الرئيسية كتاب وآراء الديستي ومقاربتها الناجعة في مواجهة التكتيكات الجديدة لداعش

الديستي ومقاربتها الناجعة في مواجهة التكتيكات الجديدة لداعش

كتبه كتب في 28 أكتوبر 2022 - 3:36 م

“البشير الحداد الكبير ،باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بطنجة”

سنبدأ هذا التحليل بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2016 حيث قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده :”…. هل من المعقول أن يأمر الله، الغفور الرحيم، شخصا بتفجير نفسه، أو بقتل الأبرياء؟ علما أن الإسلام لا يجيز أي نوع من الانتحار مهما كانت أسبابه. قال سبحانه :” من قتل نفسا بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا”…وهل يقبل العقل السليم أن يكون جزاء الجهاد هو الحصول على عدد من الحور العين؟ وهل يقبل المنطق بأن من يستمع إلى الموسيقى ستبلعه الأرض، وغيرها من الأكاذيب؟”.الإرهابيين باسم الإسلام ليسوا مسلمين، ولا يربطهم بالإسلام إلا الدوافع التي يركبون عليها لتبرير جرائمهم وحماقاتهم. فهم قوم ضالون، مصيرهم جهنم خالدين فيها أبدا”، كما هو معلوم أن المغرب بعد الأحداث المأساوية بمدينة الدار البيضاء سنة 2003، اعتمد مقاربة متعددة الأبعاد(دينية، أمنية، إقتصادية، إجتماعية) لمواجهة التحدي الإرهابي، سنركز في تحليلنا هذا على المقاربة الأمنية، فالمغرب بعد هذه الأحداث قام بتجديد منظومته الأمنية لاسيما الإستخباراتية واعتمد على مقاربة إستباقية لتفكيك جميع الخلايا الإرهابية وحتى الخلايا النائمة، ومحاربة الفكر الجهادي المتطرف، وهذه المقاربة أعطت أكلها ونجاعتها بفضل مجهودات المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، لكن الفضل يعود كله للمؤسسة الملكية بالمغرب التي اختارت الرجل المناسب في المكان المناسب، فبعد أحداث الدار البيضاء سنة 2003، عين جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره السيد عبد اللطيف حموشي سنة 2005 على رأس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أو ما تعرف إختصارا بالديستي، فالمؤسسة الملكية تملك آلية التعيين في المناصب العليا والمناصب الأمنية منذ أول دستور للمملكة سنة 1962،فالمؤسسة الملكية اختارت المدير الجديد الذي سيقود جهاز الإستخبارات الداخلية في الألفية الثالثة.

وبعد أحداث مقهى أركانة بمدينة مراكش ازدادت المجهودات الأمنية في مواجهة المخاطر الإرهابية لحماية الوطن والمواطن، ففي سنة 2015 تم إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للديستي وقام بتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، بحيث تم تجديد الإطار المؤسساتي الأمني، وفي سنة 2018 تم إحداث معهد للتكون التخصصي يوجد بمقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني هدفه التكوين الجيد في المجال الإستخباراتي، كل هاته الإصلاحات أعطت ثمارها بحيث أنه تم تفكيك خلايا إرهابية كثيرة، كما أصبح المغرب مدرسة دولية في محاربة الإرهاب ونموذج يحتذى به في هذا المجال ويقدم المساعدة للعديد من الدول.

وما يدل على ثمار الإستراتيجية الوطنية في محاربة الإرهاب إختيار المغرب لإفتتاح مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، فجل دول العالم تثق في المقاربة المغربية في هذا المجال تحت القيادة المستنيرة للمؤسسة الملكية،حيث إن إفتتاح هذا المكتب سيساهم في مواجهة الإرهاب والتطرف وسيتقاسم المغرب تجربته الرائدة في هذا المجال مع الدول الإفريقية لاسيما أن المغرب بعد عودته للإتحاد الإفريقي سنة 2017 وهو يلعب دورا قياديا في شتى الميادين الأمنية والإقتصادية والإجتماعية والبيئية والثقافية ، كما أن المغرب حظي بالثقة الدولية في مجال محاربة الإرهاب لكونه شريك إستراتيجي ذو مصداقية ويساهم في تحقيق السلم والأمن الإقليمي والدولي فقد تولى الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي ضد داعش لثلاث ولايات متتالية كما تولى قيادة الإجتماع الوزاري للتحالف لهزيمة داعش، وتجدر الإشارة أن هذا الأخير انطلق سنة 2014 قصد التضامن والتعاون وتبادل الخبرات بين الدول في مجال محاربة الإرهاب والتطرف،فالمغرب في سنة 2022 احتضن اجتماع هذا التحالف في مراكش وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التجربة المغربية الرائدة والمعترف بها دوليا في مجال محاربة الإرهاب،كما أنه تم اختيار إفريقيا لأنها تعاني بشدة من خطر الإرهاب والجماعات المسلحة المتطرفة، واختيار المغرب كبلد لإحتضان اجتماع هذا التحالف لكونه شريك موثوق به في هذا المجال.

إن المقاربة المغربية الأمنية لم تقتصر فقط على الجانب الإستباقي بل تعدت ذلك لتنويع الشراكات الأمنية الدولية فعلى سبيل المثال لا الحصر لاحظنا هذه السنة استقبال السيد عبد اللطيف حموشي في شهر يوليوز للمدير العام للشرطة الإتحادية الألمانية وفي شهر غشت استقبل كذلك قائد الشرطة الإسرائيلية لاسيما أن إسرائيل تعتبر رائدة كذلك في مجال محاربة الإرهاب والأمن السبيراني ،وفي شهر شتنبر استقبل كاتبة الدولة ومديرة المركز الوطني للإستخبارات الإسبانية لاسيما بعد العودة الجيدة للعلاقات المغربية الإسبانية،فإسبانيا تدرك جيدا أن المغرب حليف إستراتيجي في محاربة الإرهاب والتطرف والهجرة السرية والمخدرات والإتجار في البشر، وكذا استقباله لمديرة أجهزة الإستخبارات الوطنية الأمريكية لاسيما أن السيد عبد اللطيف حموشي كان قد قام بزيارة عمل للولايات المتحدة الأمريكية في شهر يونيو الماضي نظرا للعلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين، فكل هاته الشراكات ركزت بالأساس على الجانب الأمني الإستخباراتي ولتبادل الخبرات والتعاون والتنسيق.

لقد لاحظنا ثمار هذه الشراكات هذه السنة حينما قامت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتفكيك خلايا إرهابية بتنسيق أمني إستخباراتي مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذا إسبانيا، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تنسى أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني قد ساعدتها السنة الماضية في القبض على جندي أمريكي موالي لداعش.

إن المتتبع للشأن الأمني يلاحظ أن المنتمين للخلايا الإرهابية تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 40 سنة يعني فئة الشباب وقد سبق للسدة العالية بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله أن أكد على ذلك في خطاب ثورة الملك والشعب سنة 2016 حيث قال جلالته :”.. الإرهابيين والمتشددين يستعملون كل الوسائل لإقناع الشباب بالانضمام إليهم، ولضرب المجتمعات المتشبعة بقيم الحرية والانفتاح والتسامح..”، كما أن المتتبع للشأن الأمني يلاحظ أن الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها مؤخرا بدأت تغير من أسلوبها، ففي السابق كان المكتب المركزي للأبحاث القضائية يقوم بتفكيك خلية إرهابية تنشط في نفس المدينة لكن حاليا نلاحظ أن هذه الخلايا الإرهابية تنشط في العديد من المدن، وهذا يعني أن داعش غيرت من طريقتها من طريقة “الأسلوب الجماعي” إلى “الأسلوب الإنفرادي” أو ما يسمى ب”الذئاب المنفردة” لكن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بيقظتها الأمنية الإستخباراتية ومقاربتها الإستباقية تتمكن من تفكيك هذه الخلايا الإرهابية وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كفاءة أطرها وكذا التنسيق الأمني بين كافة مصالحها اللاممركزة في جميع أنحاء المغرب وأيضا التعاون والتنسيق الأمني بين جميع السلطات العمومية ونخص بالذكر هنا الدور المحوري الذي تلعبه مديرية الشؤون الداخلية بوزارة الداخلية أو ما تعرف إختصارا ب DAI، فالخلايا الإرهابية حينما فكرت في تغيير طريقتها من أجل عدم لفت الإنتباه ظنت أنها ستنجح في مخططتها الإرهابية لكن المقاربة الناجعة الإستخباراتية أفشلت جميع هاته المخططات، فالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أثبتت نجاعتها أيضا في ظل جائحة كورونا حيث قامت بتفكيك الخلايا الإرهابية، فهي دائمة اليقظة لمواجهة التحديات والمخاطر الإرهابية.

وفي الختام بكل صدق وموضوعية، إن المغرب يلعب دورا محوريا في محاربة الإرهاب والتطرف وتثبيت السلم والأمن الدوليين وقد سبق لجلالة الملك حفظه الله في خطاب ثورة الملك لسنة 2021 أن أكد على أن المغرب يلعب دورا محوريا في نشر السلم والأمن الإقليمي بإفريقيا وجواره المتوسطي.

إن طريقة إشتغال المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تعتمد بالأساس على مبادئ الحكامة الجيدة الأمنية وتتوفر على أفضل الأطر في المجال الأمني الإستخباراتي كما أن ما يميزها هو أنها تطبق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وقد لاحظنا أنه في جائحة كورونا قامت هذه المديرية بإعتقال عميد ينتمي إليها نظرا لعلاقته بشبكة التهريب الدولي للمخدرات وهذه إشارة منها أن القانون كالموت لا يستثني أحدا وهذا ما يميزها فهي تفعل مبادئ الحكامة الجيدة في طريقة إشتغالها.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .