الرئيسية كتاب وآراء هل تؤثر المحاكمات الشعبية على استقلالية القضاء ؟

هل تؤثر المحاكمات الشعبية على استقلالية القضاء ؟

كتبه كتب في 30 يونيو 2018 - 9:24 م

جريدة البديل السياسي المغربية /

سليمة فراجي/  – برلمانية سابقة – محامية /

تم الارتقاء بالقضاء كسلطة ، ويمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ، ولا يتلقى القضاة بخصوص مهامهم القضائية اية أوامر او تعليمات كما انهم لا يخضعون لاي ضغط بما في ذلك ضغط الشارع ،وانه مخول لهم تولي مهمة حمايةحقوق الاشخاص والجماعات وحرياتهم وامنهم ، لكن وموازاة مع دستور 2011 الذي ارتقى بالقضاء كسلطة من جهة، ورفع سقف الحقوق والحريات من جهة اخرى تنامت ظاهرة المحاكم الشعبية التي أصبحت تدين سلوكات البعض وتشيد بمواقف البعض الاخر، مستعملة في ذلك شبكات التواصل الالكتروني ، لتتحول المحاكمة الشعبية والمحاكمة الإعلامية ، والسلطة الفاسبوكية ان صح القول احيانا ، تدخلا سافرا في القضايا المعروضة على المحاكم او بالأحرى محاكمة المحاكم ، ولعل الأمثلة على هذا التدخل كثيرة و تتخذ أشكالا متنوعة مثلا قضية بوعشرين واكبتها لجنة الحقيقة والعدالة في قضية بوعشرين ،ولجنة الدفاع عن بوعشرين ،ولجنة الدعم لبوعشرين ، وكأن الامر اصبح يتعلق بتشكيك في سلطة وحياد ونزاهة وتجرد القضاء ، او محاولة للضغط والتأثير على مجريات الأمور بما في ذلك الخرجات الإعلامية الفرجوية من طرف البعض في خرق سافر لقواعد اللياقة والاحترام والصدق، و الانتصار للشعبوية رغم ان الدستور كان صريحا في التنصيص على ان القضاة لا يخضعون لاي ضغط ، الاكثر من ذلك لو ان اية محاكمة عرفت مواكبة محاكمات الاجراءات وتدخل السلطة الشعبية والإعلامية والفاسبوكية ، لما تمكن القضاء من ممارسة سلطاته باستقلالية، ولو ان هذه المحاكمات او ممارسة الرقابة على القضاء همت جميع المتقاضين لتساءلنا عن جدوى الارتقاء بالقضاء الى سلطة قضائية ، في المقابل فان حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه وممارسته لجميع الطعون وفق ما يقتضيه القانون ،ويعتبر كل مشتبه فيه او متهم بارتكاب جريمة بريئا الى ان تثبت ادانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به ،وان لكل شخص الحق في محاكمة عادلة واحكام تصدر داخل آجال معقولة وحقوق دفاع مضمونة امام جميع المحاكم ، لذلك اذا كانت الترسانة الدستورية والقانونية تنص على هذه الاختصاصات والضمانات ، فان التدخل بجميع اشكاله في القضايا المعروضة على القضاء او محاولة الضغط بوسائل يتم التفنن في ممارستها باسم حرية التعبير تعتبر مخالفة للمقتضيات الدستورية والقانونية وضربة موجعة لدولة القانون ، خصوصا وان الخطاب الشعبوي وانتقاء الكلمات التحريضية والتي لم ينبذها حتى بعض المسؤولين البارعين في فن الخطاب الشعبوي لما أوردوا عبارة تغيير المنكر في سياق الحديث وإدانة لشرع اليدين ، اصبح البعض يعتقد ان حق التدخل مشروع لتغيير المنكر فتمت معاينة حالات ووقائع مختلفة على شاكلة حلق رأس فتاة بمقصف الجامعة ، وتعنيف فتيات انزكان ، ومثلي فاس ، وقبلة الناظور ، ورجم لص بسوق بومية حتى الموت واعتداء اسفي وما يستتبع ذلك من استخفاف بهيبة الدولة وتبخيس دور السلطة القضائية لان الاحتكام الى الشارع من اجل تنزيل العقاب يجعلنا نؤسس لمجتمع الفوضى وثقافة الأخذ بالثأر كما ان الغليان المتبوع بالانتقام اوالاحتجاج الالكتروني المكثف والمنمق بعبارات مشجعة ومحرضة على الفوران والغليان قد يؤثر على السير العادي للمساطر القضائية ولو بصفة غير مباشرة، مثلا لما صدر الحكم المخفف في حق المثليين ،في المقابل قضت المحكمة بعقوبات سالبة للحرية في حق المهاجمين ، وفي ملف ولد الدرهم لما كثر اللغط الكبير الذي واكب التداول في القضية على حد تعبير دفاع المتهم حول جنحة السياقة في حالة سكر لان القضية تناولتها شبكات التواصل الاجتماعي بشراسة وبطوفان من الغضب ،صدر حكم قضى بالحبس النافذ لمدة سنتين بعد اضافة تهم اخرى تخص التزوير مع ان العقوبة المقررة تحددها مدونة السير في الحبس من ستة أشهر الى سنة وغرامة من خمسة آلاف الى عشرة الف درهم او احدى العقوبتين فقط ، وبعد ان خفت وهج الانتشار الالكتروني، وقضاء المتهم 13شهرا و46يوما في السجن صدر قرار قضى ببراءته ، لذلك استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية في اطار توازن السلط وتعاونها ، لا يعني خضوعها لسلطة التحركات المواكبة للقضايا بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي لما في ذلك من تأثير وتدخل من شأنه الانحراف بأحكام القضاء عن مباديء العدالة والانصاف واحكام القانون وسلامة الاجراءات ،فإذا كان حكم الدرجة الاولى مجحفا ومجانبا للصواب حسب البعض ،فان ممارسة حق الطعن قد يعيد الأمور الى نصابها في اطار القانون دون ممارسة الضغط على القضاء بوسائل وكيفيات غير مشروعة.
 – برلمانية سابقة – محامية

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .