الرئيسية منبر البديل السياسي “المسيرة الخضراء”.. ملحمة مغربية صنعها تلاحم القيادة والشعب

“المسيرة الخضراء”.. ملحمة مغربية صنعها تلاحم القيادة والشعب

كتبه كتب في 4 نوفمبر 2021 - 11:22 م

جريدة البديل السياسي :

“علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه علينا شعبي العزيز أن نقوم كرجل واحد بنظام وانتظام، لنلتحق بالصحراء ونصل الرحم مع إخواننا في الصحراء”.

خطاب تاريخي للعاهل المغربي الراحل، الملك الحسن الثاني، ألقاه في 16 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1975، دعا فيه شعبه إلى النفير السلمي نحو الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.

وفي 5 نوفمبر من نفس العام، خاطب الملك الحسن الثاني المغاربة الذين تطوعوا للمشاركة في هذه المسيرة قائلا “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز”.

فكان الجواب من أبناءه المغاربة، “لبينا النداء”، وشارك في المسيرة الخضراء يوم السادس من نفس الشهر، 350 ألف مغربي ومغربية صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من الاحتلال الإسباني.

فتوى تاريخية

وجاءت دعوة الملك الراحل الحسن الثاني إلى المسيرة الخضراء السلمية، لتحريرها من الاحتلال الإسباني آنذاك، بعد تلقيه جواباً من محكمة العدل الدولية بخصوص وضعية الصحراء آنذاك وروابطها بالمملكة المغربية.

ومكنت “المسيرة الخضراء” المغرب من استرجاع أقاليمه الجنوبية، فكانت المحطة الفاصلة التي وضعت حدا لحوالي 75 عاما من الاستعمار والاحتلال الإسباني للصحراء المغربية وإنهاء النزاع المفتعل.

الملك المغربي الراحل الحسن الثاني

جاء طلب المملكة المغربية لمحكمة العدل، يورد حسن بلوان، الباحث في العلاقات الدولية، بعد صراعه مع إسبانيا حول المنطقة الصحراوية، وذلك وسط توجه إسباني جزائري آنذاك، يمضي نحو تأسيس دولة في المنطقة تخدم مصالحهما الخاصة.

وأوضح حسن بلوان، خلال تصريحات لـ”العين الإخبارية”، أن المملكة المغرية اقترحت بداية الأمر على إسبانيا تقديم طلب مشترك إلى المحكمة، إلا أنها رفضت ذلك، شكلا ومضموناً، ثم اتجهت نحو موريتانيا والجزائر، فرفضت الأخيرة ووافقت موريتانيا على المبادرة من حيث الشكل.

وتابع الباحث في العلاقات الدولية، “المحكمة أقرت بأن المنطقة كانت آهلة بسكان ينتمون إلى “القبائل” أو في تجمعات لها مُمثلين، وبالتالي فإنها أكدت بذلك أن المنطقة لم تكن أرضاً خلاء، وأنها كانت مأهولة بالسكان إبان استعمارها من طرف إسبانيا”.

وأضاف أن المسألة الثانية التي كانت معروضة على المحكمة، ترتبط بالعلاقات بين هذه القبائل والمملكة المغربية وموريتانيا.

وهنا نورد نقطتين، الأولى استخدام المحكمة لـ”الكيان الموريتاني”، في الدلالة إلى موريتانيا، في حين تحدثت عن المغرب كدولة. لتخلص إلى وجود علاقات بين القبائل الصحراوية والدولة المغربية آنذاك، المتمثلة في البيعة الشرعية بين الطرفين، في انسجام بين الروابط القانونية والقانون الدولي الإسلامي، كما بين الراحل الحسن الثاني في خطابه التاريخي بالمناسبة.

وأكد حسن بلوان، أن الفتوى التاريخية شكلت نُقطة انعطاف محورية في تاريخ المنطقة، لأنه بحسب قول الملك الراحل الحسن الثاني، يُعتبر حُكما أكثر مما هو فتوى، أو استشارة، ليُعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء، مع التسطير في خطابه على سلميتها، وأنها ليست إعلاناً للحرب على إسبانيا.

وبالتالي فإن خطوة الراحل الحسن الثاني، قلبت الموازين لدى خُصوم المملكة آنذاك، وقلبت الموازين لصالح المملكة المغربية، خاصة وأنه كان قراراً غير مُتوقع.

استجاب الشعب

بمجرد انتهاء الخطاب الملكي في أكتوبر/تشرين الأول عام 1975، هب أبناء الشعب وبناته، يُلبون نداء والدهم الحسن الثاني لصلة الرحم مع أقاليمه الجنوبية.

وشرعوا في تسجيل أنفسهم باللوائح الموضوعة رهن إشارتهم لدى مُمثلي السُلطات المحلية بمقرات سُكناهم، بحسب ما كشفه الصديق معنينو، الصحافي المغربي الذي اشتهر بتغطيته لفعاليات المسيرة الخضراء، وأحد الشاهدين على تفاصيلها.

وقد شارك في المسيرة الخضراء 350 ألف متطوع من جميع مناطق المغرب، في حين حرص الراحل الحسن الثاني على أن تكون للمرأة مكانة مهمة جداً في هذه المسيرة، مُشدداً على ضرورة أن يكون 10 بالمائة من المُشاركين نساء.

وانطلق المتطوعون نحو الصحراء حاملين الأعلام الوطنية والقرآن على متن القطارات والحافلات والشاحنات، وقد كان يرافقهم أطباء وممرضون وأفراد من القوات المساعدة والدرك وغيرهم من الأطر والعناصر التي وفرت لتأطير وحماية المشاركين الذين كان من بينهم أيضا بعض الوفود الممثلة لبعض البلدان العربية والإسلامية.

لتنطلق المسيرة الخضراء بشكل سلمي، وبدون أي سلاح، ما عدا القرآن الكريم والعلم الوطني، وحب الوطن والإيمان بوحدة أراضيه الترابية، الشيء الذي تكلل بنجاح هذه المسيرة.

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني، خاطب الملك المغربي الراحل الحسن الثاني”أيها المتطوعون لكم التنويه الوطني من مواطنيكم ومني على ما قمتم به من عمل، وعلى ما جسدتموه من قوة سلمية فكرية قدرت على شق الأحجار وتمكنت من لفت الأنظار إليها من جميع أنحاء العالم لفته نظر الإعجاب والتقدير والإعظام”.

وفي أعقاب الخطاب التاريخي، دخل المغرب في مفاوضات مع إسبانيا، تكللت باتفاقية مدريد الموقعة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1975، وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بموجبها دخل المغرب إلى العيون سلمياً، وانسحاب الإدارة الإسبانية من المنطقة يوم 26 فبراير/شباط 1976 قبل يومين من الموعد المحدد في اتفاقية مدريد الذي كان 28 من الشهر نفسه.

الإمارات.. مُشاركة على أعلى المستويات

دولة الإمارات العربية المُتحدة، كانت حاضرة المسيرة الخضراء بتمثيل رفيع المُستوى، إذ أبى الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إلا أن يتقاسم هذه اللحظة التاريخية مع أشقائه المغاربة، حيث انتدب فلذة كبده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتمثيل دولة الإمارات في هذه المسيرة.

وقد خص الملك محمد السادس في كلمته بالقمة المغربية الخليجية في الرياض، هذا الحدث بالقول “في عام 1975، شاركت في المسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية، وفود من السعودية والكويت وسلطنة عمان والإمارات، التي تميزت بحضور أخينا سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان عمره آنذاك 14 عاما”.

وتستمر المسيرة

واليوم، بعد مرور 45 عام على هذا الحدث التاريخي الذي قاده الملك الراحل الحسن الثاني، لازال العاهل المغربي الملك محمد السادس يقود ملحمةلبناء الأقاليم الجنوبية للمملكة وتعزيز التنمية بها، وجعلها منارة على غرار باقي أقاليم وجهات المملكة المغربية.

وفي أكثر من موقف حرص العاهل المغربي الملك محمد السادس على زيارة مدينة العُيون، وباقي المُدن الواقعة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، موليا حرصا كبيرا لتطوير هذا الجُزء الهام من التُراب المغربي.

لتكون آخر زيارة له قبل 5 أعوام، تزامناً مع الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، حيث ألقى خطاباً بالمناسبة من مدينة العُيون، ناهيك عن عقده مجلساً وزاريا هُناك.

العاهل محمد السادس، فجر ثورة تنموية غير مسبوقة بالمنطقة، مُعلناً عن العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية، بغلاف مالي ضخم قيمته 8.3 مليارات درهم مغربي (دولار أمريكي = 9.75 درهم مغربي)، وذلك لإنشاء مصنع جديد للأسمدة، و4.2 مليارات درهم لإنشاء ميناء جديد قرب مدينة العيون، و3.1 مليارات في منشآت صناعية أخرى خاصة بالفوسفات.

وبعد عدة أشهر من هذه الزيارة، عاد العاهل المغربي الملك محمد السادس للمنطقة، ليُطلق مشاريع أخرى بقيمة 29 مليار درهم مغربي، من خلال برنامج تنموي واعد، كما وقع خطة واسعة لتنمية المنطقة بقيمة استثمارية تقارب 17 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

وبحسب المُعطيات التي حصلت عليها “العين الإخبارية”، فإنه منذ عام 2015 يوجد 216 مشروعاً تنموياً، بغلاف مالي يُناهز الـ 5 مليارات دولار أمريكي، تشمل مُختلف مجالات التنمية، من زراعة وصناعة وتجارة، بالإضافة إلى مشاريع هامة على مستوى البنيات التحتية.

ومن بين هذه المشاريع، يتم بناء مستشفى جامعي بسعة 500 سرير، بالإضافة إلى كُلية للطب، ومركز لعلم الأورام، بالإضافة إلى مركز استشفاء جهوي بمدينة العُيون، ومستشفى إقليمي بمدينة طرفاية، وتشييد مختبر لتشخيص الأوبئة، ومشاريع صحية أخرى.

ناهيك عن مشاريع تعزيز البنية التحتية، وتلك المُتعلقة بالطاقات النظيفة والمتجددة، إذ أنجزت المملكة أنجزت مشروعين للطاقة الشمسية بغلاف مالي قدره 132.8 مليون دولار، وهو المشروع المعروف بـ”نور 1″ و”نور2″.

أما مشاريع توليد الكهرباء بناء على الطاقة الريحية، قد كلفت غلافا مالياً قدره حوالي مليار دولار، موزعة على ستة مشاريع، أنجز منها أربعة، فيما لازال اثنان قيد الإنجاز، بالإضافة إلى مشاريع أخرى تخص توسيع الزراعة ومُحاربة التصحر.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .