الرئيسية كتاب وآراء نافذة الناقد للأستاذ خالد بوزيان موساوي ويذكرني الفيسبوك Souvenir de Facebook

نافذة الناقد للأستاذ خالد بوزيان موساوي ويذكرني الفيسبوك Souvenir de Facebook

كتبه كتب في 5 فبراير 2023 - 10:18 م

جريدة البديل السياسي :

نافذة الناقد للأستاذ خالد بوزيان موساوي

ويذكرني الفيسبوك

Souvenir de Facebook

ثقافية جريدة “الزوراء” التي تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين، و هي أول جريدة ورقية صدرت في العراق سنة 1869،

تنشر مقالي النقدي في المجموعة القصصية “شيزوفرينيا” للأديب عبد الله الميالي، في نسختيها الورقية والالكترونية…

امتناني و شكري للجريدة الغراء و لطاقمها و للأستاذ الاعلامي و المفكر و الأديب أحمد الجنديل،

و للصديق الناقد و القاص الأستاذ عبد الله الميالي على النشر و التوثيق.

بوزيان موساوي. ناقد مغربي

نص قراءتي في المجموعة القصصية “شيزوفرينيا” للقاص العراقي عبد الله الميالي

1 ـ بطاقة تعريف:

“شيزوفرينيا” هي ثاني مجموعة قصصية للقاص و الناقد العراقي عبد الله الميالي التي قاربتها نقديا، بعد مجموعة “رصاص القلم”.

صدرت المجموعة عن دار “أمل الجديدة” للطباعة و النشر و التوزيع/ سوريا سنة 2018. الكتاب من الحجم المتوسط، 88 صفحة. تصميم الغلاف و الإخراج الفني: فلاح العيساوي.. و تتكون المجموعة من 22 قصة قصيرة.

2 ـ حيثيات منهجية:

أ ـ أيّة مقاربة نقدية تطبيقية ممكنة لهذه المجموعة القصصية؟

كما عادتي لا أتسلح بآليات منهجية لأية مدرسة نقدية حديثة كانت أو قديمة بشكل مسبق لمقاربة عمل أدبي: فالإسقاطات النقدية تضر العمل الابداعي أكثر مما تنفعه… تعلّمت الاستماع إلى النص سرديا كان أو شعريا أو مسرحيا معتمِدا على آليات نظرية التلفظ.. و سيمياء الحرف و الصورة.. و خطاطات البناء.. و خصوصية الخطاب لغة و أسلوبا من حيث المورفولوجيا و التركيب و الانزياح و الدلالات و الجمالية، و لرسائل ممكنة للمقروء..

ب ـ المقاربة المنهجية المعتمدة:

لكن، و خلاف العادة، يبدو أن القاص عبد الله الميالي ـ و هو ناقد كذلك ـ ، يُوجّه قارئه من خلال اختيار عنوان “شيزوفرينيا” لهذه المجموعة القصصية نحو مقاربة نقدية محتملة تغرف من أدبيات “نظريات التحليل النفسي للأدب” التي تنهل من أعمال سيغموند فرويد، و جاك لاكان، و غيرهما…

للتذكير ف”شيزوفرينيا” (Schizophrénie) و يقابلها في العربية “الفصام”: مرض نفسي و عقلي من بين أعراضه الهلوسة، و اضطراب الفكر، و القلق، و الاكتئاب، و الاعتقاد بوجود أصوات غيبية، و انخفاض المشاركة الاجتماعية، و انعدام الارادة، و الحديث غير المتناسق، و الهذيان…

و تتأكد فرضية هذه الحيثية المنهجية السيكولوجية بدءا من إنتماء عناوين بعض القصص لحقل معجمي و دلالي يصب في خانة “دراسة حالة” بمفهوم علم النفس التحليلي، و منها:

“عاصفة الجنون” (ص. 9)، و “كابوس” (ص. 22)، و “شيزوفرينيا 1” (ص. 29)،

و “شيزوفرينيا 2” (ص. 32)، و “عودة ميت” (ص. 78)…

3 ـ مقاربة جوانب المجموعة القصصية “شيزوفرينيا”:

ـ و السؤال: هل مسموح للقارئ أن يتعامل مع شخصيات قصص مجموعة “شيزوفرينيا” على أساس أنها مجرد “حالات كلينيكية” تعاني من اضطرابات نفسية؟

أكّد المحلّل النفسي الفرنسي “بيار هنري كاستل” أن: “التعبير الأدبي (السردي) للمريض هو الوحيد الكفيل بإسماع أصوات حيوات غير مسموعة. وهذه العملية لا تقتصر فقط على المحتوى السردي لما يحكيه المريض، لكنْ، على الطريقة، الأسلوب، النبرة، الجملة، التي بواسطتها يقدّم المريض حياته…”. و انطلاقا مما يشبه هذا السياق، يعتبر البعض التحليل النفسي ضرب من الأدب. “هو ضرب من تحليل الخطاب مثلما هو ضرب من تحليل الإنسان من خلال كلماته، صمته ولاخطابه…”

و من بين “الحالات المرضية” التي عايناها عبر ربوع قصص المجموعة على سبيل المثال لا الحصر:

أ ـ حالة “الانصياع التام”:

و يطلق عليها ستانلي ميلجرام Stanley Milgram الحالة العميلة”:

( The Agentic State)، أي، حسب تعريفه:

” أن يقوم الناس بالسماح للآخرين بإدارة وتوجيه أفعالهم، وتحميل مسؤولية النتائج المترتبة على هذه الأفعال على الشخص الذي أعطى الأوامر أو التعليمات. وبعبارة أخرى، أنهم بمثابة وكلاء أو عملاء لإرادة شخص آخر.”

نقرأ في قصة “عاصفة الجنون” (ص. 11):

” الآن فهمت لماذا وزعوا علينا هذه المسدسات، هي دعوة للانتحار الجماعي، فنحن مقتولون بأي حال، إما بيد رعاة البقر كما أسماهم رفيق حمزاوي، أو بأيدينا، أو بأيدي فرقة إعدامات !.. فهل في العالم أكثر جنونا من ذلك؟…”

ب ـ حالة “الاحباط” (La déception):

في حالة “الإحباط” ، يعاني الشخص من شعور باليأس من الموقف وعدم القدرة على الانفصال عما يحدث ، و من الصعب عليه ألا ينتبه إلى ما يحدث ، ولديه رغبة قوية في الخروج من الإحباط ، لكنه لا يعرف كيف يفعل ذلك… في قصة “كابوس” (ص. 22)، يحاول بطل القصة الخروج من “الحالة العميلة” (الانصياع) إلى “االحالة المستقلة” ( The Autonomous State)، “(وهي حسب ستانلي دائما “أن الناس يقومون بإدارة أفعالهم، وأنهم يتحملون مسئولية تلك الأفعال مهما كانت النتائج…”)، قام البطل بحمل السلاح هذه المرة، ا و هي الطريقة الوحيدة في نظره للتخلص من استبداد الزعيم؛ نقرأ:

“اختمرت الفكرة في ذهنه، لابد من تنفيذها، عاجلا أم آجلا، اتفق مع صديقه عادل أن يكون مكان التدريب مزرعة أهله البعيدة عن الأنظار، حيث تنتصب وسطها الفزاعة شامخة بانتظار أن تتلقى رصاصات الغضب ثأرا، لاستباحة الوطن من حكم الزعيم و أبنائه و حاشيتهم..” (ص.22)… لكن ردة فعل بطل القصة (“الحالة المستقلة”)، ما تجاوزت كونها “أحلام يقظة” يتنتظر في عوالمها الافتراضية تدخل كائنات من عالم غرائبي/ وهمي لتخلصه من جبروت الزعيم؛ نقرأ:

“تماهى إلى سمعه، أن “فراكشتاين” سيقوم بجولة خاطفة إلى مدينته قريبا…” (ص. 23)..

ليصاب بالاحباط الكبير: استمرار كابوس الزعيم جاثما على البلاد و العباد؛ نقرأ:

“… يستعد للاحتفال الكبير بالحلم الذي طال انتظاره عقودا،.. ينتظر.. ينتظر.. ها هز الزعيم سالما غانما، يطل بقامته الفارعة ملوحا بيده للجماهير ترافقها ابتسامة صفراء، متوعدا من خلالها حامد بكابوس لا ينتهي.” (ص. 23).

ج ـ “حالة شِيزوفرينيا”/ “الفصام” (أو “الانفصام”) ” (Schizophrénie):

و قد خصص لها القاص عبد الله الميالي عنوانين لقصتين (ضمن المجموعة) بنفس التسمية:

قصة “شيزوفرينيا 1″، و قصة “شيزوفرينيا 2 “…

Peut être une image de texteقد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

 

ـ في قصة “شيزوفرينيا 1″، تتحول شخصية البطل من مجرد ضحية تحكي قلقها و خوفها و احباطاتها إلى محقق صحفي يبحث عن أسباب تفشي مرض “انفصام الشخصية” في الوطن العربي؛ نقرأ:

“… أحتضن حاسوبي أفتش فيه عن مجموعة الصور التي سأرفقها مع التحقيق الصحفي لصالح المجلة التي أعمل بها، التحقيق يحمل عنوان “انفصام الشخصيى العربية.. حالة طارئة أم متجذرة؟.. كلفني هذا التحقيق الكثير من الوقت و الجهد، فلقد ترددت على أكثر من عيادة لأطباء نفسانيين…” (ص. 29) (…) ” بين العيادات النفسية، و بين لقاءاتي مع المرضي، زادت من خبرتي بمعرفة هذا المرض و أعراضه، من وهام و هلوسة و هوس و هياج و شرود ذهني و تخشب و انطواء…” (ص. 31)..

و من أساليب السخرية المضحكة و اللاذعة في آن واحد، أنّ المسكوت عنه طوال تضاعيف القصة هو إن كانت عدوى المرض عامة ام تخص بعض المصابين فقط؟.. كان السارد/ شخصية المحقق الصحفي يحاول إقناعنا أو إقناع نفسه أنه استثناء، أن العدوى لم تصبه؛ نقرأ:

“و هل أنا مريض مثلكم كي أبقى؟” (ص. 29)؛

و نقرأ:

“ذكرتني حالته (المريض) هذه بما مررت به سابقا بعد إكمالي خدمة العلم و نجاتي سالما من حرب استمرت ثماني سنوات. (يقصد الحرب العراقية/ الإيرانية)” (ص. 30)؛

و نقرأ:

“… حاول الانتحار عدة مرات، ما يجمع بيني و بينه، صداقتنا للقطط !.” (ص. 30)؛

و نقرأ:

“أتناول حبوب (الكلوزابين) و اغط بنوم عميق.” (ص. 31)…

و إن كان الأمر في هذه القصة يتعلق بمرض يخص حالات معزولة و مختلفة و بأعراض متعددة و متباينة حسب كل مريض على حدة، ففي القصة الموالية، يختلف الأمر تماما:

ـ في قصة “شيزوفرينيا 2” (صفحات من 32 إلى 34)، يسافر بنا الكاتب عبد الله الميالي، عبر خياله الذي يشبه الواقع لكونه إفراز له، إلى عالم افتراضي يشيه واقعه حيث تجاوزت “شيزوفرينيا” كونها مرض نفسي و / أو عقلي يُشخّص كحالات فردية و معزولة، ليصبح متفشيا كَوَباء معدي أصاب مجتمع بأكمله… و لكي يوهمنا القاص عبد الله الميالي (عبر الذات الساردة) بواقعية الأحداث و مصداقيتها رغم أن القصة من وحي خياله، لجأ إلى تقنية “المشابهة” بذكر أسماء منابر إعلامية عالمية حقيقية مثل قناة “بي بي سي” البريطانية، و قناة ” سي أن أن” الأمريكية، و قناة “فرانس يريس” الفرنسية، و قناة “ناشونال جوغرافيك”، و قناة “أر تي” الروسية… إضافة لإقحامه “منظمة الصحة العالمية”… لكنه رغم محاولته إقناع القارئ بواقعية الأحداث عبر تقنية “المشابهة”، ينتبه المتلقي المتمرّس إلى حيثيات لغوية أثّثتْ أسلوبيا تصريحات الذات الساردة للأحداث في القصة: تكمن في الأسلوب المبالغ فيه المتعلق بطريقة نقل الخبر و وصفه و تحليله من قبل تلك الوكالات الاخبارية الدولية (استثنى الكاتب القنوات الفضائية المنتمية لشيوخ البترو دولار المسماة عربية) … قمة السخرية اللاذعة من هذه القنوات الاخبارية الموجهة من طرف لوبيات عالمية صهيونية و امبريالية التي تتحكم في خطوطها التحريرية بما يتناسب و مصالح أخطبوطات “الاستعمار الجديد”… و قمة السخرية كذلك من الكائن العربي الذي يتحمل هو الآخر تبعات انهزاميته و خنوعه و صمته: لكل منبر من هذه المنابر تعريف ل “شيزوفرينيا” الكائن العربي (في خيال الكاتب طبعا):

ـ تقييم “بي بي سي”: “ما زالوا حتى ساعة بث التقرير في خالة من البلادة و الفتور في الحركة…” (ص. 32).

ـ تقييم “سي أن أن”: “أن اللافت في هذه الحالة، بروز شعر كثيف جدا على أجسام المواطنين، مع كبر حجم الآذان عن المعدل الطبيعي بخمسة أضعاف…” (ص. 33).

ـ تقييم “فرانس برس”: “شكا (مدير مدرسة) من انحدار مستوى الفهم لدى طلابه بصورة مفزعة بعد أن كانوا يحصدون المراتب العليا في نتائج الامتحانات…” (ص. 33).

ـ تقييم “ناشونال جوغرافيك”: “العضو الذكري لسكان الحي قد استطال و تضخم عن الحد الطبيعي ليصل إلى أكثرمن 50 سم عند بعضهم…” (ص. 34).

تقييم قد يبدو مختلفا من منبر إخباري لآخر، لكن القاسم المشترك بينها: “سيمات” تنتمي لنفس الحقل المعجمي/ الدلالي الذي يعرف صفات الحيوانات، مع إضافة سيمة البلادة، الأمر الذي يؤكده السّارد بنفس السخرية اللاذعة لما استجوبته كما في القصة قناة “آر تي” الروسية؛ نقرأ:

“سألني مراسل قناة “آر تي” الروسية: كيف لم تصب بهذه الحالة الغريبة أسوة بمواطنيك؟ بعد نوبة من الضحك الهستيري أجبته: ـ الحمد لله أنا رجل نباتي.

ـ و أي نوع من النباتات تأكل؟

ـ الرسيم بكل أنواعه !” (ص. 34).

و من باب “التناص” رغم اختلاف الزمان و المكان، قد يحيلنا نفس النص “شبزوفرينيا” على نص الحكاية الممسرحة “الحيوانات المرضى بالطاعون” لأحمد شوقي، مع اختلاف بسيط: الضحية في نص شوقي فرد واحد ينتمي للمجموعة، آكل النبات شخصية “الحمار”، و تمت معاقبته و إن ظلما و بهتانا… أما في النص القصصي لعبد الله الميالي، فالضحية كائن بصيغة الجمع، كل “أهل القرية”/ أهل العراق/ المواطن العربي

Peut être une image de texteقد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .