الرئيسية كتاب وآراء البراغماتية وإشكالية الحقيقة…عبد المجيد طعام

البراغماتية وإشكالية الحقيقة…عبد المجيد طعام

كتبه كتب في 23 أبريل 2024 - 2:09 ص

عبد المجيد طعام- جريدة البديل السياسي 

البراغماتية وإشكالية الحقيقة

 

يعد مفهوم البراغماتية من المفاهيم الأكثر شيوعا بين الأفراد ، قد نصف الفرد بالبراغماتي لمجرد أنه يراعي مصلحته، ومن منا لا يراعي مصلحته ؟ قد نصبح جميعا براغماتيين ، إن وقفنا على عتبات المتداول بين العامة ، لذا وجب أن ننظر إلى البراغماتية كنسق فلسفي قائم الذات ،لهذا اخترنا أن نتكلم عن البرغماتية من خلال ويليام جيمس، فيلسوف وعالم نفس مخضرم عاش أواسط القرن 19 وبداية القرن 20 ، وهو أحد الرواد المؤسسين لهذه المدرسة الفلسفية إلى جانب تشارلز ساندرز بيرس وجون ديوي .

إن الحديث عن البراغماتية يختلف مع ما تعودنا أن نسمعه عن الفلسفة ، قد يرى البعض أن البراغماتية لا علاقة لها بالفلسفة لأنها تقوم على رفض المفاهيم التي يعتمد عليها الفكر الفلسفي ، يقول وليام جيمس “: إن البراغماتية لا تشير إلى نظام فكري فلسفي ، ولا تشير إلى موقف من معرفة، إنها لا تنظر إلى الفكرة كفكرة ولا تبحث في علاقتها بالحقيقة، إنها تهتم بالآثار العملية للأفكار” بالنسبة للبراغماتية ، ما يمنح قيمة للفكرة ليس هو محتواها بل آثارها العملية ..يرى البرغماتيون أن الفكرة ليس لها واقع مستقل ، هي مرتبطة بالنتائج العملية التي تولدها .. هذا التصور هو الذي جعل من البرغماتية تيارا فلسفيا غريبا وثوريا ،غيرت معايير تقييم الأفكار ،لم تعد تطرح الحقيقة معيارا لتقييم الفكرة ، بل اعتمدت مقياس الآثار العملية الملموسة التي تنتجها الفكرة … مع البراغماتية ستنفتح الفلسفة على نسبية جديدة شمولية ، رفعت من درجة غرابة هذا التصور الفلسفي ، أدت إلى طرح إشكاليات جديدة ، فإذا كانت قيمة الفكرة تقاس بنتائجها العملية ، علينا إذن أن نطرح بعين الاعتبار وجود طرف آخر في المعادلة البراغماتية ، ستوكل له سلطة تحديد وتقييم النتيجة العملية التي تنتجها الأفكار، فمن سيقوم بهذه المهمة ؟ وعلى أي أساس سيتم تقييم النتيجة العملية ؟

في الحقيقة إن تقييم النتائج العملية لفكرة ما ، سيعتمد دائمًا على وجهة نظر ، أو على معيار ما ،لكن كيف سيتحدد المعيار ؟ ومن سيحدده ؟ لا شك أن تقييم الأفكار اعتمادا على هذا التصور الفلسفي البرغماتي سيخضع في آخر المطاف لمعايير نسبية اعتباطية ، قد تكون للفكرة نتائج عملية هنا ، في المكان والزمان ، وقد لا تكون لها نفس النتائج العملية في زمان ومكان آخر …

في الفلسفة البرغماتية نواجه إشكالات كثير منها من سيكون له الحق في أن يقرر الفائدة ، والسبيل للتخلص النهائي من معيار الحقيقة ، حسب وليام جيمس علينا أن ننظر في نتيجة الفكرة أي في تطبيقها العملي ، ليوضح رؤيته جاء في درسه الأول عن البراغماتية ما يلي : ” الطريقة البراغماتية هي قبل كل شيء طريقة تضع جانبا النقاشات الميتافيزيقية، لأنها ضرب من العبث ، ما الفائدة التي حققتها الفلسفة بنقاشاتها الميتافيزيقية، هل هو واحد أم متعدد ؟ هل هو عرضة للفناء؟ هل هو مادي أم روحي ؟ كل هذه المفاهيم لا فائدة ترجى منها ، جاءت البرغماتية بهدف تفسير كل فكرة وفقًا لنتائجها العملية”

بالنسبة لوليام جيمس الفكرة وحدها لا تعني شيئا دون أن نرى أثرها العملي ، إن موقف البراغماتي تجاه فكرتين أو أكثر هو تحديد الاختلافات في الممارسة ، إذا لم نستطع تحديد ذلك فلا داعي لمناقشتها ، لنتفادى الخوض في جدال قد لا ينتهي . يرى وليام جيمس إن الفكرتين المختلفتين اللتين تؤديان إلى نفس النتائج هما فكرتان متطابقتان ، أما الفكرتان المتشابهتان اللتان تؤديان إلى نتائج عملية مختلفة فهما فكرتان مختلفتان ، كيف نفهم هذه المعادلة البراغماتية ؟ لنفهم هذه المعادلة نفترض أننا أمام فكرتين مختلفتين ، فكرة شخص يؤمن بالله وفكرة آخر لا يؤمن به ، الأول يعتقد أن الله لم يفرض عليه أي فرض ،لهذا يرفض أن يلتزم بأي طقس تعبدي ، الشخص الثاني بما أنه لا يؤمن بالله ، فلا يجد أي مبرر لممارسة أي طقس تعبدي ، ما هو إذن الاختلاف بين فكرتي الشخصين ؟ في هذه الحالة يجيبنا وليام جيمس ويقول لنا :” إن الفكرتين المختلفتين اللتين تؤديان إلى نفس النتائج هما فكرتان متطابقتان ” اعتمادا على النتائج العملية لفكرتي الشخصين ، أضحى الإيمان بوجود الله يشبه الإيمان بعدم وجوده، الفكرتان مختلفتان وهما متطابقتان من حيث نتائجهما، قد تبدو المعادلة البراغماتية غريبة وسريالية ، لكن وليام جويس يرى أن الفكرة لا تستمد قيمتها من صياغتها ، أي ليست لها قيمة ككيان مجرد مستقل عن العالم المادي ، قيمة الفكرة تتحدد دائمًا انطلاقا من نتائج الممارسة العملية.

تبدو فلسفة وليام جيمس غريبة وثورية وسريالية بالمقارنة مع الفلسفة السائدة ، ولعل هذا ما يدفعنا لطرح سؤالين : لماذا الفلسفة البراغماتية ؟ ما هي وظيفتها ودورها ؟ يتبع

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .