الرئيسية روبورتاج و تحقيق السحر والشعوذة بالمغرب “ما وراء الستار”

السحر والشعوذة بالمغرب “ما وراء الستار”

كتبه كتب في 21 أبريل 2018 - 7:24 م

جريدة البديل السياسي المغربية :

إن كنت ممن يريد السيطرة على قلب حبيب، إيجاد زوج، النجاح في دراسة أو عمل، إنجاب طفل، أو علاج مرض، ما عليك سوى التوجه إلى "الشوافة" أو "الفقيه"، بشرط أن تكون صاحب تفكير ساذج ووعي غائب.

 

وأصبح اسم "المغرب" و"المغاربة" مؤخرا مرتبطا بظاهرة السحر والشعوذة، التي باتت تمارس طقوسها داخل أوساط مجتمعنا بأشكال مختلفة، هذا المجتمع الذي فضل إلغاء العقل والعلم في عصر العولمة والتقدم وتعويضهما ب"الساحر" و"العرافة" وبالتمائم وأنواع البخور والأعشاب المختلفة باختلاف عملها وفعاليتها.

 

 سنسافر من خلال هذا التحقيق، إلى عالم السحر والشعوذة، وستكشف أهم خبايا وأسرار هذه الظاهرة التي أصبحت تتزايد وتزايد تطور وتقدم المجتمع.

 

تاريخ ظاهرة السحر والشعوذة في المغرب:


يشهد التاريخ على أن نشأة ظاهرة السحر والشعوذة ارتبطت بالحضارات القديمة "البابلية والاغريقية والفرعونية"، وبأسماء البلدان المتقدمة "دول أمريكا واسيا وأوروبا"، في حين يعود تاريخ الظاهرة بالمغرب إلى زمن الفنيقيين والرومان، مرورا بالسلالات التي حكمت المغرب، غير أنها لم تتنشر بوثيرة سريعة بالبلاد الا قبل أعوام قليلة، وبالضبط عند الاستعانة ب"الفقهاء" للحصول على "الكنوز المدفونة تحت أراضيهم وبيوتهم"، ليتطور الأمر، بعد ذلك، إلى اللجوء للعرافين والسحرة لحل المشاكل العاطفية والمالية و..، وكذا للتنبؤ بخبايا المستقبل.

 

تذكرة للسفر إلى عالم السراب:


"الشوافة "أو العرافة هي امرأة أو رجل يدعيان امتلاك قدرات مختلفة عن الأخرين وعلى رأسها إمكانية قراءة المستقبل في الحاضر، أخذت موعدا مع إحداهن ولكن ليس كزبونة بل كمستفسرة حول الظاهرة.

في أحد الأحياء القديمة بالعاصمة يتواجد منزل الحاجة "فتيحة"، لن يسمح لك بالدخول دون موعد مسبق باستثناء الحالات الخاصة والمستعجلة.

 

 

الساعة تشير إلى الثانية زوالا، استقبلتني في مدخل البيت أخت "الشوافة" المدعوة فاطمة والتي تعتبر في نفس الوقت السكرتيرة المكلفة بترتيب المواعيد واستقبال الزبائن، المنزل يكتسي طابعا تقليديا، رافقتني فاطمة إلى صالون كبير شبيه بغرفة الانتظار في عيادة طبية، وهناك تجلس مجموعة من النسوة و الفتيات اللواتي لا يتجاوز عددهن الستة، وراء كل واحدة منهن قصة أو سبب أتى بها إلى"الحاجة فتيحة".

 

 

الصمت يعم المكان ونادرا ما يكسره صوت الحوارات الثنائية بين النسوة، حاولت الاقتراب من إحداهن لأخذ فكرة عن السبب الذي قد يأتي بامرأة إلى "الشوافة"، تبين لي من خلال هيئتها بأنها تنتمي إلى طبقة اجتماعية جيدة كما اكتشفت فيما بعد من حديثها أنها على مستوى ثقافي حسن، "حنان" تشغل منصب مديرة فى إحدى المؤسسات التعليمية أخبرتني بعد حديث مطول أنها تتوافد باستمرار على"الشوافة" ويرجع سبب قدومها إلى رغبتها في الإنجاب بعدما تبث لها طبيا غياب أي مانع، وأثناء حديثنا لفت انتباهي خروج شاب في مقتبل العمر، ذو هندام جميل و هيئة محترمة من غرفة "الشوافة" التفت يمينا و شمالا ووضع "حجابات" في جيب سترته ثم غادر المكان، دفعني فضولي الى الذهاب لسؤال "أخت الشوافة"عن الشاب لكنها لم تفدني بأية معلومة بدعوى احترام خصوصية الزبناء.

 

 

مرت ثانيتين، دقيقتين، ثم ساعتين إلى أن حانت لحظة مثولي أمام "الحاجة فتيحة"، عندما دخلت إلى الغرفة أحسست بأني في عالم غريب وغير مألوف، مابين الحقيقة والسراب، الواقع والخيال، الغرفة تنيرها شموع طويلة ذات ألوان مختلفة وجدران خضراء، وخلف دخان البخور المتصاعد من"المجمر" ترى الحاجة فتيحة جالسة على زريبة من جلد إحدى الحيوانات ومحاطة بسلة بيض وأعشاب مختلفة وأوراق"الكارتة"ومجموعة من الجرائد، طلبت مني إلقاء التحية على أصحاب المكان على حد قولها "التسليم"، اقتربت وجلست أمامها ثم بدأت بطرح مجموعة من الأسئلة بشكل متسلسل وسريع : من هي الحاجة فتيحة؟ وكيف دخلت إلى عالم الشعوذة والسحر وما نوعية زبنائها؟ وكيف تقوم بعملها؟ وغيرها من الأسئلة التي تتضمن المحرجة والمستفزة والتي لم تعترض على أي منها مؤكدة بأنها مؤمنة بعملها مادامت تسخر قدراتها لتقدم خدمات عديدة لمساعدة الناس؟.."هادشي اللي تندير ماشي شعوذة" تقول الحاجة فتيحة بكل ثقة نافية أن تكون قد آذت يوما أحدا من خلال أعمالها، "تتجي عندي مرا مخاصمة مع راجلها وتنصالحهم/ وتتجي عندي المرا اللي مديور ليها الثقاف والعكوس على الزواج وتنفكو ليها/ وتتجي عندي المرا اللي مديور ليها السحر باش ما تولدش وتنعاونها" تقول الحاجة وهي تجرد الأعمال التي تقوم بها مشيرة إلى أنها لم تقم يوما بعمل للتفريق بين الأزواج مثلا أو لإثارة نار الفتنة بين الأقارب "شوافة عندها ضمير" هذا هو اللقب الذي تحبذ بعض الزبائن إطلاقه على هذه الحاجة، أغلب زبائن الحاجة فتيحة نساء، ما يعني أن نسبة من زوارها رجال "شحال هاذي ما كانوش تيجيو عندي الرجال ولكن مؤخرا ولاو تيجيو"، قبل أن تضيف قائلة: "فالحقيقة التعامل مع الرجال احسن من التعامل مع شي عيالات، حيتاش هوما ما كيتشطرو ماكيدخلوا فشغلي".

 

 

وتحرص الحاجة فتيحة على إعطاء مواعيد مختلفة للنساء وللرجال، تلافيا للإحراج الذي قد يتعرض له رجل في حال التقى بامرأة والعكس، أما بالنسبة لطرق وأدوات عملها، فالحاجة فتيحة: "تقرأ الطالع في الكارتة و البيض و الكف و التسبيح و المجمر والجرائد كما تقوم بعمل الحجابات و الطلاسم للقبول والمحبة والنجاح وغيرها وذلك حسب نوعية الزبون وطلبه وماله" على حد قولها.

السياسيون أيضا معنيون:


لا يقتصر زبناء الحاجة فتيحة، على النسوة و"الشباب"، بل يتعدون الى السياسيين:"حتا الناس ديال السياسة من الكليان ديالي"، تكشف الحاجة، قبل ان تضيف قائلة "اغلبهم كنتعامل معاهوم منذ سنين، وكيفضلوا نمشي أنا عندهوم"، مشيرة الى أن إقبال هذه الفئة يتزايد خلال فترة الانتخابات والأزمات السياسية. أما بالنسبة لطلباتهم، فتقول ذات المتحدثة: "كاين اللي كيبغي الحجابات وكاين اللي كيبغيني ندير ليه القبول باش الناس يبغيوه ويصوتو عليه، وكاين اللي كيبغيني نشوف ليه واش ايربح ولا لا" على حد تعبيرها.

عندما يصبح الاغتصاب والاعتداء الجسدي نوعا من أنواع العلاج :

 

 

كشفت مجموعة من التقارير الإخبارية مؤخرا، عن تورط عدد من "الفقهاء" كما يطلق عليهم بالعامية المغربية، في حوادث اعتداءات جسدية، قد تفضي إلى التسبب في إصابات خطيرة أحيانا، وقد تسبب في الموت أحيانا أخرى، إلى جانب تورطهم في حوادث اعتداءات جنسية "اغتصاب" على زبنائهم "ضحاياهم" بدعوى اعتماد هؤلاء "المتخصصين" على هاته الطرق الغير مشروعة، للعلاج.

وبالرغم من تزايد ضحايا هذه الحوادث، فالقانون الجنائي المغربي لا يتضمن أي عقوبة من أي نوع ضد من يمارس أعمال السحر والشعوذة، حيث تتم معاقبة "المشعوذ" في أغلب الأحيان بتهمة النصب والاحتيال، أو بالقتل الغير العمد.

للختم :

يجمع علماء الاجتماع على أن تنامي التعاطي لظاهرة السحر والشعوذة راجع بالأساس إلى انتشار الأمية والجهل، والبطالة والفقر والهشاشة بين فئات المجتمع، بالإضافة إلى مشاكل العنوسة والعقم والطلاق..، كما يؤكد المختصون في علم النفس على أن الاضطراب والإحساس بالخوف وعدم الثقة في النفس من العوامل المهمة التي تؤدي بأصحابها إلى اللجوء للعرافين والمشعوذين والاستعانة ب"قدراتهم الخارقة" للترويح عن النفس وتلبية الرغبات "المستحيلة.

 

 

ويبقى السبب الرئيسي لتفشي هذه الظاهرة في مجتمعنا المغربي وداخل المجتمعات العربية الأخرى، هو ضعف الإيمان، وعدم التقرب من الله تعالى، حيث يحرم ديننا الإسلامي الحنيف إتيان السحرة والعرافين، ويعتبره من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، لما فيه من شرك بالله، و قد نهى النبي عنه في قوله:(و اجتنبوا السبع الموبقات فقيل:يا رسول الله و ما هن؟ فقال صلى الله عليه و سلم:(الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل مال اليتيم،وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات)، وقوله صلى الله عليه وسلم ":(من أتى عرافا فسأله من شيء لم تقبل له صلاته أربعين ليلة)".

 

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .