أخبار عاجلة

الرئيسية كتاب وآراء  في رحــــابة ثيـــــزرث  …بقلم ذ.محمادي راسي        

 في رحــــابة ثيـــــزرث  …بقلم ذ.محمادي راسي        

كتبه كتب في 19 سبتمبر 2020 - 9:50 م

 

بقلم ذ.محمادي راسي – جريدة البديل السياسي :

 

         في رحــــابة ثيـــــزرث         

&&&&&&&&&&

ثيزرث ذات ساحل جميل فريد من نوعه سهل الولوج إليه، منفتح على البحر ، عبارة عن  شريط  رملي  عسجدي  ممزوج بحلزونيات وصدف ومحارات مختلفة الأشكال والألوان والأحجام  ، على طوله وبمحاذاته أشجار الأثيل والصفصاف ،تشكل حزاما أخضر، تحافظ ، على الرمال ، تصمد في وجه الأمواج وتنافح عن نفسها لأجل الاستمرار في الوجود والثبات في ،مكانها .

       كلما سطعت الشمس تترقرق الأمواج ، تلمع الصدف ،يلوح السراب من بعيد كالماء أو الضباب أو لهيب النار ذلك من خداع الحواس ، كأنك أمام لوحة ببساط مزركش منمق بألوان طبيعية ، تسحر العيون ، تبهر العقول وتشنف الآذان بأصوات الأمواج ذات سيمفونيات سرمدية المقامات والسلم والأنغام والألحان ، تتوزع  بين القوة والفتور والخفوت والهمس ، تخضع لنظام الطبيعة وقانونها ، وتتكيف مع التقلبات الجوية وهبوب الرياح من كل الجهات .

لساحل  ثيزرث تاريخ لم يدون بعد ، يحمل ألغازا قديمة ، عرف ويعرف تصرفات مختلفة ،وسلوكات متنوعة ،كلما حل فصل الربيع و الصيف ، لا يبوح بأي شيء ، ولكن اليم يلفظ بين آونة وأخرى جثثا للمغامرين والمخاطرين بأرواحهم من أجل الهجرة غير الشرعية، ثم جثث الذين لا يجيدون العوم .

             أنا والبحر والأمواج ،الساحل خال كأنني في مفازة خالية ،إخالني شاعرا جاهليا يقف بالديار للبكاء  على الأطلال ، يريد تذكر الظاعنين واسترجاع ذكريات خلت بنظم أبيات للنسيان والسلوان ، ولكن فضاء البحر يرغمني على السباحة في عالم الخيال والأوهام ، أصغي إلى أمواجه المترادفة اللامعة الناصعة المشتعلة ،كأن الشيب غزاها وهي في الفتوة  والقوة وريعان الشباب ، ولكنها  تفنى؛ تشربها الرمال ، أرى جبل هورك وروسادير صامدين أمام البحر ،يحنان إلى الزمن القديم ، ولكن لا يحكيان شيئا عن الأقوام الوافدين منذ الفنيقيين وغيرهم ، لا أرى الحدود الوهمية ، أرى مليلة السليبة متصلة بهضاب رأس هورك وبني شيكر وماري واري وفرخانة ، هي في جغرافية المغرب وليست في جغرافية إسبانيا .

البحر مكان للتذكر والعبادة والتأمل والاستحضار ، واسترجاع ذكريات مختلفة ، وأنت تقف أمامه تنظر إلى طبيعة خلقه وشساعته وعظمته ، ووقوفه عند حدوده في وقت هدوئه ،وأحيانا يتعدى حدوده أثناء هيجانه ، تحس بأنه يأتي إليك بخلاف البعض الذين يفرون ويهربون منك ،ولا يقربون إليك ، وفي دنوهم  منك يزعجونك بلغوهم الفارغ ، وسماع نفس العبارات والجمل والكلمات  علاوة على الضوضاء والضجيج ، لذا تحب أن تهرب في الأرض ،وإن كنت رحب الفهم والباع والذراع بالأمر ،  لذا تحب الوحدة والعزلة وهما سيان قد تجلبان الاطمئنان والسعادة أو العكس ؛ القلق والتعاسة ، وفي مقولة ؛"الوحدة هي فقر النفس أما العزلة فهي ثراؤها " وفيهما آراء وأفكار فلسفية تجران  إلى الحديث عن فلسفة هيدجر في الحياة والوجود  وعن العزلة والوحدة ،والحديث أيضا عن سارتر وكامو  في الوجودية والعبث والغثيان، والحديث عن إمرسون  وإدجرألان بو وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين….

ثيزرث أنغام طبيعيّة //    أشجارها أوتار وعيدان .

يا قاصدا ملدفن لنزهة مهلا  //  ففي ثيزرث لؤلؤ ومرجان        

                   أنام واستيقظ على أصوات طبيعية ؛أصوات الطيور والحيوانات ، حفيف الأشجار ،أصوات الأمواج والرياح إلى جانب هدوء البحيرة الصغيرة ، جمال فوق جمال ،شروق الشمس وغروبها ،سكون البحر والبحيرة ، ونور القمر ليلا ، يحضرني قول الشاعر :

يا حبذا القمراء والليل الساج…// وطرق مثل ملاء النساج .

 هي لوحات متجددة ليل نهار،  كل يوم وهي في شأن ، لا كلوحات الرسام الصامتة ، هذا الجمال يعلمنا الإصغاء وحب الطبيعة والتدبر في الكون ،والنظر إلى السماء كيف رفعت بغير أعمدة ، وإلى النجوم كيف علقت بدون مشاجب ، ونتعرف على سلوكات بعض الحيوانات والحشرات في ظهورها واختفائها ،وعلى بعض سلوكات الناس من حيث الأخلاق والمعاملة السلبية منها والإيجابية ، كما أن ساحلها يعرف خلال الصيف تمثيليات ومسرحيات بدون شروط … ، فيها سفاهة ومراهقة ومغامرة في السباحة ، والبعض لا يعرفونها فيتعرضون للغرق من جراء سلوكهم الأرعن ،وكلما ابتعدت عن بني انصار، وتوغلت داخل ثيزرث إلى الترعة الجديدة ،تشعر كأنك في إحدى جزر هاوي أو بهاماس أو كاريبي …..من حيث الطبيعة شيئا ما ، لا من حيث السكان والعادات والتقاليد واللغة .

                           ثيزرث تفتقر إلى مرافق عدة ؛ تعبيد الطريق لقد شرع في تعبيده منذ فبراير من هذه السنة وما زالت الأشغال مستمرة  ، الماء الشروب ، المستوصف ، قسم المستعجلات ،  خط جديد  للحافلات /بني انصار ثيزرث / ، دار المرأة ، سوق أسبوعي للتبضع ،روض ، ثانوية إعدادية، ملعب لكرة القدم ،حديقة للأطفال  …..ثم لابد من المحافظة على البيئة والطيور ،  واستثمار طبيعتها سياحيا لأجل خلق مناصب الشغل لأهل ثيزرث العاطلين  عن العمل ، نظرا لقلة  الثروة السمكية التي لم تعد كما كانت من قبل .

ثيزرث بناء جغرافي جميل قشيب ،فن تشكيلي طبيعي أريب ،خلق إلهي  عجيب ،إبداع بديع لا مثيل له ،  فاق العلم والهندسة والفن والجمال وجميع أنواع فنون البنيان والعمران ، والمعجزة الكبرى هي الماء ؛"قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين " صدق الله العظيم .

ثيزرث الحبيبة هي في القلب دائما منذ الطفولة ، كما قلت في مقالات سابقة ، وخلال هذا الصيف حللت بها للاستراحة والترويح والاستمتاع بفضائها ، والنظر إلى طبيعتها الخلابة الملهمة ، ونسيان التعب والملل والكلل والرتوب ، بعد عمل مضن ناهز الأربعين سنة ، يتجلى في مهنة المتاعب  والمشاكل /التعليم / ، بهذا النزول بها ؛لاحظت أن ثيزرث فطرتها طفقت تتغير تدريجيا ، كما أنها فقدت سيرتها الأولى المتجلية في الحياء والوقار والهدوء والاحترام والإيثار والتكافل والتضامن والتآزر  والتشاور ، والمشاركة والمساعدة في الأعراس  والأفراح ، والمواساة في الأحزان ،  هذا الوضع يحز في نفسي والساكنة جلها عائلات بالقرابة والمصاهرة ، ثيزرث اليوم تحتاج إلى رأس المال النفسي والأخلاقي والاجتماعي ، ثم إلى ثقافة الحوار والتفاهم والانسجام والوعي ، والتفكير في المستقبل ، وتربية الأبناء تربية حسنة بإرسالهم إلى المدرسة ــــ ليبتعدوا عن السموم الفتاكة والسلوكات المشينة ـــ وهم رجال الغد والمستقبل ، والعمل الصالح ، والكد المستمر مع الصدق والأخلاق ،لأجل ضمان لقمة العيش مع القناعة التي هي من أسباب السعادة والاطمئنان ، أما الطمع فيفضي إلى السجن والتسول ….وكذلك كسب المال الحرام لا يفلح صاحبه في الحياة …..

            للرفع من قيمة ثيزرث وتشجيع السياحة  ؛لابد من القيم النبيلة وثقافة المرونة واللباقة والأخلاق الحميدة ، كي تستقطب الزوار والسياح كلما حل الصيف ، ففي السياحة ازدهار اقتصاد البلاد ،وازدياد القوة الشرائية .

 وفي تماسك الأمم والشعوب  والقبائل و"المداشر "والأفراد والأسر، أتذكر البيت الشهير وهو من الحكم  لأمير الشعراء أحمد شوقي : 

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت // فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا .

وأخيرا لا بد من المحافظة على بيئة ثيزرث ، وعلى القاطن بها ؛ أن يتخذ الحيطة والحذر من وباء كوفيد19 بالوقاية والغسل والتعقيم ، واحترام التباعد والمسافة  وارتداء الكمامة ، إن العالم اليوم يعيش أوضاعا لا تبشر بالخير صحيا واقتصاديا واجتماعيا وصناعيا وتكنولوجيا ،ربما الآلة ستتحكم في الإنسان وستحل محله ،لأن الذكاء الاصطناعي سيشكل خطرا على الإنسان ،ويتوقع المخترع الأمريكي رايموند كرزويل أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى المستوى البشري في 2029م … . ؟؟ ،إننا لا نعرف ماذا  سيأتي في المستقبل بعد العهد التكنولوجي والإلكتروني ……..؟؟، ونطلب من الله  أن يحفظنا والبشرية جمعاء في مشارق الأرض ومغاربها من كل شر ومكروه ….ويحضرني بيت من معلقة  زهير بن أبي سلمى  الحكيم الشاعر الجاهلي القديم :

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله // ولكنني عن علم ما في غد عم .

وخير ما أختم به هذه المقالة المتواضعة قوله تعالى :" ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي  وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " صدق الله العظيم .

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .