الرئيسية دين و دنيا الكلمة الطيبة …هل صح حديث في أن الله «يغفر جميع الذنوب إلا الغيبة»؟

الكلمة الطيبة …هل صح حديث في أن الله «يغفر جميع الذنوب إلا الغيبة»؟

كتبه كتب في 18 يناير 2024 - 10:59 م

جريدة البديل السياسي 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:

فيا حسرة من يتعب في جَمْعِ الحسنات، ثم يهديها لغيره، وقد يكون هذا الغير عدوًّا له، وهذا ما يفعل المغتاب والنمام، فينبغي للمسلم أن يجاهد نفسه، ويدربها على ترك الغِيبة والنميمة، يدفعه لذلك خوفه من الله عز وجل، ويعينه على ذلك – بعد توفيق الله له – البعد من مجالس الغِيبة والنميمة، وعِلْمُهُ أنه كلما ترك غيبة الناس، ترك الناس غيبته؛ فالجزاء من جزاء العمل.

 

للسلف أقوال في الغيبة والنميمة، يسَّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

 

قال أبو عاصم النبيل: “لا يذكر في الناس ما يكرهونه إلا سَفَلَة لا دين لهم”.

 

قال عبدالله بن وهب: “نذرت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أصوم يومًا، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغِيبة”.

 

قال سفيان الثوري: “أقل معرفتك بالناس تقل غيبتك”.

 

قال أكثم بن صيفي لبنيه: “إياكم والنميمة؛ فإنها نار محرقة، وإن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر”.

 

قال الحسن: “الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى: الغيبة، والإفك، والبهتان؛ فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه، وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه، وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه”.

 

قال ابن عبدالبر: “قال عدي بن حاتم: الغِيبة مرعى اللئام”.

 

عن ابن سيرين أنه ذكر رجلًا، فقال: ذاك الأسود، ثم قال: أستغفر الله، أخاف أن أكون قد اغتبته، وعنه قال: إذا كان يكره أن تقول: شعرك جعد، فلا تقله له.

 

قال رجل لعمرو بن عبيد: “إني لأرحمك مما يقول الناس فيك، قال: أفتسمعني أقول فيهم شيئًا؟ قال: لا، قال: إياهم فارحم”.

 

قيل لعبدالله بن المبارك: إذا صليت لم لا تجلس معنا؟ قال: ما أصنع معكم، أنتم تغتابون الناس.

 

قال سهل بن عبدالله التستري: “من أخلاق الصديقين… لا يغتابون ولا يُغتاب عندهم”.

 

قال سفينان بن عيينة: “الغيبة أشد من الدَّين، الدَّين يُقضى، والغِيبة لا تُقضى”.

 

قال الإمام ابن حبان: “النميمة تهتك الأستار، وتفشي الأسرار، وتورث الضغائن، وترفع المودة، وتجدد العداوة، وتبدد الجماعة، وتهيج الحقد، وتزيد الصدَّ.

 

والواجب على العاقل لزوم الإغضاء عما ينقل الوشاة، وصرف جميعها إلى الإحسان، وترك الخروج إلى ما لا يليق بأهل العقل”.

 

قال أحمد بن عاصم الأنطاكي:

لا يكسب بالغيبة تعجيل ثناء، ولا يبلغ بها رئاسة، ولا يصل به إلى مزية في دنيا من مطعم، أو ملبس، ولا مال، وهو عند العقلاء منقوص، وعند العامة سفيه، ولا يحتمله في نقص إلا من كان في مثل حاله، وما وجدت في الشر نوعًا أكثر منه ضررًا في العاجل والآجل، ولا أقل نفعًا، ولا أظهر جهلًا، ولا أعظم وزرًا من مكتسبيه.

 

الغيبة إذا ثبتت في القلب، وأذِن صاحبها في احتمالها بالرضا لسكونها، حتى توسع لأخواتها في المسكن وأخواتها: النميمة، والغي، وسوء الظن، والبهتان العظيم، والكذب؛ فاحذرها؛ فإنها مزرية في الدنيا بصاحبها، ومخزية له في الآخرة.

 

اعلم أن مخرج الغيبة من تزكية النفس، ومن شدة رضا صاحبها عن نفسه، وإنما اغتبته بما لم تَرَ فيك مثله أو شكله… ولو علمت أن فيك من النقصان أكثر مما تريد أن تنقص به لحجزك ذلك عن غيبة غيرك، ولاستحْييت أن تغتاب غيرك بما فيك من العيوب… فاحذر الغيبة كما تحذر عظيم البلاء.

 

قال موسى بن إبراهيم: “حضرت معروفًا الكرخي وعنده رجل يذكر رجلًا وجعل يغتابه، وجعل معروف يقول له: اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك”.

 

قال رجل للفضيل بن عياض: “إن فلانًا يغتابني، قال: قد جلب لك الخير جلبًا”.

كان ميمون بن سياه لا يغتاب، ولا يَدَعُ أحدًا يغتاب عنده، ينهاه، فإن انتهى وإلا قام عنه.

قال محمد بن إسماعيل البخاري: “إني أرجو أن ألقى الله، ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا”.

قال الإمام الخطابي: “اذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك به إذا تواريت عنه”.

 

قال الإمام الغزالي:

اعلم أن اسم النميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول: فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا، وليست النميمة مختصة به، بل حدها كشف ما كره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول، أو بالكتابة، أو بالرمز، أو بالإيماء، وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال.

 

قال بعضهم: النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق، وهي أثافي الذل.

 

اعلم أن حد الغِيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في بدنه، أو نسبه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه، حتى في ثوبه وداره ودابته.

 

اعلم أن الذكر باللسان إنما حرم؛ لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء، والغمز والهمز، والكتابة والحركة، وكل ما يفهم فهو داخل في الغيبة وهو حرام.

 

علاج الغيبة… أن يعلم أنها محبطة لحسناته يوم القيامة، فإنها تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه، فإن لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه، وهو مع ذلك متعرض لمقت الله عز وجل، ومشبه عنده بآكل الميتة، بل العبد يدخل النار بأن تترجح كفة سيئاته على كفة حسناته، وربما تنقل إليه سيئة واحدة ممن اغتابه فيحصل بها الرجحان، ويدخل بها النار، وإنما أقل الدرجات أن تنقص من ثواب أعماله، وذلك بعد المخاصمة والمطالبة، والسؤال والجواب والحساب.

 

قال الحافظ ابن الجوزي: “كان أحد السلف لا يدع أحدًا يغتاب في مجلسه، ويقول: إن ذكرتم الله أعانكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم”.

 

قال الإمام النووي:

تباح الغيبة… لستة أسباب: أحدها: التظلم، الثاني: الاستعانة على تغير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، الثالث: الاستفتاء، الرابع: تحذير المسلمين من الشر، الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته، السادس: التعريف كالأعرج.

 

رد غيبة المسلم الذي ليس بمتهتك في الباطل، وهو من مهمات الآداب، وحقوق الإسلام، والذب عمن ذكر بسوء، وهو بريء منه.

 

من حملت إليه نميمة، فعليه ستة أمور؛ الأول: ألَّا يصدقه، الثاني: أن ينهاه عن ذلك، الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، الرابع: ألَّا يظن بأخيه الغائب السوء، الخامس: ألَّا يحمله ما حُكي له على التجسس، السادس: ألَّا يحكي نميمته عنه.

 

قال الإمام ابن القيم: “الفرق بين النصيحة والغيبة: أن النصيحة يكون القصد فيها تحذير المسلم من مبتدع أو فتان أو غاشٍّ أو مفسد، فتذكر ما فيه إذا استشارك في صحبته ومعاملته والتعلق به، فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين، فهي قربة إلى الله، من جملة الحسنات، وإذا وقعت على وجه ذم أخيك، وتمزيق عرضه، والتفكُّه بلحمه، والغض منه، لتضع منزلته من قلوب الناس، فهي الداء العضال، ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب”.

 

قال العلامة عبدالله بن محمد بن حميد:

“قد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فأخذ الجريد فشَقَّهُ نصفين، فوضع على كل قبر منه شقًّا، وقال: إنهما لَيعذبان وما يعذبان في كبير، فأما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله))، فالذي يمشي بالنميمة يعذب في قبره، لأنها تفسد بين الصاحبين، وبين الأب وابنه، وبين الرجل وأهله، وبين القبيلة والقبيلة.

 

ووجه كون النمام يعذب في قبره هو أن النميمة مقدِّمة لسفك الدماء؛ وذلك أن نقل حديث هؤلاء إلى هؤلاء على جهة الإفساد بينهم، يُذْكِي العداوة حتى تؤدي إلى سفك الدم، وأول ما يقضي الله فيه بين خلقه الدماء، قبل أن يقضي بينهم في الأموال وغيرها، فلما كانت النميمة مقدمة لسفك الدماء، ناسب أن يعذب النمام في قبره قبل عذاب الآخرة”.

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .