الرئيسية كتاب وآراء كبوة أم جهل ؟

كبوة أم جهل ؟

كتبه كتب في 30 سبتمبر 2019 - 2:12 م

جريدة البديل السياسي /   محمد_قشتو / المغرب/

ذات فجر من أيام هذا الصيف المنصرم، صليت الصبح ووليت كرا راجعا للبيت، فأصرت علي نفسي أن أكتب شيئا مما حدث عقب تسليمة الإمام فكتبت ما تقرؤونه في هذه التدوينة : لكل صباح حديث، وحديث هذا الصباح غريب أمره وعجيب قوله، ولابد فيه شيء من الفقه والتنبه. سلم الإمام فقال: السلام عليكم..

فأعلن خروجه من الصلاة، وسلم من خلفه فهم مقتادون به على أية حال، فبينما الجميع غارق في الأذكار، إذ برجل في الصف الأول أعرفه معرفة سطحية من رجالات هذا الحي العامر يقف وقفة جواد ليس له كبوة فاستشاط غضبا على رجل آخر إبتلاه الله بأن ينصحه.. وياليته ما نصحه وما وكزه بنصيحته، فلم يكمل قول الله تعالى من فيئه: ((وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) حتى ثار عليه الآخر وأسمعه وأسمع المصلين والإمام كلاما لا يقال في بيوت الناس فضلا أن يقال في بيوت الله. فهمتم القصة الآن، الأمر فيه ناصح منصوح، والنصيحة كما يقولون بين الناس فضيحة، أو كما قال القائل مشطورا:

تعمدني بنصحك في انفرادي // وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من // التوبيخ لا أرضى استماعه والأمر ليس كذلك في حديث نازلة الصبح، فقد أسر الناصح نصيحته إلى منصوحه، إلا أنه لم يتقبلها، وصرف ما في نفسه وعلى لسانه ولم يرع حرمة المصلين ولا حرمة بيت الله ولا أحدا ممن يسمع.. وما زاد غضبه نفورا شيء كتهدئة الناس له، فما زالوا يهدئونه إلا ويزداد فيضان قلبه إقبالا، فأسمعنا مع الصباح الباكر ما لا ينبغي للمسلم أن يتلفظ به وهو في السوق فكيف ببيت من بيوت الله. ثم لنفرض أنه على حق، فإنه لا يجدر ولا يليق برجل في سنه أن يستشيط بغضبه ويسمع الناس والدواب والأنعام وكل ما خلق الله، لكن الأمر الفادح والمفضح أنه ليس على حق ولا هو يقرب له أو يتلمسه في اندفاعه، وهاكم نازلته: الإمام يقرأ الفاتحة جهرا، وهو معه يقرأها جهرا، لا ندري ألسكينة تملكته أم لخشوع أذرف عليه دموع أم ماذا؟ فماذا ينبغي فعله شرعا وهو مأموم خلف إمامه.

مذهبنا المالكي فصل علماءه وأئمته الأجلاء في ذلك تفصيلا واضحا للمأموم، فإذا كان يصل مع إمامه صلاة سرية يستحب له أن يقرأ، وإذا كان يصل مع إمامه صلاة جهرية يستحب له أن ينصت، وقد قال إبن أبي زيد القيرواني في رسالته: (( ويقرأ -المأموم- فيما يسر فيه الإمام، ويترك القراءة فيما يجهر به)) كما استشهد أصحابنا المالكية بعموم قول الله تعالى: ((وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) فقد ذهب إلى ذلك الطبري وجابر وعطاء وابن مسعود وغيرهم.. كما أنهم يستدلون بحديث عمران بن حصين الذي يقول فيه النبي صلى .الله عليه وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا)).

وغيرها من الأدلة التي تفي بالغرض وتجيب عن النازلة. نسأل الله العفو في التقصير والسهو والنسيان، فإن أمي تخاطبني دائما فتقول: ((من نصحك فهو يريد لك الخير)) ولا أسامح عبدا مسلما سمع قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا خير في قوم لا يتناصحون فيما بينهم)) ثم رأى مني ما يستدعي نصيحته لي فلم ينصحني، وجزاكم الله خيرا. 

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .