الرئيسية كتاب وآراء من وحي الحي “الحومات والمداشر” بقلم ذ.محمادي راسي

من وحي الحي “الحومات والمداشر” بقلم ذ.محمادي راسي

كتبه كتب في 15 مارس 2021 - 10:52 م

بقلم ذ.محمادي راسي                       

من أوراق مهملة فوق الرفوف

من وحي الحي “الحومات والمداشر”17/21

الــــمـــــدارس

تمــــــهيـد

درس الرسم :عفا / الأثر تقادم عهده / الثوب بلي / البعير جرب /المرأة حاضت / والقمح والشعير فصل بينهما عن السنبلة /الموضوع تقصاه / الكتاب أحاط بما فيه من علوم أو معارف / العلم على  فلان تلقاه على يديه وتتلمذ عليه /لقنه درسا أعطاه درسا نصحه بشدة وبصورة مباشرة / درست الحوادث فلانا جربته دربته / دروس الأشياء :تتناول الجسم البشري والحيوانات والنباتات والآلات والمعادن والماء والهواء …/ المدرسة المكان الذي يتعلم فيه التلاميذ /المدرس الكتاب يدرس فيه /المدراس بيت تدرس فيه التوراة أو مدارس اليهود / النبي إدريس عليه السلام  اسمه مشتق من الدراسة والدرس لكثرة دراسته  لكتاب الله تعالى ،  وكان يشتغل بدراسة الصحف المنزلة ، وهو نبي صدّيق من نسل  شيت بن آدم ،ينسبون إليه إيجاد علم الكيمياء وبعض الفنون وبناء المدن ،ويروى أنه يشابه هرمس عند قدماء المصريين واليونان وأخنوخ في التوراة .

درس فعل ؛وهو أصل الكلمة عند أهل الكوفة ، والدرس مصدر؛ وهو أصل الكلمة عند أهل البصرة ، والمدرسة اسم مكان، وتبادر إلى ذهني بدافع المعرفة  أن أقف حتى عند حروف “درس ”  ؛ للتعرف على دلالاتها من حيث الصوت ،وقيمتها من حيث حساب الجمل  ؛الدال من حروف الهجاء،وهي  وفي حساب الجمّل أربعة ، ومن الحروف النطعية ، ومن صفاتها أنها شديدة يمتنع معها النفس مجهورة مرفقة ، الراء من حروف الهجاء، وهي  في حساب الجمّل بمثابة مائتين من العدد ومن حروف الذولقية ،من صفاتها رخوة مجهورة مرفقة ،والسين من حروف المباني ، وهي في حساب الجمّل بمثابة الستين من العدد ،ومن الحروف الأسليّة ،  من صفاتها رخوة مهموسة مرفقة وهي من حروف الصدور ،  السين المفردة تختص بالمضارع  ،وقال المعربون إنها حرف تنفيس أي حرف توسيع  ، وقيل إنها حرف استقبال ، وقد تأتي للاستمرار لا للاستقبال ، والمولدون يشبهون الطرة المصففة من الشعر بالسين الواقعة غير طرف لأنها تستوي على شكلها .قال التهامي :

الطرس كالوجه والنونات دائرة

مثل الحواجب والسينات كالطرر.

والسادي ؛هو السادس بإبدال الياء من السين ، قال الشاعر

إذا ما عد أربعة فسال // فزوجك خامس وحموك سادي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حينما نذكر كلمة مدرسة تحضرنا أشياء تتعلق بها ،كالكتابة والقراءة والتعلم والحفظ ، والحجرات والأساتذة والمدراء والحراس والساحات والمراحيض والأنشطة الموازية …ونتذكر أيضا مدارس من القرن الماضي التي كانت قبل الاستقلال في “مداشرنا وحوماتنا “،لعبت أدوارها في ذلك العهد ،وأعطت ثمارها من حيث تكوين الفرد وتعليمه القراءة والكتابة  وحفظ القرآن ،ومبادئ الشريعة الإسلامية ،في عهد الاستعمار والتحجر والاستبداد والاستغلال والجهل ، ونحمد الله رغم قلة المعدات والتجهيزات ووسائل الإيضاح ،والطرق التربوية الحديثة ، فقد خرّجت أطباء  ومهندسين ومعلمين وأساتذة ومدراء وفقهاء  وموظفين وفي الجيش برتب عالية ، منهم مازال يشتغل، ومنهم من تقاعد ،ومنهم من رحل إلى دار البقاء، رحمهم الله جميعا ،فالمدرسة مهد العلم والمعرفة والتربية والإشعاع الثقافي،فالفاعل دائما مرفوع ، ومربع فضلة حدين والمعادلات والجمع والضرب والطرح والقسمة وجدول الضرب والقواعد الفيزيائية والكيميائية ، ما زالت سارية المفعول ، ولم تتغير  إلى يومنا هذا رغم مرور العصور ، ولكن نحن نتغير بواسطة أفكار قد تكون سياسية وفلسفية وفكرية واقتصادية واجتماعية ونظريات وتخمينات ومذاهب، وتيارات أدبية وفنية ،وموضات وبدع زائلة لادعاء الحداثة والتحديث والعصرنة ، بعضها فيها الهبنقة والهبنكة ،  نعم أن نترك الطالح ، ونأخذ الصالح و ما يخدم مصلحة الإنسان والمجتمع والوطن ، نريد أن نصل إلى مرتبة عالية ونحن ما زلنا في سفح الجبل ،   وقد نخرتنا سموم مختلفة  فتاكة ـــ يقولون عنها إنها تلهمنا وتسعدنا ـــ، وهي قادرة على تدمير حضارتنا وتقدمنا وفكرنا وأفكارنا  وتقاليدنا وعاداتنا وديننا ، بل قادرة على أن  تجعل مجتمعنا مجتمعا متواكلا  كسولا فاقدا وعيه ،لا يعمل ولا يجتهد ولا يبدع ..لا يعرف إلا القتل والعنف  والاعتداء و”التشرميل”،والكلام الساقط النابي ،  والنفور من المدرسة التي تعمل على خلق التوازن بينها وبين البيت والمجتمع ، بطرق تربوية وفق الأخلاق الكريمة ،والقيم الإنسانية النبيلة ، بواسطة الحوار واحترام الغير وتقبل الآخر، واليوم الدول العظمى  رغم تقدمها العلمي والحضاري والتكنولوجي  والإلكتروني والنووي وو…. تدعو إلى الحوار والتقارب والتواصل والابتعاد عن الحروب المدمرة الفتاكة ، وتفكر في أخطار البيئة ، والكوارث الطبيعية ؛من فيضانات وزلازل وأعاصير وزوابع وعواصف واندلاع البراكين ….لحماية كيانها وضمان استمراريتها ..  وقمة المناخ المعروفة ب “كوب 22 “خير دليل على ذلك ، ستحتضنها هذه السنة مدينة مراكش في  شهر نوفمبر المقبل 2016م، والتزاما بالقمة للمحافظة على البيئة ،وصلت خمس عشرة حافلة كهربائية صينية إلى مدينة الحمراء .

أتذكر مدرسة ؛ “ثمزيذا انبوزيزا” التي كان موقعها بجوار” وادي بوزيزا” ،وبالقرب من القنطرة العالية التي كان يمر بها قطار الشركة الاسبانية الذي كان يحمل المعادن من و”يكسان “إلى خزان  بني انصار، ليتم نقلها  إلى مليلية المحتلة ، لم يبق هذا الخط الذي كان يمر ب “المداشر والحومات”، وأحيانا بالقرب من المنازل ، ولم يترك ما كان بمستودع سوتلاسر ببني انصار من قاطرات كذكرى، وحتى معلمة  “سيتولاسر”التي استغرق بناؤها أزيد من عشر سنوات ، هدمت في ظرف سنة ،وفي بلدة “المدين “؛ almaden؛  بإسبانيا، نسبة إلى المعادن ، بعدما أن أغلق منجمها  في 2001م ،والذي أصبح كحديقة للتنزه والنظر في المجسمات والأدوات .. وكمتحف  مفتوح في وجه الساكنة ،للاطلاع على الأدوات التي كانت تستعمل للتنقيب عن  المعادن ، والعربات الصغيرة  لشحنها ،ومختلف الآلات لجلبها ، هذه مبادرة ثقافية لحفظ التراث ،وربط الماضي بالحاضر ميدانيا ، للتذكر لا للنسيان والإهمال .

“ثمزيذا أنبوزيزا ” المشهورة  كانت كمسجد للصلاة، ومدرسة لتلاوة القرآن وحفظه ، يقصدها أطفال “المداشر والحومات” من وهذانة /إيدانيثن /إقبوزن /إيمونكا/ ….. وكان مساء  يوم الأربعاء عطلة ، يقدم “التحرير ” كالبيض والنقود للفقيه … يتحرر التلاميذ من الدراسة ،هذه المدرسة لم يعد لها أثر، رغم أنها أدت دورها في تعليم الأطفال؛ الكتابة على الألواح “الخط” باليراع  أو المدّاد بواسطة الحبر الموجود بالدواة  ، وحفظ القرآن وبعض الأحاديث النبوية ،ومعرفة فرائض الصلاة ،وطريقة أداء الوضوء والطهارتين ، والتشبث بأركان وقواعد الإسلام ، كانت بمثابة ما يطلق عليه اليوم بالكتّاب،  رغم الطريقة التقليدية في التعليم أدت دورها، فقد علمت الأجيال في ذلك العهد الأبجدية أو الحروف الهجائية ،وكان تهجي الحروف  بطريقة جماعية ،بصوت مرتفع فيه موسيقى ،  لتعلق في الذهن كما الشأن في الأناشيد والأغاني : “ألف ورينقض ” “البا اشت أسوادي “” التاء ثناين سنج” “الثاء ثراث سنج ” “الجيم إشت سوادي ” “الحاء ورينقض ” الخاء “إشت  سنج”….حينما نصل إلى حرف “الزاي “نقول له بالريفية : “الزين  إشت سنج”،  بالتحريف والتصحيف ،بطريقة فيها براءة وعفوية و بدون انتباه ،   ولكن المهم هو  القراءة والكتابة وحفظ القرآن ، وطريقة الصلاة والوضوء ، أشياء تعلقت بأذهاننا بالحفظ  بقيت وتبقى على مر السنين ، بخلاف النقل والكسل لا يبقى أي شيء في ذاكرة الإنسان ، فالثقافة هي ما تبقى من معلومات في الذاكرة بعد نسيان كل شيء ، والعلم ما في الصدر، لا ما  في القمطر ، والتعلم في الصغر كالنفش على الحجر ،  وقد نزل مستوى التحصيل بظهور آلة الاستنساخ والانترنيت ،وآلات أخرى للاعتماد عليها في كل شيء ، بذلك لا يمكن للمتعلم أن يبدع ،ولا أن يكتب سطرا ولا مقالا، ولا أن يبحث وينقب بنفسه عن  المعلومات بطريقة فيها تعب ومشقة وتدقيق وتحقيق ، ولكن بعد العثور على المعلومة يشعر الباحث بالراحة ،ويحس بأنه قام بنشاط عقلي مستخدما تقريبا حواسه ، كأنه حل مسألة رياضية أو معادلة صعبة …ولابد من تشجيع البحث العلمي ،والبحث في التراث والعلوم الإنسانية ..فالعلم لا ينتهي  لأنه يم شاسع بلا ريف ، وإذا ما انتهى العلم سيبدأ الجهل ،وفي 30شتمبر 2016م اصطدم مرجاس أومسبر “روسيتا “بنيزك أو”نجم “مذنب  67  ــ p فسارع العلماء  إلى دراسة تكوينه  قصد البحث عن أصل الحياة …. وما زال البحث مستمرا عن  حقائق الأشياء وأصولها منذ العنادية والعندية والكاملية والطبيعيين /الاسطقسات / والفلكيين والهرامسة وو…. ؟؟ااا.

ومن المدارس المشهورة :”ثمزييذا ثرومشت ”  يدرس فيها التلاميذ اللغة الإسبانية ،والمدرسون هم مغاربة وإسبان في ذلك العهد ، هي أيضا قديمة ، يتعلم فيها  التلاميذ اللغة العربية والإسبانية والتربية الإسلامية والجغرافية والتاريخ والحساب …  وكان بها مطعم لأكل وجبة الغداء ، وكانت تسمى عند عامة الناس ؛ ب “ثمزييذا نرنتشو”   ، كما كانت تقدم مساعدات للتلاميذ عبارة عن دفاتر وأقلام  وكتب بالإسبانية  والعربية ، وكسى ونعال من القنب …كانت جميلة ببنايتها العالية في مكان مرتفع ،ولها درج للولوج إليها ، بأبوابها وحجراتها  الواسعة ، وبمراحيضها المبلطة ،وحديقتها المزدانة بالورود ،وأشجار السرو والصنوبر،  وإكليل الجبل ،  وساحتها التي كان يلعب فيها التلاميذ في جو من العفوية ،إذا غاب التلميذ في المساء يستفسر الأستاذ عن المتغيب ، فيرد التلاميذ بالإشارة  والكلام ” يشا يرور”،  والذي لم يحفظ الدرس فمصيره “فلق ” ، “اتحميرث “،عقاب بطريقة فنية ، فيه فرجة من حيث طريقة حمل التلميذ لينال العقاب ، وذلك  للحث على المواظبة والحفظ ، وأيضا الوقوف على رجل واحدة  أمام التلاميذ للعبرة ،كي لا يكرر التلميذ  نفس السلوك الذي يتجلى في عدم الحفظ أو القيام بالشغب أو الثرثرة ، وعند  ارتكاب الأخطاء  يكتبها  التلميذ مائة مرة لتعلق بالذهن ، وأحيانا يتعرض  للضرب ، وفي احتباس المطر كان التلاميذ يطوفون ب “المداشر والحومات “يطلبون  الغيث وهم يرددون ؛”أغنج اتمليلح ،أرب سروت أمليح “…  ذكريات جميلة ومرة من حياة بسيطة شاقة ، لا تتوفر على أسباب الراحة والارتياح ، فيها فقر وشظف  واحتياج  من حيث الأكل واللباس وشراء الأدوات  المدرسية ،  كنا نحترم الأساتذة ونحن تلاميذ ، ونجلهم ونقدرهم ونحن أساتذة ..  فمن علمني حرفا صرت له عبدا كما يقول المثل ، ولكن من الأحسن أن نقول   وفيا ،/ لأن العبادة لله / ،  رغم غضبهم أحيانا وفرحهم أحيانا أخرى ،  والآباء لا يقلقون ولا يحنقون ، بل يقولون :مزيدا من الضرب والمراقبة لأجل الدراسة ….ااااا.

“ثمزيذا ثرومشت “هدمت ولم يبق منها أي شيء ، حبذا لو رممت لبقيت معلمة وذاكرة لأهل بني انصار ، وكمتحف يزوره كل زائر للاطلاع على تلك المراجع في ذلك العهد ، وصور الأساتذة  وأفواج التلاميذ ، لجمال بنيانها وموقعها ، ربما لم تبق حتى الدفاتر التي  كانت تحمل صورة واجهة المدرسة في ذلك العهد ….. قد تكون في الأرشيف ،أو عند واحد ،أو بعض من قدماء التلاميذ ــــ واليوم تحمل اسم  مدرسة مولاي بغداد ــــ  كانت تقع في قلب بني انصار ، يحج إليها التلاميذ من باريو تشينو/ أولاد عيسى /أولاد سالم /أولاد زهرة / أولاد العربي /وهذانة/ إقبوزن /إغماريين/ إيمونكا /إيدانيثن /إحموتيين /إزريجدن /وغيرها من “المداشروالحومات” التي لا تحضرني أسماؤها ، وهي أيضا أدت دورها التربوي والتعليمي،خرجت أطرا في التعليم والقضاء والدين  والطب والهندسة والمحاماة والجيش والوظيفة العمومية …. وإن كانت الدراسة بطريقة تقليدية ، فالغاية هي المعرفة والتحصيل والفهم ، ولا تهم الطرق ، فكل الطرق تؤدي إلى روما ..إن مدينتنا لا تعرف إلا الهدم والطمس والمحو والتهميش والإقصاء والحرمان حتى من التراث ، المدارس في الدول  الأجنبية من القرن الماضي ، ما زالت تحتفظ حتى بوسائل الإيضاح ،والأدوات المستعملة في التجاريب الكيميائية والفيزيائية ،وصور أفواج التلاميذ ،وصور مختلف الأنشطة التي كانت تقام  بها داخل المؤسسة .

خــــــــــــــــاتــــــــــمة

قيل قديما” كلما فتحت مدرسة أغلقت سجنا “،والمدرسة في الاشتقاق اليوناني القديم هي المكان الذي يجتمع فيه الأحرار من الناس لقضاء وقت الفراغ ،فالتربية الثقافية كانت منفصلة عن التربية العملية ، وعن طريق التجارب وعلم النفس الحديث لا يمكن فصل الفكر عن العمل ، والمدرسة مجتمع صغير ، فلا بد من ربطها بالمجتمع ، لتساهم في تربية الشارع الذي أصبح في وضعية مزرية ،من حيث سلوكات غير مرضية ،يتأثر بها الطفل بسرعة ،والمدرسة تهدف إلى تقدم المجتمع ورقيه كما عند /لوك /روسو /ديوي /كون درسيه ، وكما يرى البعض أن التربية يجب أن تهدف  إلى:

إعداد المواطن الصالح / إعداد أبناء المستقبل إعدادا صحيا /الإعداد المهني / إعداد الفرد لأن يكون عضوا نافعا في الأسرة /الانتفاع بوقت الفراغ / بث الروح الخلقية ، ونادى الفيلسوف الانجليزي الاجتماعي هربارت  سبنسر بأن الهدف من التربية هو “الإعداد للحياة الكاملة “، وكما يرى القدماء التربية هي توجيه وتشكيل للحياة الإنسانية ، وقالوا :”إنما الحياة مدرسة “،والمدارس الحديثة ترى الهدف هو :”إعداد التلاميذ للمهمة الكبرى وهي الحياة حياة سعيدة ” وليس حشو عقول التلاميذ بالمعلومات ،إن التربية لها مفاهيم كثيرة حار فيها المربون والفلاسفة ،فهي عالم أو بحر لا يمكن تحديده أوحده ، فهي مشكلة تزداد تعقيدا كلما تطورت تصرفات وسلوكات الناس التي ليس لها مقياس ولا معيار ، وتطور نمط العيش والعلوم والفنون …لأن الفرد في تفاعل بين عالم الطبيعة وعالم المجتمع وعالم الأخلاق…

المدرسة تتعامل مع الأسرة ،وتنوب عنها وعن المجتمع في تربية الأطفال ، وتعمل على نقل تراث وحضارات وعلوم الأجيال الماضية لصغار الأجيال الحاضرة ،مع الاحتفاظ بها ،بطريقة تبسيطية توضيحية ، والتطهير من الخرافات والتقاليد المتحجرة ،وتنمي في التلميذ  روح التعاون والتضامن، والاستقامة والنزاهة ، والتشبع بروح المبادرة والإيثار والحوار، وتقبل آراء الآخر، والحكم والمحاكمة والمناقشة والمجادلة ، وتحمل المسؤولية مع الاتصاف بالأخلاق الفاضلة ، وليكون مواطنا صالحا نافعا يخدم المجتمع ،ويعمل على إحداث التوازن بين عناصر البيئة الاجتماعية ،ذلك  هو دور البيئة المدرسية .

على المسؤولين أن يزيدوا في إنشاء المدارس في “المداشر والحومات ” للقضاء على الاكتظاظ ،كي تمر العملية التعلمية  التعليمية في ظروف حسنة ، والنقابات التعليمية الثلاث ؛ الجامعة الحرة للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ، والنقابة الوطنية للتعليم التابعة للفدرالية الديمقراطية للشغل، والجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل ، احتجت على الاكتظاظ بالمدارس  والخصاص في الموارد البشرية ، ولا بد أيضا  من توفير أطر التدريس ،والتجهيزات من حيث المقاعد ، لتكون المردودية أكثر وأفضل ،فأربعون أوخمسون تلميذا في القسم  عدد يرهق المدرس من حيث ؛الشرح والتصحيح وإيصال المعلومات إلى الجميع ، يمر الدرس بين اهتمام بفئة دون أخرى ، لضيق الوقت وكثرة عدد التلاميذ ،ولا بد من احترام  المدرس الذي له قيمة عظمى في الدول المتقدمة ،تتجلى في تخصيص اليوم العالمي  للمدرس في 05أكتوبر من كل عام ، ويكفيه فخرا أن يقول فيه أمير الشعراء :

قم للمعلم وفّه  التبجيلا/// كاد المعلم أن يكون رسولا

وزارة التربية الوطنية وضعت برنامج التربية غير النظامية ،لتستفيد منه الفئة المحرومة من التربية والتعليم، وقد بلغ عدد المستفيدين  ـــ حسب وزارة التربية الوطنية ـــ  بهذا البرنامج خلال  هذا الموسم حوالي تسعين ألف مستفيد ، من الأطفال واليافعين غير الممدرسين ، لأجل إدماجهم في التعليم النظامي ،أو التكوين المهني والحياة العملية ،   وكذلك مبادرة التنمية البشرية تساهم في برنامج محو الأمية إلى جانب الجمعيات التي تقوم بدورها في تعليم المرأة القراءة والكتابة إلى جانب التعلم في المساجد ،وكيف لا والمرأة مربية الأجيال ، وعنوان الحضارة كما وصفها جميل الزهاوي ، وفيها قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق :

الأم مدرسة إذا أعددتها //أعددت شعبا طيب الأعراق

الأم روض إن تعهده الحيا // بالري أورق أيما إيراق

الأم أستاذ الأساتذة الألى // شغلت مآثرهم مدى الآفاق

أجل ؛ إنها المدرسة  الأولى ، والمربية  الحريصة الأمينة في تربية أطفالها تربية حسنة ، وتعمل على توجيههم  ،وهم في سن الفطام، قبل الذهاب إلى الروض أو الحضانة أو المدرسة …ولا ننسى المدارس الحرة التي تقوم بدورها وواجبها ، وأعطت ثمارها في ميدان التربية والتعليم والتكوين ، وكذلك دور الحضانة والروض …

نعم مزيدا من المدارس للقضاء على الهدر المدرسي ، يلزم إصلاح بعض المؤسسات التابعة لبني انصار ــ فرخانة ، التي لا تصلح للتدريس ، وإحداث إعدادية  ب “مدشر” بوقانا ولو بقسم واحد كل سنة ،لأنه بعيد والمواصلات منعدمة وصعبة ، في فصل الشتاء أحيانا يكون في عزلة تامة ،بسبب هيجان البحر الذي يؤدي إلى الفيضان ، كما حدث في السنوات الفارطة ، وفي القرن الماضي مرارا وتكرارا ،  والمسؤولون غائبون عما يحدث لساكنة “المدشر” ، وعليهم أن يستعدوا للأمطار القادمة ، بمراقبة مجاري الأودية، وقنوات الصرف الصحي ،لتفادي ما يقع ب “مدشر”و”حومة”  إيزريجن وإيحموتيين ، وقاليطا ،والديوانة وغيرها …. ثم لابد من إيجاد خط للمواصلات خاص بالتلاميذ البعيدين ،ليصلوا في التوقيت المحدد لتجنب التأخر ، والوصول إلى “المداشر والحومات” في ظروف جيدة ، وخصوصا في فصل الشتاء ،وفي شهر رمضان المعظم ،  فلا بد من خدمة التلميذ والساكن بالمدينة والمواطن بصفة عامة .

نعم للمدارس ب “مداشرنا وحوماتنا ” التابعة لمدينتنا ، نرى في هذه الأيام تزايد عدد الغرباء المتسكعين  في الشوارع وهم في سن التمدرس ، يقبلون على تناول “الدوليو والسلوسيون والقرقوبي” وغيرها من السموم ، وعلى التسول بطريقة غريبة ،ويتخذونه حرفة للحصول على أغراض أخرى ،  يلزم إعادة تربيتهم من جديد ، وإحداث مدارس مهنية في الحلاقة والفندقة ،والتكوين المهني وغيرها .

حفاظا على تلامذتنا وأطفالنا من  ظاهرة تناول السموم ــ لأن الطفل يتعلم من الشارع ويتأثر بما يراه  ـــ لا بد من إيجاد ملعب  صغير ومكتبة صغيرة في كل “مدشر وحومة “، قصد تجزية الوقت الثالث في أنشطة موازية ،لينسى  الطفل عالم السموم والفوضى والكلام الفاحش والرث والغث ، ويبتعد عن العنف والسب والشتم .

على  المدارس اليوم ؛أن تكثر من دروس الأخلاق والتربية الوطنية ،والتربية على المواطنة والمدنية ،واحترام الغير والملك العمومي وأملاك الناس ،فالأدب أولا والعقل ثانيا ،المجتمعات  تتماسك وتستمر بالأخلاق ، وتحقق أشياء كثيرة نافعة بالنظام أكثر من الذكاء ، وبالعمل الصالح المثمر، والإنسان يصل  إلى السعادة بالإيمان والأخلاق كما يرى أحد كبار الفلاسفة كانط، وقد قال أحمد شوقي :

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت //فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فدور المدرسة  هو أن تربي في الطفل إلى جانب تزويده بالعلم والمعرفة  روح النقد  والتمييز؛ نقد كل ما يراه مضرا  في الشارع ، والتمييز بن الشر والخير منذ الصغر،  والاعتماد على النفس والتواضع والعفة والنزاهة ، والابتعاد عن الطمع والجشع ، والعنف داخل المدرسة المادي واللفظي ، والابتعاد عن الاعتداء على الآخرين ولو بالكلام الذي فيه تهكم واستخفاف واستهزاء ، على التلميذ  أن يربي الشارع، لا أن يتعلم منه ،لأنه يميل إلى التقليد ،ويتأثر بسرعة  وبدون تريث  ببعض المظاهر الزائفة ،والموضات العابرة ،وآخر الصيحات الزائلة .

على رجال الأمن ؛أن يبادروا إلى حماية  مدارسنا من الغرباء الذين يريدون اقتحام ساحات المدارس ، ويتربصون بالأبواب لأجل الاعتداء على التلميذات، ومعاكستهن في الشوارع ،تلكم الشوارع التي يجب أن تكون مصابيحها  كلها مضيئة ، وبإنارة قوية تنير الطريق لعامة الناس والساكنة ، علينا أن نكون جميعا متعاونين لأجل مصلحة المدينة ، مع العمل على معاقبة كل ظالم متغطرس لئيم ، ومحاربة كل سلوك مشين ، وفضح كل من يستولي على أراضي الغير ، وكل سلوك لا يمت بسلوك المدينة والمدنية ،يتناقض والشريعة الإسلامية .

ونرجو من الله أن يوفق جميع المدرسين إناثا وذكورا ، وهم يقومون بمهمتهم معتمدين على الطرق البيداغوجية الحديثة في طرق التدريس ،محترمين شخصية الطفل الذي يتعلم وهو يلعب ، مراعين فترة المراهقة المتقلبة المضطربة التي يمر منها التلاميذ المراهقون ،  بعيدين عن العنف التربوي العادي ،والعنف اللفظي  ،ونرجو لهم  النجاح في حياتهم العملية ، وفي مهمتم الشاقة ، ومهنتهم المرهقة ،   مهنة المتاعب  ـــ لا يعرفها إلا الذي يزاولها ــ المتجلية في تنشئة العقول التي تلعب بها التيارات الهدامة ، والتي تعمل على تضليلها ، بالإضافة إلى السموم التي تعمل على عدم الإقبال على التعلم والتحصيل والاستماع إلى ما يقوله المدرس ، والنفور والهدر والميل إلى الاعتداء و”التشرميل “في الشارع والمدرسة والمقهى والمنزل والحديقة والساحات و”المداشر والحومات”  ، وما نراه من تحقيقات وبرامج  واستطلاعات تعرض على الشاشة الصغيرة ،خير دليل على ذلك ،يتجلى في السلوك  المنحرف العنيف المفضي إلى الجرح والقتل ،والولوج إلى السجن ومستشفى الأمراض العقلية … في آخر المطاف ــ شبابا وكبارا ـــ يندمون / يتحسرون بل ،يبكون / يريدون الرجوع إلى الحياة العادية البسيطة ، ولكن هيهات وهيهان حيث لا ينفع الندم ،وقد فاتهم القطار، وعلى أطفالنا  وشبابنا في “المداشر والحومات “أن يأخذوا العبرة من سلوكات المشردين والمتسكعين الذين يتسولون / يسرقون ،يستغلهم البعض في التشغيل ـــ وهو ممنوع  ــ وهم في سن التمدرس ، ينامون في الشوارع والحدائق ،وهم متسخون بثياب رثة مرقعة ،وأشعار مشعثة ،وجسوم غثة مغبرة ،بدون هوية وبطاقة تعريف ،  كأنهم قادمون من أدغال  مخيفة ،بحياة وحشية فيها عنف وهمجية ،بعيدون  عن الحضارة والتمدن والنظافة .

كما نرجو “لمداشرنا وحوماتنا ” وأحيائنا ومدينتنا أن تتمتع بحياة فيها أمن واطمئنان ، وعيش كريم فيه كرامة وحقوق وحرية وديمقراطية ،تعليميا صحيا اجتماعيا اقتصاديا ثقاقيا رياضيا فنيا سياحيا تجاريا ، فيها تقريب المدرسة من الطفل ،والثانوية من التلميذ ،والجامعة من الطالب ، والإدارة من الساكنة ،والمستشفى من المريض ، والمستعجلات من المجروح ، ودار العجزة من  المشردين والمتخلى عنهم ،وفيها المسؤول أو المنتخب  من ساكنة المدينة  يستمع إلى همومها ومشاكلها ، يهتم بانتظاراتها وانشغالاتها ،و بالشباب الذي يريد الشغل وتحقيق ذاته في ميادين ثقافية ورياضية وفنية ، فإذا فشل أو عجز ذلك  المسؤول  أو المنتخب ؛عليه أن يرحل  قبل أن  يحاسب ويعاقب ويذل …..فالحكمة في الشخص النزيه المخلص المثقف  الملتزم الواعي المسلح بالفكر والقانون ،المبادر المسارع ، يشفي الغليل  ويثلج الصدر إذا فاه وخاطب وارتجل وحاجّ وساجل ،  وليست الحكمة  في المنصب والجلوس على الكرسي للتمثيل والتصنع والتعجرف كما كان الشأن في القديم  وهو نخب هواء ….يجب ويلزم ويستوجب  مراقبة الذين يبذرون أموال الشعب ، بدون ترشيد وحكامة ، والذين يستعملون سيارات الدولة  في أيام العطل ، يتجولون ويصولون بها، بتبجح وافتخار أمام المواطنين  في المدن والأسواق والمقاهي والشواطئ  بدون سند وقانون ….لا بد من المحافظة على اقتصاد البلاد وعدم التبذير ، إن الدول الكبرى  الغنية لا تبذركما نبذر نحن …. المسؤولون الكبار يستعملون سياراتهم الخاصة حفاظا على المصلحة العامة ،واحتراما لشعور المواطنين ،وهم يقومون بمسؤوليتهم المنوطة بهم بنزاهة واحترام وتقدير بدون استفزاز وابتزاز ومحسوبية وميز … ؟؟ااا.

و ختاما ؛نرجو من الله أن يحفظ وطننا العزيز من كل شر ومكروه ،فالإنسان بلا وطن ، وبلا هوية ،وبلا بطاقة تعريف ،لا قيمة له ، لا وجود له ، سيبقى مشردا ذلولا ومن ذليذلات الناس  لا يقبله أحد …

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .