الرئيسية روبورتاج و تحقيق الناظور سوق ممتاز لشهود الزور بأبواب المحاكم

الناظور سوق ممتاز لشهود الزور بأبواب المحاكم

كتبه كتب في 27 فبراير 2024 - 11:26 م

سميرة قريشي – جريدة البديل السياسي

تعتبر شهادة الشهود من أقدم وسائل الإثبات، ولها أهمية كبرى في الدعاوى القضائية، خصوصا الجنائية منها. فإذا كانت الشهادة زورًا، قد تؤدي إلى أن يُدان بريء ويعاقب، أو يُبرَّأ مجرم ويفلت من العقاب. ولهذا عاقبت القوانين على شهادة الزور التي عُرِفت منذ أن عرف الإنسان الجريمة والعقاب، في المجتمعات القبلية وفي الحضارات الفرعونية وبلاد ما بين النهرين. وقد عاقب عليها قانون حمورابي بقطع لسان صاحبها.

كما نهى الدين عن شهادة الزور واعتبرها من الكبائر»..
وحيث أن شهادة الزور معقدة يتداخل فيها العرف والأخلاق والوازع الديني. يقول أحد المسؤولين القضائيين إنه يصعب إثبات شهادة الزور، فإن لم يردع لا الوازع الديني ولا الأخلاقي شاهد الزور ، فإن الحقيقة تغيب، ولا تظهر إلا مثلا باعتراف من الشخص ذاته أو الشخص الذي استعان به أو تضارب في المعلومات وانهيار شاهد الزور أمام القاضي وأسئلة النيابة العامة.
«جريدة البديل السياسي  » اقتحمت عالم شهود الزور في أماكن متعددة وقضايا مختلفة فكان التحقيق التالي
:
وجوه شاحبة تقضي ساعات طوالا في المقاهي القريبة من المحاكم ومراكز الضابطة القضائية، ينتظرون المتقاضين كلما أرادوا شاهدا يدعم قضيتهم، ولو كانت شهادته باطلة والغريب في الأمر ان شبكة يتزعمها (المدعو عابد -ح )التي تتوزع مابين محكمتي الابتدائية والاستئنافية ان اكانت الشهادة تتعلق بالضرب والجرح وفي الملفات الجنائية يكون ثمنها مرتفع ..

هذا هو حال العشرات من الممتهنين لمهنة «شاهد زور»، مقابل مبالغ مالية تختلف حسب نوعية الملفات، بين ما هو مدني وجنائي وعقاري، ولو كلّفهم ذلك القسَم بالشهادتين أمام الهيئة القضائية أو مصالح الأمن دون علمهم بالوقائع الصحيحة .
«
مهنة» أصبحت لدى البعض مورد الرزق الوحيد، بعد أن يتذوق الشاهد طعمها مباشرة بعد أدائه الشهادة أمام أعين المحققين أو القضاة، فأصبح الهاجس اليومي لهذه الفئة هو «سقوط» الباحثين عن الإفلات من العقاب بين أيديهم، قصد قلب حقائق ملفات القضايا الجنحية والجنائية والعقارية .
الملفات العقارية هي التي تحتل اليوم المقدمة في شهادات الزور، فالزبناء كثيرون و عليهم الطلب بشكل كبير وجل المدن التي تنشط فيها شبكات السطو على العقارات تعج مقاهيها بهؤلاء.
وتوجد شبكات من شهود الزور لا تكاد تفارق ملفات العقار، فنفس الأسماء تتكرر في مجموعة من الملفات التي أحيلت على المحاكم المغربية خاصة مدنالناظور زايو وأزغنغان  وأركمان والعروي وو……كما أن عشرة أسماء تكررت في الناظور  وحدها في أكثر من 10 ملفات تتعلق بشبكات السطو على العقارات جلهم من الشباب العاطل الذي يبحث عن المال السهل .
في البداية حاولنا استمالة أحد الذين يشتغلون في موقف قريب من محكمة الاستئناف بالناظور  من أجل الإدلاء بشهادة في ملفات جنائية و عقارية يتعلق ببقعة أرضية، أبعدني عن الموقف حيث يتجمع الكثير من الأشخاص ، حيث طلب مني توضيح نوع الشهادة التي اريد وعدد الشهود ، وبعد أن فبركت له ملفا عقاريا طلب مني عدد الشهود الذين حددتهم في اربعة، حيث أكد لي انهم مستعدون للشهادة بقولهم أمام رئيس الهيئة انني اتصرف في أرض فلاحية لمدة فاقت العشرين سنة وان خصمي مجرد محتل، وهو ما استجاب له أربعة من زملائه، وبدأنا في مناقشة الحيثيات حيث تم الاتفاق على مبلغ 1000 درهم لكل واحد منهم إضافة ل100 درهم عن كل جلسة، وضربنا موعدا بعد الظهيرة من أجل اطلاعهم على الملف وتلقينهم ما يجب أن يقال أمام المحكمة وتسلمت منهم أرقام الهاتف من أجل الاتصال بهم.
غادرتهم وأنا أتحسر على ما وصلت اليه أخلاق البعض وما أصبح يسكن أضلع بعض شبابنا بحثا عن المال بكل الطرق.

شهود الزور متنوعون، والشائع هم أولئك الذين يشهدون كذبا إما بمقابل أو بالإكراه.

الزور مهنة لأشخاص بعينهم حتى أضحوا أشخاصا يحملون صفة «شاهد زور»..

وتحولت الى «مورد رزق» للعشرات من الأشخاص الذين يتخذون من الأماكن القريبة من المحاكم ومراكز الأمن، منطلقا لهم لتضليل العدالة، بدل تنويرها، حيث تقضي ذات الوجوه ساعات طويلة في أماكن قريبة من المحاكم ومراكز الضابطة القضائية. ينتظرون المتقاضين كلما أرادوا شاهدا يدعم قضيتهم الصحيحة..

فشاهد الزور المحترف يكون معروفا وسط العديد من المصالح المرتبطة بالمجال العقاري، ويتحرك بناء على معلومات دقيقة تتعلق بالملفات العقارية ، خاصة وان مافيات العقارات تعتمد السرية والسرعة في إنجاز وثائق الاستيلاء على العقارات وتحتاج الى شهود وموظفين عموميين وأطر بالمحافظة .
الا ان الاعتماد على شهود الزور في إنجاز استمرار الملكية أو تحويل العقود من اسم الى اسم ، كلها تعتمد على الشهود وكلما ارتفعت قيمة العقار ارتفعت قيمة شهادة شهود الزور التي تصل احيانا الى نسبة مئوية من قيمة العقار لكنه لا يعتمد على وثائق مزورة .

يقول أحد القضاة الذين التقتهم «جريدة البديل السياسي  »، إن القانون الجنائي حدد عقوبة الشاهد بالزور بين سنة وخمس سنوات سجنا نافذا، حسب خطورة الشهادة المقدمة أمام القاضي، وإذا كشف الأخير وقائع مغلوطة قصد تضليل العدالة، فإنه يتم اتخاذ العقوبات طبقا للقانون الجنائي من طرف رئيس الجلسة.

وأوضح أن شهادة الزور تختلف بين ما هو عقاري أو جنائي أو جنحي أو مدني.. حيث يتم تدوين تصريحات الشاهد في محضر ويمثُل الشاهد أمام القضاة في الملف الذي أدلى فيه بوقائع غير صحيحة، أو يمكن أن يتحرك المتضرر من التصريحات المغلوطة للشهادة ويسجل شكاية لدى النيابة العامة، التي تأمر الشرطة القضائية بالتحقيق في ثبوت شهادة الزور، لكون تصريحات من هذا القبيل تتسبب في قلب حقائق الملفات، مما يتسبب في إلحاق أضرار بالمتقاضين وبالعدالة.
واعتبر المتحدث ذاته أن العقوبة تبقى كذلك مرتبطة بالقاضي، حسب اجتهاداته وسلطته التقديرية في الملف الذي يبت فيه والأخذ بعين الاعتبار الأضرار السلبية التي تسبب للضحية أو المتهم الذي يتحول إلى ضحية بعد كشف ثبوت عملية الزور في الشهادة المُتضمَّنة في محاضر الضابطة القضائية.
إن شهادة الزور كثيرا ما ضيعت حقوقا، وزيفت وقائع، وأعلت الظلم والباطل على الحق والعدالة، لكن التجربة أثبتت أن كل هذه العوامل مجتمعة، لا تساوي لحظة واحدة من عذاب الضمير، وفي انتظار أن يصحو ضمير شاهد الزور، سيبقى محيط المحاكم عبارة عن « سوق ممتاز» تستطيع فيه شراء شهادة على مقاسك

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .