الرئيسية البديل الثقافي رسائل في الخداع الشرعي (3)…سعيد ناشيد

رسائل في الخداع الشرعي (3)…سعيد ناشيد

كتبه كتب في 5 أبريل 2024 - 3:35 م

سعيد ناشيد –جريدة البديل السياسي 

رسائل في الخداع الشرعي (3)

من خدائع الإسلاميين أن الحضارة الغربية ستنهار قريبا، وسيكون انهيارها في مصلحة الإسلام والمسلمين ! وسواء انهارت بسبب طابعها المادي، أو انحلالها الأخلاقي، أو حرب عالمية ثالثة، أو سنن الله أو التاريخ، فانهيارها قدر لا راد له !

على ذلك الأساس تمت صياغة قاموس سياسي بديل عن قواميس العلوم السياسية الحديثة، بدعوى التبيئة، الأسلمة، والتأصيل، وهو الإجراء الذي دشنته الحالة الإيرانية حين استغلت أجواء ما سمي بالصحوة لتُحدث انقلابا مفاهيميا، حيث سميت الإمبريالية العالمية بالاستكبار العالمي، والمقاومة الوطنية بالجهاد الإسلامي، والإصلاح السياسي بتغيير المنكر السياسي، والاستبداد بالطاغوت، وأمريكا بالشيطان الأكبر، إلخ.

غير أنّ المسلم الذي يقتنع بأنّ انهيار الحضارة الغربية حتمية تاريخية ومصلحة إسلامية، سرعان ما ينتقل من طور الانتظار إلى طور العمل على استعجال الدمار. ما يبرر النزعة العدوانية في سلوك البعض. مثلا، كان القائد الميداني لهجمات الحادي عشر من شتنبر 2001، محمد عطا، أحد أبناء حواضن الانتظار، ثم تنقل بين ألمانيا وأفغانستان قصد التمرن على التعجيل بالدمار الذي يبدو كأنه تأخر أكثر من اللزوم ! وجاءت قبل ذلك إدانة عمر عبد الرحمن بالمؤبد بعد إصداره فتوى تحرض على القيام بهجمات إرهابية، عبر الدروس الرمضانية التي كان يلقيها في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد وضع الإسلام السياسي عشرات الآلاف من الشباب المسلم في أفق انتظار انهيار الغرب، الأمر الذي حوّل بعض ضواحي المدن الغربية إلى حواضن للمحبطين بسبب تأخر ذلك الانهيار، حيث يحاول البعض التعجيل بنبوءة طال انتظارها !

والآن سنحاول تفكيك مغالطات تلك النبوءة:

– أولا، فكرة أنّ الغرب سينهار قريبا:

في أجواء الحربين العالميتين، وأزمة 1929، وانتشار حركات التحرر ضد الاستعمار، تشكلت فرضيات حول قرب انهيار الحضارة الغربية، صاغها بعض المفكرين الغربيين المأساويين، ثم سرعان ما استهوت الإسلاميين الذين تداولوها على طريقة النبوءات الخلاصية. لكن بمعزل عن الأماني الوسواسية، لا توجد مؤشرات موضوعية لقرب انهيار حضارة لا تزال هي الأكثر احتراما للتعددية، والتداول السلمي للسلطة، ومناهج البحث العلمي، ومسائل الإبداع الفني، وقضايا الحريات الفردية، والمساواة الجنسية، وحقوق الأقليات إلخ. وإلا فما هي مؤشرات انهيار حضارة لا تزال تمثل الأفق الكوني لكل الحالمين بالهجرة نحو حياة جديرة بأن تعاش، ومعرفة جديرة بأن تُعرف؟ لعلها ثلاثة مؤشرات مزعومة: النزعة المادية، والنزعة الإباحية، والحرب العالمية الثالثة، وسنن التاريخ. سنناقشها تباعاً وسريعا.

– ثانيا، فكرة أنّ الغرب سينهار بسبب ماديته:

توصيف الغرب بأنّه مجرد حضارة مادية خالية من الروح هو مغالطة يروج لها الجهلوت. فكيف لحضارة تتفوق في مجالات الإبداع الموسيقي والفلسفي والمعماري والأدبي والجمالي، أن تكون حضارة مادية بلا روح؟ وإذا لم تتجلى الروح الإنسانية في روائع السمفونيات الخالدة، والأدبيات الأنطولوجية، وتجديد البعد الروحي للمحبة المسيحية، فأين ستتجلى إذاً؟! ومن ذا الذي بإمكانه ادعاء أن الروح قد تتجلى في إنسان يحرم الموسيقى، والفنون الجميلة، ويستنكر العشق الإلهي؟ !

– ثالثا، فكرة أنّ الغرب سينهار بسبب انحلاله الأخلاقي:

تكفي مقارنة بسيطة بين مظاهر التحرش الجنسي في كل من المجتمعات الغربية والمجتمعات ذات الغالبية المسلمة حتى تنكشف الخديعة. هذا دون الإشارة إلى المظاهر التي تجسد المعنى الحقيقي للفساد الأخلاقي: الرشوة، التهرب الضريبي، الغش، الكسل، الكذب، إلخ. فهل لدينا ما نقدمه من دروس أخلاقية للآخرين غير مظاهر النفاق؟ !

– رابعا، فكرة أنّ الغرب سينهار بسبب الحرب العالمية الثالثة:

هذا الرهان السوداوي انتهى مباشرة عقب سقوط جدار برلين، مخلفا وراءه ذكرى سيئة لعقلية تنتظر موت الآخر لكي تقتات على جثته مثل الضباع، مقابل شعوب أخرى انطلقت قبل نصف قرن من الزمن وصارت اليوم تنافس الغرب في مختلف ميادين الحياة، دون أن تنتظر انهياره.

-خامسا، فكرة أنّ الإسلام سيصعد عقب انهيار الغرب:

يندرج الأمر ضمن ما يصطلح عليه البعض باسم سنّة التدافع الحضاري. حيث الإسلام هو الأحق بقيادة البشرية في المرحلة القادمة، وذلك لسبب ما ! لكن في الوقت الذي كان فيه أنصار ما يسمى بالصحوة الإسلامية يرقبون انهيار الغرب كما لو أنّهم يرقبون هلال عيد الفطر كانت شعوب أخرى مثل اليابان والصين والهند تشق طريق الصعود من دون حاجة لانتظار سقوط الغرب.

أيا يكن، حتى وإن سقطت الحضارة الغربية لأي سبب، فلن تنهض أي حضارة بديلة بدون الاعتماد على مكتسبات الحداثة والتنوير، بكل ما يعنيه ذلك من قدرة على استيعاب قيم العقل، والمساواة، والحريات الفردية، وحقوق الإنسان، وروح البحث العلمي، ونحو ذلك. عدا ذلك، سيكون انهيار الحضارة الغربية في حال حدوثه مجرّد تدهور عبثي للنوع البشري برمته، مجرد خسارة للإنسانية جمعاء، بكل حضاراتها، بكل ثقافاتها، وبكل ديانتها.

هذا ما يراه كل ذي حس سليم.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .