الرئيسية نقطة نظام المصحات الخاصة بين العلاج والتجارة المربحة…نقطة نظام يكتبها محمد أعبوز

المصحات الخاصة بين العلاج والتجارة المربحة…نقطة نظام يكتبها محمد أعبوز

كتبه كتب في 8 مارس 2023 - 8:33 م

جريدة البديل السياسي – نقطة نظام يكتبها محمد أعبوز 

من المؤسف حقا أن يتحول الطب من مهنة نبيلة كادت أن تكون تطوعية تهدف إلى تقديم العلاجات والإسعافات الضرورية للمرضى وإحاطتهم بالرعاية والعناية اللازمة، إلى ما يشبه الحرفة أو التجارة التي تتخذ منهم سلعة مربحة يتم تقاذفها بين المستشفيات العمومية والعيادات والمصحات الخاصة، ومراكز التشخيص بالأشعة ومختبرات التحاليل… في صمت مريب وغياب لأدنى آليات المراقبة من طرف المسؤولين على القطاع الصحي ومختلف المهتمين و فعاليات المجتمع المدني.

 تُعَد المؤسسات الاستشفائية بالقطاع العمومي ملجأ للفئات الهشة التي أنهكها الطب البديل والتداوي بالأعشاب والوصفات الشعبية الزهيدة الثمن، لعدم قدرتها على تحمل تكاليف العلاج..

 ينحصر دور معظم هذه المؤسسات الإستشفائية في الإحالة على المستشفيات الجهوية أو الجامعية بدعوى عدم الاختصاص، أو التوجيه نحو القطاع الخاص، متحججة بعدم توفر الإمكانيات وغياب بعض التخصصات الطبية، أو ببرمجة آجالات بعيدة الأمد لا تتناسب وجميع الحالات المرضية وخصوصا الحرجة منها، إضافة إلى الخصاص المهول في الأطر الطبية والاكتظاظ وتقادم التجهيزات الطبية وتعطلها المستمر وسوء الخدمات وضعف البنية التحتية للمرافق الصحية، وبُعدها أو غيابها في العديد من المناطق التي لا تتوفر حتى على مستوصفات فرعية والتي غالبا ما تفتقر بدورها لأبسط أدوات الاشتغال والمواد الطبية الخاصة لتقديم الإسعافات الأولية.

 كل هذا وغيره من الإشارات السلبية التي تزيد من تأزم نفسية المريض ومرافقيه وتؤكد لهم بالملموس استحالة تلقي العلاج بهذه المؤسسات، التي يستغلها جل الأطباء لاستقطاب المرضى نحو المصحات الخاصة التي يشتغلون بها مستعرضين بذلك المواعيد المناسبة والمزايا الحسنة التي تمتاز بها.

 إزاء هذا الوضع، يضطر معظم المرضى وخصوصا الحالات المستعجلة، للدخول في متاهة الديون وإصدار شيكات بدون رصيد، أو بيع بعض الممتلكات… قصد توفير التكاليف الباهظة للعلاج بالقطاع الخاص.

 لعل تدهور خدمات المستشفيات العمومية يصب تلقائيا في مصلحة القطاع الخاص، الذي يستفيد بدوره من تشجيع الحكومة، قصد تخفيف العبئ على الميزانية المخصصة للصحة، بينما يثقل ذلك كاهل المواطن البسيط الذي يرتمي مكرها في مصحات قطاع نُزِعَت منه الرحمة والخدمات الانسانية وتحكيم الضمير المهني المسؤول.

  إن جشع القطاع الخاص حَوَّل الطب من مهمة انسانية نبيلة الى ما يشبه تضارب الأسهم داخل البورصة، فالهم الوحيد لهذا القطاع هو الربح والدخل اليومي، فأصبح معه المريض سلعة يتم البيع والشراء فيها خلال كل استشارة طبية وعملية جراحية، لاسيما وأن المريض لا يمكنه المساومة حول صحته، بل ومستعد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على حياته.

معظم المرضى تنقصهم الخبرة والمعرفة الطبية لفهم حالاتهم المرضية وما يتوجب فعله حقيقة تجاه مرضهم، والتكاليف الوهمية المضافة إلى فاتورة العلاج، أو العمليات الغير مرغوب فيها والتي يتم إخضاعهم لها، بينما يكون أحيانا الدواء ناجعا في علاجهم دون حاجتهم لإجراء أي عملية جراحية قد يسارع لها بعض الأطباء نتيجة لجشعهم وجريهم وراء المال. فبعض المصحات الخاصة لا يهمها الشفاء العاجل للمريض، بل العلاج الأكثر تكلفة، خصوصا إذا كان المريض يتوفر على التغطية الصحية أو التأمين الصحي، ناهيك عن عدد ليالي المبيت المبالغ فيها والتي تتم إضافتها بدعوى التحضير للعملية أو انتظار دور العلاج.

 إزاء هذا الوضع فقد أضحى من الضروري التفكير في إنشاء مؤسسة مستقلة على شاكلة النيابة العامة للحفاظ على حقوق المرضى.

 على غرار النيابة العامة في مجال العدل، والتي تطالب بتطبيق القانون والسهر على الحفاظ على الأمن العام، والإشراف على الضابطة القضائية وتسيير ومراقبة عملها بشكل دقيق ووِفْق ما يقتضيه القانون، فانه أصبح واجبا تجاه تزايد جشع القطاع الخاص وغياب آليات المراقبة، إيجاد نيابة عامة طبية تتكون من أطباء متخصصين تابعين لجهاز مستقل يُعْهَد إليه النظر في الإجراءات الطبية المتخذة من طرف المصحات، وألا تُباشر أي عملية دون أخذ موافقته، حيث يجب أن تخصص له  مقرات مستقلة ليكون الضامن والوسيط الأمين بين المريض والطبيب المعالج، وعدم ترك المجال للمصحة لابتزاز المرضى بدفع شيكات أو توقيع وثائق تخلي مسؤوليتها من المتابعة القضائية قبل إجراء أي عملية، وتجعلها في مَأْمَن من تعويضات الأخطاء الطبية، بينما تُقيد المريض بالالتزام بدفع جميع التكاليف قبل إجرائها أو حتى الاطلاع عليها.

 ما أن تلج قدماك إحدى المصحات الطبية الخاصة  حتى تستوعب وتدرك مدى ضعف الجنس البشري، وقِصَر دورة الحياة وتفاهتها وعدم دوامها، ومدى سرعة اعتلال الصحة وتحول القوة إلى ضعف ومرض قد تتحول معه كل رغبات الفرد ونزواته إلى مجرد محاولة البقاء على قيد الحياة.

 غير أن ذلك لا يحرك في القَيِّمين والعاملين بالقطاع الصحي قيد أنملة في الرأفة بالمرضى والإحساس بمعاناتهم و تحكيم الضمير المهني في عدم استغلال هذه الظروف لتحقيق أرباح وهمية وغير مشروعة.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .