الرئيسية كتاب وآراء خطى النسيان ..بقلم الشاعر بوعلام حمدوني

خطى النسيان ..بقلم الشاعر بوعلام حمدوني

كتبه كتب في 7 فبراير 2024 - 6:03 م

بقلم بوعلام  حمدوني – جريدة البديل السياسي 

ثقافية– جريدة الحقيقة العراقية الورقية تنشر اليوم

نص قراءتي النقدية التطبيقية في المجموعة الشعرية

خطى النسيان

للشاعر المغربي بوعلام حمدوني

امتناني وشكري العميقين للجريدة وطاقمها وللصديق الأديب والإعلامي العراقي الغني عن النعريف علاء ماجد

نص القراءة

قراءتي النقدية التطبيقية في ديوان “خطى النسيان” للشاعر المغربي بوعلام حمدوني

تحت عنوان: سيمياء العتبات وتشكيل الانزياحات لأجل إعادة بعث الذات.

بقلمك خالد بوزيان موساوي/ ناقد مغربي

تقديم.: “خطى النسيان” مجموعة شعرية للشاعر المغربي بوعلام حمدوني. صدرت عن “جامعة المبدعين المغاربة”/ 2022. الكتاب من الحجم المتوسط (145 صفحة)؛ يحتوي على 37 نصا شعريا حديثا. لوحة الغلاف للفنانة أمامة قزيز، والتقديم للدكتورة وردة محصر من الجزائر. للشاعر بوعلام حمدوني كتب أخرى نذكر من بينها مجموعتين شعرتين تحت عنوان: “خلخال نبض” و “صدى حروف”. سنتوقف في مناولتنا لهذه المجموعة الشعرية على طول ربوعها عند ثلاث محطات تستحق في نظرنا من بين محطات أخرى القراءة المنهجية النموذجية، وهي العتبات والصورة الشعرية والبعد الوجودي للكتابة.

1 ـ سيمياء العتبات:

أ ـ العنوان الرئيس: صِيغَ عنوان المجموعة “خطى النسيان” بتوظيف تشخيص بلاغيٍّ مبهم قريب من الاستعارة المكنية قد يستدعي أكثر من تأويل؛ هل للنسيان خطى؟ أم هي خطى الشاعر تصبو إلى النسيان؟ وهل هي خطى النسيان للتقهقر إلى الوراء؟ أمْ هي حركيّة للمُضِيّ نحو آفاق واعدة وأجمل؟ تساؤلات استباقية وجَّهتنا إلى ثاني ركن في العتبة (لوحة واجهة الغلاف) علّنا ننتبه لعناصر إجابة أخرى قد تشكِّل فرضات قراءة للمجموعة ومنها آفاق انتظاراتنا.

ب ـ لوحة الغلاف: رسم اللوحة هو في حدّ ذاته قراءة انطباعية للمجموعة الشعرية بعيون فنانة تشكيلية (أمامة قزيز). نرى شخصا بلون أسود آيل للسقوط إلى الخلف (قد يكون الشاعر)، ومن مركز صدره (القلب) وبألوان زاهية يخرج طائر في حركيّة التحليق إلى ما وراء الأفق. هكذا تحاول اللوحة الرائعة توظيف المجاز لتجسيد جدلية ثنائية الوجود والعدم/السقوط والتحليق. هو انطباع أوّلي جعلنا وبدافع الفضول نفتح الكتاب على صفحات ثالث ركن من العتبة (وهي عتبة داخلية) لنقرأ عناوين “الفهرس”.

ج ـ مُحتويات الفهرس: قراءة عناوين النصوص (وعددها 37 نصا) أوْحَتْ لنا بِخُطاطة تتشكّل من أربعة حقول مُعجميّة/ دلالية / سيميائية؛ وهي:

ـ العدَميَّة: عناوين النصوص بالصفحات رقم: 5، 9، 17، 28 وغيرها…

ـ الغدر: عناوين النصوص بالصفحات رقم: 9، 26، 95 وغيرها…

ـ الصّرخَة: عناوين النصوص بالصفحات رقم: 13، 22، 40، 95 وغيرها…

ـ الأمل والعبور (التحليق): عناوين النصوص بالصفحات رقم: 46، 74، 128، 139 وغيرها…

ترتيب الحقول من عدمية إلى غدر إلى صرخة إلى أمل وعبور وتحليق قد يوهم قارئ هذه المُقاربة النقدية التطبيقية ان المجموعة الشعرية هذه تُقرأُ عموديا كما قصة أو رواية تقليديتين؛ لكن تصنيفنا وترتيبنا للحقول الأربعة ناتج بالأحرى عن قراءة أفقية للنصوص كما سنرى.

2 ـ تشكيل الانزياحات:

أ ـ تداعيات دلالية: أتذكر والسياق يعني الذاكرة والنسيان ما جاء على لسان أحد النقاد: إن الذاكرة في أبعادها لا تنتهي: “الذاكرة الكلية، تلك المرهقة البائسة التي تحتفظ بالعارض والجوهري، والذاكرة المتشظية التي ثقبها الزمن وسيتبقى لها القليل من السيطرة، والذاكرة الهائمة المبتعدة عن مكان نسيته والسائرة نحو عوالم متجددة..”. وينطبق رأيه على هذه المجموعة الشعرية “خطى النسيان”؛ فنحن لسنا نقرأ سيرة ذاتية بشكلها السّردي المباشر فنستحضر عناصر الدراما كما أوجزها “هرم فريتاغ”، ولا حتى أمام ظاهرة المتناقضات بمنطق “نفي النفي” الهيغيلي (نسبة ل هيغل) الذي اعتمده إلى حدّ ما المُنظِّر البنيوي غريماس في “المربع السيميائي” لأن نصوص هذه المجموعة لمْ تُكتَبْ في اعتقادنا في فترات زمنية متقاربة، وبالتالي قد تكون من وحي أمزجة مختلفة وطقوس كتابة متعددة وأزمنة كتابة متباعدة. فرغم كون الذات الشاعرة المتكلمة واحدة، إلاّ أن “أنا” الشاعر تتوتّر، وتتذمّر، وتناجي، وتتمرّد، وتستسلم، وتحلم، وتتشظّى، وتهجر، وتعبر، وتحلق… وكأننا مع ذوات متعددة داخل ذات واحدة. نقرأ في هذا السياق مقطع من نص “قصيد تيه” ص. 74 يظهر فيه قوته:

” ها أنا ذا يا أنا

بشموخ الجبال

لم أمت

بل ماتت في..

كل الأشياء الخبيثة

(….)

لا زلت هنا..

مزهوّا بالبقاء

رفم الهزائم

والخيبات

أقوى…؟

ثم في محطة اخرى مُتطيِّرا ومتشائما (مقطع من نص “رهين العدم” ص. 9):

” قصيدة مجروح

لا يجيد طريق النبل

ملامح تائهة

وبحة منزوعة الصدى

تزعج الآذان الصماء

تمضي مثقلة من أصفاد

لقضبان

لعتمة تبحر في الأنا…”.

ومهزوما قبل أن يتمرّد (مقطع من نص “من رفوف الزنزانة” ص. 37 و38):

” حين تزدحم الكدمات

على جرح

يدميه عويل

مهزوم

كالأسد الهرم…”.

ردود أفعال الشاعر تغرف من الوجدان مَواقِفا موشومة في الذاكرة ، يستحضرها كما ومضات مُضَبَّبَة، كما مُجرّد أضغاث أحلام/ كوابيس ستنجلي. والمُلاحظ انه كما طبيعة الشعر خاصة والخطاب الأدبي عامة الشاعر لا يقول، بل يوحي بسلطة المجاز وجمالية الصّورة .

ب ـ الصورة الشعرية: ونقصد بها الفنية العالية التي يبتكر بها الشاعر بوعلام حمدوني صوّره الشعرية لينتقل من انفعال وجداني لآخر مع حسن التخلص. نكتفي بهذا النموذج لقصر المجال (مقطع من نص “قبلة قصيد” ص. 53):

” رفوف النسيان

تجمع غبار الأرق

على عزف وجع

متشرد بين شهيق

آهات الانتظار…”

المفردات المستعملة في المتناول و كثيرة التداول (رفوف، النسيان، غبار، الأرق، عزف، وجع، متشرِّد، شهيق…)؛ والتركيب على مستوى “نحو الجملة” في حدّ ذاته لا يدعو للارتباك وَ لِ”مأزق التأويل” كَوْنَ هذه الجُمْلة (رغم بنيتها المركبة بفعل واحد “تجمع”) تحترم القواعد المعيارية المُتعارف عليها… لكن، ما قد سيستفز فضول القارئ دون أدنى شك هو تلك العلاقة “الغريبة” بين المكونات المعجمية لكل مقطع صوتي من مقاطع الجملة الخمسة (“رفوف/ نسيان”، و”غبار/ الأرق”، و”عزف/ وجع”، و”متشرد/ شهيق”، و “آهات/ انتظار”)؛ علاقة “غريبة” يستنتج القارئ من خلالها ابتعاد لغة الشاعر عن الأساليب اليومية المباشرة التصريحية المألوفة حَدّ المفارقة والغموض: وهو ما يسميه النقاد “الانزياح” (ويكون لغويا و أسلوبيا) باستعمال لغة الايحاء بالمجاز والرمز، وما تقتضيه البلاغة من “بيان”، و “بديع”، و “معاني”… أساليب لها مرجعيتها من حيث التعاريف، و أصالتها وفرادتها من حيث الابداع. وتندرج الصورة الشعرية لدى الشاعر المغربي بوعلام حمدوني من خلال هذه المجموعة الشعرية “خطى النسيان” ضِمْن خانة الشعر الوجداني الذي يتميّز بصقل الضوّر البلاغية اعتمادا على انفعالات حسِّية ـ حركيّة مثل “البوح”، “العويل”، “الصّراخ”، “الشهيق”، “الآهات” إلخ… والتحليق بها لتصبح لوحات تجريدية تمضي بالقارئ إلى “مأزق التأويل”. وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن ماهية ووظيفة الشعر عند بوعلام حمدوني.

3 ـ الكتابة لأجل إعادة بعث الذات: أو ماهي وظيفة كتابة الشعر عند بوعلام حمدوني؟

سؤال يشبه ذاك الانتقال من “النص” كإبداع أدبي من ابتكار مخيّلة الشاعر إلى “ميتا ـ نص”؛ أي ذاك الخطاب داخل النصوص الذي يجيب عن سؤال: ـ لماذا أكتب؟ الضمير المتكلم يعود على الشاعر بوعلام حمدوني الذي يجيب عن هذا التساؤل عبر نصوص عدة من هذه المجموعة الشعرية من بينها رقم 11، و24، و 25، و30، و32، و 46… ومن هذا الأخير وهو تحت عنوان “أمنية أمل، نقرأ هذه المقاطع:

” سأعيد تدوين تاريخي

بعدما نسفته

رياح الخريف

(….)

أعيد ترتيب حروفي

أشعارا

(…)

أغزل من أهلة

تمحو ظلمات عتمة الخريف

فيستسلم الحزن والآهات

ليرتحق قلمي

من حبر القصيد شهدا

صنعته ملكات أحاسيسي…؟

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .