الرئيسية كتاب وآراء “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ظل جائحة كورونا”

“المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ظل جائحة كورونا”

كتبه كتب في 9 يوليو 2020 - 9:59 م

البشير الحداد الكبير – جريدة البديل السياسي:


لقد أكدت الدولة المغربية في جائحة كورونا أنها دولة إجتماعية بإمتياز، وهذا الأمر ليس بالجديد فالمغرب منذ حصوله على الإستقلال سنة 1956 بادر لنهج التوجه الإجتماعي في مختلف سياسته العمومية والقطاعية، فقام بتبني سياسة المخططات التنموية(مخطط 1958-1959/المخطط الخماسي 1960-1964/المخطط الثلاثي 1965-1967/المخطط الخماسي 1968-1972/المخطط الخماسي 1973-1977/المخطط الثلاثي 1978-1980/المخطط الخماسي 1981-1984/المخطط الخماسي 2000-2004)،هذه المخططات أعطت ثمارها لكن المغرب فكر جليا أنه يحتاج لمخطط أو مشروع مفتوح غير محدد المدة وكانت "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" هي الحل الأنسب لمحاربة المشاكل الإجتماعية والإقتصادية، إذ قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله :"… إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليا، ولا برنامجا ظرفيا عابرا، وإنما هي ورش مفتوح باستمرار…" (1).
وبالتالي إلى أي حد ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مواجهة جائحة كورونا بالمغرب ؟
للإجابة على هذه الإشكالية فقد اعتمدنا التقسيم التالي :
المبحث الأول: قراءة موجزة حول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
للوقوف على الأدوار التي قامت بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،لابد من التطرق للإطار التاريخي لهذه المبادرة المولوية السامية.
إن سياسة المخططات التنموية التي نهجها المغرب منذ الإستقلال إلى غاية 2004 أعطت أكلها وثمارها لكنها لم ترقى إلى المستوى المطلوب وبالتالي كان من الضروري البحث عن وسيلة أكثر نجاعة وفعالية لمواجهة الفقر والبطالة والأمية ومختلف المشاكل الإجتماعية، فإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية جاء نتيجة أسباب داخلية وخارجية، نذكر بعضا منها:
+"الأسباب الداخلية" :-نتائج تقرير الخمسينية؛
-الجانب التعليمي والهدر المدرسي؛
-الفقر والبطالة؛
-الجانب الصحي وإرتفاع عدد الوفيات في صفوف النساء الحوامل والأطفال الرضع؛
-الأحداث الإرهابية بتاريخ 16 ماي 2003،بحيث أن المتطرفون المشاركون في العملية الإرهابية ينتمون لأحياء شعبية، وبالتالي فالدولة فكرت أن محاربة الإرهاب و التطرف لا تكفيه الوسيلة الأمنية بل لابد من وسائل أخرى.
+"الأسباب الخارجية" :-التقارير الدولية التي رتبت المغرب في رتبة 123 و 124 بمعدل متوسط  التنمية البشرية؛ 
-إلتزام المغرب بتحقيق أهداف الألفية الإنمائية للقضاء على الفقر؛ 
-إلتزام المغرب بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ 
-تحذيرات البنك الدولي لتفادي تراكم المشاكل الإجتماعية؛ 
-تقارير التنمية الإنسانية العربية؛ 
وبالتالي في سنة 2005 وبالضبط بتاريخ 18 ماي 2005،وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله خطابا تاريخيا أعلن فيه عن إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،حيث شكلت مشروعا تنمويا وسياسة عمومية ناجعة وفعالة لمواجهة مختلف المشاكل الإقتصادية والإجتماعية،جعلت من المواطن هو صلب العملية التنموية بقيامها على أسلوب الإندماج والمشاركة، وهذا الأسلوب جاء تماشيا مع روح الخطاب الملكي السامي بتاريخ 12 أكتوبر 1999 الذي أكد على المفهوم الجديد للسلطة بالإضافة إلى سياسة القرب، كما أنها تقوم في تسييرها على التعاقد ومبادئ الحكامة الجيدة من شفافية ونزاهة وجودة. 
مرت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمرحلتين ونحن الآن بصدد المرحلة المرحلة الثالثة، بخصوص المرحلة الأولى (2005-2010) جاءت بأربعة برامج(برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي/برنامج محاربة الإقصاء الإجتماعي بالوسط الحضري/برنامج محاربة الهشاشة/البرنامج الأفقي)، أما بخصوص المرحلة الثانية(2011-2015) فقد جاءت ببرنامج التأهيل الترابي هدفه محاربة الفوارق المجالية، ونلاحظ أن هذا البرنامج جاء أيضا تماشيا مع فلسفة وروح دستور 2011(2) لاسيما في الباب الثاني عشر منه المعنون ب"الحكامة الجيدة" الذي جاء بمبدأ جديد تخضع له المرافق العمومية وهو "الإنصاف في تغطية التراب الوطني" المنصوص عليه في الفصل 154 من الدستور الجديد. 
يتدخل العديد من الفاعلون في هذه المبادرة الملكية السامية(الحكومة عبر لجنة القيادة والتنسيقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية/المرصد الوطني للتنمية البشرية/اللجنة الجهوية للتنمية البشرية/اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية/اللجنة المحلية للتنمية البشرية/الجماعات الترابية(3)/قسم العمل الإجتماعي بالعمالة أو الإقليم/فرق تنشيط الحي أو الجماعة/الجمعيات والتعاونيات/القطاع الخاص) ويأتي تعدد الفاعلين من أجل ضمان المشاركة الفعلية للقوى الحية في الدولة تفعيلا للتوجيهات الملكية بتبني أسلوب المشاركة والحوار والتشاور، ونلاحظ أن منسق هذه المبادرة الملكية "والي" ويأتي هذا تفعيلا للمفهوم الجديد للسلطة بحيث تم الإنتقال برجال السلطة من الطابع التقليدي(الحفاظ على النظام العام) إلى طابع جديد (تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية). 
وكانت لهذه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نتائج إيجابية على كافة المستويات(تشجيع الأنشطة المدرة للدخل/خلق فرص الشغل/تحسين مستوى الدخل/دعم التمدرس من خلال إقتناء حافلات النقل المدرس والدرجات الهوائية وإعطاء اللوازم المدرسية للتلميذات والتلاميذ وبناء مؤسسات تعليمية ودور الطالب والطالبة لمحاربة الهدر المدرسي/دعم الولوج للخدمات الأساسية/تقوية دينامية الجمعيات والتعاونيات/إنشاء خدمات القرب/دعم القطاع الصحي من خلال بناء مراكز طبية ومستوصفات ومستشفيات وإقتناء سيارات الإسعاف ووحدات طبية متنقلة ومعدات طبية وإحداث دور الأمومة وقاعات الولادة /تحسين البنيات التحتية/إحداث مراكز الإيواء للأشخاص في وضعية هشاشة من خلال بناء دار المسنين والأيتام والقيام بالتنشيط السوسيو ثقافي والرياضي والتربوي للأشخاص في وضعية هشاشة بما فيهم أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة/التنشيط السوسيو ثقافي ورياضي وتربوي من خلال بناء ملاعب القرب وتشجيع التظاهرات الفنية والثقافية وبناء مراكز ثقافية وإقتناء معدات رياضية/فك العزلة عن العالم القروي وتزويده بالماء والكهرباء والخدمات الأساسية/بناء السكن الوظفي لموظفي قطاع الصحة والتعليم/إدماج الفئات المعوزة في النسيج الإقتصادي والإجتماعي/تثمين المنتجات المحلية.. إلخ).
المبحث الثاني:دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في التخفيف من جائحة كورونا
لقدد سببت جائحة كورونا العديد من الخسائر في العالم بأسره وتضررت إقتصادات جل دول العالم، لكن الدولة المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله فضلت مواطنيها على إقتصادها، ولم تفكر في الجانب الإقتصادي بل فكرت في المواطن بالدرجة الأولى، وسيرا على نفس النهج التي دأبته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ إطلاقها،فقد تم التركيز على العامل البشري، وبالتالي في ظل أزمة كورونا،وقعت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إتفاقية شراكة مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ومع المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي لإطلاق برنامج تلفزي تعليمي لأطفال التعليم الأولي.
لقد تكفلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ظل أزمة كورونا بمصاريف التسيير والتجهيز والتهيئة لمراكز إستقبال الأشخاص في وضعية غير مستقرة على مستوى العمالات والأقاليم، وتكفلت أيضا بتسيير وتجهيز دور الأمومة وهي عبارة عن منشآت إستقبال مخصصة لإيواء النساء الحوامل اللواتي اقترب أجل وضعهن، ثم تكفلت أيضا بالتغذية الجيدة للحوامل وأطفالهن حديثي الولادة الذين يعيشون في المناطق القروية والشبه حضرية.
لقد رصدت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إعتمادات مالية إستثنائية وسخرت مراكزها ومواردها البشرية ووسائلها اللوجستيكية كل هذا للتخفيف من تداعيات جائحة كورونا.
إن هدف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في فترة كورونا هو صون كرامة المواطنات والمواطنين وضمان العيش الكريم لهم، وبالتالي تعمل على مواجهة العجز السوسيو إقتصادي.
إن البرامج التي أطلقتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المرحلة الثالثة (2019-2023) ستمكنها من مواجهة تداعيات جائحة كورونا وتتجلى هذه البرامج  في ما يلي:
+"تدارك الخصاص على البنيات التحتية"؛
+"مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة"؛
+"تحسين مستوى الدخل والإدماج الإقتصادي للشباب"؛
+"الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة".
وبالتالي فالمجهودات التي قامت بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ظل أزمة كورونا وما قبل كورونا عززت من منسوب الثقة ما بين الدولة والمواطن من خلال تركيزها على الرأسمال البشري وإعتباره رافعة أساسية للتنمية  من أجل مستقبل مشرق.
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تشكل ترجمة فعلية وواقعية للرؤية الملكية الرشيدة الهادفة إلى الإرتقاء بالوضع الإجتماعي والإجتماعي للمغرب، فمنذ إعتلاء جلالته حفظه الله عرش أسلافه المنعمين وهو يولي عناية فائقة للجانب الإجتماعي عبر خلق آليات وبرامج ووسائل تهدف لضمان العيش الكريم للمواطنات والمواطنين،وكما قال جلالة الملك أعزه الله:"… وإنه لعهد وثيق يجب أن نأخذه جميعا على أنفسنا لتكريس كل الجهود، من أجل انتشال الفئات والجهات المحرومة من براثن الفقر والإقصاء والتخلف، وتمكينها من الأخذ بناصية التقدم، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، باعتبارها المعركة الأساسية لمغرب اليوم والغد…"،إن هذه المبادرة ستواجه تحديات كثيرة ما بعد جائحة كورونا لكن يبقى التحدي الأكبر كما قال جلالة الملك نصره الله:"… وأما على المدى البعيد، فإن طموحي الكبير، الذي هو طموحك شعبي العزيز، يستهدف الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية لوطننا العزيز إلى مستوى البلدان المتقدمة…".
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أعطت أكلها في المرحلتين السابقتين وستعطي ثمارها في المرحلة الثالثة رغم التحديات في هذه الظرفية لأن ما يميزها هو الأسلوب التشاركي عملا بالمبدأ الشهير" التنمية هم مشترك"، وسنختم بمقتطف من الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة عيد العرش لسنة 2018:"…شعبي العزيز،
إن طموحي للنهوض بالأوضاع الاجتماعية، يفوق بكثير وضع آلية أو برنامج مهما بلغت أهميته.. “.
الهوامش:
1-مقتطف من الخطاب الملكي السامي بتاريخ 18 ماي 2005.
2-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011 ،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.
3-حسب الفقرة الأولى الفصل 135  من دستور 2011 الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات.
4-مقتطف من الخطاب الملكي السامي بتاريخ 18 ماي 2005.
5-نفس المرجع السابق.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .