الرئيسية البديل الثقافي إشكالية الخطاب التنويري في الوطن العربي…تنويريون مغيبون / سلامة موسى وسؤال الحداثة .

إشكالية الخطاب التنويري في الوطن العربي…تنويريون مغيبون / سلامة موسى وسؤال الحداثة .

كتبه كتب في 1 أبريل 2024 - 2:25 ص

الأستاذ عبد المجيد طعام – جريدة البديل السياسي 

إشكالية الخطاب التنويري في الوطن العربي.

تنويريون مغيبون / سلامة موسى وسؤال الحداثة .

لم تكن تعارف على تسميته النهضة العربية الحديثة، إلا تعبيرا عن قلق وحسرة المفكرين العرب ،أمام هذا الغرب بحداثه وتنويره ، قلق هوياتي ووجودي في كثير من الأحيان ، لهذا لم ينتج أسئلة مرتبطة ارتباطا حقيقيا بمعضلة الهوية أو الإشكالية الوجودية ببعد فكري وفلسفي ،وإنما تمت الهرولة لصياغة مشاريع نهضوية لم غير ناضجة ، جاء الطهطاوي لحظة صدمة الحداثة، لكنه لم يستطع أن يجاري رياح الحداثة وتوجهاتها ، فشل في أن يتمثل القيم الغربية التي سافر إلى منبتها ، لم يكن قادرا على صياغة مشروع نهضوي حداثي ظل يدور في فلك التوفيقية الفجة.

جاء آخرون مثل فرح أنطون ،الذي مثل بداية ظهور جيل جديد من مفكري النهضة ، الذين يتميزون بالجرأة وسعوا إلى تحطيم الطابوهات من أجل تغيير حقيقي، يبتعد عن الإصلاح المتعثر منذ أكثر من قرنين ، وإذا كان الطهطاوي مسلما أزهريا ، فقد كان فرح أنطون مسيحيا أرثودكسيا ، نشير إلى أن جل المشاريع النهضوية ذات التوجه الحداثي تزعمها مفكرون مسيحيون ،بينما ظل المفكرون المسلمون يدورون في فلك التوفيقية ،وإخضاع الواقع للنص المقدس .

في نهاية القرن التاسع عشر وإلى العقد الخامس من القرن العشرين ظهر مجموعة من المفكرين ، ظل التوفيقيون حاضرون إلى جانب المتنورين أنصار الحداثة يطرحون تصورهم للتغيير ، يبنون أنساقا ثقافية وفكرية فيها الكثير من الجرأة ، ونحن نتحدث عن هذا التوجه الحداثي لا بد وأن نعرج على المفكر سلامة موسى .

سلامة موسى مسيحي من الأقباط (1887-1958) ،من أعلام الفكر التنوري والعَلماني في النهضة العربية المعاصرة، ومن مؤسسي المشروع الثقافي المعرفي النهضوي ، وحاملي راية اليقظة الفكرية ، الداعين إلى المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير، والكفاح من اجل بناء المجتمع المدني والحضاري الذي يضمن حرية وكرامة الإنسان.

عانى سلامه موسى كثيرا من الاضطهاد، بسبب فكره النقدي التحرري وسعيه الدؤوب إلى تحرير الذهنية العربية، وإيقاظ الأمة من غفوتها وسباتها وبؤسها ، ساهم في تقريب الثقافة الانسانية والتقدمية العالمية إلى قلوب وعقول الناس ، وآمن بقدرة العقل البشري على مواجهة العجز الفردي والاجتماعي والفكري ، والتخلص من الفساد والاستبداد والظلم وإصلاح المجتمع.

تمرس في بدايات حياته الفكرية على الكتابة، وكان على صلة بالمقتطف والهلال ورئيس تحرير مجلة “المستقبل” و” الهلال”، ومن خلال صلاته وعلاقاته بيعقوب صروف وفارس نمر وجرجي زيدان، اكتسب الخبرة والتجربة الكتابية ، واتجه إلى تبسيط المعلومات وإخراجها بأسلوب شفاف وبسيط وواضح المعاني ،وسهل الفهم ومليء بالشحنات العاطفية . تعتبر كتبه “التثقيف الذاتي” و “طريق المجد للشباب” و”الأدب للشعب” و”أحاديث إلى الشباب” و “فن الحب والحياة” “وهؤلاء علموني” و”مقالات ممنوعة” من أكثر الكتب انتشارا بين قطاعات الشباب والقراء في العالم العربي إلى نهاية السبعينات من القرن الماضي.

يعد سلامة موسى أحد الأسماء البارزة من جيل التنويريين المصريين، الذين عاشوا في النصف الأول من القرن العشرين، بكل أحداثه التاريخية، المهمة والمؤثرة في مسارات حياتهم وتشكلاتهم الفكرية، من بينها اندلاع الحربين العالميتين، الأولى والثانية، إضافة إلى الطفرات الفكرية والعلمية، والكشوفات والاختراعات، في ميادين العلم والسياسة والمعرفة، مثل: النظرية النسبية، والأفكار الاشتراكية والقومية، و نظرية النشوء والارتقاء. التي تأثر بها كثيرا .

سافر إلى فرنسا، عام 1906 ، مكث فيها ثلاثة أعوام، وانتقل بعدها إلى إنجلترا ومكث بها أربعة أعوام، بغية إكمال دراسته في القانون، خلال هاتين المرحلتين، تشكّلت لديه المرتكزات الفكرية الأساسية ، التي صنعت وعيه الفكري ، عبر اطلاعه على المنجز العلمي والأدبي والمعرفي في الغرب، تأثر بماركس وفولتير، وبرنارد شو وتشارلز داروين. بعد عودته إلى مصر ، صار سلامة موسى عراب الاشتراكي الإصلاحية (أي غير الثورية) كما صار عراب الدعوة إلى العلم واللحاق بالحضارة الغربية ونقد الحضارات الشرقية. ساهم مع المؤرخ المصري المعروف محمد عبدالله عنان في تأسيس “الحزب الاشتراكي المصري ذي النزعة الاشتراكية الإصلاحية (المعروفة باسم الاشتراكية الفابية، كان الناقد المصري (الماركسي) الشهير غالي شكري من أبرز المنافحين عن سلامة موسى وقيمة رسالته الفكرية.

يقول غالي شكري: ” كان سلامة موسى يرى أن تحرير الطبقات المطحونة، من عبودية الوهم والخرافة ،سوف يؤدي إلي تحرير تلك الفئات من سائر أشكال العبودية”. وكان المحافظون ،وعلى رأسهم مصطفى صادق الرافعي الذي سبق وأن خصص كتابا بأكمله للهجوم على أفكار طه حسين بخصوص نحل الشعر الجاهلي ، يمقتون سلامة موسى ويكيلون له التهم انطلاقا من نزعة التعصب الديني الأعمى.

كان سلامة موسى هو أول من استعمل مصطلح ثقافة في اللغة العربية ، وهو أيضاً اول عربي يحتفل بعيد الأم، وهو أول من طرح فكرة اشتراكية التطور وليست اشتراكية الطفرة، في كتابة السوبر مان الذي صدر عام 1910 أي قبل قيام الثورة البلشفية ، وقبل قيام الاتحاد السوفيتي ، وقد اغلقت له الحكومات المصرية المتتالية 15 صحيفة ، بسبب كتاباته عن التطور والداروينية، وهو أول من طرح فكرة تأميم قناة السويس.

يؤكّد سلامة موسى أنّ الدين ينشئ الاضطهاد، بسبب استغلاله من طرف السلطة السياسية . وتبرز أهمية مقولته “أسوأ ما تُصاب به أمّةٌ، أن يتّحد الدّين مع الاستبداد”، التي جاءت في كتابه: “هؤلاء علموني”، في راهنيتها الشديدة، واستمرارية صلاحيتها، في الواقع الراهن، فهي تشكّل رؤيةً ثورية لوقائع الانسداد التاريخي، الذي يعاني منه كلّ مجتمعٍ، يتعرض للانحطاط، والسّقوط في فخِّ الاستبداد باسم المقدّس، وأسباب ذلك الانسداد، ومن ثمّ الدخول في دوّامة العنف والاضطهاد، لكلّ من يخالف تلك السلطة القسرية. وقد عمد سلامة موسى، إلى بناء موقفٍ نقديّ وجذريّ من التراث، الذي لم يعرف فيه المهادنة أو التوفيق، رفض السلفية بكلّ

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .