الرئيسية البديل الوطني مغربية الصحراء لا تحتاج إلى إثبات

مغربية الصحراء لا تحتاج إلى إثبات

كتبه كتب في 11 أغسطس 2023 - 12:19 ص

جريدة البديل السياسي 

لا شك أن المنطق والتاريخ يؤكدان مغربية الصحراء، وارتباطها به جغرافيا ولغويا وثقافيا ودينيا وعرقيا، وهذا ما تؤكده بالفعل العديد من الحجج التاريخية والقانونية والسياسية.

لجرد مختلف الحجج التي يمكن أن نستشف منها مغربية الصحراء، يجب الإحاطة بثلاث ركائز أساسية:

1) الحجج التاريخية

2) الحجج القانونية

3) الحجج السياسية

إن أحقية ومشروعية المغرب في الصحراء مؤسسة على العديد من الحجج التاريخية، فالدول التي تعاقبت على حكم المغرب من القرن 11 إلى القرن 20 لها أصول صحراوية، وخير دليل على ذلك هي مبايعة كبار شيوخ الصحراء لسلاطين المغرب، بل إن المنطقة الجنوبية كان لابد لها من حاكم ينشر فيها الأمن والسلم ويعنى بتنظيمها، وذلك لأن الصحراء كانت دائما نقطة تواصل مع حلفاء المغرب من دول جنوب الصحراء، وتعد المنفذ الإستراتيجي لمرور القوافل، وخصوصا إبان فترة السعديين في القرن 15، حيث كانت الصحراء ممر عبور الهدايا والتحف المتبادلة بين المغرب والسودان، وفي هذا الصدد تذكر المصادر أن ملوك المغرب كانوا – دوما – يدافعون عن الصحراء ويكبتون مطامع الأعداء فيها، كما كانوا يزودون أهلها بالأسلحة والعتاد بواسطة ممثليهم هناك كلما ظهر تهديد خارجي، وكمثال على ذلك يكفي أن نستحضر هنا مساندة السلاطين المغاربة لكفاح الشيخ “ماء العينين” ضد الإحتلال الفرنسي الإسباني.1

بل حتى المظاهر الدينية شهدت على ارتباط الصحراء بمغربها، إذ كان يختم الصحراويون أدعيتهم وصلواتهم بالدعاء للسلطان لاسيما في صلاة الجمعة، والتوحد المذهبي للصحراء مع باقي المناطق المغربية تحت لواء المالكية والأشعرية والتصوف الجنيدي، وهو أمر أكدته البحوث، وأقرت أنه كان من البديهيات في الصحراء.

وبناء على هذه المعطيات، تشكل الصحراء العمق الإستراتيجي للدولة المغربية منذ القدم، ويعود تاريخ ارتباط الصحراء بالمغرب إلى حوالي سنة 1050 عندما بسط الموحدون المنحدرون من قبائل صنهاجة سيطرتهم على مختلف مناطق المغرب الحالي. وقد وصلت سيادة المغرب في عهد السلطان “المنصور” سنة 1578 إلى حدود نهر السنغال، ومع تولي العلويين المنحدرين من تافيلالت السلطة تواصل ارتباط المناطق الصحراوية بالحياة السياسية والإقتصادية للمغرب، خصوصا من خلال الروابط الإقتصادية القوية التي شكلتها التجارة في المناطق الواقعة في ما وراء الصحراء.

وخرائط الحقب المختلفة في تاريخ المغرب كـ (المرابطون – الأدارسة – السعديون) تبين ذلك بجلاء ووضوح تامين.

وتبعا لعلاقات البيعة التي ربطت على مر التاريخ قبائل الصحراء بسلاطين المغرب، كانت هناك العديد من المراسلات التي بعثها سلاطين المغرب لولاتهم وخلفائهم في الصحراء، شكلت دليلا إضافيا على عمق الأواصر والوحدة التاريخية والسياسية التي كانت تربط المغرب بأجزائه الجنوبية. وفيما يلي نستعرض البعض من هذه الرسائل:3

1- رسالة السلطان المولى “عبد العزيز” إلى الشيخ “ماء العينين” سنة 1905، في موضوع الحالة المرتبكة التي أوجدها في الصحراء المغربية الإعتداء المسلح الذي قامت به الجيوش الفرنسية.

2- رسالة السلطان سيدي “محمد بن مولاي عبد الرحمان بن هشام” إلى الشيخ “الحبيب بيروك”، يأمره فيها بتوجيه أسير إسباني قبض الصحراويون عليه إلى تارودانت أو إلى الصويرة، ويلح عليه في وجوب احترام السفن التي تتحطم على سواحل الصحراء وتوجيه ما يوجد بها إلى سلطات المخزن بالعاصمة.

3- رسالة “الحسن الأول” إلى “الحبيب ابن الشيخ مبارك الوادنوني الجلمي”، عن موضوع القبض على الخارجين من الإسبان في سواحل مدينة الصويرة.

4- رسالة المولى “الحسن الأول” إلى “إبراهيم بن مبارك الزركي”، تفيد أن السلطان أضفى عليه حلل التوقير والإحترام والتعظيم وحرره من جميع التكاليف المخزنية والوظائف السلطانية، عدا الزكوات فهو فيها كغيره.4

5- رسالة مولاي “عبد العزيز” إلى القائد “إبراهيم الشتوكي التكني”، يسند له النظر في مراقبة السواحل من طرفاية إلى رأس بوجدور.

إن الإعتراف بمغربية الصحراء من طرف “القوى العظمى الأوربية” ظل قائما وثابتا حتى قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث تؤكد الإتفاقية السرية الفرنسية البريطانية في خامس غشت 1890 مغربية منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب بدون لبس. كما أن إسبانيا اعترفت دوما في الماضي بأن سيادة المغرب على الصحراء تمتد إلى ما وراء وادي درعة، وكانت تصرح في مطلع القرن العشرين بأن هذه الأراضي تابعة للسلطة المركزية المغربية وكانت تؤمن بذلك دبلوماسيا.

كما أنه منذ القدم لا نجد هناك ما يسمى بـ “الشعب الصحراوي”، ويؤكد هذا الطرح الاتفاقية السرية الفرنسية – البريطانية المؤرخة في 5 غشت 1890 التي تنص على الإعتراف بالحماية البريطانية على جزر “زنجبار” و”بومبا” في المحيط الهندي، مقابل الإعتراف لفرنسا بإمكانية احتلال الصحراء الوسطى الغربية للحصول على ممر في اتجاه الجنوب، أي نحو النيجر وبحيرة تشاد، وكان يتحتم على فرنسا أن تحترم الحدود المغربية الممتدة من فكيك إلى الرأس الأبيض (نواديبو في موريطانيا)، وهذا يعني أن الصحراء “الإسبانية سابقا” كانت حكما أرضا مغربية.

كما أن التأكيد على مغربية الصحراء جاء باعتراف الدول الأجنبية وفقا لعدة معاهدات، على اختلاف مواضيعها وظروف وملابسات إبرامها، حيث تؤكد صراحة اعتراف المجتمع الدولي بالروابط القانونية للمغرب مع الصحراء المغربية. وسنكتفي بعرض نماذج لهذه الإتفاقيات الدولية نظرا لكثرتها وغزارة مواضيعها، بداية نشير إلى بعض المعاهدات الدولية التي كان المغرب موضوعا لها، ويتعلق الأمر بمعاهدتين من القرن 14 وهما معاهدة: “الكوسوماس” ومعاهدة “سنترا” المبرمتين بين إسبانيا والبرتغال، حيث حددت المعاهدة الأولى اتفاق الطرفين على حدود مملكة مراكش في جنوب رأس بوجدور، كما تنص المعاهدة الثانية على نفس الشيء الذي تسميه مملكة فاس (المغرب حاليا)، ولم تكتف المعاهدتان بإبراز البيعة للسلطان، ولكنهما تعترفان أيضا بان السلطة المغربية كانت تمتد إلى ما وراء رأس بوجدور.5

وتنص المعاهدة المبرمة بين المغرب وإسبانيا في فاتح مارس 1767 في المادة 18 على أن السيادة المغربية تمتد إلى ما وراء وادي نون، أي أنها تمتد إلى جنوب المنطقة المجاورة للساقية الحمراء، ذلك أن هذه المادة تنص على: “إن جلالة الملك يحذر سكان جزر الكاناري ضد أية محاولة للصيد في شواطئ وادي نون وما وراء ذلك، وهو لا يتحمل أية مسؤولية فيما سيقع لهم من طرف العرب سكان المنطقة الذين من الصعب تطبيق القرارات عليهم، إذ ليس لهم محل قار للسكنى وينتقلون كيفما يشاؤون ويقيمون خيامهم حيث ما يطيب لهم…”، وهذا ما يستنتج معه وجود السلطة الشريفة على وادي نون وما بعده في الصحراء بالإضافة إلى البيعة للسلطان.

وقد تعززت مضامين هذه الاتفاقية بعدة معاهدات واتفاقات دولية لاحقة، كرست سيادة المغرب فيما وراء وادي نون، وهذه المعاهدات هي على الخصوص الإتفاقية المبرمة بين المغرب وإسبانيا في فاتح مـارس 1799 (الفصل 22)، وتـلك المبرمة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في 1836 (الفصل 10)، والإتفاقيتان اللتان أبرمهما المغرب مع بريطانيا في 9 دجنبر 1856، بالإضافة إلى المعاهدة الإسبانية المغربية المبرمة يوم 20 نونبر 1861 (الفصل 38).

أما المعاهدات التي نظمت العلاقات المغربية البريطانية، فقد شملت اتفاقات تنصب على الإقليم الصحراوي ابتداء من أواخر القرن 18 وطيلة القرن 19. وكانت أول معاهدة أبرمها المغرب مع الإنجليز في هذا المضمار هي معاهدة الصلح والمهادنة بين المولى “سليمان” وملك إنجلترا “جورج الثالث” سنة 1801، وبالنسبة إلى إنقاذ السفن الإنجليزية جاء في الشرط 33 ما يلي: “… وإذا حصل تحريك للمركز الإنكليزي بوادي نون أو بناحية من سواحله فإن سلطان مراكش يستعمل جهده في تحصيل بحريته حتى يركبوا إلى بلادهم وحتى قنصل الإنكليز أو نائبه يؤذن له في البحث والوقوف ما أمكنه في تحصيل مركب حرك في تلك الناحية، ويعينه على ذلك ولاة سلطان مراكش بما يوافق المحبة…”. ولقد ظل الشرط 33 محتفظا بنفس المضمون سواء مع المعاهدة التجديدية التي أبرمت بين المولى “عبد الرحمان بن هشام” والملك “جورج الرابع” في 1824، أو التي جاءت لتنظيم العلاقات المغربية البريطانية ابتداء من سنة 1856.6

ونكتفي بما أوردناه في الحقبة السابقة، لننتقل إلى المغرب المعاصر، وبالضبط في أكتوبر 1975م، حيث أعلنت محكمة العدل الدولية رأيها في موضوع التحكيم حول الصحراء، وانتهت إلى أن الصحراء لم تكن أرضا غير مملوكة وقت الإحتلال الإسباني واعترفت بوجود روابط قانونية وعلاقات ولاء (البيعة) بين زعماء بعض القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب وموريتانيا.

واستند المغرب على رأي المحكمة الدولية وأعلن الملك الحسن الثاني في 6 نونبر تنظيم مسيرة خضراء بمشاركة 350 ألف مواطن ساروا إلى منطقة الصحراء. ولم يكن أمام النظام الإسباني من خيار سوى الدخول في مفاوضات مع المغرب وموريتانيا لإنهاء الوجود الإستعماري الإسباني في الصحراء المغربية.

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .