الرئيسية كتاب وآراء القرار الأوروبي بين عقلية الوصاية ومنطق الإبتزاز

القرار الأوروبي بين عقلية الوصاية ومنطق الإبتزاز

كتبه كتب في 22 يناير 2023 - 2:43 ص

البشير الحداد الكبير،باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بطنجة

سنبدأ هذا التحليل بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2021 حيث قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده :”… فالمغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة ، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون ، في ارتباط قوي بين العرش والشعب.

والمغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات ، التي يعرفها العالم… “، لقد صدر هذه الأيام قرار عن البرلمان الأوروبي يتهم فيه المغرب  بتهم تتعلق بالصحافة وحقوق الإنسان،أقل ما يمكن أن نقول عن هذا القرار أنه مسيس، فهو يحاول فرض وصاية حقوقية وقضائية على المغرب والتعامل بمنطق الإبتزاز،هذا القرار صادر عن جهات أزعجها مغرب اليوم الذي يعرف تقدما تنمويا في شتى المجالات ويتمتع بسياسة خارجية مبنية على المصداقية والشفافية، أزعجبهم مغرب اليوم الذي اعتمد على تنويع شراكاته الإستراتيجية.

قبل الخوض في حيثيات القرار، إن أوروبا تعرف جيدا بأن المغرب شريك وحليف إستراتيجي لها في العديد من القضايا(محاربة الإرهاب والهجرة غير المشروعة ومختلف أنواع الجرائم،شراكات في مجال الفلاحة والصيد البحري والبحث العلمي والثقافة… إلخ)،لكن هذا القرار يعتبر خيانة عظمى.

إن المغرب بموجب دستور 2011 خصص بابا كاملا(الباب الثاني) عنونه بالحقوق والحريات الأساسية ووضع مؤسسات دستورية معنية بحقوق الإنسان،كما أنه كرس لمبدأ إستقلال السلطة القضائية من خلال الباب السابع وجعل النياية العامة مستقلة كذلك عن الجهاز التنفيذي بموجب القانون 33.17 بل أكثر من ذلك أن جلالة الملك هو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية بموجب الفصلين 56 و115، وجعل من بين أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية مؤسسة الوسيط” و” المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، وهذه إشارة منه على احترام حقوق الإنسان وتكريس دولة الحق والقانون،فجلالة الملك هو القاضي الأول في المملكة بإعتباره أمير المؤمنين ورئيس الدولة،كما أن جلالته هو المختص بتعيين وسيط المملكة ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان،وبالتالي فالمجال القضائي والحقوقي تمت حمايته بيد المؤسسة الملكية، كما أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية قوية، ونحن اليوم بصدد تنظيم قضائي جديد (القانون 38.15) يتماشى مع المنظومة القضائية الدولية، كل هاته الإصلاحات التي عرفها المغرب ليست شعارات هدفها تلميع صورة المملكة دوليا وإنما هي قناعة من المؤسسة الملكية وباقي الفاعلين يتم تطبيقها على أرض الواقع.

إن إستهداف المغرب من خلال هذا القرار يذكرنا كذلك بقضية بيكاسوس التي حاولت المساس بمصداقية المؤسسات الأمنية والإستخباراتية المغربية،وبالتالي نلاحظ أن الوسائل تتعدد والأطراف تختلف لكن يبقى الهدف الأساسي هو تشويه سمعة المغرب والمساس بإستقراره.

إن قرار البرلمان الأوروبي تناسى بأن المغرب تم انتخابه السنة الماضية،يوم الثلاثاء 11 أكتوبر 2022 بنيويورك، عضوا بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة 2023-2025، وذلك انطلاقا من الدور الأول وبأغلبية ساحقة بـ 178 صوتا، إن هذه الانتخابات بالأغلبية الساحقة، تشكل دليلا على ثقة المجتمع الدولي في المملكة المغربية، وتؤكد مصداقية الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، من أجل حماية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والنهوض بها. وتعتبر هذه الانتخابات، أيضا، اعترافا بالدور الذي يضطلع به المغرب، العضو المؤسس لمجلس حقوق الإنسان، وعمله المتواصل، على مستوى تعزيز الحوار والتعاون الدولي للنهوض بحقوق الإنسان، في إطار الرؤية الملكية السامية من أجل تعددية تضامنية وواقعية.

وتشكل التزامات المملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، على المستوى الدولي، امتدادا للدينامية الوطنية في مجال تعزيز الديمقراطية ودولة الحق والقانون وحقوق الإنسان. كما أنها تكرس تشبث المغرب الراسخ، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بالقيم العالمية للمساواة بين الرجل والمرأة، والتعددية، والاعتدال، والتسامح، والتعايش السلمي، والحوار بين الحضارات والثقافات والديانات.

بقراءة لعدد المصوتين على القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي نجد 356 من أصل 430 برلماني، في حين أن عدد أعضاء البرلمان الأوروبي هو 705،يعني كانت هناك غيابات، بل أكثر من ذلك نجد رفض 32 عن التصويت وإمتناع 42، وبالتالي نجد أنه رغم أن هذا القرار مسيس وهدفه النيل من المغرب، لكن هناك إنشقاقات داخل البرلمان الأوروبي، هناك دول تعرف المغرب جيدا وتعرف أنه ملتزم بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان وبحرية الصحافة.

إن إقحام الصحافيين في هذا القرار واتهام المغرب بأنه لا يحترم حرية الصحافة، اتهام لا أساس له من الصحة، فالمغرب يضمن جميع الحقوق للصحافيين ويضمن حرية التعبير بموجب الدستور والقوانين والمواثيق الدولية، وبخصوص عمر الراضي، فلم يتم اعتقاله لكونه صحافيا وإنما بسبب قضايا جنائية “الإغتصاب”، فالمغرب منذ سنة 2016 حذف العقوبات السالبة للحرية في حق الصحافيين من قانون الصحافة، ويتم إحترام شرط علانية المحاكمة، فإجراءات توقيف عمر الراضي تمت وفقا للدستور والقانون ومقتضيات قانون المسطرة الجنائية،وتمتع هذا الشخص بضمانات المحاكمة العادلة،فالإصلاحات التي عرفها القضاء المغرب تضمن للجميع ولوجا حرا ونزيها إلى العدالة،وسنذكر البرلمان الأوروبي بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2014 حيث قال جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره :”… إننا لسنا ضد حرية التعبير ، والنقد البناء ، وإنما ضد العدمية والتنكر للوطن.  فالمغرب سيبقى دائما بلد الحريات التي يضمنها الدستور…”.

وفي الختام،إن قرار البرلمان الأوروبي يعبر بكل صدق وموضوعية عن إنزعاج أعداء وحدتنا الترابية من التقدم الذي يعيشه المغرب بفضل الإصلاحات التي دشنها جلالة الملك حفظه الله ورعاه منذ إعتلاءه عرش أسلافه المنعمين،لقد أزعجهم مغرب اليوم، لقد أزعجهم أن زمن الأستاذ والتلميذ انتهى وبأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس،وبأن المغرب قوي بماضيه وحاضره ومستقبله في ظل التلاحم القوي بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي،وسنختم مقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2021 :”… شعبي العزيز،

يتعرض المغرب، على غرار بعض دول اتحاد المغرب العربي، لعملية عدوانية مقصودة.

فأعداء الوحدة الترابية للمملكة، ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا.

وقليل من الدول، خاصة الأوروبية، التي تعد للأسف من الشركاء التقليديين، تخاف على مصالحها الاقتصادية ، وعلى أسواقها ومراكز نفوذها، بالمنطقة المغاربية.

كما أن بعض قياداتها ، لم يستوعبوا بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي ، ولا تستطيع أن تساير التطورات.

وقد أبانت الشهور الأخيرة، أن هذه الدول تعرف ضعفا كبيرا، في احترام مؤسسات الدولة، ومهامها التقليدية الأساسية.

لذلك يريدون أن نصبح مثلهم، من خلال خلق مبررات لا أساس لها من الصحة، واتهام مؤسساتنا الوطنية، بعدم احترام الحقوق والحريات، لتشويه سمعتها، ومحاولة المس بما تتميز به من هيبة ووقار.

إنهم لا يريدون أن يفهموا، بأن قواعد التعامل تغيرت ، وبأن دولنا قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها، لصالح شعوبنا.

لذا، تم تجنيد كل الوسائل الممكنة، الشرعية وغير الشرعية، وتوزيع الأدوار، واستعمال وسائل تأثير ضخمة ، لتوريط المغرب ، في مشاكل وخلافات مع بعض الدول.

بل هناك تقارير تجاوزت كل الحدود. فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب ، في توازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية.

كما دبروا حملة واسعة، لتشويه صورة مؤسساتنا الأمنية، ومحاولة التأثير على قوتها وفعاليتها، في الحفاظ على أمن واستقرار المغرب؛ إضافة إلى الدعم والتنسيق، الذي تقوم به في محيطنا الإقليمي والدولي، باعتراف عدد من الدول نفسها.

ورب ضارة نافعة؛ فمؤامرات أعداء وحدتنا الترابية، لا تزيد المغاربة إلا إيمانا وإصرارا، على مواصلة الدفاع عن وطنهم ومصالحه العليا.

وهنا نؤكد بأننا سنواصل مسارنا، أحب من أحب، وكره من كره، رغم انزعاج الأعداء، وحسد الحاقدين.

شعبي العزيز،

هناك من يقول بأن المغرب يتعرض لهذه الهجمات، بسبب تغيير توجهه السياسي والاستراتيجي، وطريقة تعامله مع بعض القضايا الدبلوماسية، في نفس الوقت.

هذا غير صحيح. المغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون؛ لأنه لا يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا. وفي نفس الوقت، يحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة،خاصة مع دول الجوار… “.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .