تحقيق سميرة قريشي – جرسدة البديل السياسي
ظهرت في الآونة الأخيرة أنشطة تجارية رأسمالها لا يتعدى 200 إلى 300 درهم، لكنها توفر هوامش ربح مهمة، وتكذب أطروحة “الكابتال” لممارسة التجارة، لأن المتعاطين لها، وليس من باب الصدفة، مواطنون يتحدرون من قاع المجتمع، قادتهم ظروفهم الاجتماعية لامتهان أنشطة تجارية بسيطة، تأكد فيما بعد أنها مذرة للدخل، وأن فرضية إنتاج “الشيء من اللاشيء” ممكنة جدا.
جريدة البديل السياسي تنقل أسرار تجارة بيع “الببوش” المعطر بالأعشاب الطبيعية، باعتبارها نشاطا تمتهنه شريحة كبيرة من المواطنين، ويذر عليهم أرباحا تغطي احتياجات أسرهم، بل يضمنون به ادخارا لا توفره رواتب العاملين في كثير من القطاعات والوظائف العمومية.
مهنة بيع “الببوش”.. قصة البداية
يحكي “بخالد ”، بائع “الببوش” في الطريق الساحلي ما بين جماعتي بوعرك واركمان اقليم الناظور ببوعرك منطقة فضاء ( بنجدي )، عن البدايات الأولى لظهور هذا النوع من النشاط التجاري، ويعود لسنوات التسعينيات، حيث كان “الببوش” يعرض في الأسواق الأسبوعية، وفي عدد محدود من المدن المغربية، قبل أن يصير وجبة مفضلة لدى كثير من المغاربة، ونشاط يمتهنه عدد كبير من تجار الشوارع والفضاءات العمومية بالمدن .
ويضيف “خ ”، في تصريح لجريدة البديل السياسي ، أن التحول الذي حصل في تجارة “الببوش”، واتساع قاعدة المتعاطين لها، ناتج بالأساس عن الأرباح التي توفرها من جهة، وكونها لا تتطلب رأسمالا أوليا من جهة ثانية، بالإضافة إلى وفرة “السلعة” على امتداد شهور السنة.
من جهته، قال “شكيب ”، محامي بالناظور الزائر باستمرار عند صاحب الببوش ، إن المنطقة معروفة تاريخيا بعربات بيع “الببوش” المعطر بالأعشاب، وهذا النوع من التعاطي التجاري ساهم في استمراريته جودة المنتوج المحلي، ذلك أن “ببوش” المنطقة يعد الأجود وطنيا، بالنظر إلى الأعشاب الطبيعية التي تدخل في تركيبته، وفوائدها الصحية، يؤكد المتحدث “لجريدة البديل السياسي ”، لا تعد ولا تحصى.
الوجهات المفضلة لتجار “الببوش”..
يؤكد “ خالد ” أن إقليم بركان يعد المنتج الأول لـ”الببوشة”، وجودة منتوجه تصنفه رقم واحد وطنيا، ذلك أنه معروف بـ”الببوشة” البيضاء، التي تنعدم في باقي المناطق، والإقبال عليها يكون كبيرا لاعتبارات متعددة أهمها نظافة أجزائها الداخلية، وهو ما لا يضمنه النوع الأسود أو البني، الذي تشتهر به مناطق أخرى.
تجار “الببوش” في المنطقة ، يضيف المتحدث، يبحثون عن “السلعة” في ضواحي الإقليم، وخاصة بمنطقة “بوعرك او بركان” ، وجزء كبير منها يأتي من دواوير جماعة “اركمان والبركانيين ”، التي تعد مصدرا رئيسيا لأسواق بالمنطقة والمدن المجاورة.
من هي الفئة التي تشتغل في عملية جمع “الببوش”؟ سؤال طرحه جريدة البديل السياسي على بائع حلزون بساحة بالسوق الاسبوعي لأركمان وسلوان والعروي وازغنغان وووو….، وكان الجواب هو أن الأسر القروية في ضواحي الإقليم ، تعمل خلال فصل الشتاء على جمع الحلزون، وتبيعه ل”الجمالة”، هؤلاء يعيدون بيعه بأثمان مضاعفة، لكن العملية تتعقد، يضيف المتحدث، خلال موسم الصيف، حيث يصبح الطلب على “السلعة” متزايدا، في حين تقل فرص العثور عليها، لأسباب ترتبط بالجفاف والحرارة، وظهور طائر يقتات على الحلزون، إذ يعد منافسا حقيقيا للأسر التي تمتهن عملية جمع “الببوش”.
هامش الربح.. الإنفاق والادخار
ما هي الأرباح التي يجنيها تجار “الببوش”؟ سؤال يبدو فضوليا في وهلته الأولى، لكنه في العمق يحمل كل معاني المشروعية، على اعتبار أنه يميط اللثام عن تجارة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تذر دخلا ماديا يتجاوز 500 درهم لليوم، وهو ما يعجز عن توفيره موظف في قطاع حكومي، بل تاجر يشتغل برأسمال كبير.
بتراوح هامش الربح اليومي، حسب “ خالد ”، ما بين 500 و700درهم، وقد يتجاوز هذا السقف في فصلي الشتاء والصيف، حيث يكثر الطلب علي “الببوش”، ليصل هامش الربح إلى 800 و1000 درهم.
ويضيف المتحدث ” أخبرني أحدهم أنه باع “زلافة” ببوش ب25 درهما، وهامش ربحه لا يقل عن 500 درهم يوميا”، الشيء الذي يجعله” كيغطي مصاريف وليداتو ويشيط الخير”.
هامش الربح، الذي يعتبره الكثيرون لغز “الحرفة”، يفككه “ خالد ”، موضحا أن الربح له علاقة بوفرة العرض والطلب، ذلك أن كيلوغراما من الحلزون البلدي لم يكن يكلف سوى 6 دراهم، في حين صار اليوم يكلف 20 درهما، ما يعني أن الربح الصافي يتضاعف كلما حل فصل الشتاء، وانخفض سعر الحلزون بسبب وفرته.
“عشاق “الببوش” المعطر بالأعشاب الطبيعية، يقبلون على منطقة “بنجدي “كلما حل المساء”، هكذا تحدث تاجر في من مدينة الناظور ، موضحا أن متعة أكل الحلزون وشرب السائل المطهي فيه، لا تحصل إلا بعد غروب الشمس، حيث يشرع الزبناء في طلب “زلافة” تكلف 10 دراهم.
تعليقات الزوار ( 0 )