أخبار عاجلة

الرئيسية نقطة نظام هكذا كانت أمي الحبيبة وإلى اللقاء في جنة الخلد بإذن الله

هكذا كانت أمي الحبيبة وإلى اللقاء في جنة الخلد بإذن الله

كتبه كتب في 6 يناير 2024 - 9:55 م

نقطة نظام يكتبها محمد أعبوز – جريدة البديل السياسي 

لقد صدق من قال:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلا طيب الأعراق

وبالعودة إلى ما أنا بصدده وهو ترجمة أمي الغالية فأقول .. كانت أمي امرأة بسيطة أمية، تنحدر من دوار اولاد محمد السفلى منطقة لهدارة قبيلة كبدانة جماعة اركمان التابعة لإقليم الناظور ، فهي من مجتمع قروي كان يغلب عليهم الأمية لاشتغالهم بالزراعة وقلة الدراسة  وانتشار الفقر فضلا عن أن العرف عند كثير من أهل القرى هو أن من المعيب أن تتعلم البنت خشية أن تجلب إلى أهلها العار فيما إذا خرجت من البيت إلى المدرسة أو الجامعة.

بيد أن الحياة التي عاشتها أمي رحمها الله كانت أكبر مدرسة عاشتها بمرها وهو كثير وحلوها وهو قليل، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه، فقد تحملت أعباء الحياة من صغرها لأنها تزوجت وأنجبت بعض الأولاد ولم تبلغ العشرين!! وهذا بحد ذاته فيه مكابدة ومشقة كبيرة فما بالك بأن هذا كان في ظل فقر مدقع بحكم أن أبي رحمه الله كان فقيرا أيضا فقد كان عاملا بسيطا يعمل من عرق جبينه، عانى هو الآخر وكابد المشقات لتأمين لقمة العيش لنا .

وهنا طبعا زادت المشقات والمسؤوليات الملقاة أصلا على عاتق أمي بحكم أن أبي ترك لها ستة أولاد، نصفهم دون سن البلوغ.. ولم يترك أبي سوى بيت متواضع نتآوى فيه، ولقد عرض حينها بعض الأقارب على أمي تقديم مساعدة فرفضت بعد أن شكرته طبعا وقالت: الله وحده يغنينا من فضله.

وهنا راحت تضعنا أمام الحقيقة والواقع المر وأننا في هذه الحياة أمام معركة يجب الكفاح فيها وعدم انتظار مساعدة من أحد وأنه ينبغي أن نعتمد على أنفسنا ولا نتكل إلا على الله، فصرنا أنا وإخوتي نعمل ونعيل أنفسنا إلى أن كبرنا و تزوجنا دون أن نحتاج إلى أحد سوى الله وله وحده الفضل والمنة .

فهذا فيما يتعلق بالوضع الاجتماعي التي عاشت فيه أمي، وبالنسبة لصفاتها فقد كانت أمي متديّنة ميمونة السيرة على اسمها “ميمونت بنت علال لوكان بن محند قدور البالي  صبورة لا تؤذي أحدا، لا تحب الكلام الكثير بل هي كثيرة الصمت إلا عن ذكر الله فلسانها لا يفتر عن ذكره تعالى حتى إلى آخر رمق في حياتها.

كانت أمي صريحة لا تحب ذا الوجهين وإذا أرادت أن تنتقد شخصا انتقده في وجهه لا بغيابه، كانت متواضعة حسنة العشرة تصغي لمن يتحدث معها ويزورها فتسامره وتكرمه وتبش له فلا يمل جليسها، مع أنها هي في الحقيقة تؤثر العزلة والوحدة، وكانت تدعو دائما أن تعيش في جبل أو كهف بعيدا عن أعين الناس.

كانت لا تحب حياة البذخ والسرف والخيلاء حتى ولو أتيح لها، بل تحب البساطة في المأكل والمشرب والملبس وحياة القرى وأهل الريف لا حياة المدن، كما قالت ميسون الكلبية:

كانت أمي على الرغم من كونها أمية إلا أني أعتبرها داعية إلى الله على علمها المتواضع بالشريعة وقلة ما تعرفه من الكتاب والسنة، ولكن كانت شديدة الذكاء، حكمتها غزيرة وخبرتها في الحياة والأشخاص والأحداث كبيرة:

كانت تحب السماع إلى القرآن والحديث النبوي وخطب الجمعة من خلال الراديو أو التلفاز وتحب التلاميذ واهل العلم ، وكانت تمسك المصحف وتقلبه وتمر بأصابعها على سطوره تبركا بدل القراءة التي لا تعرفها، وفي آخر حياتها صارت تطلب أن يقرأ لها القرآن وهي تردد بصوتها خلف القارئ وتضع أيضا أصابعها على الكتابة في المصحف.

كانت تحب الدروس الدينية وتحب حضورها في المساجد، وحضور صلاة التراويح جماعة كلما تسنى ذلك لها، وتحب المشايخ والعلماء، وقد  كانت تسألني دائما عن الحلال والحرام والفضائل لتحرص عليها رحمها الله ومع ذلك فقد كنت أتعلم منها الكثير رحمها الله.

وكانت تحافظ على نوافل الصلاة والصيام فضلا عن الفرائض ، فكانت تصلي الفرائض والسنن الرواتب وتصلي الضحى وصلاة الأوابين بين المغرب والعشاء والتراويح وصلاة التسابيح والوتر، وكانت تصوم الاثنين والخميس والأيام البيض إلى غير ذلك من النوافل، حتى أنها في المستشفى قبل موتها كانت تحافظ على صلاة الضحى .

كانت رحمها الله تحثنا على الصلاة من صغرنا بل تأمرنا بالصلاة في جماعة في المسجد، ليس هذا فحسب بل كانت لا تدع أحدا من الأقارب أو الأباعد تعلم أنه لا يصلي إلا وتلح عليه في ذلك وتقول له قولتها المشهورة: لا بارك الله في أمر يُشغل صاحبه عن الصلاة.

والأمر نفسه إذا علمت أن أحدا لا يصوم أو لا يزكي أو لم يحج مع القدرة، أو كان عاقا لوالديه أو يتعاطى الميسر أو الربا أو السرقة أو الفواحش فكانت تأمره وتنهاه وتسرد له بعض ما تحفظه في ذلك من آيات أو أحاديث ولو بالمعنى في الترغيب والترهيب أو تسرد له قصصا فيها عبرة أو أمثالا سائرة لها تأثير.

وكانت رغم فقرها وكونها أرملة ولها أيتام: تتصدق على من هو مثلها أو أفقر منها من الأقارب والجيران من الأرامل والأيتام وذوي العاهات فكانت تحمل همّ الجميع وتتعهدهم بالسؤال عنهم والاطمئنان عن أحوالهم ومساعدتهم بالمال النقدي والطعام واللباس فضلا عن صلتهم بالزيارة المتبادلة والكلمة الطيبة والدعاء لهم فكم سمعناها تدعو لنا ولهم في سجودها في جوف الليل رحمها الله.

كانت تأمرنا بالألفة والمحبة والبعد عن التنازع والشقاق وكانت إذا سمعت أحدا اغتاب آخر أو خاصمه أو كان يحقد عليه لكونه آذاه تأمره بأن يحسن الظن به وبأن يصالحه ويصله إن كان حيا وأن يسامحه إن كان ميتا ولا سيما إن كان من قريبا له وكانت دائما تقولون: الأقربون أولى بالمعروف.

كانت كثيرة الهم والغم لكثرة مسؤولياتها وقلقها ليس على نفسها بل علينا على أولادها وأحفادها أيضا إلى درجة أنها كثيرا ما كانت تذرف الدموع وتبكي حينما يمرض أحدنا أو يسافر أو تصيبه مصيبة، وكما كانت تحزن لحزنا فقد كانت تفرح لفرحنا رحمها الله.

وكانت في لازمة الفراش في بيتها تتكلم وهي غائبة عن الوعي فسألتها أختي تريد أن تختبر هل عادت لوعيها : أين أنت الآن؟ قالت: في الجنة مع الرسول عليه الصلاة والسلام!! إلى أن سلمت الروح إلى باريها، ورئي له منامات صالحة ومدحها الناس وأثنوا عليها وتكلموا فيها بكل خير ولله الحمد على كل حال.

من أمثال أمي رحمها الله .. وهذا حديث شيق يطول ولذا سنؤجله للغد بحول الله

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .