الرئيسية ضيف البديل القاضي الإداري في مراقبة عمل الجماعات الترابية

القاضي الإداري في مراقبة عمل الجماعات الترابية

كتبه كتب في 3 يونيو 2023 - 8:15 م

 من إعداد  :  مراد علوي  –    جريدة البديل السياسي :

تقديم : 

تعتبر الجهوية المقدمة من العناصر الأساسية التي جاء بها دستور 2011، حيث اعتبر أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، ومنح الجهات الاستقلال الإداري والمالي والحرية في تدبير شؤونها بكيفية ديمقراطية، كما أسند لها عدة صلاحيات جديدة.

وقد جاءت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية لـتأكيد وتنزيل مقتضيات الدستور فيما يخص الجهوية المتقدمة، إذ حملت العديد من المستجدات فيما يخص الجماعات الترابية، ومن بين أهم هذه المستجدات التخفيف من الوصاية الإدارية لصالح الرقابة القضائية من خلال المحاكم الإدارية.

وتعتبر رقابة القضاء الإداري أهم ضمانةلاحترام المشروعية من جهة، وضمان استقلالية الجماعات الترابية من جهة أخرى، كما ستضمن الشفافية في العلاقة بين السلطة المركزية والجماعات الترابية.

وقد عرفت الرقابة على الجماعات الترابية عدة تطورات حيث انتقل المغرب من الوصاية التقليدية التي كانت مفروضة على الجماعات الترابية إلى تدخل الرقابة القضائية في الوصاية الإدارية من خلال القانون رقم96-47 المتعلق بالجهة ، لكن هذه الرقابة كانت محدودة، إذ كانت تقتصر على مستوى واحد من مستويات الجهوية وهي الجهات دون باقي المستويات الأخرى،كما كانتمحصورة فيالرقابة على قرارات سلطات الوصاية والإعلان عن البطلان.

وبصدور القوانين التنظيمية لم تتحدث عنالوصاية بل تضمنت الرقابة الإدارية والقضائية على الجماعات الترابية، وبالتالي تحول المغرب من المفهوم التقليدي للوصاية إلى مفهوم متطور يعتمد على إشراك القضاء في الرقابة على الجماعات الترابية ،محتذيا في ذلك بالقانون الفرنسي المنظم للرقابة على الجماعات المحلية،  الذي ألغى الرقابة الإدارية المسبقة على الهيئات اللامركزية، وحولها إلى رقابة  إدارية بعدية تنتهي إلى رقابة قضائية في حالة الإحالة على القضاء الإداري .

وانطلاقا من الدستور والقوانين التنظيمية نقفعند السلطات الجديدة التي أسندها المشرع للقضاء الإداري في إطار الجهوية المتقدمة، حيث أسند له الاختصاص في البت في النزاعات التي تثور بين السلطة المركزية من خلال ممثليها في الجماعات الترابية والمجالس المنتخبة في إطار الرقابة على الجماعات الترابية، وذلك طبقا للمادة 66  من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات التي نصت على أنه “يختص القضاء وحده بعزل أعضاء المجلس وكذلك التصريح ببطلان مداولات مجلس الجهة، وكذا إيقاف تنفيذ المقررات والقرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية…يختص القضاء وحده بحل مجلس الجهة”، ونفس المقتضى جاءت به المادة 64 من القانون التنظيمي للعمالات   و الأقاليم، والمادة 63 من القانون التنظيمي للجماعات.

فهذه المقتضيات تشكل نقلة نوعية في رقابة القضاء الإداري على الجماعات الترابية،إذ أصبح يختص بإنزال العقوبات التأديبية على أعضاء المجالس المنتخبة، وحل هذه المجالس ، وهي اختصاصات جديدة تسند للمحاكم الإدارية بالإضافة      إلى رقابة المشروعية.

وهذا ما يعبر عن رغبة المشرع في تقوية دور القضاء الإداري في تعزيز الجهوية المتقدمة والرقي بها، وضمان المشروعية، من خلال تحقيق  التوازن بين ممثلي السلطة المركزية والمجالس المنتخبة،وهذه هي محور الإشكالية التي نحن بصدد معالجتها من خلال الوقوف عند تموقع القضاء الإداري في العلاقة بين الإدارة المركزية والجماعات الترابية .

لقد وسع المشرع من سلطات القضاء الإداري في مجال رقابة المشروعية، إذ كانت الرقابة القضائية تقتصر على الجهات دون باقي المستويات الأخرى للجهوية ، التي كانت تمارس فيها الرقابةمن طرف سلطة الوصاية، ليقوم المشرع المساواة بين جميع الجماعات الترابية في الرقابة القضائية.

ـ رقابة المشروعية :

عرفت الرقابة على قرارات مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى عدة تطورات، إذ تمالتقليص من الرقابة الإدارية لصالح الرقابة القضائية على أعمال المجالس ، ولم يعد للسلطة المركزية السلطة التقريرية في مواجهة أعمال هذه المجالس، بل لابد من اللجوء إلى المحاكم الإدارية لإعطاء كلمتها في كل نزاع، وذلك طبقا للمادة 66 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، التي نصت على اختصاص القضاء وحده بالتصريح ببطلان مداولات مجلس الجهة، ونفس المقتضى نصت عليه القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الأخرى.

فكل نزاع بين ممثلي السلطة المركزية والمجالس المنتخبة حول شرعية قرارات مجالس الجماعات الترابية يجب إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية للبت فيه ، وإن    كان هذا المقتضى لا يحمل جديدا بالنسبة للجهات، لأن الإعلان عن البطلان كان    من اختصاص المحاكم الإدارية في السابق، فإنه حمل الجديد على مستوى العمالات والأقاليم و الجماعات، إذ كان الإعلان عن البطلان من اختصاص السلطة الإدارية بالنسبة للقرارات الصادرة عن مجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجماعية.

 

ـ إيقاف تنفيذ القرارات :

نظرا للأثر غير الواقف للطعن في القضاء الإداري، فقد نصت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على دعوى إيقاف التنفيذ لإيقاف تنفيذ القرارات إلى حين البت فيها من طرف محكمة الموضوع، وإن كان قانون الجهة رقم 47.96 المنسوخ كانيرتب إيقاف التنفيذ في هذه الحالة تلقائيا بمجرد تقديم الطعن، وذلك بالنص صراحة أن إحالة النزاع على المحكمة الإدارية يترتب عنه بحكم القانون توقيف تنفيذ القرار الإداري المتنازع فيه، لكن المشرع تدارك هذا الأمر من خلال القوانين التنظيمية الحالية.

ففي حالة رفع المنازعة في شرعية القرارات الإدارية أمام المحكمة الإدارية يجب بالموازاة رفع دعوى إيقاف التنفيذ لوقف تنفيذ هذه القرارات،وكذلك الأمر في حالة التعرض على أعمال المجالس المنتخبة.

حيث يمكن لممثلي السلطة المركزية التعرض على كلقرار لا يندرج في صلاحيات المجالس المنتخبة أو جاء مخالفا للقانون، و كذلك التعرض على النظام الداخلي للمجلس، و يجب علىالمجلس إجراء مداولةجديدة في شأن الأمور التي كانت موضوع تعرض، لكن في حالة عدم استجابة المجلس، يمكن إحالة الأمر إلى القضاء الإستعجالي لدى المحكمة الإدارية لطلب إيقاف تنفيذ القرار موضوع التعرض، إلى حين بت المحكمة في الموضوع .

 

  •  إن مقاربة إشكالية تدخل القضاء الإداري في الرقابة على الجماعات الترابية ليس بالأمر الهين، لأنه لا يقتصر على المقاربة القانونية بل إن الممارسة هي التي ستحدد ملامح هذه الرقابة، ومدى الانسجام بين المقتضيات القانونية والتطبيق على أرض الواقع.

فالمقتضيات القانونية المنظمة للجهوية عبرت عن رغبة المشرع في الانتقال   من المفهوم التقليدي للوصاية، إلى مفهوم متطور يعتمد على إشراك القضاء في الرقابة على الجماعات الترابية، إذ جاءت بعدة تطورات على مستوى تدخل القضاء الإداري في الرقابة على الجماعات الترابية، وأسندت للمحاكم الإدارية سلطات مهمة، سواء في ممارسة الرقابة على هياكل الجماعات الترابية ،         أوعلى مستوى رقابة المشروعية على أعمال المجالس المنتخبة.

وقد كان تدخل المحاكم الإدارية في الرقابة على المجالس المحلية يقتصر      على إلغاء قرارات سلطات الوصاية والإعلان عن البطلان، كما أن الوصاية  على الجماعات المحلية كانت متفاوتة الحدة من مستوى لآخر، فبينما كانت وصاية متشددة على مستوى العمالات والأقاليم والجماعات، كانت الوصاية   على الجهات تعرف تدخل للمحاكم الإدارية في بعض الجوانب.

وبصدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ساوى المشرع بين جميع مستويات الجهوية في الرقابة الإدارية و القضائية،وعزز تدخل القضاء الإداري في تحقيق التوازن بين السلطة المركزية و الجماعات الترابية.

لكن المشرع لم يقطع بشكل نهائي مع الوصاية بل خفف منها لصالح الرقابة القضائية، و لازال هناك  مجال لتدخل لسلطات الوصاية في الجماعات الترابية، كما القوانين التنظيمية لم تحسم في بعض الإشكالات، إذ أن تحريك الرقابة القضائية لازال بيد ممثلي السلطة المركزية، وبالتالي تبقى لها السلطة التقديرية في اللجوء إلى القضاء، كما لم تحدد القوانين التنظيمية آجال الإحالة على القضاء الإداري.

وتبقى كذلك بعض التساؤلات مطروحة عن مدى الانسجام بين المقتضيات القانونية المنظمة للجهوية والقانون المحدث للمحاكم الإدارية، نظرا لإسنادها اختصاصات جديدة للقضاء الإداري غير منصوص عليها في قانون المحاكم الإدارية، و في حالة وقوع تعارض بين هذه المقتضيات هل ترجح القوانين التنظيمية باعتبارها أعلى درجة، و لماذا لم يقم المشرع بتوحيد القوانين    المنظمة للجهوية، بإصدار تشريع موحد لكل مستويات الجهوية ، مع أنه وحد    في التعامل معها، حيث أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية تحمل نفس المقتضيات القانونية.

 

والله والي التوفيق .

 

نبذة مختصرة حول الكاتب : 

من إعداد  :  مراد علوي     ـ    MOURAD ALLIOUI

  •  باحث في القانون الإداري و المالي ـ برحاب كلية العلوم القانونية             و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط .

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .