الرئيسية صوت المواطن الهــــروب …. بقلم نور الدين طاهري

الهــــروب …. بقلم نور الدين طاهري

كتبه كتب في 28 ديسمبر 2023 - 3:49 م

بقلم نورالدين طاهري- جريدة البديل السياسي 

الهــــــــــــــــــــــروب

 

في أرض مقفهرة خاصمتني الشمس، وأقسمت أن تعاقبني بجفاء وكبرياء ..لم أنحن لها لكي أتودد أو أتوسل بل ألفت قيظها والمعاناة بأشكالها ..انزويت في ركن حالك لا يقترب منه إلا من انحرف وكان عاقا للحياة،فانسجمت مع الأنات وقهقهات الرياح الساخنة، لأتأمل أوجاعي وما جادت به المشاكل من حسنات على شخصي ..

لم أبحث أبدا عن التفسيرات ولا التبريرات ، لأنها لا تخضع لمنطق الزمكان .. هي تلقائية وتعاند متى وكيف شاءت وبطريقتها التعسفية..لا يهمها لا الأصل ولا الفصل .. تتلذذ بظلمها للآخر وتنتعش بانتكاساتي وانكساراتي ..لا تبالي بتهم الدهر من نرجسية وانانية وديكتاتورية ..هي متردادفات تظيفها نشوة حسب ظنها ..

وما كان علي الا أن أجمع أغراضي وأحاول أن أختفي من المكان أما الزمان فأظنه بريء مما يحدث لي ..تمسكت بالأمل واتجهت نحو فضاء أجهله ،لكن يشاع عند العامة أنه آمن ومنه قد تتحقق الأمنيات وهو بوابة الحلم ..

تمسكت بحبل الصبر محبة في الصلح مع الذات والآخر .. لكن لا شيء تغير كل ما يشكل المكان والمحيط الذي يحيطني ضدي ويخالفني ويناقض إرادتي ومبتغاي.. جوع وحرمان وفاقة وعري .. هي عائلتي وجزء مني ..لا اتنكر لها ولكن وددت أن أسافر وأهاجر لكي اشتاق وأحن إليها..

في صباح عاقر اندلفت إلى سفينة صغيرة جدا، بين أجساد تختلف حجمها من نحيل إلى سمين محاولا الإخلاء والإبحار إلى بلاد الثلج والبرد ، حتى أتخلص من عداوة الشمس وجفائها ..ربما وجدت حنانا وحبا وودا من الصقيع والرياح الباردة..

لم نبتعد كثيرا عن بلاد الشمس -التي أقسمت أن لا تصالحني وأن تجفو عن أشكالي وأمثالي- بدأت بعض الأجسام تخر أرضا وهي تختنق من جراء الغيوم المكبدة التي تلفنا والسواد الذي يزيح وضوح الصورة عن بصائرنا ..تتنفس بمشقة وبعدها لم تبصر ولم تتنفس..سلمت أرواحها إلى بارئها ..لم نلق بها في المياه المالحة لأننا لم نجرﺅ ولأننا كنا نعتقد أنها عائدة في بلاد الثلج..

فجأة غضب البحر فأخرج أمواجه العاتية لتحاربنا ، وكأنه اتحد مع الشمس أو لأن بلاد الصقيع يرفض استقبالنا..لم أشعر بما حولي إلى أن وجدت نفسي فوق آو تحت سطح الماء أو بينهما، أحاول جاهدا أن أتنفس بين الحين والآخر ..كل الأجسام هوت إلى الأسفل إلا بعضها ..منها من أخذت قطعات من لحمي وهي تحاول التمسك بجسدي لعلها تنجو من الإختناق والغرق، وبعضهم حاول التمسك بالأمل لعل البحر يحن ويعفو عنا ..اما الزمان فهو أيضا لم يشفق عني ،ظل في مكانه لا يتزحزح ،والدقائق تحولت إلى ساعات ..

والجسم ارتخى وتهاوى ولم يعد يحتمل… اتحدت مشاكل العالم ضدي ..وما إن فكرت في الإستسلام وارجاع الروح إلى خالقها ، اقترب مني صوت غريب شجي لن انسى لحنه ونبرته ما حييت وقال لي: يا سعيد لا تستسلم! فأنت ناج من الغرق وستعود الى الشمس ولكن لن تصالحك ،هي أقسمت أن تخاصمك وتشوش على نمط حياتك ما دمت هنالك حيا ترزق ..فبلاد البرد والثلج قد لا يبالي بك، ولن يهتم بشخصك ولكن يترك لك مساحة للحرية لكي تتنفس وتمارس شعائرك بالطريقة التي تودها ..يا سعيد تمسك بتلك الخشة حتى يظهر من ينقذك …

صعدت من تحت الماء بمشقة وتنفست بصعوبة وانتظرت لكي يتحقق نبأ ذلك الصوت الذي لا أعرف صاحبه ولا كيف وصل إلى ذلك المكان الموحش ..جعت وتألمت وعطشت وتعبت ..لكن تمسكت بالألم والأمل، وأنا أشد في خشبة تطفو فوق سطح البحر، الى أن ظهرت سفينة كافر كان يتجول مع زوجته في أعالي البحار ..دنا منا ومد لنا يد المساعدة من أكل ولباس وهيأ لنا جميع شروط الراحة ..

أما زوجتة فتكلفت بصحتنا وزادنا.. لن انسى تلك الألبسة التي زينت أجسادنا، كانت جميلة وألوانها مفتوحة..كنا أربعة وخامسنا جثة هامدة لا تتحرك ..ورغم ذلك لم يتركها الكافر وسط المياه بل أخذها ليصونها ويعطي لها ما تستحقه من تكريم واحترام ..

عادت للجثة الروح وتنفس صاحبها بشكل غريب ليعود إلى الحياة ولكن بدون عقل وبصيرة ..

عاش طوال حياته مختل العقل ولازال يجول زقق مدينة الشمس حافي القدمين ويأكل من قمامات الأحياء الشعبية ..كل ذلك من جراء خطإ الكافر الذي لم يتركه في أعالي البحار طعما للحوت ..أما نحن الأربعة فوجدنا أنفسنا في بقعة أرضية كنا نسمع عليها بين الحين والآخر ،تدعى جبل طار ( جبل طارق) هي مستعمرة انجليزية رغم أن أصولها اسبانية .. ولكن سنة الله في خلقه ..القوي يأكل الضعيف ..

فالإسبان التي تتارجح بين الصقيع والشمس أخذت هي الأخرى مدينتي سبتة ومليلية التي تقع في بلاد يسمى المغرب وهي متعاطفة مع الشمس بما لها وما عليها ..

توسلت إلى الكافر بجميع اللغات لكي لا يسلمني إلى شرطة الإنجليز حتى أستطيع الإبتعاد عن الشمس قدر المستطاع ، إلا آن الكافر طبق القانون بحوافره ووجدت نفسي كئيبا في زنزانة خبير الشرطة الذي حاول أن يعرف كيف بدأت القصة التي لم تنته بعد .

يتبع

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .