدراك العقلاني للمجتمع ، وعلاقات الاستغلال وهذا الإدراك ضروري لإنضاج الوعي ، الأداة الحقيقية لأي تغيير ، أما إذا غضضنا الطرف.

وقبلنا باستمرار نفس ظروف الحياة ،فذلك يعني أننا نقوي قرص أن يصبح كل فرد مشروع شَّنَّاق ، وكل فرد مشروع ضحية… النتيجة : سنعيش في مجتمع شَّنَّاق يشنق شَّنَّاق … لا داعي للتباكي … علينا ان نتغير …

 

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .