جريدة البديل السياسي
بنعيسى بلمقدم شاعر امازيعي من قبيلة كبدانة جماعة اركمان اقليم ، تلقى تعليمه الأولي بالكتاب والمدرسة الابتدائية بنفس المنطقة، بدأ محاولة مواجهة شعراء وهو دون الرابع عشرة من عمره.
وأوضح الشاعر الامازيغي بنعيسى بلمقدم في حوار له مع جريدة البديل السياسي ، معاناة وواقع الشعر الامازيغي ، كما تطرق إلى مجموعة من
تداعيات إشكالية اللغة الأمازيغية المعيارية، منتقدا متبني هذه اللغة التي تقف حائلا لفهم عامة الأمازيغيين للشعر الذي يتضمنها، كما عارض أولائك الذين يقولون بأن الدين قتل اللغة الأمازيغية مشيرا إلى أن الدين الاسلامي بالعكس ساهم في إحياء اللغة الأمازيغية.
وفيما يلي النص الكامل للحوار :
أولا شكرا لهذا المنبر الإعلامي جريدة البديل السياسي على الاستضافة،
فالأزمة التي نعيشها اليوم هي أزمة جمهور وليست أزمة شعر، علينا اليوم قلب السؤال في اتجاه الجمهور لنسأله كيف ينظر إلى الشعر الأمازيغي ؟ وهل ما زال وفيا للكلمة الشعرية؟ فالشاعر بطبعه قد نجده بارعا وقد نجده ضعيفا شيئا ما، لكن الجمهور اليوم – هداه الله – أغلبه يمكن أن نقول إنه لا يهتم بالشعر الأمازيغي وأستحيي أن أقول إنه لا يستحق هذا الشعر ، ومن تم علينا ألا نبقي سؤالنا على الشاعر علينا أن ننتقل بهذا السؤال إلى الجمهور ونسائله عن مدى تقديره الشاعر الأمازيغي ؟ وظاهرة أزمة الذوق الفني لم تكن محصورة على فن دون آخر بل هي عالمية توجد في المغرب من طنجة الى الكويرة ودول عديدة .
البعض يقول بأن الشعر الأمازيغي بدأ يستعصى فهمه نتيجة كلمات جديدة اكتسحت لغته، ماذا بنعيسى بلمفدم ؟
الظاهر هو أن القائلين بهذا الرأي يقصدون اللغة المعيارية، فبخصوص هؤلاء الأشخاص الذين يتبنون هذه اللغة المعيارية فأنا عندي موقف من هؤلاء إذ لا يمكن أن نصلح قرونا عديدة في ظرف سنتين بلغة نسميها معيارية وأقول لهؤلاء ” من أين لكم هذا “؟ وأرى أن الإشكالية حوصرت في ثلة من الأساتذة انكبوا على تكوين جمعية لغرض ما …!!! وأكثر من هذا فهذه اللغة خالية من الصدق، لأنها ثمرة لأغراض كل واحد من هؤلاء بحكم موقعهم الثقافي ومكانتهم الاجتماعية، فبادروا إلى صنع مصطلحات غريبة أقحموها في اللغة الأصلية على سبيل المثال الذي قالوا بأنه هو الكتاب والقائمة كثيرة، أقول لهؤلاء من أين أتيتم بمثل هذه الكلمات التي لا يعرفها إلا أنتم؟
أهذه هي اللغة المعيارية؟ قد تكون كذلك لديكم فقط !!! فالمعجم اللغوي ينكب عليه مئات من اللغويين في ظرف مئات من السنين، ويأتي هذا الأستاذ أو ذاك لوحده في ظرف 5 أو سبع سنوات ليبدع معجما …
هذا ضرب من استبدال الذات، لماذا لم يصعد هؤلاء أعالي الجبال لجمع اللغة الأمازيغية كما فعلت العرب زمان جمع اللغة العربية بالتواتر والإسناد …؟
لكن هؤلاء بدل أن يقوموا بذلك استحلوا الركون وعاشروا الطبقة الراقية التي درست بالمدن الراقية ولا علاقة لها بالأمازيغية، وهؤلاء هم الذين ينتظر منا أن نأخذ عنهم الأمازيغية ..، أقول : إذا أردنا أن نصلح أنفسنا علينا مراجعة ما بذاتنا من الناحية اللغوية وألا يقول هؤلاء باللغة المعيارية، وألا ينسبوا الثوابث لأنفسهم …
وهذه المسألة طبعا فيها نقاش وجدال، فأنا لا أنادي بالقطيعة، ولست من الذين يرفضون الجديد، ولكن ما أنادي به هو أن نقوم بالاصلاح الحقيقي للغة الأمازيغية وترميمها وأرفض في الوقت نفسه أن تنظر الطبقة المثقفة الذين درسوا باللغة الفرنسية لشعراء الأمازيغيين من فوق البرج العالي وتصنفهم كأميين لا يتقنون القراءة وأن لغتهم ليست معيارية…من خول لهذه الطبقة حق هذا الحكم ؟ بالعكس اللغة الأمازيغية التي يتداولها الشعراء وإنظامنا هي التي حافظت على اللغة الأمازيغية إذ لولاها ما كنا لنجد اليوم هذا النزر القليل من لغتنا الأمازيغية لدى الرحل والطوارق وأمازيغي العالم والمستقاة من مصادر عديدة من قبيل الحلقة و” و الاذاعة الوطنية والمعاملات التجارية والدين الاسلامي، هناك من يقول بأن الدين قتل اللغة الأمازيغية، بالعكس الدين الاسلامي ساهم في إحياء الثرات المغربي واللغة الأمازيغية، لماذا؟ كان الفقهاء دونوا الحديث بالأمازيغية مما ساعد على انتشار الأمازيغية وهناك من ألف بالأمازيغية كسيدي محمد بن علي أوزال وسيدي حمو الطالب الذي كان شاعرا وفقيها ومنه فالدين الذي نعته البعض بأنه أثر سلبا على اللغة الأمازيغية، أقول لهؤلاء بالعكس فالفقهاء القدماء لا يعرفون إلا الأمازيغية وحفظوا القرآن الكريم ويتداولون أذكارا بالأمازيغية.
هناك من الشعراء الأمازيغ رغم أنهم أميون استطاعوا أن ينظموا قصائد رائعة عن الحج حتى كادت تكون من بين مراجع هذه مناسك الحج لدى بعض الأمازيغ …كيف تنظر إلى ذلك ؟
الأمي ليس بجاهل ومن تم فالعيب هو الجهل، الشاعر الحاج بلعيد رحمه الله لم يتحدث بشكل عام عن الحج وإنما شرع يفصل في كل منسك منسك ويبين حكمته، وفي حديثه عن رمضان قال : ” سموس ءيسكاسن كدان د وايور ” أي خمس سنوات تعادل فدية من أفطر عمدا في شهر رمضان بأكمله، ومن يقوم بالعملية الحسابية يجد أن عدد أيام الشهرين المتتابعين خلال شهر رمضان، وفصل رحمه الله في شرح فرائض الوضوء …
ونعود لنربط بما ذكرناه آنفا، فالحاج بلعيد استعمل لغة مفهومة لدى المغاربة رغم أنه عيب عليه أن اللغة العربية اكتسحت بعضا من أشعاره، لكن هذا لا يشكل عائقا في فهم لغته، لأن اللغة العربية أنذاك هي اللغة الوحيدة التي يسعى طلاب العلم إلى إتقانها، ولأن هؤلاء الشعراء القدامى عايشوا إداريين وحكاما، وطبيعي أن تكون أشعارهم تتخللها مفردات عربية وقد ذكرهم في أشعاره، وهناك من الشعراء القدامى من يتعمد إدخال اللغة العربية في أشعاره ليس لكونه أنه عاجز على النظم بالأمازيغية الصرفة وإنما لكون استعمال اللغة العربية يومذاك يعد ضربا من ” الموضة ” الجمالية في نظم الشعر، ومن تم نقول بأن هؤلاء الشعراء سايروا عصرهم وعبروا عن واقعهم المعيش.
وقد استطاع هؤلاء الشعراء أن يصنعوا جمهورا أصبحنا جزءا منه بحكم ازديادنا في الخمسينات بحيث كنا نتلهف لسماع برامج الإذاعة الوطنية التي كانت ثلة من الصحفيين رحمهم الله ينشطونها أمثال عبد الله النظيفي وأحمد أمزال وعبد الله فلاح وبالمهدي تغمدهم الله جميعا برحمته، وكنا نحرص على متابعة هذه البرامج الخالدة باللغة الأمازيغية. مدة ثلاث ساعات من الثامنة مساء إلى منتصف الليل، وما ميز هذه المرحلة هو الذوق الرفيع والصدق في العمل، أما اليوم فالذوق أضحى مقلوبا إن كنت صادقا ملتزما بدل أن يصفوك بالأصيل ينعتوك بالرجعية إن طورت أداءك لينسجم مع العصر نعتوك بالانسلاخ والارتماء في أحضان الذوق الغربي، ولا أدري كيف سنرضي هذا النوع من البشر …؟
قصدي لما نظمت القصيدة ومنها البيت الذي ذكرته لم يكن لأنتقد أحدا، لأنه ليس من حقي أن أكون ناقدا، وإنما دققت يومذاك ناقوس الخطر بعدما بدأت الميوعة تشيع في المجال الشعري، بيد أن المجموعات الشعرية الموجودة في الساحة أنذاك كلها أقطاب ومدارس الأغنية الأمازيغية العصرية التي حضيت بتكريم من طرف المعهد الثقافي الامازيغي بالرباط
حيث اني اتوف على خمسة دواوين شعرية أمازيغية على التي لم تقبل لدى الناس إلا بشق الأنفس، ومجموعة ” وكانت المنافسة شريفة بحيث ما أن تظهر مجموعة شعرية لا يقبلها الجمهور إلا بعد أن تمتحن وتبين براعتها من خلال أدائها الجيد، وجاءت بعد ذلك فرقنقدية أخرى تتأرجح بين قبولها ورفضها من قبل الجمهور ولذلك دققنا الناقوس إعلانا للخطورة.
يعني بصريح العبارة قلنا لهذه الفرق راجعوا أنفسكم فإنكم دون المستوى المطلوب، مع حسن الحظ أن الجمهور آنذاك ما زال له ذوقا فنيا رفيعا لم يصل بعد من رداءة الذوق إلى ما وصل إليه اليوم، ومن تم نخلص إلى ما ذكرنا آنفا إلى عدم مساءلة الشاعر الأمازيغي بل يجب مساءلة الجمهور من أين له هذا الذوق، ونحمل الإعلام حصة الأسد من المسؤولية في إفساد الذوق العام لدى الأمازيغي ولدى المغربي ككل، وألا ننسى أن الاعلام هو بمثابة تربية يومية ومتنفس، ونتمنى من إعلامنا أن يتصالح مع جمهوره ومع التاريخ، كيف ذلك ؟
أن يعيد النظر في برمجاته ووصلاته، حتى الاشهار تخضعه بلدان العالم للمعيار وما بالك بالشعر والأغنية والأفلام …
وفي خضم هذا الزخم فالفنان الملتزم يعلن تدمره ويصيح بأعلى صوته اللهم أن هذا لمنكر …أنظر كيف يعامل هذا الشاعر المخلص لوطنه ولهويته
لكن ما أتأسف إليه كثيرا هو أن يستدعى الشعراء من الخارج إلى بعض المدن زايو والناظور …. وو.
ونفهم من ذلك أن المستضيفين يبعثون لنا رسائل من خلال هذا السلوك مفادها أن هؤلاء الشعراء الآتون من بلدان الخارج أحسن منا مع أن الواقع ليس كذلك، بمعنى آخر أننا نخضع في هذه الحالة إلى تصنيف قد يصل إلى الدرجة الثالثة وقد يستغنى عنا..
الشاعر الامازيغي في هذا الوضع بين المطرقة والسندان ، هل الشاعر اليوم محصن بهيئة نقابية تدافع عن مطالبه ؟
طامتنا الكبرى نحن الشعراء الأمازيغ فوجودها عدم، لكون هذه المجموعة أورثناها الصفة فلفت علينا كسد منيع ضد مصالحنا فاستفردت بالامتيازات …
فالشعراء الأمازيغيون اليوم لم يستمر منهم إلا…….. أي الصبورون، ومن تم فالذي يعيد الدماء في وجوهنا هم أمثالكم( جزاكم الله خيرا ) من الصحفيين الصادقين الذين يحملون معنا هذا العبء و يتذكروننا ولا يخشون في الله لومة لائم …
فنحن نفرح بصحفي إذا قابلنا وسمع لنا وأن يبكينا ويساعدنا لكي نبكي خير من أن تظل الدموع معلقة بأعيننا، أن يسأل عنك إعلامي كأن تعيد المريض وتسأل عن وضعه الصحي، فتحية لبعض المنابر الصحفية التي تنمي الجانب الايجابي في الشعر بصفة عامة وتشجعه على الانتاج الملتزم .
أشكر كثيرا منبر جريدة البديل السياسي على هذه الاستضافة الشيقة وعلى ما تفضلتم به من أسئلة في صميم الواقع ودمتم في خدمة الصالح العام وتبليغ الرسالة النبيلة.
تعليقات الزوار ( 0 )