الرئيسية اجتمــاعيات من أجل أن يظل المرحوم الدكتور محمد سبيلا حيا بيننا..ذ عبد القادر طلحة

من أجل أن يظل المرحوم الدكتور محمد سبيلا حيا بيننا..ذ عبد القادر طلحة

كتبه كتب في 21 يوليو 2022 - 9:32 م

ذ: عبد القادر طلحة – جريدة البديل السياسي:

_على سبيل الوفاء لأستاذي الكبير المرحوم الدكتور محمد سبيلا، تفتحت ذاكرتي على فترة الدراسة والتحصيل الجامعية حيث كان المرحوم احد اعمدة شعبة الفلسفة في جامعة محمد بن عبد الله بفاس.

يقال في الموت ب “أنها حق” وفي القرأن نجد هذه الاية”انك ميت وأنتم ميتون” وفي الحديث”الموت تحفة المؤمنين” في هذا كله وجدت التعزية لنفسي والرضا بقدر الله ونحن نفقد مفكرا وفيلسوفا شامخا لا يعوض أخذه عنا المرض اللعين وكأنه الحمام يأكل الياسمين والحمام ليس سوى الموت اذا جاءك في المنام يقوم بفعل الأكل، والياسمين ليسوا سوى المفكرين حين يكونون ضحية لأكل الحمام كما يؤول ذلك النسفي،

هكذا اراد الله ان يأخذ اليه أحد رجالات الدرس الفلسفي المفوهين في الجامعة المغربية، وأحد عمالقة اطاريح الفكر الفلسفي المعاصر في كل منعرجاته كما عبرت عن ذلك مختلف مدارسه واتجاهاته منذ ظهور البنيوية.

لم يكن لي اتصال مباشر مع الدكتور، الا ما كان من علاقة بين الطالب واستاذه لمدة خمس سنوات، السنة الاخيرة في السلك الثالث، ومن الطبيعي ان عدد الطلبة يقل من سنة الى أخرى بسبب الرسوب او بسبب المغادرة للشعبة من طرف البعض نتيجة لاكراهات خاصة بالشعبة. وكل هذا وفر الظروف في اطار هذه القلة، من ان ينسج معنا المرحوم الى جانب اساتذة كبار اخرين علاقة خاصة في ميدان التحريض على البحث المستمر. سنوات التحصيل هذه كانت من سنة 74 الى سنة 1979.بجامعة محمد بن عبد الله.

كان الأستاذ المرحوم مكلفا بدرس الفلسفة المعاصرة فهو فارسها بلا منازع، الى جانب المرحوم الدكتور جمال الدين العلوي أسد الفلسفة العربية الاسلامية والفلسفة اليونانية وهما متنان لا ينفصلان.الى جانب الدكتور الهادئ سعيد بن سعيد العلوي المكلف بدرس الفكر العربي المعاصر والفلسفة الحديثة ثم الاستاذ الوقيدي الذي كان عاشقا لباشلار والابستمولوجيا بصفة عامة.

هم فرسان اربعة كما أسميهم وهم عنوان لمدرسة فلسفية تم التاسيس لها بفاس في مقابل مدرسة الرباط التي كان يترأسها الفيلسوف الكبير المرحوم محمد عابد الجابري وغيره. كان هناك تنافس ظاهر الا للذي لم يلاحظه، الم يصدر عن المرحوم جمال الدين العلوي كتابه الثمين”المتن الرشدي” في الوقت الذي كان فيه الجابري ينبش في اشكالية الفلاسفة في الشرق والغرب الاسلامين. الم يحقق المرحوم كتاب “في السماع الطبيعي” لارسطو،. بينما كان المرحوم سبيلا منهمكا في ترجمة النصوص الفلسفية المعاصرة وبدقة لا تضاهى محللا مميزا للنصوص والمتون الفلسفية الجديدة، بالإضافة إلى انخراطه في مقاربات للوضع السياسي في البلد وهو يكاد يكون مثقفا عضويا من خلال علاقته السياسية بأهم رافد سياسي وطني معارض كما كانت الفلسفة انذاك مشاغبة، ثم لقاءاته التي كان ينظمها بشكل دوري في مقرات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في انحياز منه إلى مشروع تغييري ، كما كان الاستاذ بن سعيد منشغلا بالمشروع السياسي فاستقل بدراسة المتن السياسي للاشاعرة من خلال كتاب الاحكام السلطانية للماوردي في الوقت الذي كان فيه الواقدي مهتما بباشلار والتوسير وبالابستومولوجيا على غرار المرحوم سالم يفوت بالرباط. أقول مدرستين في تنافسهما الخفي كان هذا الزخم من العطاء الفكري والفلسفي.

نعم كان للمرحوم انبهار خاص بعبد الله العروي ويعتبره رائد حركة التنوير ومؤسسها بلا منازع وايضا بمشروع محمد اركون حول الإنسية العربية وإعادة قراءة الفكر العربي بكل ذلك التنوع من المناهج التي أفصحت عنها العلوم الإنسانية حديثا.

ومن حيث الخصوصية، فقد كان المرحوم أستاذا مهابا في المدرج،جريئا على طلبته، وكنا نخاف من عاقبة اي سوء تقدير او سلوك منفلت لا يقبله، فأشد ما يكون حريصا على الا يمس اي أستاذ في شعبة الفلسفة في اي تظاهرة طلابية، ولكن كان يستفسر عن اية مطالب تتعلق بالشعبة لتذليل الصعاب، لا يحب الطلبة المتكاسلين، كما كانت له ذاكرة حادة بحيث يستطيع ان يتعرف على الطلبة الذين يتغيبون في محاضراته وكان لا بد ان يذكرهم به

بهذا السلوك اثناء اجتياز الاختبارات الشفهية. تعلمنا علي يده كيفية قراءة المتون الفلسفية وأخذنا منه عناوين لكتب تسمح بأن تكون مكتبة، أتذكر انه سألني ذات مرة عن مدينة الناظور ولم أعرف كيف علم اني من مدينة الناظور، وكان اخر لقاء معه بكيفية مباشرة في الامتحانات الشفوية لنيل شهادة استكمال الدروس المعمقة حيث ناولني نصا لمحمد اركون “بعنوان :ابتسمي الفكر الحديث” وطلب مني ان أهيئ النص لاناقشه مع اللجنة التي كانت تتكون من الأساتذة، فالي جانبه ،كان الدكتور. الاستاذ الحبيب الشاروني المكلف بدرس الفلسفة الوجودية والدكتور الاستاذ أحمد فؤاد المكلف بدرس الفلسفة الواقعية ببنما هو كان مكلفا بتلقين الفلسفة البنيوية.،وكان السؤال حولها مازال في بدايته:هل هي فلسفة ؟ ام علم؟ ام منهج؟.

وقد استقبلنا كطلبة ناجحين في مكتبه وفي جلسة مطولة كانت درسا في التوجيه التربوي والعلمي والمتمنيات بالتوفيق لذلك العدد من الطلبة الذي لم يكن يتحاوز الستة وانا ضمنهم.

وللشهادة ما سمعنا منه الا ما يفيد وكان حريصا ان يجعلك حريصا على الانضباط بطريقته الخاصة، وقد كسب بذلك احترام طلبته، واخر ما قرأت بعد وفاته ان بعض اعز أصدقائه كان يطلق عليه لقب “الجنرال” ولكن بزي فكري ، ففعلا كان يتحلى “بصرامة الجنرال” الفكري حيث الأوامر الفكرية هي موجبات اذا كان الفكر من جنس ما تفتقت به قريحة استاذنا الجليل،

نعم ،لكي يحيى بيننا رائدا للتنوير فيجب ان يخلد اسمه بإطلاق اسمه على فضاء من فضاءات الجامعتين اللتين درس بهما، وان يعتني بفكره بالسهر على توثيق ما لم يوثق وان يكون فكره درسا في شعبة الفلسفة.

اسكن الله الفقيد واسع جنانه لما قدم وأسدى وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .