بقلم ذ.محمادي راسي
تــــــــوطــــئة
بعض الفصول الأربعة خرجت عن عادتها وسنتها ، لقد حار الإنسان في التقلبات المناخية ،فسارع إلى عقد لقاءات دولية للنظر في التغيرات الجوية مع الخروج بتوصيات وأخذ احتياطات ،،ولكن الظواهر الطبيعية لا يمكن التغلب عليها ومقاومتها ، وفي هذه الأيام ثار وانفجر بركان cumbre vieja أي القمة القديمة بالجزر الكناري ، فأخرج الحمم والنيران والغازات ،وما زال يقذف كل ما في باطن الأرض ،وينفث منه ثاني أوكسيد الكبريت مع ظهور فوهات جديدة ، وحدوث انفجارات قوية ،وانسياب سبك الحديد المنصهر منذ 19شتمبر 2021 م، إلى أن صارت الجزر والجو حمما ، أما العلماء فقد حاروا وعجزوا عن إيقاف زحف الحمم التي تلتهم الأشجار والمنازل بل تغير حتى جغرافية الجزيرة ، خلق الإنسان ضعيفا ، رغم أنه أحيانا يطغى ويدعي القوة والعظمة والعلم ، قوله تعالى في سورة الزلزلة وهي السورة المعجزة لكل من يدعي العلمانية والمعرفة والجغرافية والأورغرافية والجيولوجية والجيوفيزية والجوكيميائية والبركانولوجية ، والبترولوجية والإدافولوجيا والسسمولوجيا وو…..”، إذا زلزلت الأرض زلزالها ،وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها ،يومئذ تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها ، يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره “صدق الله العظيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زارتنا اليوم “دانا ” مرة ثانية بعد بضع سنوات مضت ، ونحن في بني انصار بين الطبل والبندير والدربكّة والبض والبم والدندنة ، زيارتها لم تكن عادية ، فقد حلت في صباح يوم 22سبتمبرولما ينته فصل الصيف ،وهو اليوم الأخير الذي سينتهي فيه فصل الصيف هذه السنة ،لقد جادت بأمطار الخير التي كانت غزيرة إلى أن أحدثت خسائر فادحة ، وأغرقت الشوارع بالمياه التي وصلت إلى المنازل ،وجرفت السيول كل ما صادفته في الطريق ، فحملت الرمال والأتربة والأشجار إلى قلب بني انصار، ناهيك عما حملته إلى مياه البحر بواسطة الوديان ،لقد فضحت “دانا” هشاشة البنية التحتية في بعض الأحياء ؛أولاد زهرة ،بريو تشينو ، أولاد العربي ، حي عبد المؤمن ، حي الثانوية ، بني انصار المركز وغيرها من الأحياء …،وحتى طريق “بوقانا ” عاد إلى عادته القديمة ، أصبح مليئا بالحفر ، رغم أنه عرف إصلاحات من تهيئة وتعبيد في السنة المنصرمة وبداية هذه السنة ….. فكلما نزلت الأمطار مدرارا إلا وأحدثت السيول الفياحة فيضانات قوية ،تغير من ملامح ومعالم المدينة ، لأن البعض بنى بجوار الوديان التي لابد أن ترجع إلى مجاريها الطبيعية ، والبحر هو خزان لما يتهاطل من أمطار ، فلولاه لبقيت مياه الفيضانات أياما وشهورا مكونة بركا وبحيرات في ساحات وشوارع المدينة ، وخصوصا حينما تنسد البواليع بسبب اليعلول الغزير المستمر ،و”دانا “في إسبانيا كبدت خسائر فادحة في بعض الأرواح البشرية والمواشي والمزروعات والمغروسات والمنازل والشوارع والقناطر ،فالقرى والمدن جميعها لم تسلم من “دانا ” بصيغة المؤنث القوية ،رغم الإنذارات من خلال النشرات الجوية .
“دانا”جاءت بعد أسبوعين من الانتخابات ، والبعض ما زال بين أخذ ورد وشد وتردد وعد وإقدام وإحجام لتكوين المجالس ، تاركا المدن غارقة في الأوحال والأزبال ، ولا ندري هل سيصل دخان بركان “كومبري بييخا ” في الجزر الكناري إلى سواحلنا ومدننا الحامل لغاز ثاني أكسيد الكبريت المضر …؟؟؟ الله أعلم ، فليست الحكمة اليوم وبعده ومستقبلا التفكير في الزرد والولائم ، والجلوس على الكراسي الوثيرة المريحة ،والبذلة الأنيقة ، وربطة العنق الجميلة ، لإثارة انتباه الساكنة البريئة ، وفرض الشخصية والهيمنة على الأطقم الإدارية بعقلية فارغة بدون تجربة وحنكة وثقافة ومعرفة ، يعتمد “بضم الياء” في هذا على قولة شكسبير؛ “اللباس تصنع الشخصية ” ، طبعا هذا في ميدان التمثيل فوق الخشبة وغير الخشبة لجلب الأنظار ولكن ؛الإنسان باللسان والقلب والعقل والعمل ، والمثل اللاتيني يقول ؛ homo fugit opera manentأي ؛”الإنسان يفنى والأعمال تبقى ” ،وقال أبو العلاء المعري الشاعر المفكر ،شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء عكس ما قاله شكسبير، والمعري أسبق منه؛
إن كان في لبس الفتى شرف له //
فما السيف إلا غمده و الحمائل .
.إن الغرور سلاح الضعفاء والمتفجسين البعيدين عن الواقع ، يتخذون الهروب منهجا وملجأ ،لأنهم مناخيب لا يستطيعون مواجهة الواقع لغياب الثقافة والمعرفة والوعي والتجربة والحنكة ،ولا يعرفون لغة الحوار والتفاهم ،فالانتقام ضعف في الشخصية ، على مسير المدينة أن يحدث التوازن والانسجام في مدينته بين شرائح المجتمع والأطياف والأحزاب ، بعيدا عن الميز والفرز والتهميش والإقصاء ، وأيضا بعيدا عن الترصد والتربص والحسد والكراهية والانتقام …. فماذا تنتظر من رويبضة ؟، وما الفائدة من قرملة ؟ ،…يلزم التفكير في انتظارات المدينة والساكنة وخدمة المواطن ؛من أجل الكرامة والعيش الكريم والحق في الشغل والسكن والتطبيب وغيرها من الحقوق مع القيام بالواجبات ، ولا ننسى الجانب الثقافي والرياضي والفني والجمالي والصحي والاجتماعي والإداري .
إن مواجهة الفيضانات والظواهر الطبيعية والأوبئة لا تكون بالإيديولوجيات والتيارات والمذاهب الفكرية ، ولا تحتاج إلى سياسة ،هناك بون شاسع بين الواقع والسياسة ، فظاهرة التسول استفحلت في بني انصار ، الكبار من الرجال والنساء يتخذون التسول حرفة ،وأطفال في سن التمدرس يحلون بهذه المدينة يريدون الهجرة غير الشرعية ،وحينما يفشلون في الإبحار إلى البلاد الأجنبية وفي ذلك مغامرة ومخاطرة ، يشرعون في الاستجداء والاستعطاء من جراء الطلاق ، وتفككك الأسر في غياب تحمل المسؤولية ، فهذه الظاهرة ظاهرة مشينة تنم عن انحطاط مستوى المدينة ،بل تشكل معضلة عويصة ،تحتاج إلى حلول ناجعة ،كإعادة التربية على سبيل المثال ، أو تعلم الحرف في مدارس التكوين المهني .
إن شهر سبتمبر حافل بالأيام العالمية لها علاقة بالبيئة والفضاء والمجتمع ،على المسؤولين أن يستغلوا هذه الأيام في التحسيس والتوعية والدفع إلى احترام كل ما له علاقة بالمدينة والمحيط والفضاء والتعليم؛ بدءا من اليوم العالمي لمحو الأمية ،واليوم العالمي للمحافظة على طبقة الأزون ،واليوم العالمي للسياحة ،واليوم العالمي للنظافة إلى اليوم العالمي للترجمة .
وأختم هذا المقال بعنوان مقالة نشرت في البديل السياسي والفايسبوك ؛” ما زالوا على مزنهم و”دانا” تزورنا بين آونة وأخرى”، للتذكير فقط ، فالتكرار أحيانا مفيد فيه ترسيخ وحفظ وإقرار، وإن كان مملا لا يقبله أحد ،لأن الإيجاز فضيلة العرب ،والاختصار صفة محمودة شملت حتى الرياضيات .
تعليقات الزوار ( 0 )