الرئيسية كتاب وآراء من وحـــي اليمـــــامــة إلى إيحاء الحمامة ….  بقلم/ ذ.محمادي راسي

من وحـــي اليمـــــامــة إلى إيحاء الحمامة ….  بقلم/ ذ.محمادي راسي

كتبه كتب في 26 مايو 2019 - 3:11 م

جريدة البديل السياسي.كوم /               بقلم/ ذ.محمادي راسي   / 

من وحـــي اليمـــــامــة إلى إيحاء الحمامة ….

اا"""""""""""""""""""""""""""""""اا

 

/  تـــــوطـــئــــة /

==========

الحديث ذو شجون ،والقول ذو فنون ، والكتابة ذات قواعد  وضوابط ؛ من نثر وشعر ومسرح ورواية وقصة وأقصوصة وقصة قصيرة جدا ، ومقالة بأنواعها وو …،والكلام يجر إلى كلام  بتداعي الأفكار، وتشابه الأسماء للأشياء شكلا وحجما ولفظا وترادفا واختلافا أحيانا ،بين اليمامة والحمامة جناس ضعيف ، وتطابق في المقياس قديما، أو الميزان حديثا ، واختلاف طفيف  في النظام الصوتي ، وفي فاء الكلمة ؛ في الأولى ياء، وفي الثانية حاء،فالحاء مخرج حلقي،بصفة مرقق رخو ،والياء مخرج غاري بصفة متوسط لين .

                           الشعر العربي من العصر الجاهلي( أو العصر الفني ) والعصر الأموي (أو العصر العاطفي ) و العصر العباسي ( أو العصر العقلي)ـــ ما ورد بين قوسين من تسمية  أستاذنا الجليل المرحوم محمد نجيب البهبيتي ، تلميذ طه حسين ــــ والعصر الأندلسي وعصر الانحطاط والنهضة والحديث والمعاصر؛ حافل بالحديث عن اليمامة والحمامة ، فوصف شكلهما الجميل ، وريشهما الناعم الأسيل ، وجعلهما رمز السلام  والحب والحنان والحزن والحنين والصفاء والبكاء، واليمامة من جنس الحماميات ، تختلف عن الحمامة في الشكل والطبع والسلوك والكتابة ؛ الياء يمامة /والحاء حمامة / التاء فيهما للدلالة على الواحدة لا للتأنيث وربما قيل للواحد ؛ الحمام واليمام وهما تقعان على المذكر والأنثى ،وحينما نقول اليمامة يتبادر إلى ذهننا الحمامة ؛الحمام الزجل أو الزجال ،حمام الحرام في مكة صيده حرام ، الحمام لأجل الرياضة والطيران والحرب والاستعراض والاستطلاع ….

                        ثمة أنواع من اليمام ؛يمام الفاكهة / الماسي /القمري /البلدي /وغيرها من الأنواع الكثيرة ، فعالم الطير عالم بديع عجيب عويص  ،لا نفقه فيه شيئا، فهو علم قائم بذاته ، شاسع واسع جامع مانع ، يسمى ؛ب "أورنيطولوجيا " ،له أهله وهم الأورنيطولوجيّون ،والعلم كلما تعمق فيه الإنسان إلا  وازداد إيمانا وعلما ومعرفة وتعجبا ووجلا ، كما حصل لجاك كو ستو في رحلاته الاستكشافية والدراسية وهو في وسط البحر"مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان" لذلك  اعتنق الإسلام ،وكما حصل لأرمسترونغ وهو يمشي على سطح القمر في القرن الماضي ، صرح قائلا حينما كان ينظر إلى الأرض وهو يتعجب ؛"الأرض تبدو عجيبة ،اعتقد بوجود الله العلي القدير..ااا" ،أجل ؛ بتعجبه  ودهشته وخوفه وهو وحيد فريد غريب في القمر لذلك آمن بالله …. عفوا لقد قادتني الرياح إلى وجهة أخرى ونسيت اليمامة …"تجري الرياح بما لا تشتهي السفن "،كما قال المتنبي الشاعر الحكيم المفلق المعتز بأنفته ،والمعتمد على نفسه  .

"&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

                    تأتي يمامة إلى نافذة شرفتي ، تزورني بين آونة وأخرى في النهار ،خلافا لحمى المتنبي التي  لا تزوره إلا في الظلام ،تستفزني بكسر سكوني وتصرفني عن الإحساس بهمومي، وما يجيش في حيزومي، ويدور في خلدي،  ويخطر ببالي ، وما ينثال من قول على لساني ، بهديلها الرخيم ،وبشدوها الشجويّ المشجون ، وتارة بصوت جهوري ، تقلقني بأصواتها بين القوة والضعف والرخو والهمس والرقة ،   فتجعلني حائرا ، كأنها تغني و تشدو، أو تبكي وتشكو ، ثم لا تتركني أن أكتب أو أقرأ أو أفكر ، كأنها حمام زاجل أرسل إلي خصيصا لمراقبتي أو للتجسس والتفحص ، أو كحمام الرمل المستعمل في الحرب يريد حربا ، أو تريد أن تبوح بشيء ،ولكن ؛يصعب التواصل والفهم والحوار ، أحتاج إلى ترجمان ،أو أرجع  إلى عهد سيدنا سليمان، تحب الطيران والجولان ،فتصرفني عما أنا بصدده والقيام به ، لا تدعني أن أنظر إلى البحر ذي أديم شديد الزرقة بتمعن وهدوء ورويّة ،أسافر في الزمن العتيق بدون سفينة عبر أديمه الشاسع ،وفرشخته الواسعة ، وأفقه البعيد إلى عهد الأمم القديمة ، إلى ضفاف أخرى ،لأنه من شواهد التاريخ،  بل هو كتاب بدون سطور، وتاريخ غير مدون ،وموسوعة فريدة لا كموسوعات من جمع وترتيب وتصنيف الإنسان .. عرف الأقوام والمعارك ،في قاعه أسرار وألغاز، وجثث وهياكل للسفن والطائرات والغواصات …….منذ مجيء الفنيقيين خطأ ــ كما تقول بعض الروايات والله أعلم ـــ إلى روسادير،لأنهم كانوا في رحلة إلى البحث عن الأرانب في إسبانيا  ، وإسبانيا " بالفنيقية تعني أرض الأرانب ، =i-spin-ya=.

                   يسحرني؛ أي اليم بسينفونياته الطبيعية  الفريدة ، يصعب تقليدها و محاكاتها ، وبهدوئه وجماله  أحيانا ،و يخيفني بهيجانه وصخبه واضطراب غواربه أحيانا أخرى … ، تحرك اليمامة  رأسها ذا الريش الناعم يمينا وشمالا، بحركاتها الخفيفة فيها قلق ووجل تارة ، ونط ووثب ونقر وجنث ورشاقة وشقشقة تارة أخرى ، كأنها تشاهد  مباراة في كرة المضرب ، أو مباراة في كرة القدم ، أو تنظر إلى الجرائد المبعثرة المهملة في أركان المكتب ، أو تنظر إلى الأوراق البيضاء الفارغة من السطور المكتوبة ، كأنها تعشق اللون الأبيض ،أو تريد أن تصنع من تلك الأوراق فراشا لأفراخها في الفلوات والفيافي ، وكيف لا؟، وهي رمز السلام والصفاء والهناء والبراءة والنصاعة ،أو تنظر إلى كتب قديمة وحديثة ، وربما تريد أن تقرأ، وهي لا تعلم أن قصائد شعرية ومقالات نثرية تتحدث عنها؛ مهملة  في كتب وأسفار وموسوعات ومعاجم ومجلدات عتيقة ،منضدة مصففة فوق الرفوف في مختلف المكتبات العالمية ..لا أفهم ماذا تريد ؟؟؟، لما فتحت لها النافذة طارت إلى حيث لا أدري ، لقد ملت تصرفات الإنسان الوقح المتواجد في الحديقة المجاورة ،وفي أماكن أخرى ،كما مل ذئب؛" سان فرنسيسكو ذي أسيس" الإنسان آكل اللحوم من خلال المحاورة بين الكاتب والذئب …. إنها تحب الأماكن العالية الخالية خوفا من طغيان وعدوان الإنسان ،وفراغ قلبه من الشفقة والرحمة والحنان ، وخلو  عقله من ثقافة حب الطبيعة والحيوان وأخيه الإنسان ،ونسيان اليوم العالمي للطبيعة في الثالث من مارس، و اليوم العالمي للحيوانات في الرابع من أكتوبر،واليوم العالمي للتنوع البيولوجي في الثاني والعشرين من ماي ….ذكرتني ببيت لأبي العلاء المعري؛ فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة، وهو يتحدث عن أختها الحمامة قائلا ؛

أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد .؟ ./ والبيت مدور/.

ثم تذكرت اليمامة وهي جارية كانت تبصر الركب على مسيرة ثلاثة أيام ، أو زرقاء اليمامة وهي حذام الجديسية حتى قيل فيها "أبصر من زرقاء اليمامة " ، وحذام اسم لامرأة في الجاهلية يضرب بها  المثل في حدة البصر وصدق الخبر، وقال فيها الشاعر علاوة على المثل :

إذا قالت حذام فصدقوها /// فإن القول ما قالت حذام .

حذام  بكسر الميم ،وهذا البيت شاهد في النحو ، فأهل الحجاز اسم حذام يبنونه على الكسر في جميع أحواله ، وبنو تميم يمنعونه من الصرف ، فيقولون حذام بالضم، والفتح في حالة النصب ،والفتح نيابة عن الكسر في حالة الجر.

كما تذكرت أبياتا للنابغة الذبياني مشيرا إلى زرقاء اليمامة ؛

واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت //إلى حمام شراع وارد الثمد

يحفه جانبا نيق وتتبعه // مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا // إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فحسبوه فألفوه كما ذكرت // تسعا وتسعين لم ينقص ولم يزد

فكملت مائة فيها حمامتها // وأسرعت حسبة في ذلك العدد .          

هذه الأبيات من معلقة النابغة أبياتها تختلف حسب الروايات الشفوية من حذف أو تغيير أو زيادة ،وفتاة الحي أراد بها الشاعر زرقاء اليمامة فقالت وهي ترد ؛

ليت الحمام ليه …إلى حمامتيه /// ونصف قديه …تم الحمام ميّه .

الأبيات  فيها معادلة رياضية ، لا أدري ما درجتها ؟؟،بهذه المعادلة تذكرت مقولة شعبية بالدارجة تقول : دخل شخص على ثلة من الناس فخاطبهم قائلا :" السلام عليكم أيها المائة ،فأجابوا : أحنا ماشي في المائة ، خصنا أحنايا وقدنا ونصف فينا واربع فينا وزايد انت انوصل المائة " ،هي أيضا معادلة ،والحل معروف شفويا عددهم هو؛ 36زائد 36  وهو القد ،زائد النصف وهو؛18، زائد الربع وهو؛ 9 ، زائد 1 وهو المبادر بالسلام يساوي 100.

                   جير؛ هناك قصائد في الجبر والمقابلة كالأرجوزة الياسمينية للحفظ ،كما هو الشأن في الأراجيز؛ الشعر التعليمي الذي ينظم  لأجل الحفظ ؛/ ألفية ابن مالك /الأجرومية /وملحة الإعراب / وغيرها من الكتب …

هذه اليمامة قادتني  إلى أن استحضر معلومات  قديمة ،دونت بعضها في مذكرات ترجع إلى القرن الماضي ،بعضها حفظتها عن ظهر قلب ،بعضها ألقيتها على تلامذتي في دروس النحو حول  الممنوع من الصرف ، سافرت من خلال وحي اليمامة إلى العصر الجاهلي مع النابغة الذبياني ؛من كبار شعراء الطبقة الأولى الجاهلية ،له تاريخ مع المناذرة والغساسنة ، كان كناقد في ذلك العهد ،تضرب له القبة في سوق عكاظ ، ليحكم بين الشعراء الذين كانوا يعرضون عليه قصائدهم  ،كان نصرانيا من المذهب المونوفيزي على أغلب الأقوال ، وهو صاحب المعلقة مطلعها بدليل التصريع ؛

يادار مية بالعلياء، فالسند ////أقوت ،وطال عليها سالف الأبد .

وليس النابغة الجعدي المخضرم ،وكذلك حذام التي عاشت في الجاهلية ،الملقبة  بزرقاء اليمامة السالفة الذكر ، المشتهرة بحدة البصر ، دون أن أنسى ابن حزم الأندلسي في كتابه "طوق الحمامة " في حديثه عن الحب وأسبابه ومظاهره ، "الحب ــ أعزك الله  ــ أوله هزل وآخره جد "، وابن خفاجة الشاعر الرسام لطبيعة الأندلس ،وأحيانا يتحاور معها كما فعل في قصيد ة يصف فيها الجبل ،وفي الحمامة قال :

سقيا ليوم قد أنخت بسرحة /// ربى تلاعبها الرياح فتلعب

سكرى يغنيها الحمام فتنثني /// طربا ويسقيها الغمام فتشرب

ولا أنسى معركة اليمامة 11ه . والمثلين  ؛"أحكم من لقمان ومن زرقاء اليمامة "، "وزقّه زقّ الحمامة فرخه " … ومدينة تطوان  التي حملت لقب الحمامة البيضاء ، إشارة إلى بياض جدرانها ، مدينة الجهاد والثقافة والحضارة والسياحة والفنون الجميلة والموسيقى الأندلسية ،وهي بنت غرناطة ،ذات الموقع الجميل الجامع بين الجبل؛جبل درسة ،والبحر ؛ مارتيل ،رينكون ،رستنغا،   تكون وسيمة مبتسمة في فصل الصيف من حيث اعتدال الجو ، ولا أنسى الأغنيتين المشهورتين الجميلتين من غناء شادية وصباح فخري وفيروز ؛ "ياطيرة طيري ياحمامه" و"ياحمام يا مروح بلدك " ، لفيروز بصوتها الرخيم الرقيق مع الموسيقى الهادئة لعلاج المرضى بالأعصاب ، أين الفن الخالد ،والطرب الجميل ؛النهر الخالد / كيلوبترا / القمر الأحمر/ الأطلال/وو…. موسيقى ولفظا ومعنى ومبنى ووقعا وإيقاعا وتأثيرا …..؟؟؟  قادتني أيضا إلى القيام برحلة إلى جبال بني يزناسن ؛ حيث "مغارة الحمام " /بتافوغالت/ موطن الإنسان القديم بشرقيّ المغرب ، واستقراء الجينات والآثار … ولا أريد أن أتيه في عالم الأدب ؛لأنه طغم عميق بلا ريف ، وأنا لا أجيد السباحة، وأوجل من الغرق ،واكتفي بما قاله المفكر المغربي عبد الله العروي "الفكر مثل الحمامة إذا لم تقترب منها طارت بلا رجعة " ، وبهذه القولة ؛"تعلم من الزهرة البشاشة ومن الحمامة الوداعة ومن النحلة النظام ومن النمل العمل "، وأضيف بعض الانطباعات والارتسامات والاستنتاجات ؛  الحمام الزاجل أو الزجال أدى وما زال يؤدي دورا هاما في ميدان البريد ،والبريد يعني الرسول الذي ينقل الأخبار والرسائل ،كان يتم مشيا على الأقدام ،أو عن طريق الدواب ،أو عن طريق الحمام الزاجل الذي يطير بسرعة فائقة ، ويستمر في الطيران حوالي خمس عشرة ساعة بدون توقف واستراحة .وسيدنا نوح عليه السلام الأب الثاني بعد آدم ،أثناء الطوفان أرسل الحمامة لمعرفة هل هناك يابس ؟ ،وقد رجعت حاملة غصن الزيتون ،أما الغراب فلم يرجع بناء على بعض الروايات والله أعلم ، والدجاجة كانت الآلة الحاسبة بواسطة بيضها في ذلك الوقت ،بدون مركم ولا مداد ولا طاقة ولا كهرباء ،وبلا كلفة مكلفة في عد وضبط  عدد أيام الطوفان ، فبعض الحيوانات والحشرات تقوم بواجبها على ما يرام ،وتقدم خدمات جلّى جمّاء ؛خدمة الإنسان والاستئناس به ، العمل / حمل الأثقال / الإنقاذ / الإنتاج / الاقتصاد / المواصلات / الحرث / الدرس / … ؛ النحل ؛العسل ، دودة القز؛ الحرير،الغزال؛ المسك ، الحوت ؛العنبر، النمل ؛الكد والاجتهاد والمواظبة والاستمرار والادخار، لأنها تستهلك ولا تنتج ،وبعض المفكرين قادتهم إفرازات الحيوانات والحشرات إلى الإيمان بالله ، "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ".

هذه اليمامة المشاكسة المعاكسة كالبغلة الحرون ، إذا لم تحسن ركوبها لبطتك  ، لا تريد أن تدخل إلى مكتبي بعد أن فتحت لها النافذة ، هي ليست كالحمامة التي تندمج بسهولة ،وتعيش مع الإنسان ، ولا تطير وهي في الحديقة  حينما يقدم لها الحب والبذر ،ولا تغادر التمراد الذي تعيش فيه بجوار منزل الإنسان ، فاليمامة تحب الحرية والعزلة ،لأنها برية ووحشية ،وضرب من طير الصحراء، ومن الطيور المهاجرة ، إذا حبست لا تفرخ إلا نادرا، وإذا نجت فإنها لا تعود   ،لذلك تطير بكل حرية بدون تأشيرة ولا جواز ولا تعريف ، هي كهرة المنفلوطي التي تريد الحرية و لا تريد الطعام ولا الماء ….هذه اليمامة أخرجتني من مكتبي الصغير، لأطير مثلها وأسافر عبر الزمن البعيد ، وأضناني السفر والبحث فنسيت وجودي وموقعي في هذا الخضم العظيم  … منذ سيدنا نوح عليه السلام إلى الزمن القريب ، دفعتني إلى استرجاع بعض الأبيات والأفكار والأقوال والأشعار والأمثال ، والبحث عن اسمها وشكلها وسلوكها في الرفوف ، وعن شجرة الوراثة العرقية لمعرفة أصلها وفصلها وفصيلتها ، وعن شجرة "بروفوريوس" نسبة إلى أحد شراح منطق أرسطو ، لمعرفة جنسها حيث الأجناس المتنازلة من الأعم إلى الأخص ،تبتدئ من الجوهر حتى تنتهي إلى الشخص …. والكتابة عنها  لأستريح من استفزازها اليومي ، فهي دائما تنقر الزجاج النقر المصحوب بهديلها الحزين ،وسجعها الرخيم ،وهديرها المكرر المردد ، تترك سلحها على طنف النافذة ، لا تتركني أن أطالع وأكتب وأفكر وأنظر إلى ما يحدث وراء النافذة ،ومع ذلك كله ، وما ذكر وما لم يذكر ؛ يثير انتباهي شكلها الجميل، وريشها الناعم ، وقدها الرشيق ،ومشيتها المياسة الميادة ، فيها غنج ودلال وغندرة ..ومنظرها الظريف المليح، هي لوحة جمعت بين الحركة والرفرفة والطيران تارة ،والرقص والمشي تارة أخرى ، وبين الألوان المختلفة و مختلف الأصوات ــ كالألغاز الهيورغليفية ـــ التي ترددها من الصعب فهمها وفكها ،هي عروسة الطبيعة ، وزهرة الجنان ، ورمز العشاق والحب والسلام والصفاء والبراءة ، ومنبع الرحمة والحنان والإخلاص ،وعدت من الحيوانات ؛"مونوغاموس" التي لها رفيق واحد مدة  الحياة ،كذلك هي رمز للألم والعذاب والصبر والتحمل والشوق والحزن والأنين والحنين …ورسول الحب والعشق … تشكل طنفسة مزركشة ،ولوحة منمقة منمنمة حين تنتشر في الأرض ، وتشكل سربا جميلا حينما تطير في السماء ،لوحة طبيعية إلهية في برواز عظيم بدون حدود وهو الكون الذي لا يحد بالنظر والبصر ، فن إلهي جميل نافع من صنع الله ؛فالشمس جميلة باحمرارها في الشروق والغروب والسفر ،وبضوئها القوي وشدة حرارتها في كبد السماء ووسط النهار ، ولكن تنفع في الإضاءة والطاقة ونمو الأجسام والنباتات …والقمر يستمد منها النور ليضيء في الليل ويبدو جميلا وهو بعيد كأنه يسبح في السماء …. وابن المعتز يقول فيه حينما يكون هلالا:

انظر إليه كزورق من فضة //// قد أثقلته حمولة من عنبر .

والإنسان القديم  عبد الشمس والقمر دهشة وجهلا ووجلا …والأخير تغزل  فيه الشعراء ، قال قسطنطين زريق بهذا المعنى :"ماذا بقي للشعراء أن يصفوا فقوس قزح الذي وصفوه قد حلله العلماء ،والقمر الذي تغزل فيه الشعراء غدا سنسكنه " وإلى أن سمي بكوكب العشاق … والشعراء يربطون الحمامة بالعذاب والحزن والحب والبون والنواح والألم ، كل واحد  حسب نفسيته وشعوره وإحساسه ووضعيته ، فالحياة كلها تمر بين الأتراح والبرحاء والعسر والضراء ، وبين الأفراح والانفراج واليسر والسراء ،كميزان الحرارة بين الصعود والنزول والجمود .

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .