أخبار عاجلة

الرئيسية كتاب وآراء شكل الدولة؛ في كرونا وأي سيناريوهات بعد كرونا

شكل الدولة؛ في كرونا وأي سيناريوهات بعد كرونا

كتبه كتب في 29 يوليو 2020 - 7:29 م

عبد الهادي مبروك، طالبا بماستر القانون الاداري وعلم الادارة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض مراكش – جريدة البديل السياسي:

تعتبر الطبيعة البشرية حسب أرسطو، طبيعة أخلاقية لا تتجسد بكيفية تامة وكاملة إلا داخل الجماعة السياسية التي تعد المدينة ثمرة نضجها. "إنها التتويج الطبيعي والضروري لنمو تدريجي، تعتبر كل مرحلة من مراحله بحد ذاتها طبيعية وضرورية. فبعد الأسرة التي تشكل الجماعة الأولى التي كونتها الطبيعة من أجل إشباع الحاجات اليومية، ظهرت القرية، الجماعة المشكلة من عدة أسر بغية إشباع حاجات لم تعد تعتبر ضرورية. وأخيرا ظهرت الجماعة المشكلة من عدة قرى، وهي المدينة" أي الدولة. من أرسطو إلى ابن خلدون، يرى هذا الأخير أن وجود الدولة أمر ضروري لتنظيم الشأن العام بحيث يذكر، "إن العمران البشري لا بد له من سياسة ينظم بها أمره…"، فوجود الدولة كسلطة عنده أساسية لتحقيق المصلحة العامة للمواطنين، هذه المصلحة العامة التي تتأتى عبر مجموعة من التدخلات التي تعتمد فيها الدولة مجموعة من الوسائل والآليات والتقنيات التدبيرية. ولما كانت مختلف هذه الوسائل والتقنيات وكذا المؤسسات والبنيات هي التي تحدد شكل الدولة، فهل يشكل تدخل الدولة ولمها بزمام الأمور عودة إلى نمط الدولة الراعية؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لشكل الدولة بعد الجائحة؟

إن المغرب وكغيره من البلدان راهن بعد الاستقلال على التوجه اليبرالي الذي يرتكز على تشجيع المبادرات الخاصة وفتح الحدود للاستثمارات الخارجية. مع اعتماد المغرب على سياسة تدخلية سعت إلى تأدية دور محرك للاقتصاد عبر المقاولات العمومية، وانخرط المغرب في هذا التوجه الليبرالي مع تبني سياسة اقتصادية واجتماعية طموحة، مع تدبير عشوائي، خصوصا في نهاية السبعينات. فبعد أن أصيب المغرب بجنون العظمة إن صح التعبير، نتيجة ارتفاع أسعار الفوسفاط من 14 دولار إلى 63 دولار للطن، عادت أسعار الفوسفاط لتنخفض لأقل من 30 دولار للطن بفعل عدم تحكم المغرب في السياسة التسويقية لهذه الثروة، مما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة، حيث توقفت الأوراش الكبرى التي اعتمد عليها المغرب آنذاك وتراكمت مديونية الدولة، وهو ما أدى بصندوق النقد الدولي بفرض تعليمات صارمة تمثلت في تبني برنامج التقويم الهيكلي، الذي ارتكز على تحرير التجارة الخارجية والأسعار، وانفتاح الاقتصاد الوطني على مستثمرين أجانب من خلال رفع يد الدولة عن القطاع العام واللجوء إلى الخوصصة، كمشروع اجتماعي يسعى إلى تحقيق مرور البلاد من رأسمالية الدولة إلى رأسمالية السوق. تصور تجسد بداية مع القانون رقم 39.89 لسنة 1990، المؤدن بموجبه تحويل منشئات عامة إلى القطاع الخاص، أبرزها تلك التي تمت في فبراير 2001، حيث باعت الحكومة نسبة 25 في المائة من حصتها في شركة اتصالات المغرب…

 خوصصة امتدت أيضا لتشمل مجموعة من القطاعات الاجتماعية والحيوية كالصحة، حيث أقدمت الحكومة سنة 2010 على إصدار القانون الإطار رقم 34.09 الذي يتيح إمكانية فتح المستشفيات العمومية أمام مختلف أشكال الخوصصة ويؤسس لتراجع الدولة عن تحمل مسؤولية التكفل بالعلاجات الصحية. كما امتدت سياسة الخوصصة لتشمل مجال التعليم مع القانون الإطار رقم 17.5، واللجوء إلى التعليم بالتعاقد، وصولا إلى دمج قطاع الوظيفة العمومية مع وزارة الاقتصاد والمالية، ووراء الاقتصاد ما وراء الأكمة.

إلا أنه مع تقدم الفيروس التاجي، سرعان ما انسحب القطاع الخاص من المشهد وعادت الدولة الأم إلى مكانتها لتأخد بزمام الأزمة ورعاية المواطنين.

بزوغ الدولة الراعية ؛ حنين الماضي

لقد أبرز النظام الليبرالي بأنه ليس نظام أزمات، والدليل على ذلك الصدمة المفاجئة للفيروس التاجي الذي أثبت محدودية هذا النظام في مواجهة الأزمات الطارئة، خصوصا في الظرفية الحالية التي ازداد فيها الطلب على المرافق العمومية كالأمن والصحة والتعليم. في الوقت الذي اختار القطاع الخاص مكان المتفرج الذي لا دخل له فيما يحدث. وهو ما يتضح من خلال الإجراءات التي قامت بها الدولة المغربية، مصدرة قرارات بمنع الخروج إلى الشوارع، إلا لقضاء الحاجات الأساسية، وبفرض غرامات مالية على المخالفين. كما اتجهت أيضا إلى فرض حضر التجوال للحد من انتشار الفيروس وخرجت قوات الجيش وعناصر الشرطة إلى الفضاء العام لضمان تطبيق الحضر.

ففي مجال الصحة العامة، الكل لاحظ كيف غاب القطاع الخاص عن التعامل مع إسقاط الفيروس لمئات المصابين، غياب شأنه شأن التعليم الخاص. غابت رؤوس الأموال الكبيرة عن التعاطي مع التداعيات المدمرة للفيروس واكتفت بالإعلان عن تبرعات سرعان ما استردتها في شكل إعفاءات ضريبية. تبرعات تشبه في مثيلتها مساهمة أصحاب الحلايقي أو من في فرقته من أجل إحراج المتفرجين ليساهموا بدورهم، ليعود الحلايقي بإرجاع مساهمة أصحابه وتقاسم الغنيمة.

صلاحيات تم تكريسها أيضا على المستوى المحلي من خلال المادة 03 من مرسوم 24 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، والتي خولت للولاة والعمال، بموجب الصلاحيات الممنوحة لهم قانونا اتخاد التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة، صلاحيات لم تقتصر فقط على تلك الممنوحة لهم قانونا بل تعدتها إلى تلك المخولة لرؤساء مجالس الجماعات الترابية، فالمعادلة التي بموجبها ينص الفصل 110 من القانون التنظيمي للجماعات 114.14، على أن رئيس مجلس الجماعة يمارس صلاحيات الشرطة الإدارية، ولكن هناك استثناء يمارس بموجبه العامل أو من ينوب عنه مجموعة من الصلاحيات في إطار الضبط الإداري، انقلبت رأسا على عقب، جعلت من السياسي المحلي طائرا بلا أجنحة. فالعديد من الصلاحيات التي خولتها المادة 100 من نفس القانون التنظيمي لرئيس مجلس الجماعة، من قبيل شرطة المقابر وتنظيم ومراقبة المحطات الطرقية …، أصبحت في ظل الجائحة حكرا على ممثلي السلطة المركزية.

كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أفول دور الفاعل السياسي وفي تصور الفاعل السياسي للسيناريوهات المحتملة، في مقابل هيمنة الفاعل التقني الإداري لامتلاكه تصورات أكثر نضجا مقارنة بالفاعل السياسي الذي يفتقد لهذه الرؤية.

أي سيناريوهات لشكل الدولة بعد الجائحة

إزاء المسار العالمي المدمر لكرونا، فإن شكل الدولة بعد هذه الجائحة يفتح الباب أمام العديد من السيناريوهات:

1- سيناريو الدولة الرأسمالية بين الانهيار والتغول؛ هل ستشكل جائحة التاج أفول النظام الرأسمالي، أم أن الأمر لا يعدو مجرد أزمة مثل كساد الثلاثينيات من القرن الماضي، والحرب العالمية الثانية، وصراع البقاء الذي خاضته ضد الشيوعية، أزمة تعتبر مصدرا لانبعاث النظام الرأسمالي بقوة جديدة في نظرية تشبه طائر الفينيق في انبعاثه المستمر من الرماد.

2- سيناريو الدولة الرقمية؛ لقد أفرزت جائحة التاج ظهور مجالات عمل جديدة لعل أبرزها التعليم عن بعد، والعمل عن بعد، والتقاضي عن بعد، وظهور منصات إلكترونية للتواصل مع المواطنين التي أحدتثها العديد من الوزارات. إذ أصبحنا أمام مشهد الدولة الرقمية، على غرار دولة إيستونيا. بعيدا عن الممارسات الحرفية الآلية، التي يجري خلالها نسيان الإنسان بصفته كإنسان وعن حياته اليومية وتطلعاته.

3-سيناريو الدولة الراعية؛ قد تشكل لحظة كرونا لحظة لعودة الدولة الراعية بعمق وقوة في إدارة الشأن العام، من الصحة إلى التعليم إلى القضاء ثم الاقتصاد، إلا أن هذا السيناريو من الدولة إذا كان قد ساد لفترة من الزمن فإنه مع التوجه الرأسمالي ظل كمنقد للانهياروالركود ومواجهة الأزمات.

هذه بعض السيناريوهات، وربما قد يعرف العالم ظهور نمط جديد من الدول يبقى التساؤل مطروحا. كيف سيكون هذا النمط؟ وهل على شكل سابقاته من الدول؟ أم أن الأمر لا يعدو مجرد سحب صيف عابرة.

المراجع التي اعتمدت عليها في هذا المقال: كتاب المقدمة لابن خلدون وكتاب تاريخ الفكر السياسي ليوسف الفاسي الفهري. إضافة إلى مجموعة من المقالات: مقال يوسف لخضر حول الخوصصة في المغرب…، مقال خالد البرحلي حول الفوسفاط… مخفف آلام الأزمات الاقتصادية في المغرب، ومقال يوسف ربيع حول سياسة الخوصصة والسياسة الاجتماعية بالمغرب. نشرت هذه المقالات في جريدة هسبريس.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .