الرئيسية دين و دنيا اللهــم اسق عبادك وبهيمتك… وانشر رحمتـك واحي بلدك الميت

اللهــم اسق عبادك وبهيمتك… وانشر رحمتـك واحي بلدك الميت

كتبه كتب في 15 يناير 2019 - 3:05 م

جريدة البديل السياسي:

مع اشتداد موجة البرد القارس التي تعرفها بلادنا هذه الأيام، يتوجه كثير من المواطنين البسطاء ـ وليس فقط من الفلاحين ـ الذين بدأ قلقهم يتزايد تخوفا على الموسم الفلاحي، بقلوبهم وأكفهم إلى السماء وألسنتهم تردد الدعاء المأثور: "اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحي بلدك الميت". ودأب المغاربة على إقامة صلاة الاستسقاء بأمر من أمير المؤمنين في مساجد المملكة كلما تعرضت البلاد إلى جفاف حاد، امتثالا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وهذا التوجه الإسلامي التلقائي عند المغاربة منطلق من عقيدتهم الإسلامية ومما يجدونه ويفهمونه من نصوص القرآن والسنة، والتي تربط بين الاستقامة والتوبة المتواصلة والاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وبين رحمة الله وغيثه، الذي يتنزل بعد قنوط الناس، ومن تكوينهم الذي يقوم على الاعتراف دوما في التقصير في حق الله سبحانه وتعالى، مهما بلغت درجتهم في الطاعة والعبادة، ناهيك عن المجاهرين بالمعاصي، وذلك واضح في قوله تعالى: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه}، أي لنبتليهم بخير المطر، وقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم برك

مع اشتداد موجة البرد القارس التي تعرفها بلادنا هذه الأيام، يتوجه كثير من المواطنين البسطاء ـ وليس فقط من الفلاحين ـ الذين بدأ قلقهم يتزايد تخوفا على الموسم الفلاحي، بقلوبهم وأكفهم إلى السماء وألسنتهم تردد الدعاء المأثور: "اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحي بلدك الميت". ودأب المغاربة على إقامة صلاة الاستسقاء بأمر من أمير المؤمنين في مساجد المملكة كلما تعرضت البلاد إلى جفاف حاد، امتثالا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وهذا التوجه الإسلامي التلقائي عند المغاربة منطلق من عقيدتهم الإسلامية ومما يجدونه ويفهمونه من نصوص القرآن والسنة، والتي تربط بين الاستقامة والتوبة المتواصلة والاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وبين رحمة الله وغيثه، الذي يتنزل بعد قنوط الناس، ومن تكوينهم الذي يقوم على الاعتراف دوما في التقصير في حق الله سبحانه وتعالى، مهما بلغت درجتهم في الطاعة والعبادة، ناهيك عن المجاهرين بالمعاصي، وذلك واضح في قوله تعالى: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه}، أي لنبتليهم بخير المطر، وقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} وقوله سبحانه {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الولي الحميد}. 

ورغم أنه لا أحد يستطيع أن يجزم من منطلق العقيدة الإسلامية أن هذا الجفاف بعينه أو ذاك، أو تأخر الأمطار في هذا البلد أو ذاك في هذه المرحلة أو تلك، هو بسبب الذنوب والمعاصي التي يقع فيها بعض الناس، رغم وجود نصوص صريحة في الربط مثلا بين عدم إخراج زكاة الأموال وانحباس المطر، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا"، إلا أن الثقافة الإسلامية التي عليها المسلمون منذ العهد الأول للإسلام إلى يوم الناس هذا تربي في المسلمين الميل إلى الاتعاظ بالحوادث والظواهر والابتلاءات من أجل محاسبة ذواتهم وإصلاح سلوكهم الفردي والجماعي. ولم يفهم قط أحد من العلماء المعتبرين، ولم يقل إن إقامة صلاة الاستسقاء والهرع إلى الاستغفار وإظهار مظاهر التذلل لله سبحانه وتعالى ودعوة المسلمين إلى الاتعاظ والاعتبار هو تكفير لهم، أو هو اتهام من أمراء المسلمين وعلمائهم وصالحيهم لمجتمعاتهم بالفساد، وأنهم شامتون بما قد يقع لها من الابتلاءات أو أنهم شامتون فيهم ويقولون إنهم مستحقون لعذابه وعقابه. ولم تكن الدعوة إلى الاعتبار بما يقع من حوادث في الكون خشية أن تكون تنبيهات إلهية لا مجرد ظواهر طبيعية عادية خاضعة لسنن وقوانين (وهذا بالمناسبة هو من صميم التصور الإسلامي، وذلك أحد معاني القدر، أي خضوع كل شيء لنظام ونواميس ومقادير، ولا يتنافي مع ربطها بقدر الله وإرادته) لعل الناس إلى ربهم يرجعون، لم تكن تلك الدعوة في يوم من الأيام تحريضا على الإرهاب أو دعوة إلى الحقد والكراهية أو إلى الشماتة بالمتضررين من بعض الكوارث الطبيعية. 

لو جاز لعاقل أن يقول بهذا، كما ذهبت إلى ذلك جماعة الحقد والكراهية والاستئصال، لكان معنى ذلك أن علماء الأمة عبر التاريخ ووعاظها وخطباءها وأئمتها دعاة إلى الإرهاب، وأن القرآن والسنة يدعوان إلى الإرهاب، وأن المسلمين جميعا مثل ذلك المواطن الذي حكى عن تجربته في برنامج لكم الكلمة حينما سئل عن الشعور الذي خامره أول مرة وهو في أعماق الماء فقال إن أول ما فكر فيه هو تقصيره في أداء الصلاة.

والواقع أن المتأمل في السنة النبوية يجد أن مثل هذا الاعتبار كان مسلكا نبويا أصيلا. ولم يفعله اتهاما للمسلمين آنذاك بالفساد والانحلال الخلقي، وإنما كان يفعله تعليما للمسلمين كيف ينبغي أن يتعاملوا مع الظواهر الطبيعة، أي تعامل انتفاع (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وتعامل اعتبار، كما أكد من خلال الأدعية النبوية المأثورة التي سنوردها. وإني إذ أؤكد على هذا لا أريد أن أرجع إلى الجدل العقيم الذي دار حول مقال الأستاذ حسن السرات حول كارثة ''تسونامي''. ولكن أريد الرجوع إليه من زاوية أن البعض انتقل من التحامل السياسوي المغرض على جريدة ''التجديد'' إلى التحامل على هذا المعنى الذي هو معنى ثابت ومطرد في الثقافة الاسلامية، واعتبره أحد أكبر أغبيائهم ''تفسيرا غيبيا غبيا''، ناهيك عن مصادرة حق الآخرين في التفكير بهذه الطريقة، ومصادرة هذا الحق وهم يدعون أنهم ''ديموقراطيون'' و''متنورون''. بئست ''الديموقراطية'' وبئس ''التنور''. 

وتثبت الأدعية النبوية الصحيحة والمأثورة هذا المعنى التربوي والاعتباري الذي يتجاوز التفسير العلمي السببي المباشر، إلى التفسير الذي يربط نظام الأسباب والمسببات بإرادة الله سبحانه وتعالى ويوجه المؤمنين إلى الاعتبار. ومن ذلك على سبيل المثال ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم إذا هاجت الريح في الحديث المتفق علبه: "اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"، وما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول المطر: "اللهم صيبا نافعا"، رواه البخاري، وما كان يقوله في صلاة الاستسقاء: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل"، وما كان يقوله إذا كثر المطر وخيف منه الضرر: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر"، متفق عليه. ومنه أيضا ما جاء في الحديث عن نبي الله يونس حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "دعوة ذي النون إذا دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إلاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم قط إلا استجاب الله له"، ومن الواضح أن الله قد ابتلى نبيا من أنبيائه لسبب بسيط، هو أنه قد ذهب مغاضبا، كما جاء في القرآن الكريم، ولم يصبر على دعوة قومه، مما يفيد أن الله يبتلي الصالحين تزكية وتطهيرا والطالحين عذابا منه وانتقاما. ويضيق المجال عن الاستمرار في الاستدلال بنصوص من القرآن والسنة، ولكن يكفينا دليلا ما استقر عليه العمل عند المسلمين جيلا بعد جيل من التنادي لصلاة الاستسقاء وأخذ العبر من المصائب والابتلاءات التي تحل بهم أو بغيرهم. وبهذا يتضح أن الذين أقاموا زوبعة ضد مقال الزميل حسن السرات وسعوا إلى تحميله أكثر مما يحتمل وبنوا عليه نتائج خطيرة، منها ادعاؤهم أنه تحريض على الكراهية ودعوة إلى الإرهاب، يتضح أن هؤلاء شلة جمعوا بين آفتين خطيرتين، أولاهما الغربة عن ثقافة المجتمع، حيث إن ثقافتهم الإسلامية ثقافة مزجاة، وكيف لا وهم الذين قضوا حياة طويلة في تلاوة قرآن ''كارل ماركس'' والتسبيح بحمد عقيدة المادية الجدلية وأشياء أخرى نسأل الله لنا ولهم العافية منها، وقد لامسناها وعايناها يوم الوقفة، والآفة الثانية هي شدة الوقاحة والجرأة والقدرة الفذة على قلب الحقائق، والتخصص في أساليب الإرهاب الفكري مع شدة البجاحة في ادعاء الديموقراطية والحداثة.

ولهم نؤكد ونقول إن المغاربة سيظلون متشبتين بثقافتهم الإسلامية التي تحثهم على الاعتبار ومراجعة الذات ونصيحة بعضهم بعضا لمراجعة علاقتهم بالله سبحانه وتعالى أفرادا وجماعات، ولن يسمحوا لهم بممارسة الإرهاب الفكري عليهم وتكميم أفواههم ونعت توجههم لله لأداء صلاة الاستسقاء، وربطهم بين صلاح الأخلاق وصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بأنه ظلامية ورجعية. فهل يجرؤ هؤلاء على المواجهة الفكرية العلمية بعيدا عن أساليب التهريج والاستغلال السياسوي المقيت لمقال رأي كي يخلقوا منه قضية ''نضالية'' من خلال الأقلام البئيسة والبرامج التلفزية المخدومة، بعد أن أعياهم النضال الحقيقي في ميادينه الحقيقية؟. ألم يتضح بالملموس لكل مراقب ولمن يكون ربما من ورائهم أنه قد راهن على أوراق خاسرة وخيول هرمة، وكما يقول الشاعر : وستعلم حين ينجلي الغبار أفرس تحتك أم حمار؟.

 

 

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .