الرئيسية كتاب وآراء من فــــضــــاءات مدينــــتنــــا بنـــــي انصـــــــــا… بقلم / ذ. محمادي راسي

من فــــضــــاءات مدينــــتنــــا بنـــــي انصـــــــــا… بقلم / ذ. محمادي راسي

كتبه كتب في 9 مايو 2023 - 12:14 م

بقلم / ذ. محمادي راسي

من فــــضــــاءات مدينــــتنــــا بنـــــي انصـــــــــار &&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& بــــني انصار آه يا بني انصار/

تموت وهي واقفة كالأشجـــــار /

بين فينة وأخرى، أذهب إلى المقهى المجاور للمأوى، والقريب من الحديقة الحرّى ،أجلس بعض الهنوات لدحق الكلل والهنق، ودحر الحنق ،والترويح عن النفس المضطربة، ونسيان الرتوب اليومي ،وأنا مهنبت أو مهنتب أريد الراحة والهدوء والسكينة ، ولكن الهنابث تكسر ما أروم إليه ، المقهى ذو موقع استراتيجي يقع في الشارع الرئيسي ، ويطل على الحديقة المريضة البئيسة الحزينة المهملة ، أجلس فيه للاختزال والاختصار حينما أذهب إلى السوق ،كي لا أرى مناظر مخزية ،ومشاهد مشينة ،وسلوكات قبيحة مقيتة ،ومضاهبة وضهد بين المارين لأسباب تافهة .

فضاؤنا؛

ملوث شكلا ومضمونا ،

كلاما وصوتا ،

عمرانا وسلوكا،

أنّى اتجهت وسرت ،

ومشيت وهرولت ،

وجريت ودألت ،

وهنبت وهنتبت

وخببت وسروكت ….

في هذا الفضاء ؛

لا أرى يمامة برية ،

لأسمع هديلها .

ولا حمامة أليفة ،

لأسمع سجعها وهديرها،

ولا أرى حمامة زاجلة،

تأتي بخبر؛

فيه فأل،

وبشر وشبر ،

ولا حمحما ولا هزارا ،

ولا درسة أم شنب مغردا،

ولا أبا الحناء مشقشقا،

فوق سعوف النخيل ،

ولا نحلة تمتص رحيق الزهر ،

لتصنع الأري ،

ولا فراشة تحلق ،

وتحوم حول الزهر،

وأيّ زهر …ااا؟؟؟.

كأنني في فضاء سربخ ،

لــــكــــن ؛

أرى الأذبة في النهار،

تتكوم هنا وهناك وهنالك …

والناموس يباغتني في الليل بقرصه ،

لا أمن من؛

بغتاته ولسعاته وقرصاته ،

أرى كلابا بأنواعها وأشكالها ،

تلهث.. تتهارش …تتعاظل …

والحمير والبغال،

تلبط ،ترفس، تنهق ،

والماشية تلعط الأعشاب ،

كأنها في زريبة ربها ،

أرى طروحا مائلة ،

وأخرى منطرحة ،

أجذاعها ميتة ،

وطلاحا يابسة ،

ونباتات مزرئبة ،

وورودا ذابلة مشرئبة ،

لا أحد يسقيها ويغيثها ،

حمامنا ينفر منا ومن حدائقنا ،

أشصار تفر من فضائنا ،

متى سيأتي الربيع …

لنرى حديقتنا منمنمة مزركشة ،

وشوارعنا نقية ..؟

متى ستقترب منا الحمامة واليمامة ،

وستتفرّش الطيور مزقزقة حول حديقتنا ،

والفراشي ستلقح زهورها المتفتحة ..؟؟

لا شيء شبوب لفضائنا ومدينتنا ،

أشياء خربت فهدمت ،

ثم اندثرت ،

(فبقيت أثرا على عين ) ،

الزمن يمر سدى،

معالم سادت ،

ثم بادت ،

لم تعد صالحة للتاريخ والجغرافية ،

ولا للذاكرة ولا للسياحة،

أين معلمة سيتولاسارالشامخة ؟

أين محطة القطار والمنازل ؟

وأين القطر التي كانت تجر العربات ؟

وأين قضبان السكة الحديدية ؟

أين الجمارك والقباضة ،

والبنك المغربي ودار السينما ؟

لم يتركوا شيئا ليذكر،

ويروى ويعاين ويرى ،

“استفهامات أبي البقاء الرندي

في رثاء الأندلس …”

إنه فضاء مضطرب متقلب يحتاج إلى ضبط وانضباط ، سلوكات غير عادية ناتجة عن تناول سموم فتاكة ، يعيش فيه العاقل حائرا يبحث عن المكان والزمان المناسبين ، أطفال يتسكعون وهم في سن التمدرس ، شباب طائش لا يستقر على حال، تحوله المخدرات والأقراص المهلوسة و”البوفا” وغيرها إلى حال وأحوال ، تارة نشيط وتارة حزين ، تارة يهذي وتارة يثور ، معظم الشباب يتعرضون للعطالة والبطالة، بالتواكل والكسل، وعدم البحث عن العمل ….؟؟ااااا.

فضاء لا تستطيع التجول في الشوارع والجلوس في الساحات والباحات ،من كثرة المتسولين والمتسولات ،ظاهرة تكاد أن تكون حرفة جديدة ،وطريقة فريدة فاذة ، قصد الحصول على الأجرة بالتواكل والكسل ،والجلوس والحيل ، وبدون كد وعمل ، الإسلام حارب التسول ؛ “اليد العليا خير من اليد السفلى “.

مدينة بني انصار عبارة عن كتاب ،شوارعها سطور بأسماء مدونة على رواشم بعيدة عن واقعها،لذلك يتعذر فهم علاقات السطور بجغرافية المدينة وأوروغرافيتها وتاريخها وأعلامها ونواحيها ، وتواريخ المعارك والأحداث والمواقع ، وظروف الحصار والهجرات والمسيرات…..إنه الغياب والنسيان والإهمال ….كأنك أمام كتابات هيروغليفية يتعذر فكها وقراءتها ،يلزم إحضار شامبليون لاستيعابها …

وأنت واقف أمام روشم أو لوحة أو يافطة أو صحيفة ، تقرأ شارع دوبلين وغيرها من العواصم الأجنبية وأسماء الفواكه النادرة الغالية ، لا تذكرك بتاريخ بني انصار ،ولا بشيء يمت بصلة بالمدينة التي تعيش فيها …ثم هناك فرق بين شارع وزنقة وزقاق ودرب ….

فضاء مشحون بالحزن والبؤس ، لا ترى المسحة الجمالية في واجهة المدينة وما يحيط بها ، قطع أرضية قاحلة مزبلة مهملة مدبوشة ، مليئة بالطسام ، في جلوسك وترجلك ووقوفك لا يذكرك بشيء ، فضاء بدون ذاكرة حتى المعركة المشهورة “إغزرأنوشن ” لا يعرف موقعها الكثير من أهل بني انصار ، ولا الباحثون المختصون في التاريخ والجغرافية …؟؟ااااا، فقد وعدنا من خلال ندوة علمية سابقة حول المعركة المذكورة ،وندوات أخرى حول تاريخ المنطقة بإحداث نصب تذكاري لتلك المعركة ولكن أين ؟؛ في “باصو” ملتقى الطرق وهو مكان بعيد بكثير عن الوقيعة ، دليل على عدم معرفة المكان …؟. ولكن إلى يومنا هذا لم يحدث أي شيء من ذلك ، ولا نرى أي شيء …وبقي لنا أن نقول :”لم أر على ظهر جبل سمكة”، كما يردد أهل العروض هذه المقولة الموضحة للأوتاد والأسباب والفواصل في الشعر .

حتى مقبرة سيدي يحي ؛بقي منها النزر القليل ، بعد طمس وطمر ودرس أثناء إنشاء ميناء بني انصار ، وذلك النزر القليل بقي بتدخل بعض الجمعيات المدنية وعائلات وأقارب المدفونين …. حتى قبر سيدي يحي غير موجود ،كان محاطا بأحجار، كانت مياه البحيرة الصغيرة تصل إليه حينما تكون في حالة المد ، تلك القبور البادية تحتاج إلى سياج لأن بعض المشردين والمتسكعين و”المقرقبين “يقومون بتخريبها وطمسها .

أماكن كثيرة ،ومنشآت مختلفة ،ومؤسسات اجتماعية هدمت وطمست ،أين “ثمزييذا أنبوزيزا ” كانت مسجدا ومدرسة لحفظ القرآن ، و “ثمزييذا ثرومشت ” ـــ اليوم أقيم في مكانها مدرسة مولاي بغداد ــــ ببنائها المرتفع الجميل ،وأشجارها الباسقة وحديقتها الغناء ، كانت للتعليم العمومي الابتدائي ؛ اللغة العربية والإسبانية والتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافية ،،، ؟؟؟، تلكم المؤسسات كانت تقوم بخدمات إنسانية واجتماعية مناسبة في ذلك العهد ، هي بمثابة ذاكرة جماعية لأهل بني انصار، وتاريخ شاهد على إقبالهم على الدرس والتحصيل والتثقيف في ذلك العهد ، و”ثمزييذا ثرومشت ” نسبة إلى “أرومي ” أي الإسباني ،أسست في عهد الاستعمار ،كانت المدرسة الوحيدة في بني انصار في ذلك العهد ، فقد خرجت أطرا في مختلف الميادين ؛ التعليم /الطب /الجيش / الوظيفة / …

بني انصار القرية القديمة التي كانت تتوفر على الكهرباء وأعمدة الهاتف في بداية القرن العشرين ، وبعض المرافق كالبنك المغربي ،/القباضة /مفوضية الشرطة /السينما /خزان سيتولاثار للمعادن / مستودع للقطر التي كانت تجلب المعادن من وكسان / مستودع الحافلات / الجمارك / المركز الفلاحي / البريد …..حتى تلاوين أو أطلايون كانت تابعة لبني انصار، واليوم أصبحت تابعة لمدينة الناظور، تزخر بمشاريع سياحية مهمة بإشراف وكالة مارتشيكا ميد ، وأصبحت فرخانة تابعة لبني نصار، وهي بدورها مشهورة بمعركة سيدي ورياش ،ولكن دون معرفة المكان بالضبط أو بالتقريب بسبب الإهمال والإغفال والطمس ،ودون إحداث نصب تذكاري يحدد المكان والزمان …؟؟اا ،وحينما ألحقت فرخانة ببني انصار ؛كتبت مقالا تحت عنوان …….”من بني انصار إلى فرخانة أو من قصبة بني انصار أو رتابة إلى قصبة فرخانة أو جنادة “، نشر بتاريخ 1/3/ 2012م موجود بموقع “مغرس ” وفي نهاية المقال قلت ؛

من رتبة (1) وإلى جنادة (2) صعد /// نريدها دائما مصونة أبد

(1) رتبة هي قصبة رتابة ببني انصار .

(2)جنادة هي قصبة فرخانة .

مدينة بني انصار لها موقع جميل واستراتيجي ؛ الجبال /الهضاب / بوقانا ببحرها وبحيرتها ونحيرتها الجذابة الملهمة ، وأرضها العفراء الملساء ، / هضبة أطلايون التي أصبحت هضبة سياحية بامتياز تستغلها وكالة مارتشيكا سياحيا …أماكن جميلة يحجها المغاربة والأجانب من كل جهة وحدب وصوب صيفا وربيعا ، فضاء بوقانا هو المحجأ السهل الولوج إلى البحر والبحيرة ، يقصده السياح في الدرجة الأولى ، وهو المتنفس الوحيد لأهل بني انصار ،وفي الدرجة الثانية يقصدون جبل كوركو وما يحيط به من هضاب وغابات وأشجار بظلالها الوارفة ، وعيون بمياه زلولة عذبة ، لكن المواصلات صعبة، والمسالك إليه وعرة وشاقة ، لذلك يلزم إحداث طرق سهلة للسيارات والراجلين ، لتنتعش بني انصار سياحيا واقتصاديا وتجاريا بخلق مناصب شغل للشباب العاطل .

وختاما يلزم احترام فضاءاتنا؛الساحات والحدائق والشوارع والأزقة والطبيعة والبيئة …بالمحافظة عليها بالرعاية والصيانة والنظافة والاهتمام ،ليل نهار،لتكون جميلة جذابة، تبهج الناظرين والمارين ،وتجلب السياح لأجل الرواج التجاري .

المدرسة لها دور عظيم ومهم في توعية التلاميذ بدروس التربية الإسلامية والوطنية ،والتربية على المدنية والمواطنة،والتربية الفنية عبر الموسيقى والرسم والنحت والنقش ، والتربية الأدبية عبر العلوم الإنسانية ؛ الشعر والمسرح وباقي الفنون الأدبية ، وعلم الجمال كالخير والحق والعدل ، والثقافية الروحية ،ويرى البعض “التربية على المواطنة قاعدة أساسية من قواعد مناهج الدول المتحضرة التربوية خاصة بعد ما اعتمد العالم سنة 1989م أحكام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل “.

العوامل المذكورة في الفقرة السابقة ؛ لها مهمتها ودورها في تكوين شخصية الإنسان وتهذيبه على احترام ما هو موجود بالمدينة وخارجها ،ولا ننسى دور المثقف في سبر أغوار المجتمع والتوجيه والنقد لكل سلوك سلبي يؤدي إلى التخريب والاعتداء والسب والضرب ، ويسبب في خلق الأزبال والأوساخ …ولا يخدم المدينة ولا المواطن ولا المجتمع ، ولا ننسى دور المنتخب الذي يجب عليه أن يدافع عن المدينة وينافح عن حرمتها وينظر فيما تفتقر إليه ، والوقوف ميدانيا على مكامن الخلل والنقص، والذهاب إلى المشكل ،لا أن يأتي إليه المشكل ، وطرح الأسئلة مستفسرا عن حالة الساكنة ، كل هذا لتكون مدينته مدينة جميلة من حيث العمران والسلوك ، فسلوكنا الإيجابي ونظافة مدينتا يدلان على مستوانا الثقافي والحضاري …ثم أن تكون المؤسسات والمصالح والمرافق والخدمات قريبة من الساكنة للحصول على الوثائق في أقرب وقت ، ودور السلطات المحلية والأمنية في المحافظة على أمن المدينة والساكنة ،لأن الضجيج يقلق راحة الساكنة في جميع الأماكن ؛ في قلب المدينة وأحيائها ونواحيها …بعض المطاعم تتحول إلى مقاه ينتج عنها ضجيج الجالسين إلى الساعات الأخيرة من الليل …الحدائق حافلة بالمشردين والمتسكعين والمتسولين واللصوص الذين يطمعون في سرقة الأسلاك الكهربائية وغيرها ….بدون وجل من التيار الكهربائي …

ولكن؛ لمن تكتب ، ولمن تدق الأجراس ،وعلى من تقرأ زبورك يا داود ،أو سفر المزامير ؟؟ ،مدينة بعقول غائبة تائهة حائرة ،وقلوب حثرة حسيرة ،وسلوكات خشنة سخيفة ،صادرة عن أوشاظ وحثالة وخشارة متهورة مضطربة نفسيا وعقليا ،لا تعرف إلا الكلام السوقي النابي والهلب والمضاهبة والخيس …

مدينة ؛ تغيب فيها الفرحة والفرجة والبهجة والخفة والظرفة ،يسودها الرتوب والحزن والنفور والرفض والحقد والإحنة ، بسبب انعدام ثقافة الإيثار وقبول الآخر ، وغياب الأنشطة الرياضية والفنية والمهرجانات والمواسم التي يلزم نقلها إلى الشارع والفضاءات والساحات ، بواسطة التلاميذ والشباب بعد التدريب والتمرين ،والهدف من هذه التظاهرات إظهار شخصية المدينة من حيث الثقافة الخاصة والعامة والشعبية والفلكلور والموسيقى والغناء ، والعادات والتقاليد والأعراف …..،كأننا أمام سرك أو مسرح متنقل في الهواء الطلق بدون جدران ، والهدف هو التسلية وإسعاد الساكنة بين حين وآخر ….

إن الحديقة المجاورة للباشوية فيها ملاعب للقرب من حيث كرة القدم ، وملاه للأطفال ،أصبح هذا الجزء من الحديقة متنفسا للتسلية والترويح ،نساء يصطحبن أولادهن إلى الحديقة كل مساء ،قصد نسيان أشغال البيت والمكوث طويلا بين الجدران الأربعة كأنهن في سجن مدى الحياة ، يشعرن بالاكتئاب والضنط والحزن والهم ، وفي التنزه والتفسح مع الأولاد يشعرن بالراحة والسعادة ،وفيهما نشاط وتجديد ،ورياضة المشي أيضا مفيدة جسميا ونفسيا وصحيا ، بشرط أن يكون الفضاء خاليا من الطائشين “والمقرقبين “.

 

 

 

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .