أخبار عاجلة

ico أسرة الأمن الوطني تحتفي بعيد تأسيسها…68 عاماً من خدمة أمن المغاربة واليقظة الدائمة ico قضاة يبرزون مجهودات الدولة لتخليق الحياة العامة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب ico تقدم كبير في بناء ملعب الرباط وتجهيزات غطاء ملعب طنجة تصل للشروع في تركيبها ico هيئة الموثقين بالمغرب تحدث منصة «توثيق+» لتسهيل الإجراءات على المواطنين ico الترخيص لـ52 شركة طيران لتسيير 2060 رحلة جوية أسبوعية من وإلى المطارات المغربية خلال فصل الصيف ico مجلس حقوق الانسان يتعهد بالترافع عن إدماج “معتقلي الإرهاب” بسوق الشغل ico جلالة الملك يشيد بدور الجيش في الدفاع عن حوزة الوطن والذود عن وحدته الترابية ico جلالة الملك يأمر بتطوير التكوين العسكري وإحداث مقر جديد للكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا ico وسط حضور وازن.. كلية الناظور تشهد مناقشة أطروحة الدكتوراه في شعبة القانون الخاص من طرف الطالب “محمد الأمين ico وهبي: التواصل الاجتماعي أكبر عدو لحقوق الإنسان والذكاء الاصطناعي لايصلح للقضاء

الرئيسية كتاب وآراء ما زلت انا…/. قصة قصيرة…ليلى المرّاني / العراق

ما زلت انا…/. قصة قصيرة…ليلى المرّاني / العراق

كتبه كتب في 25 يوليو 2023 - 3:37 ص

ما زلت انا…/. قصة قصيرة

ليلى المرّاني / العراق

لملمت شتاتها، غربتها، ووحدتها وقرّرت أن تخرج من تلك العزلة التي فرضتها على نفسها منذ أكثر من عام، اليوم عيد ميلادها، بأسىً ولوعةً تذكّرت عائلتها المشتّتة.. أعياد ميلادها السابقة، لمّة الأهل والأصدقاء.. الشموع والبالونات، والهدايا الجميلة، وأجملها قبلاتهم الدافئة وأمنياتهم لها بالسعادة وأطفال يملأون حياتها، وبقيت امنيات معلّقة!

— سأحتفل بعيد ميلادي لوحدي يا إخوتي، ولكنكم ستكونون معي..

تحسّست النقود القليلة التي استطاعت أن تقتطعها من مصروفها الشهري الذي تتلقّاه إعانةً من البلد الذي استضافها لاجئة تبحث عن الأمان والاستقرار

— سأشتري ثوباً بسيطاً وشمعةً واحدة وبالوناً واحد وأحتفل مع أم علي..

كان عليها أن تأخذ الباص من الكامب الذي يأويها ومئات المهاجرين من دول مختلفة، والذي يقع وسط غابة كثيفة، يقال أنه كان مصحّاً لمرضى السلّ الرئوي، الباص مخصص للمهاجرين مجاناً إلى أقرب مدينة صغيرة. لم تكن لديها صديقة تشاركها همومها أو فرحتها سوى أم علي، إمرأة مسنّة من بلدها، لم تفهم كيف وصلت هذه المرأة بسنيّ عمرها الستّينَ إلى هذا البلد الذي يقع في أقصى المعمورة، بعباءتها ونعليها.. وطيبة تصل حدّ السذاجة حين تسألها سوسن،” كيف وصلت، ومن كان معك؟ ”

تضحك، ” كان الله معي والمصحف الصغير الذي أحمله تحت ثيابي..”, ثم تغصّ بعبرتها، وتشهق بدموعها، ” كنت أريد أن أصل لابني الوحيد الذي يعيش في الطرف الآخر.. ولكنها إرادة الله..”، وتمسح دموعها بطرف فوطتها..

ويتمتم صوت سوسن باكياً هو الآخر،” إنها إرادة المهربين ياخالتي.. انا مثلك، أهلي في طرف من العالم، وأنا في الطرف الآخر..”

أخذت تسير ببطء في الشارع التجاري الوحيد في تلك المدينة، تنظر بتمعّن إلى المحلات التي تزهو ببضاعتها وأنوارها والموسيقا الهادئة التي تنبعث من هنا وهناك، الملابس رائعة وأسعارها مرتفعة.. تنظر إلى الوجوه البيضاء المتورّدة، وتتحسّس وجهها الذي أصبح يحاكي قطعة إسفنجية متيبّسة، دخلت محلاً صغيراً، تبدو أسعاره معقولةً لحدّ ما، وقفت عند الباب في انتظار أن تنتهي زبونة شقراء تتعلّق بثوبها طفلة مشعّة بألوان قوس قزح، التفتت الصغيرة إليها، ولدهشتها، بكت والتصقت بأمها، التفتت الشقراء والبائعة إليها، ذهلت سوسن، وأخذت توزّع نظراتها بين المرأتين والطفلة، وتتساءل، ما الذي حدث!..

خرجت مسرعةً، وعلى أول مسطبة صادفتها ارتمت، تلهث خجلاً وضياعاً، ودموع ساخنة تغسل وجهها.. تفحّصت فستانها الذي ترتديه منذ عام، وحذاءها الذي استحال لونه إلى تراب، تلمّست شعرها ووجهها، ما الذي أثار خوف الصغيرة وبكاءها؟ هل كانت تبدو متسوّلة أو غجريّة تختطف الأطفال بثيابها الرثّة وشعرها الأسود الطويل، وبشرتها الداكنة..

” أنت أجمل المعلّمات ست سوسن، وأكثرهن أناقةً ” ، قالت لها إحدى تلميذاتها يوماً وهي تقدّم لها وردةً حمراء، وتتشمّم عطرها الشانيل، ضحكت وربتت على خدّها وقبّلتها..

” لماذا تصرّين أن تأخذي الصف الأول، كيف تتحملين ضجيج هؤلاء الصغار وعبثهم؟ ” سألتها صديقتها يوماً

” أحبّهم، هم لا يزالون ملائكة أبرياء لم تعكّر الحياة نقاءهم بعد، هم يا صديقتي غرس جديد في دور النمو، يحتاج إلى رعاية خاصة، ثم، أنا أحبّ ثرثرتهم وضحكاتهم البريئة، وأحياناً كثيرة أشاركهم ألعابهم وأعود إلى طفولتي البريئة..”

حلّقت ذاكرتها تطوي مسافات لا حدود لها.. إلى تلك البناية القديمة في زقاق ضيّق يخترقه جدول من المياه الآسنة التي تقذف بها بيوت متداعية تتّكيء على بعضها، تضمّ عوائل كبيرة يسحقها الجوع والمرض، هي المدرسة التي يأتيها أطفال منتفخو البطون، وجوههم شاحبة، لكنهم يتقافزون ويكركرون كعصافير صغيرة.. أحبّتهم حبّها لأمومة حرمت منها، “‘نادوني ماما بدل ست سوسن، فأنتم أولادي الصغار..”

بعضهم كان يهديها ورد الدفلى الذابلة، تفرح بها وتقبّلهم شاكرة..

” لماذا بكت الشقراء الصغيرة؟ “، ما يزال السؤال يدوّي في رأسها، ” لست بهذا الضعف، لا أزال انا، الست سوسن، ولا تزال مسحة جمال في وجهي، وشعري فاحم طويل! ”

استجمعت نفسها وشتات أفكارها، وعادت إلى المحل، استقبلتها البائعة بابتسامة صغيرة مصطنعة، لم تعرها التفاتاً، طافت نظراتها متفحّصةً الفساتين، تحسست محفظتها من جديد، لن يكفي ما لديها لشراء أبسطها وأقلها سعراً، البلوزات، الأكسسوارات.. لا لن يكفي، تناولت شالاً احمر تزيّنه ورود بيضاء..

— هل هو هديّة..؟ سألتها البائعة

لم تفهم مغزى السؤال..

— لو كان هدّية، فسأغلّفه لك بغلاف هدايا جميل..

بدون تردد وبفرح غامر هتفت..

— نعم .. نعم هو هدّية لصديقتي سوسن.. اليوم عيد ميلادها..!

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .