الرئيسية منبر البديل السياسي الهديـــــــــــــــــــــة الثمينـــــــــــــــــــــــــــة

الهديـــــــــــــــــــــة الثمينـــــــــــــــــــــــــــة

كتبه كتب في 22 سبتمبر 2019 - 1:18 ص

جريدة البديل السياسي: محمد قشتو / المغرب /

قبل أسابيع ليست بالقليلة أنظر إلى مكان بين كتيباتي وضعت فيه علبة هدية وداخله تلك الوسادة الجميلة الصغيرة التي تلتف عليها الساعة القيمة الجميلة، فتذكرت هدية عبارة عن ساعة يد أهديت لي في وقت من الأوقات فضاعت مني، ثم أنظر إلى أين صارت؟ وكيف صارت؟ فعلمت بأني مضيع لقيمتي عند الناس، وما قيمة كل واحد عند بعض أحبابه او أحدهم أو جلهم أو كلهم، إلا هذا الحب الذي يعرض على شكل هدية من الهدايا، فيقدم كعربون اعتراف بالجميل . فالأب يلمس حب ولده من بره إياه..

أليس البر هدية شقت جناحيها من هداية الله سبحانه وتعالى للإبن لترفرف نحو والديه؟ والأم تلمس رضى ابنتها وفلذة كبدها من عفافها وحيائها.. أليس حياء البنت وعفافها في زمن كزماننا هذا، هدية غالية الثمن تقدم للأم على جني ثمرة زرعت بذورها في زمن قل فيه الحياء وتفشت فيه الشناعة والسماجة والسفور والفجور؟ والصديق يلمس الرفقة الطيبة في صديقه، فيدعوه للمسجد حيال سماع المؤذن وهو ينادي ويهتف للصلاة، أو يتآزر معه في شدة ورخاء وفي يسر وعسر، أو تراه يدعوه أو يتصل به أو يرسل في أثره لما ينفعه ويبهج حبة قلبه.. أليس هذا كله هدية من الله بها عليه من صديقه؟

أوليس التلميذ المجد والطالب المجتهد الذي يعرف قوانين مؤسسته فيطبقها، ويعرف قدر أستاذه فيعظمه ويكبره في عينه وقلبه، بهدية غالية من الله لهذه المؤسسة وأطرها؟ إن الهدايا من الله سبحانه وتعالى كثيرة لا تعد ولا تحصى، فكل نعمة ننعم بها إلا وهي هدية لنا من الله، ولننظر في جم النعم التي نتخبط فيها كل ساعة بل كل دقيقة، أفلا تستحق منا الحمد والشكر الدائمين؟ عذرا يا الله فمهما بلغنا فإننا والله ما شكرناك وحمدناك حق الشكر والحمد علام أغرقتنا فيه من النعم، وأسبلت علينا من هدايا لا نطرق التفكير فيها لحظة واحدة. فاللهم ارزقنا التوفيق الى شكرك وحمدك على أكمل وجه .. آمين آمين. وكما قالوا : فمن لا يشكر الله لا يشكر الناس، لذلك حق علينا أولا شكر واهب النعم وسالبها، فإذا كنا كذلك من الله علينا بفضله على شكر الناس .

فلما رجعت بذاكرتي إلى الوراء وأيقنت أن الهدية قد ضاعت فذهبت إلى غير رجوع، فالله أعلم بأي يد صارت، إن لم تكن صارت إلى خسران وزوال. أيقنت ثانية حينها أن الأسمى منها قد بقي ولازال وردا لا يذبل، لا أقصد موضعها، وإنما ذلكم الحب والإقتدار اللذان قد رفعا صاحبها في حبة قلبي وأصطفاه وأجلاه، مع إقرار مني بعجزي على بذل مثله أو نصفه . عندها تذكرت قول القائل : ((كل يهدي على قدره)) فأقر في نفسي أن أصحاب الخزانات الفاخرة والمكتبات الفخمة يهدون بنات الفكر وأمهات الكتب، والتجار يهدون حسب تجارتهم، فأصحاب الذهب والفضة والنحاس منهم يهدون من الذهب والفضة والنحاس، وأصحاب الأثواب أثوابا، وأصحاب المزارع يهدون مما في مزارعهم من خضر وقمح وشعير وغير ذلك، ، وأصحاب الزيتون زيتا، وأصحاب المواشي لبنا وسمنا، وأصحاب التمر تمرا ..

فإذا كان هؤلاء كما ذكرت فإني أهدي لمن اصطفاني ورفع قدره في قلبي ذات يوم بهدية أهدانيها وخصني بها، صغيرة كانت أو كبيرة، قليلة أو كثيرة، مادية أو معنوية، بل وحتى بكلمة طيبة نصحني بها ذات يوم، صدق محبتي وعظيم مودتي مرفوقة بأجمل حروف وعبارات، والتي أزعم – رغم ضعفي ونقصي – أني أعرفها وتعرفني وأنقاد لها وتنقاد لي، ولا أملك ما أستطرف به أسماعكم وأدخل به عليكم إلا الثناء المبجل الذين أنتم أهل له، والمدح المعظم الذي أنتم أصحابه، رعاية لقول الأول : دخلت السوق أبتاع // وأستطرف ما أهدي فما استطرفت للإهدا // ء إلا طرف الحمد إذا نحن مدحناك // رعينا حرمة المجد وإنكم يا أحبابي النجباء وأقربائي النبلاء تكونون بهديتكم تلك قد أوجبتم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأنفسكم في سن سنته واتباع أوامره، أوليس هو القائل صلوات ربي وسلامه عليه : ((تهادوا تحابوا)) وتكونون كذلك قد أوجبتم محبتي وقد قدرها الله لكم قبل الهدية والعطية، فصرت محبا لكم شغوفا بلقياكم، فلما أهديتموني مما لكم عظمت هيبتكم ورفعتم منزلتكم في قلبي إلى فردوسه الجميل، فلله در من قال : ((إن الهدايا قرابة وصلة كالرحم الماسة، والقرابة القريبة، وكلحمة النسب)) .

وإن منزلتكم مني قريبة فصارت بعد الهدية أقرب، فلو أهديتكم من ثنائي ما هو ألذ من المن والسلوى وأطيب من الشهد والحلوى، وأجل نفحا من المسك والعنبر والنرجس والبنفسج والفل والياسمين، ما أظن أنه أوفيتكم مني ما تستحقون، فكل ما أهديتم عبدي الضعيف يكاد ما يشبه ريحكم العطر، يخرج منه، ثم إنه في الحسن كالغزال المكحل. ألا تضحكون وتبتسمون؟؟ أم أن بعضكم ندم على تلك الهدية بعدما خرجت من ذمته؟ فمن كان كذلك فليمدد بسبب إلى السماء، وإن استطاع أن يبتغي في الأرض نفقا أو سلما في السماء فليفعل ليرجع هديته، ألا تسمعون النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

((الهدية رزق من الله عز وجل فمن أهدي إليه شيء فليقبله)) وهديتكم رزق لي من الله بعدما خرجت من ذمتكم وصارت في ذمتي. أيحصل الندم فعلا؟ كلا والله ما يحصل ولو تناطحت معكم بالجبال الشواهق، وإنما هو حديث طريف مني لكم علام تعودت مع كل واحد من طرافة وضحك وصرف الثقل عن القلوب. وأعذروني في هذه الهداية البسيطة التي أشركتكم فيها جميعا، فالمرء يهدي على مقدار طاقته، وما صح في ديننا كما تعلمون أن يتكلف أحد فوق قدرته وطاقته وربنا تلا في كتابه ما نلوذ به عند بابه، ألا وهو قوله سبحانه جل في علاه : ((ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)) وإني وددت لو أكتب إلى كل واحد منكم بما يتفوح به قلبي ويختاره لبي مما أودعته قريحتي وما ألصق بها في مجاراتها لأنواع الكتب، هذا وتقبلوا أفضل المحبات وأصدق المودات.

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .