الرئيسية البديل الثقافي فقرات رمضانية… تستضيف الغني عن التعريف عضو النافذة الشاعر والناقد والمترجم السوري المغترب في مملكة النورويج صديقي الأستاذ عبد الكريم بدرخان

فقرات رمضانية… تستضيف الغني عن التعريف عضو النافذة الشاعر والناقد والمترجم السوري المغترب في مملكة النورويج صديقي الأستاذ عبد الكريم بدرخان

كتبه كتب في 26 مارس 2023 - 12:56 ص

 الأستاذ خالد بوزيان موساوي  –  جريدة البديل السياسي :

فقرات رمضانية

تعود فقرات رمضانية لهذا العام 2023 في أبهى حللها

وفقرة: اجمل ما قرات اليوم (اليوم الثالث)

تستضيف الغني عن التعريف عضو النافذة الشاعر والناقد والمترجم السوري المغترب في مملكة النورويج صديقي الأستاذ عبد الكريم بدرخان

من خلال هذا النص البديع الشيق الهادف

قراءة ممتعة اتمناها لكم

خالد بوزيان موساوي

النص (من صفحته):

شاكيرا والبلاغة الاستهلاكية

منذ أقدم النصوص التي وصلتنا، كانت البلاغة البشرية تقوم على محاكاة الطبيعة، على تشبيه الإنسان نفسه بظواهر طبيعية. ففي النصوص السومرية -مثلاً- نجد إنانا تُوصَف بالأرض الخصبة والوردة والنبتة والشجرة والحقل المزدهر، بينما يوصَف الرجُل (دوموزي) بالمطر والرعد والثور الذي يحرث الأرض ويخصّبها… إلخ. وعبر تاريخ الأدب -كما لاحظ الأستاذ حنّا عبّود في كتابه “البلاغة من الابتهال إلى العولمة”- كانت البلاغة الإنسانية مستمدة من عالم الحيوان، من تشبيه الإنسان نفسه بالحيوانات وبعض صفاتها المتفوقة. فالمرأة الجميلة عصفورة وسنونوة وحمامة ويمامة وقُمرية وغزالة ورشأ ومها وفرس… إلخ.

من النادر أن تجد امرأةً تُوصَف بالذئبة، فالذئب حيوان شرس متمرّد لا يمكن ترويضه، وما زال يخيف الإنسان حتى اليوم رغم سيطرته على كثير من ظواهر الطبيعة. (ما زالت قضية الذئاب محلّ نقاش وتجاذب في البرلمان النرويجي والمحكمة العليا حتى هذه اللحظة). ولذلك سمّت العربُ الذئبَ بالسِّـيْـد، أي السَّـيّـد، لأنه يسُود ولا يعرف الضعة والخضوع.

كان نزار قباني من نوادر الشعراء الذين وصفوا المرأة بالذئبة، وذلك في قصيدة عن راقصة شرقية. واليوم صباحاً تصدّرتْ أغنية شاكيرا الجديدة عناوين الصحف العربية والأجنبية، وذلك لأنها مكتوبة ومغنّاة للانتقام من شريكها السابق اللاعب الإسباني جيرارد بيكيه. وفيها تشبّه شاكيرا نفسها بالذئبة مرتين، ويحق لـ بيكيه أن يخاف مما سمع.

لكن ما لفت انتباهي، ودفعني لكتابة هذا البوست الطويل الممل، هو تحوّل البلاغة البشرية في العصر الحالي إلى البلاغة الاستهلاكية. إذ تعقد شاكيرا مقارناتٍ بينها وبين شريكة بيكيه الجديدة (كلارا)، تأخذ صورة التشبيه التمثيلي، فمَن يستبدلُ بشاكيرا كلارا هو كمَن يستبدل بسيارة فيراري سيارة توينغو (خُنفسائية الموديل)، أو كمَن يستبدل بساعة روليكس ساعةَ كاسيو (اليابانية العملية). وهكذا تصبح النساء بضائع معروضة في السوق، تأخذ قيمتها من اسم الماركة وشهرتها. وينبغي للرجل الحكيم أن يختار الماركة الأكثر شهرةً وبريستيجيةً لكي يتباهى بها أمام الناس، فلا فرق بين الروليكس والكاسيو في القدرة على إخبارنا بالوقت، الفرق هو في القيمة الاستهلاكية الاستعراضية للماركة. لكنّ ما فاتَ شاكير أن الفيراري والروليكس تتعطّلان مع مرور الزمن، وتُستبدَل بهما سيارةٌ وساعةٌ جديدتان، ولسوف تُباعان جملةً أو كقطعِ خُردة في نهاية المطاف.

ورغم أنّ الخطاب الشاكيريّ نِسويّ في ظاهر الأمر، إلا أن المفاهيم الذكورية مترسّخة internalized فيه. فهذه المرأة المتمردة الشرسة “الذئبة”، لم تتركْ لشريكها السابق غير وصفِ “القطّة”. ثم تنسب إليه صفات الضعف والتوسّل والبكاء، بينما تبرّئ نفسها من ذلك بقولها: “النساء لا يبكين اليوم، النساء يدفّعونكم الثمن”. وأخيراً؛ حينما تشبه النساء بالسلع المعروضة في السوق، فمنهنّ الفيراري والتويوتا والكيا واللادا والظاظ دايو.

وأنا، كربيبٍ للبلاغة القديمة، بلاغة “عيون المها” و”ظبية البان” و”ريم الفلا” و”حمام الدوح” و”قُـبّـرات الغابة الإنجليزية”… لا أستسيغ هذه الأوصاف الجديدة، بعدما تحوّلت حيواتُنا كلها إلى سعيٍ دائب خلف الاستهلاك ثم الاستهلاك.

وشكراً لي.

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .