الرئيسية نقطة نظام الدجّالين والمشعوذين يغزون أبواب المساجــــــــــــــــــــد

الدجّالين والمشعوذين يغزون أبواب المساجــــــــــــــــــــد

كتبه كتب في 2 فبراير 2019 - 2:37 م

جريدة البديل السياسي.كوم  نقطة نظام يكتبها محمد أعبوز :

في ساحة المسيرة بجوار مسجد الحاج المصطفى بالناظور  بَسطَ بائعُ أعشابٍ قواريرَ تحتوي على معجونٍ مخلفة الالوان كقوس قزح وبُسْرعةٍ تشكّلتْ حوله حلقة من الناس، من مختلف الأعمار، بعْدَ خروجهم من المسجد ، ليتحوّلَ بائعُ الأعشاب إلى "طبيبٍ" مختص في جميع الامراض  يُصغي المتحلّقونَ حوْله لـ"نصائحه" و "إرشادته"، حوْل عدد من المشاكل الجنسية التي يُعاني منها الرجال، مثل ضعف الانتصاب والقذف السريع و "البرْد" وغيرها…

كلّ هذه المشاكل التي ما زالَ الخوض فيها يُعتبر، إلى حدّ ما "طابو"، يقولُ بائع الأعشاب إنَّ علاجَها كامن في ذلك المعجون الذي يبيعُ كلَّ قارورة منه بثلاثين درهم  لا أحدَ من المتحلّقينَ حوْلَ البائع يسألُ مِمَّ صُنع ذلك المعجون؟ ولا كيْف لصانعه أنْ يدّعيَ علاجَ جميع الأمراض الجنسية التي يعاني منها الرجال؟ ولا يسْألون عن المخاطر التي قد تهدّد صحّتهم بتناوُله.

بائع الأعشاب، ويدعى "االشريف"، حسبَ ما هو مدوّن على بطاقة الزيارة، يقول إنَّ "أعشابه الطبيّة" أو  كما يُسمّيها، تعالجُ البرودة الجنسية، والقذف السريع، وتقوّي الحيوانات المنوية، والأعضاء التناسلية، وتعالج الخصيتين (دون أن يُحدّدَ نوعيّة أمراض الخصيتين التي تعالجها)، وهيَ مقوٍّ جنسي، وتعالج حكة الأعضاء التناسلية.. ويُذيّل الورقة التي ضمّنها لائحة الأمراض التي يدّعي أنها يُعالجها بعبارى: "أعشاب مجربة والله الشافي".

عَلى مَنْ جرّب "الشريف" أعشابه وكمْ هُمْ عددُ الأشخاص الذين جربوها، ليَدّعيَ أنها "أعشاب مُجرّبة"؟ لا أحدَ من المتحلّقين حوْله أمام المسجد الكبير طرحَ هذا السؤال. يُنصتون بإمعان، وعنْدما يصْمتُ ويسْألُ: "هل من صاحبِ نيّة يُريد أن يُجرّب"، تمتدُّ الأيْدي، والوجوه متّشحة بنوعٍ من الخجل، طالبةً قارورة أو قاروتيْن، بحثا عن علاجٍ لأمراضٍ ومشاكل جنسية يتعايش معها المغاربة في صمْت، لارتباطها في المخيّل الجمعي بمنطقة حساسة، ليْستْ كباقي مناطق جغرافيا الجسد.

إقبالُ فئات عريضة من المجتمع المغربي على طلبِ العلاجِ لمختلف الأمراض التي يعانون منها، وحتى المشاكل الحياتيّة التي يتخبّطون فيها، لدى العشّابين والمشعوذين والدجّالينَ ليْس أمرا جديدا، لكنَّ استمرارَ هذا الإقبال، في وقتٍ يشهدُ فيها المجتمعُ المغربيُّ تطوّرا ملحوظا (ظاهريّا على الأقلّ)، يطرحُ كثيرا من علامات الاستفهام حوْل الأسباب التي تجعل شرائح واسعة من المجتمع المغربي تؤمنُ بالخرافة والشعوذة وبقدرة المشعوذين والدجّالين على حلّ ما استعصى من المشاكل على الحلّ؟

"هذا أمرٌ طبيعي وبديهي"، الايمان بالشعوذة والدجل والخرافة في عقول فئات عريضة من المجتمع المغربي راجع لكون المجتمع المغربي ما زالَ مُصنّفا ضمْن المجتمعات المتخلّفة والتقليدية، التي تُسجّل نسبة عالية من الأمّية، والهدر المدرسي. في مثل هذه المجتمعات  من الطبيعي أنْ نجد فئات واسعة جدا تؤمن بالشعوذة والدّجل".

إلّا أنَّ اضمحلال نسبة الوعي لدى أفراد المجتمع والوضعية الاجتماعيّة الهشّة ليْسا وحدهما السبب وراء اعتقاد الناس بالخرافة والشعوذة، بلْ ثمّةَ عامل آخرُ  أنَّه يُساهم بشكل كبير في انتشار "الإيمان" بالشعوذة والدّجل، وهو التأويل الخاطئ للدّين، أو ما يُسمّيه بـ"الاستعمال السيئ للدين" من طرف المشعوذين والدجّالين، بهدف التأثير في الناس،  "يُسخّرون كلّ شيء، بما في ذلك الدّين، لجنْي الأموال".

ولا ينحصرُ تأثيرُ الدجالينَ والمشعوذين على الفئات المجتمعيّة التي تعاني منها الأميّة، أو التي تعيش وضعا اجتماعيّا هشّا، بلْ يشمَل أيضا الفئات المتعلّمة، وحتّى أصحاب الشواهد العليا، والفئات المجتمعية الميسورة.  أنَّ امتلاك الإنسان لمستوى تعليمي وحتّى شواهدَ عُليا لا يشفع له بامتلاك الحصانة من الخضوع لمثل هذه المعتقدات، لأنَّ ثمّة عواملَ أخرى إذا غابتْ تضعفُ المناعة الفكرية للإنسان، ومنها الوعي والمعرفة الحقّة بالأمور والثقافة الواسعة والإيمان بالمبادئ العلميّة في الحياة.

هلْ معنى هذا أنَّ المدرسةَ المغربيّة، لا تزرعُ هذه المبادئ ولا تُحصّنُ العقول من الخضوع لتأثير المشعوذين والدجّالين، وبالتالي تحصين من المجتمع من تفشي الإيمان بالشعوذة والخرافات؟  المدرسة المغربيّة لا تُحصّنُ العقول بما فيه الكفاية"، الاعتقاد بقدرة المشعوذين والدجّالين على تحقيقَ مكاسب يتعاظم عندما يلتقي الجهلُ مع الطمع، كشأن بعض السياسيين الذين يلجؤون إلى تمائم المشعوذين اعتقادا منهم أنّها ستجلبُ لهم الفوز في الاستحقاقات الانتخابية.

في مقابل هذه الاعتقادات ذات الطابع الغيبيّ، يُطرح السؤال حوْل السبب الذي يجعلُ فئات من المجتمع المغربيّ تعتقدُ بقُدرة المشعوذين والدجالين على علاج أمراضٍ عُضوية، كما هُوَ الحال بالنسبة للأشخاص الذين تجمّعوا حول "الشريف" أمامَ المسجد بحثا عن علاج لمشاكلهم الجنسية، بَدَل أنْ يقْصدوا عيادات الأطبّاء الاختصاصيين؟  أنَّ هذا أمرٌ طبيعي، نظرا لوجُود عواملَ مُشجّعة، وعلى رأسها انعدام خدماتٍ علاجيّة في المستوى داخل المؤسسات الصحيّة العمومية، والتكاليف الباهظة للاستشفاء في المصحّات الخاصّة.

"الأمراض التي تُصيبُ الإنسان لا ترحم، وعندما يمْرض الإنسان يجدُ نفسه بيْن المطرق والسندان، مطرقة انعدام خدمات علاجية جيّدة في المستشفيات العمومية وسندان غلاءَ العلاج في القطاع الخاص، وبالتالي، يظلُّ الحلّ هو اللجوء إلى الأضرحة أو إلى خدمات الدجّالين والمشعوذين، الذين يكسبون ثقة هؤلاء المواطنين الضعفاء، بحثا على علاج لأمراضهم، في ظل غياب بدائلَ أخرى"،

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .