الرئيسية كتاب وآراء “السلطة القضائية بين تحديات التحديث وتكريس الأمن القانوني”

“السلطة القضائية بين تحديات التحديث وتكريس الأمن القانوني”

كتبه كتب في 27 أغسطس 2020 - 2:47 ص

محمد البغدادي، باحث في مركز الدكتوراه في تخصص القانون الخاص كلية الحقوق بطنجة – جريدة البديل السياسي:


من الواضح جيدا أن دستور 2011 جاء بمجموعة من المكتسبات الدستورية والتشريعية و التنظيمية بخصوص تعزيز استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك في إطار
من التناغم والتكامل مع المعايير الدولية والإقليمية لاستقلالية السلطة القضائية وامتثالا للتوجهات العامة والرؤية الملكية الحكيمة والبصيرة من خلال عدة خطب ملكية التي أشارت في أكثر من مناسبة إلى توطيد استقلالية السلطة القضائية، وخاصة مضمون الخطاب الملكي التاريخي بمناسبة ثورة الملك والشعب المؤرخ في 20 غشت 2009 والخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان المؤرخ في 10 أكتوبر 2010.
وفي هذا المضمار، تدخلت السلطة الحكومة المكلفة بالعدل لوضع ميثاق إصلاح منظومة العدالة سنة 2013 والذي ركز بشكل بين على أهمية تكريس استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، لاسيما في الشق المتعلق باستقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل، هذا فضلا عن القانون

التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية المؤرخ في 24 مارس 2016 والقانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة المؤرخ في 24مارس 2016، وكذا القانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة المؤرخ في 30 غشت 2017.
لكن من خلال مراجعة مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل الأول من دستور 2011 نجد أن المشرع المغربي أشار إلى المفهوم الجديد للسلطة الذي هو مذهب في الحكم ويسري على مبدأ الفصل بين السلط، فهو يندرج ضمن آليات الحكامة الجيدة.
وينبغي التذكير إلى أن تحديث السلطة القضائية مرتبط أساسا بالمفهوم الجديد للسلطة التي تعتمد على هامش من المبادرة والحرية في اتخاذ القرار القضائي مع تمكينها من الاستقلال الإداري والمالي للجهاز القضائي.
وفي نفس السياق، عندما نستحضر مقتضيات الباب السابع الذي تحت عنوان السلطة القضائية في الفصول من 107 إلى 128من دستور 2011، نجده لم يبين بشكل واضح من هو رئيس السلطة القضائية، وإنما اكتفى بالإشارة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي له صلاحية الإشراف على الحياة المهنية للقضاة، حيث إن الدستور لم يضع توازنات وتفاعلات بين السلطة القضائية وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
وحيث إنه من جهة أخرى، السلطة الحكومية المكلفة بالعدل هي التي تضع السياسة القضائية أو الجنائية ولها الإشراف على التسيير الإداري والمالي للمحاكم ولها أيضا سلطة الإشراف على باقي المهن الحرة المساعدة للقضاء، في حين أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية هي جزء من السلطة القضائية ومهمته الإشراف على الحياة المهنية للقضاة، كما أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو الرئيس الفعلي للنيابة العامة وله مهمة الإشراف على قضاة النيابة العامة.
ومن خلال مراجعة المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة نجد أن السلطة القضائية تتكون من قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة وباقي مكونات العدالة أي كافة المهنيون والمهنيات العدالة.
أما بخصوص سلطة المحاكم بموجب ظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي الحالي
والمعدل والمتمم بمقتضى ظهير 17 غشت 2011، فإننا نلاحظ أنها مكونة من ثلاثة رؤوس وهي:رئيس المحكمة، ورئيس وكيل الملك، ورئيس كتابة الضبط أو الكاتب العام للمحكمة في ظل مشروع قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي.
وبالموازاة مع ذلك، يبقى السؤال الكبير الذي يطرح بحدة في الأوساط العامة والمجتمعية وخاصة في الساحة القانونية والحقوقية والقضائية: هل يمكن تأسيس وضمان سلطة قضائية مستقلة على مستوى المركزي ومحاكم المملكة بثلاث رؤوس في ظل خصوصية وحساسية مهام الإدارة القضائية وحيوية مرفق القضاء التي تختلف عن باقي الإدارات والمرافق العمومية؟
وفي نفس السياق، كيف يمكن تحديث ورش إصلاح المهن القضائية وتكريس الأمن القضائي الذي هو جزء لا يتجزأ من مبادئ الأمن القانوني في ظل ترأس ثلاث رؤوس السلطة القضائية في المغرب؟

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .