الرئيسية كتاب وآراء الديبلوماسية الملكية لتجنيب إفريقيا تداعيات فيروس كورونا شعارها :”التعاون والتنسيق”

الديبلوماسية الملكية لتجنيب إفريقيا تداعيات فيروس كورونا شعارها :”التعاون والتنسيق”

كتبه كتب في 18 أبريل 2020 - 8:19 م

البشير الحداد الكبير،حاصل على الماستر في القانون العام،من مدينة طنجة – جريدة البديل السياسي:


شكلت إفريقيا محطة إهتمام المؤسسة الملكية بإعتبار أن المغرب جزء لا يتجزأ من القارة الإفريقية، وتعتبر عودة المغرب للإتحاد الإفريقي محطة مفصلية وتاريخية، فجميع المغاربة سيظلون يتذكرون الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بأديس أبابا يوم 31 يناير 2017، إذ أكد جلالته أن إفريقيا هي قارته وبيته.
انتشر فيروس كورونا في جميع دول العالم، مما سبب العديد من المشاكل لاسيما الإقتصادية والإجتماعية والصحية، وعلى اعتبار أن المغرب عضو فعال وقوي على الصعيد الدولي والقاري، ونظرا لتجربته المبنية على الحكمة والتبصر والإستباقية في تدبير أزمة كورونا، فقد بادر إلى مواجهة هذا الفيروس على صعيد قارة إفريقيا، من أجل تجنيبها التداعيات والآثار السلبية لهذا الفيروس، حتى لا تصبح إفريقيا بؤرة لهذا الفيروس.
وتنفيذا لتعهداته المنصوص عليها في تصدير دستور 2011 (1)، المتعلقة بالعلاقات المغربية الإفريقية، وعلاقات جنوب جنوب مع دول الساحل والصحراء، لاحظنا أن المغرب بقيادة المؤسسة الملكية نهج سياسة حكيمة واستباقية لإنقاذ إفريقيا من ويلات هذا الفيروس.
إن المغرب وهو يتابع الأحداث الدولية وما سببه هذا الفيروس من مآسي وأزمات في دول تصنف في خانة "الدول المتقدمة"،بالإضافة إلى تحذيرات "صندوق النقد الدولي" من كساد إقتصادي عالمي أكثر من الأزمة الإقتصادية العالمية لسنة 1929، وعلما منه بأن العديد من الدول الإفريقية تعاني من الضعف في مختلف المستويات(الصحية-الإقتصادية-الإجتماعية-البنيات التحتية)،وإيمانا منه أن الأزمات الصحية يمكن تجاوزها لكن الأزمات الإقتصادية والإجتماعية تحتاج لوقت طويل، فقد بادر المغرب في إطار المقاربة الإستباقية التي ينهجها،إلى تجنيب إفريقيا الآثار الوخيمة لفيروس كورونا، حيث عملت المؤسسة الملكية بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى وضع مستشفى عسكري مغربي في باماكو تحت تصرف الدولة "المالية" ،بل أكثر من ذلك قام جلالة الملك حفظه الله بإقتراح سياسة عمل حكيمة وعبقرية وإستباقية على الدول الإفريقية، إذ اتصل جلالته أعزه الله بكل من رئيس دولة ساحل العاج ودولة السينيغال واقترح بلورة إطار مؤسساتي قصد مواكبة الدول الإفريقية الأكثر ضعفا وحث على التعاون والتنسيق بين قادات الدول الإفريقية من خلال تبادل الخبرات والتجارب الإفريقية، فالمغرب من خلال هذه المبادرة يعطي درسا للعالم بأن إفريقيا "متضامنة يدا في يد" وهذه المبادرة تبرهن مدى صدقية المغرب في تعامله مع دول إفريقيا.
إن المؤسسة الملكية تريد إفريقيا قوية،إفريقيا تثق في نفسها، في قدراتها البشرية والمادية،إفريقيا تواجه التحديات بقاداتها وكفاءاتها دون الإستعانة بأي تجربة أجنبية، بل أكثر من ذلك تريد المؤسسة الملكية أن تثبت إفريقيا مكانتها الدولية ما بعد فيروس كورونا، تريد إفريقيا تحقق التنمية بذاتها.
إن المغرب من خلال هذه المبادرة الملكية سيتعزز دوره في مؤسسة "الإتحاد الإفريقي" دون أن ننسى أن المغرب قبل أن يطلب الإنضمام للاتحاد الإفريقي كان يبدي حسن نيته وحسن جواره مع الدول الإفريقية، فمنذ سنة 2014 قام بتسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة ومنحهم بطاقة الإقامة، ناهيك عن الزيارات الملكية للعديد من الدول الإفريقية وإبرام إتفاقيات ثنائية وشراكات إقتصادية.
ستكون لهذه المبادرة الملكية الذكية والعبقرية آثارا إيحابية ما بعد أزمة كورونا وكما يقال "الصديق يعرف في وقت الضيق" فالمغرب في أزمة كورونا مد يد المساعدة للدول الإفريقية وإقترح مبادرة إستباقية لتحنيب إفريقيا كوارث هذا الفيروس، إيمانا منه بالعلاقات المغربية الإفريقية العريقة، فهذه المبادرة الملكية السامية،تذكرنا بما قاله الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان: "إنني أولي أهمية كبرى للطريقة، لأن الطريقة هي التي تمنح جمالية للفعل"،فالرؤية الملكية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله رؤية إستباقية من أجل غد أجمل لإفريقيا وهنا تنطبق مقولة ايميل دوجراردان، التي مفادها "الحكم هو التوقع"، فالإرادة الملكية أن تصبح القارة الإفريقية ما بعد كورونا المنافس القوي للاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة الأمريكية وللقارة الآسيوية، بمعنى إفريقيا تصبح لها مكانة قوية في الفعل الدولي، إفريقيا تتغلب بمؤهلاتها الطاقية على تحدياتها.
إن المؤسسة الملكية من خلال هذه المبادرة المبنية على النظرة الإستباقية ستجني ثمارين إثنين، ما بعد أزمة كورونا:
*تعزيز الدور الاقتصادي للمغرب بإفريقيا، فكما هو معلوم أن المغرب قبل انضمامه ولن نقول عودته للبيت الإفريقي، لأنه حينما انسحب سنة 1984، انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية، والآن نحن أمام منظمة جديدة وهي "الإتحاد الإفريقي" ،لتوضيح الأمور فقط، فقبل إنضمامه لهذه المنظمة قام بإبرام إتفاقيات عديدة مع الدول الإفريقية، بحيث يمكن القول أن المغرب أصبح منافسا حقيقيا على الصعيد الإقتصادي لدولة إفريقيا الجنوبية القوة الأولى إقتصاديا في القارة الإفريقية، وبعد انضمامه لمنظمة الإتحاد الإفريقي،قام أيضا بإبرام إتفاقيات إقتصادية تهم بالدرجة الأولى العقار والقطاع البنكي، في إطار تعاون جنوب جنوب والربح المشترك، كما أنه استقطب دولة نيجريا وأبرم معها إتفاقية تاريخية "خطوط أنبوب الغاز"، وتجدر الإشارة أن هذه الاتفاقية كانت من قبل مع دولة الجزائر لكنها لم تنجح، والمغرب بفضل أطره العالية استطاع إبرام هذه الإتفاقية، وبالتالي فالمغرب من خلال مده يد العون في فترة أزمة كورونا، وإقتراحه للحلول من أجل حماية إفريقيا سيعزز وسيزيد من الشراكات الإقتصادية، لأنه بهذه المبادرة المولوية أثبت لدول إفريقيا مدى صدقه، لأن المؤسسة الملكية تؤمن بالأفعال وليس الأقوال، وبالتالي سنشاهد ما بعد أزمة كورونا تعاون إقتصادي إفريقي قوي وتزايد الاستثمارات المغربية بإفريقيا لأن العديد من دول إفريقيا ستفتح باب الإستثمار أمام المغرب، مما سيسمح للعديد من المقاولات المغربية من الإستثمار في إفريقيا، وستكون أيضا إستثمارات إفريقية بالمغرب. 
كما سيزداد دور المغرب ما بعد كورونا في الجانب الأمني، خصوصا أن العديد من الدول الإفريقية ستطلب مساعدته للاستفادة من تجاربه العالية في محاربة الإرهاب و التطرف وكذلك في حل إشكالية الهجرة. 
*حل المشكل السياسي، فالمغرب بفضل الديبلوماسية الملكية في حل ملف الصحراء المغربية، سيستطيع ما بعد أزمة كورونا حل هذا الملف، خصوصا أن العديد من الدول الإفريقية بل أغلبيتها تساند ملف الصحراء المغربية، فإذا ما عدنا لأسباب خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 نجد أن السبب يكمن في انضمام الكيان الوهمي جبهة البوليساريو إلى المنظمة، خصوصا في تلك الفترة نجد أن إفريقيا كانت تعيش حركة إنتقالية في أنظمة الحكم لهذا السبب تم قبولها، لكن فيما بعد بفضل الديبلوماسية الملكية الرشيدة، عرف المغرب أن النزاع المفتعل في الصحراء المغربية لا يكفي فقط عرضه وحله على الصعيد الأممي(منظمة الأمم المتحدة) بل يجب حله أيضا على صعيد القارة الإفريقية، فالمغرب حينما طلب الانضمام، تم قبوله بالأغلبية، وما يمكن ملاحظته أن المغرب في هذه الظرفية بالذات بعد تقديمه ليد العون من أجل إنقاذ إفريقيا من تداعيات جائحة كورونا، برهن لدول إفريقيا مدى مصداقيته، وبالتالي سيستطيع ما بعد أزمة كورونا حل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وطرح مشروع الحكم الذاتي على الإتحاد الإفريقي، خصوصا أن هذا المشروع يشكل بكل صدق وموضوعية فرصة ذهبية وتاريخية لقي إعجاب مختلف دول العالم وحظي بتأييد منظمة الأمم المتحدة والدولة الأولى عالميا الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه من خلال حل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية سيستطيع ما بعد أزمة كورونا بفضل مواقفه القائمة على حسن الجوار وهذا ما شاهدناه في الخطب الملكية السامية التي تؤكد على حسن الجوار والحوار مع الجارة الشقيقة الجزائر،وبالتالي سيستطيع  تحقيق اتحاد المغرب العربي، دون أن ننسى شيئا مهما بفضل هذه المبادرة الملكية السامية لحماية إفريقيا، سيستطيع المغرب أيضا إقناع دول إفريقيا بتجميد عضوية الكيان الوهمي جبهة البوليساريو من منظمة الإتحاد الإفريقي، لأنه لا تتوفر فيه أي مقومات الدولة المتعارف عليها دوليا وكان استغل الفرصة في ثمانينات القرن الماضي حتى دخل، وبما أن قلة قليلة من الدول من تعترف به، وأغلبية دول إفرقيا تساند قضية الصحراء المغربية ولا تعترف بهذا الكيان الوهمي ومنها من سحب الإعتراف به  فيما بعد، وبالتالي سيستطيع المغرب ما بعد أزمة كورونا وما سيحصده من أغلبية تدعمه نتيجة مواقفه النبيلة في الظروف الصعبة، من تجميد وطرد البوليساريو من منظمة الاتحاد الإفريقي. 
وفي الختام، نستخلص أن الرؤية الملكية في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله مبنية على الحكمة والإستباق والتبصر كما أن جلالة الملك حفظه الله يريد بناء قارة إفريقية جديدة قوية تتوفر على الموارد البشرية والمادية والتقنية الكافية لتصبح قطبا إقتصاديا وسياسيا قويا في الساحة الدولية.
الهوامش:
1-ظهير 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011، بتاريخ 29 يوليوز 2011،الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليوز 2011 ،الصفحة:3600.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .