الرئيسية قضايا المجتمع عاهات مستديمة واستغلال وهتك للأعراض .. حكايات صادمة من الواقع

عاهات مستديمة واستغلال وهتك للأعراض .. حكايات صادمة من الواقع

كتبه كتب في 5 مارس 2023 - 8:55 م

جريدة البديل السياسي – متابعة

نعتبر داخل الحكومة أنه إذا كانت لدينا حالة واحدة للعنف ضد النساء فهناك مساس بحقوق المرأة”، كان هذا تصريح وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، خلال حضوره بجنيف برسم الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل يوم 8 نونبر الماضي. لكن واقع الحال وما وقفت عليه هسبريس من خلال هذا الاستطلاع أن حالات العنف الأسري متعددة ومتكررة، بين عنف اقتصادي، وجسدي ونفسي وجنسي.

الأرقام كاشفة الحقائق أكدت وجود ما مجموعه 64251 شكاية للعنف ضد النساء، وفي ظل ارتفاع المطالب الحقوقية من أجل القضاء على “زواج القاصر” باعتباره من أكثر العوامل المؤدية إلى الطلاق، والتي تساهم في أن تعيش النساء وضعية غير عادلة داخل بيت الزوجية، سجلت سنة 2021 حوالي 28714 طلبا للحصول على الإذن بزواج القاصر، تم رفض 8480 طلبا منها، والاستجابة لما مجموعه 18399 إذنا بزواج القاصر، بحسب آخر المعطيات الرسمية.

من جهة أخرى أكد تقرير أعده اتحاد العمل النسائي بمناسبة الحملة العالمية الخاصة بالعنف ضد النساء التي اختتمت في 10 من دجنبر الجاري، أن 60 بالمئة من النساء والفتيات ضحايا العنف النفسي صرحن بإصابتهن بمشاكل نفسية عند تعرضهن للعنف الجسدي.

ضحايا العنف الأسري فتحوا لهسبريس نافذة بيت الزوجية وأطلعونا على جزء من أسراره، أسرار العنف وتشريد الأطفال ودفعهم نحو الإدمان، وإسقاطهم في عتمة العزلة والاكتئاب.

الفقر والتهميش إحدى العوامل الأساسية التي تفرز ظواهر العنف، وهو ما وقفنا عليه من خلال قصص روتها أفواه أمهات جار عليهن الزمان، وكن مجبرات على تقديم أجسادهن وأجورهن الهزيلة قربانا لأرباب أسر انعدمت فيهم “القوامة” رعاية ونفقة.

قصص تشابهت من حيث الموضوع، واختلفت من حيث الإخراج وتفاصيل عقد الحكاية، رصدتها هسبريس مع عائشة التي أمضت 30 سنة زواجا، لم يمنعها عنف استهزأ دائما من أنوثتها وعواطفها من الاعتراف بمحاسن زوج مثقف وفي وضع اجتماعي ميسور كاد يكون أبا صالحا لولا الإدمان، وعايدة التي قادها القدر إلى رفيق حياة مدمن ومفلس ماديا ومعنويا، فما كان أمامها سوى رعاية ثلاثة أطفال ومواجهة التحدي داخل محل لصنع الحلويات بيدها المجعدة، وكوثر، الخادمة التي تزوجت ابن الأسرة صاحبة المنزل الذي كانت تشتغل فيه، فلا هي بقيت خادمة ولا هي صارت زوجة مكتملة الحقوق، وأخريات يواجهن وأطفالهن إلى غاية كتابة هذه الأسطر مصيرا مجهولا في انتظار حكم قضائي ينصفهن.

أما زينب، شابة ثلاثينية فقصتها مختلفة عن قصص باقي الزوجات، لأنها تعرضت لعنف من نوع آخر سلمها إلى ورم سرطاني فقدت بسببه جزءا من كرامتها وانهارت بعدها صحتها النفسية والجسدية.

قصتها مزيج بين جهل بالقانون وثقة في التقاليد أكثر من العقد الموثق الذي يكتسي لوحده شرعية أمام القانون، فقد وثقت إلى درجة العمى في خطبة وفي طقوس “قراءة الفاتحة”، وبعد انغماسها في مسلسل إعداد أثاث بيت العروس، سلمت نفسها لخطيب، طرق باب منزلها وطلب يدها من والديها لكنه جعل منها “متهمة إلى الأبد لا يمكنها شرح لكل من يتقدم لطلب يدها بعده أنها لم تكن في إطار علاقة فساد وإنما كانت تعتقد نفسها بين يد صادق أمين استطاع الباءة فقصدها للزواج”.

كاد الفقر أن يكون كفرا

في الشارع وأمام المارة تحكي عائشة أن زوجها لحق بها من أجل أن يطلب منها البطاقة، وحين رفضت أن تسلمه إياها، عرضها للضرب وأسقط نظاراتها أرضا، “هرسلي النظارات وأنا عندي la myopie، وضربني”، هذا المشهد أثر في عائشة بشكل كبير لكونها تعرضت له في الشارع وأمام الناس، “مازال ملي كنكونو فدار نقدر نصبر”، كأنها تقول أنا راضية بعنف بأقل الخسائر.

عائشة التي تزوجت في سن 16 وعاشت 30 سنة داخل أسرة، رعت أطفالها بصبر وتغاضت كثيرا عن مسلسل إهمال زوجها وتعنيفه، روت مشاهده بخجل كبير، دفعنا لتخصيص قرابة ساعة ونصف من أجلها واستخراج بضع دقائق تمكنت خلالها من لملمة الكلمات والإفصاح عنها بين شفتين مرتعشتين، مترددتين.

 

 

أما سارة، 45 سنة، سيدة بسيطة، لا تملك شهادة جامعية، تعرفت على زوجها في بداية الحكاية كشقيق لصديقتها، واتفقا على الزواج، لكنها لم تكن تعرف أنه سيأتي عليها يوم ترى فيه من خلق لتسكن إليه يحمل سكينا ويغرزه في خدها الأيسر مخلفا عاهة مستديمة ظلت خطا يمتد من أسفل الأذن إلى أول نقطة في رقبتها، يذكرها بالواقعة مدى الحياة.

“سديت عيني على ولدي فدراعي كيتكب عليه الدم وفقت لقيت وجهي فيه 17 غرزة”، تقول سارة التي خرجت من منزلها بطفل لا يتجاوز عمره شهرين، وبمبلغ مالي زهيد “زرورة” قدم لها من طرف الأهل والأصدقاء بمناسبة ولادة طفلها، وهي تهم لركوب سيارة الأجرة اعترض زوجها طريقها وأوقف السائق الذي كان سيقلها للمستشفى من أجل تلقيح طفلها، واستعمل سلاحا أبيض لنأي سائق الطاكسي عن أي محاولة للدفاع عن السيدة وطفلها، وشرع في تهديدها بغرز السكين بداخلها في حال لم تقدم له المبالغ، وبعدما قاومته لم يتردد في حفر خذها بالسكين.

جميلة، تزوجت دون أن يطلعها زوجها على حقيقة وضعه المادي، فقد أخبر أهلها حينما طلب يدها للزواج أنه تاجر ويستطيع بناء أسرة، تحملت في بداية الحياة الزوجية مصاريف كراء المنزل، وأغلب الوقت كانت تواصل أداء مصاريف الكراء “كنت أيضا أمنحه بعض المبالغ من حين لآخر، حتى عقد كراء المنزل كان دوره في إبرامه مجرد اسم على ورق”.

لم تكن جميلة أم أيمن البالغ من العمر 5 سنوات، ترغب في إخبار أهلها بما تواجهه من مشاكل مادية واقتصادية، “باش ما نسمعش أنت لي بغيتيه سكتت عن حقيقة الوضع لمدة سنتين قبل إخبارهم”. ولأنه لم يكن راضيا بمستواه المادي كان في كل مرة يسمعها عبارة “الناس كيتزوجو كيوليو لاباس عليهم”، كأن الزوج الذي تكالب عليه ضغط العطالة والفقر شكلت مؤسسة الزواج بالنسبة له فضاء للاستثمار والاستغلال المادي.

 

 

بعدما توقفت جميلة التي كانت تعمل في شركة خاصة مقابل 2500 درهم عن العمل لفترة، اشتدت سلسلة المشاكل خاصة بعد أن اكتشفت أمر حملها، الحمل في ظل ظروف كهذه يبدو ضربا من الجنون، لكن جميلة أكدت أن الزوج المفلس كان يضغط بشكل دائم من أجل إنجاب طفل تشبها بالجيران والعائلة وابن العم الذي أنجب الأطفال.

الإدمان هادم الأسر

في هذه الحكاية رصدنا بالصوت والصورة “أزمة المخدرات” التي حولت حياة “عايدة” و”عائشة” و”فاطمة” وأطفالهن إلى أسر تعيش مع أزواج بشخصيتين.

“تزوجنا عن حب” نطقتها فاطمة بابتسامة، وهي التي أمضت سنوات من “الحب والعنف” بحسب تعبيرها، فقد اعترفت السيدة أن زوجها شخص حسن الطباع كانت تعيش حياتها معه كزوجة في وضح النهار بشكل هادئ، مادام خارج منطقة “السكر” لكن ما أن يلجها ليلا حتى يصير شخصا آخر، تكون مجبرة على تقبله كما هو، والصبر على “عيبه الوحيد” كما تقول.

تفاجأت فاطمة، وهي سيدة متقاعدة، لم يكن أجرها يتجاوز الحد الأدنى، بعد العرس بمدة قصيرة، أن زوجها مدمن خمر، الواقعة كانت صادمة خاصة أنها تنتمي لعائلة محافظة، وهي تصف صدمتها قالت “دخلي سكران لواحد الدرجة عمري شفتها فحياتي” حملت الغطاء ووضعت جزءا منه داخل فمها وأطلقت صرخة اكتشاف الواقع المر. السر الجديد “سرق جزءا من سعادة روحها” خاصة أنها كانت تعمل بشركة صارمة النظام، ورافقتها مشاكلها الأسرية إلى مقر عملها.

أنجبت فاطمة المتزوجة منذ أزيد من 20 سنة طفلة على أمل أن يعيد الأب ترتيب أوراقه والالتفاف بأسرته، إلا أن “الإدمان” ظل أولى أولوياته. ومع توالي المشاكل بسبب الخمر، صارت فاطمة ترى في نفسها الضحية والمعنف في الوقت نفسه، فهي لم تعد تفهم ما يجري في واقعها “ملي كيدخل فديك الحالة أنا لي كنعنفو بالصراخ والسب لأنني ما كنتش كنتظر هاد الحياة!”، تشرح فاطمة وهي تضرب بيمناها على صدرها، وتشتت أصابع يسراها في الهواء توترا.

أحلام عائشة توقفت كذلك بسبب تعاطي زوجها “المثقف” للخمر، فقد استمرت في متابعة دراستها بعد الزواج وساعدها طيلة مسارها الدراسي من أجل نيل شهادتها الجامعية، لكن إدمان زوجها على الخمر وضع حدا لقصة “أسرة آمنة مستقرة”.

 

 

على الرغم من كونه يحظى بوظيفة محترمة إلا أن الإدمان أثر بشكل سلبي على مستوى معيشة الأسرة، ومنذ ذلك الحين بدأت تتوالى سلسلة من المشاكل.

عنف قانوني

مريم عوادة، عضوة اتحاد العمل النسائي، تعمل على التتبع القانوني للنساء ضحايا العنف، بمختلف أنواعه، قالت إن أغلب الحالات المتوافدة على الجمعية عبارة عن نساء معنفات داخل إطار الزوجية، مشيرة إلى أن المشكل الأساسي الذي يواجهنه متعلق بالقوانين ذات الصلة بمدونة الأسرة، التي تطالب الحركة الحقوقية بالمغرب بمراجعتها بشكل جذري.

وفي هذا السياق ذكرت المتحدثة أن عددا كبيرا من النساء يواجهن مشاكل متعلقة بالنفقة تسهر الجمعية على متابعة ملفاتهن على مستوى المحاكم، مسجلة بأسف كون الأحكام الصادرة في هذا النوع من القضايا لا ترقى لمستوى الوضعية التي تعاني منها المرأة، والتعويضات تكون هزيلة سواء تعلق الأمر بالنفقة أو تعويضات السكن، في ظل ظروف معيشية صعبة، بالإضافة إلى الصعوبة التي تواجهها في ولوج سوق الشغل، “كأن الزوج يدخل في علاقة زوجية ويبني المؤسسة، وفي اللحظة التي يرغب في الخروج منها، يخرج خالي الوفاض، وتبقى الأعباء الاجتماعية والأطفال على عاتق المرأة”.

من الإشكالات الأخرى تقول مريم، إن هناك حالات لنساء معنفات يغادرن بيت الزوجية ويتابعن المعنف قضائيا من أجل المطالبة بالنفقة، وفي الوقت الذي تنتظر فيه الزوجة أن يصدر الحكم تصدم بأن الزوج يطلبها لبيت الزوجية، وحينما ترفض بحكم أن لديها ملف عنف ونفقة لم يصدر بشأنهما حكم قضائي بعد، تسقط في حالة نشوز وبالتالي يسقط عنها حق المطالبة بالنفقة، “كيف يعقل أنها معنفة وتفرض عليها الرجوع لبيت الزوجية”، مشيرة إلى أن آليات الحماية ووسائل الإثبات التي يتضمنها القانون 113.13، لا تحمي هذا النوع من الحالات.

اللجوء للطلاق لم يعد مسارا معقدا بالمغرب، تقول المتحدثة إلا أن الإشكال الأكبر يجسده غياب مجانية التقاضي، بالإضافة إلى أن من تتقدم بدعوى في إطار مسطرة الطلاق للضرر تواجه تعقيدات عديدة وهدرا زمنيا، وبالتالي تلجأ إلى مسطرة الطلاق للشقاق فتسقط عنها جميع مستحقاتها “العدة، المتعة..”، باستثناء أجرة الحضانة في حال كان لديها أطفال، وهي لا تتجاوز 300 درهم.

وقفت الهيئة ذاتها على ملفات تحايل، خاصة حينما يشتغل الزوج في القطاع الحر، وفي ظل غياب آليات لإثبات قدرته على النفقة، يمكنه أن ينسل من القانون كالشعرة من العجين بإحضار شهادة إثبات عدم العمل، ولكي تواجه المرأة هذا التهرب، ينبغي أن تدفع مبالغ مالية للمفوض القضائي بأداء ما يقارب 1500 أو 2000 درهم.

كرة العنف تحولت “سرطانا” و”شللا”

الأمر جلل وليس مجرد أزمات تمر وتنسى، والعنف متعدد الأبعاد ولا ينحصر في يد تصفع زوجة أو طفلا، لكنه قد يمتد إلى “غدر” يصفع روح امرأة ويرديها أرضا، ويفقدها الرغبة في الحياة، خاصة في ظل جهل فئة واسعة من المغاربة وخاصة النساء بالقانون الذي يحدد واجباتهن وحقوقهن، ويضمن لهن عدم الوقوع في فخ “تسليم النفس والشرف” لمجرد وعد بزواج لم يكتمل كما حصل لـ “زينب”، حسناء الوجه سيئة الحظ.

تشكلت كرة العنف سرطانا داخل ثدي زينب، بعد أن اكتشفت أن خطيبها الذي “قرأ الفاتحة” في بيت أسرتها ووعد بحفظ “الميثاق الغليظ” وإتمام الزواج بعد ترتيب أموره المادية والعائلية، كان مجرد “وهم” سعى لاستغلالها لحظيا والتخلص منها.

 

 

بدأت العروس تجهز نفسها واقتنت كل مستلزمات العرس من ملابس تقليدية وبعض الأثاث الخاص بمطبخ بيت الزوجية الذي لم يكتمل بناؤه، رغم أنهما اختاراه معا؛ “بعد أخذ إذن والدي اصطحبني إلى المنزل الذي أتممنا إجراءات رهنه، وطلب مني تأثيثه بما شئت من أغراض”، تقول زينب، ابنة أب فقير وأم مريضة لا تدري عن قصة ابنتها إلا أخبارا عامة حول عدم اكتمال الزواج دون إقحامها في التفاصيل الموجعة.

بعد مرور عدة أشهر اتصل “الخطيب” بزينب ليخبرها أن حفل إبرام عقد الزواج سيتأخر، في انتظار بعض الوثائق التي ينبغي أن يجهزها بسبب طبيعة وظيفته “الحساسة” التي تصل إلى درجة البحث في حياته الخاصة وهوية من سيتزوجها، كما تعذر بالتزامات مهنية ستأخذه إلى دولة الإمارات، وقبل السفر المزعوم إلى البلد الخليجي، كان يطلب منها لقاءه، إلى أن طلب منها مرة زيارة بيتهما الذي وضعت زينب بعض أثاثه من أموال اقترضتها لمساعدة الزوج المزعوم، وبعد إصرار ومحاولات لإقناعها بأن تواجدها معه داخل المنزل ليس خطأ، مرددا في كل مرة “أنت مراتي دابا”، استسلمت السيدة للفكرة، ووثقت بعد أن دخل بيتها وطلب يدها من والدها وسلك مسار جميع الأزواج بعد خطبة وفق التقاليد المغربية، بأنها لن تندم إن هي سلمته نفسها بعد أن منحته قلبها ونيتها في أن تكون زوجته وأما لأبنائه.

مرت ستة أشهر أدركت بعدها زينب أنها تعرضت لأفظع عملية نصب يمكن أن تتعرض لها أي امرأة، فالرجل اختفى وهي تعتقد أنه خارج البلد في مهمة مهنية. لكن ساقها القدر في أحد الأيام نحو الحقيقة المفجعة، وهي متجهة نحو البقال لمحت سيارته مركونة بالقرب منه، وبعدما استفسرت شخصا حول هوية صاحب السيارة، وجه أصبعه مشيرا إلى “الخطيب”، ثوان من العجز عن التعليق على الوضع، تلاها انفجار زينب في وجه خطيبها الذي حاول تبرير وضعيته والتهرب من المأزق.

عاشت زينب لأيام منطوية بغرفتها على وقع الصدمة، فاقدة للشهية وغير قادرة على لملمة نفسها، لكن الأزمة لم تقف عند هذه الحدود، فقد حملها القدر مرة أخرى لاكتشاف جزء آخر من الحقيقة سيرديها هذه المرة جسدا بلا روح، وبينما تتجول هي وشقيقتها بأحد الأزقة لتجدا حلا لمصابها، معتقدة أن الخطيب قد يصلح ما أفسده مع مرور الوقت، تصادفه هذه المرة رفقة أسرته “حتى كنلقاه كيتمشى مع مراتو وولادو بثلاثة “.

 

 

مذ عاشت هذه اللحظة لم تستطع الشابة ذات المستوى التعليمي الضعيف أن ترمم حياتها، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر مازالت تؤدي ثمن “ثقة عمياء” في زواج لم تكتمل أركانه.

“أكثر حاجة ما قدرتش نستوعبها هو أنه كان كيصورني ملي كنت معه”، فبعدما أعلنت شقيقة زينب أنها سترفع دعوى قضائية ضده، بات يهددها بورقة “شرف خطيبته” تحسبا لهذا اليوم، فاتصل بها ليبعث لها صورا سجلها بغرفة النوم حينما كان يعاشرها كما الأزواج، فكانت النقطة التي أفاضت الكأس، وجعلت منها “شابة عجوز”، إلى أن انهارت وحملتها أسرتها إلى الطبيب فاكتشفت أن ورما خبيثا احتل ثديها، تطلب منها إجراء عمليتين جراحيتين صارت بعدهما أنثى بدون ثدي، فالطبيب أخبرها أنه لا بد من استئصال الثدي وغرس آلة تحت ذراعها، “وليت بحال شي وحدة بلا قيمة، قالي الصور أنشرهم فالحومة وفالخدمة ديالك”، تقول “المغدورة” وهي تقلب ملابسها لتخبرنا أن داخلها أضحى فارغا من كل شيء ما عدا أسلاك الآلة المزروعة قرب ثديها.

وفي الطرف المقابل أيضا ضحية أخرى، وهي زوجته وأبناؤه الذين صدموا كذلك بانفجار زينب أمامه وفضحها لما قام به من خيانة في حق امرأتين، ولأطفال في عمر الزهور.

الحكاية التي روتها زينب ليست الوحيدة التي انتهت بمرض استقر بجسدها، لكن فاطمة، أم مريم، أيضا كان لقدميها نصيب من الداء الذي لم يصل حد تشكيل “ورم خبيث”؛ لكنها كانت تعاني لأيام من صعوبة في المشي فزارت الطبيب بعدما تفاقم وضعها وصارت غير قادرة على السير بشكل طبيعي، فأخبرها بعد التشخيص أن قدمها تأثرت جراء ضغط نفسي تعرضت له، وأكد أنها لا تعاني من أي عرض مادي ملموس.

لم تتعاف أم مريم بشكل كلي لكنها تتابع حصصا علاجية مع طبيب نفسي، مكنتها نسبيا من التصالح مع نفسها ووضع مسافة بينها وبين المشكل الذي تعاني منه، بما أنها لا تملك خيار الانسحاب من هذه الوضعية، وتخلت على الأقل عن “عكازات طبية” كانت لا تسير إلا بعد الاتكاء عليها.

عنف جسدي ونفسي

في أسابيع حملها الأولى، تفاجأت جميلة بمشهد العنف الجسدي الأول في حياتها الزوجية، وهي تروي قصتها وقفت على المشهد قائلة “الزوج غاضب كسر قفل الباب وبدأ يصرخ” استفاقت من نوم عميق بسبب أعراض الحمل، لتجد نفسها أمام لوحة من التوتر وصلت حد مد اليد ودفعها باستخدام دلو بأسلوب لا يمكن أن يتعامل به مع امرأة حامل، أما سبب العنف “قالي ما كتسمعيش صوت الباب كيتطرق، والجيران كلهم سمعوه”!.

بعد هذا المشهد أضحى افتعال المشاكل والصراعات روتينا، تواصل جميلة في حديثها، وهو الأمر الذي دفعها إلى اللجوء لبيت أهلها من أجل إتمام فترة حملها، بعد ذلك رفعت دعوى طلاق لكن خلال آخر شهرين من حملها أصر عليها الزوج من أجل التراجع ووعدها بحياة جديدة رفقة مولودهما، لكنه عبر عن طلبه هذا بقليل من التودد وكثير من التهديد “كان كيقولي إلى ما رجعتيش ما نسجلش الولد فالحالة المدنية”. بعد تفكير لم يدم طويلا وافقت حياة على منح زواجها فرصة أخيرة تجنبا لأي صراع جديد قد يكون الطفل ضحيته الأولى.

كان زوج جميلة يطلب منها تخصيص أجرتها لشراء أمور تهم المنزل وحاول منعها من اللجوء للإنجاب بمصحة خاصة واقترح عليها متابعة حملها بمستشفى عمومي أسوة بنساء عائلته، “هنا عرفت أنه بغا يرجعني غير من أجل الاستغلال ماشي محبة”، خاصة بعد أن انضاف إلى ذلك عنف نفسي كانت تتعرض له من طرف عائلته من خلال حثها على عدم “التظاهر بالمرض” بعد الإنجاب “راك غير ولدتي توكضي وجمعي راسك” عبارات توجه لها في اللحظات التي تحاول فيها طلب المساعدة من أجل التنقل بين غرف المنزل بعد ولادة قيصرية ألمها وأثرها يستمر مع المرأة لعدة أسابيع.

بعدما اقتنعت جميلة بأن العيش أضحى مستحيلا، مع زوج فتح يوما باب منزله ودعا الجيران للدخول ليريهم كيف أن زوجته طباخة فاشلة ولا تجيد القيام بأمور المنزل “دخلهم لقلب الدار وأنا فالبيت بالبيجامة وقالهم شوفوها ما كتعرف دير والو، وكان كيصغر مني لدرجة كنحس براسي حشرة ضارة”، حملت طفلها وغادرت دون رجعة.

من جانبها حكت فاطمة كيف اعتدى عليها زوجها جسديا بعدما عبرت عن امتعاضها من دخوله المنزل في حالة “سكر طافح”، “شتف عليا حتى زرقلي وجهي”، وبعدما استيقظت ذاكرته لمحت عيناه ألوان القسوة على وجه زوجته، لكن آثار الخمر لم تسعفه لتذكر أنه الفاعل.

التجأت فاطمة إلى الشرطة والمحكمة وحاولت أن تنفصل عنه، كما أن عائلته تدخلت لصالح الزوجة، وحاولوا نأيه عن إدمانه، لكن “الاستقامة لا تعطى، وإنما بيد الله” تقول فاطمة بلغة مستسلمة.

توفيت والدته، وتعرض الزوج لأزمة عاطفية، وعانى من فراغ عاطفي، حاولت فاطمة ملأه وحذفت فكرة الانفصال من عقلها، لكن أزمته زادت من حدة تعاطيه للخمر، إلى أن تعبت فاطمة من مجاراته فصارت تبحث عن متنفس للهرب “وليت كنستنى العطل باش نهرب”.

“فلوسو كيمشيو لو فالسكرة” وتطور الأمر لدرجة المبيت في الشوارع لأكثر من يوم، والعنف الأكبر الذي باتت تتعرض له فاطمة وابنتها هو توقفه عن الإنفاق بصفة نهائية “لحسن الحظ أنني أتدبر الأمر وأحاول التصرف في ما أملك، وأحاول الخروج من الدوامة والمشكل بمساعدة كوتش”.

كوثر خادمة في منزل أسرة ميسورة، التقت زوجها داخل البيت الذي تعمل فيه، ورفضت في البداية طلبه للزواج منها بسبب الفوارق بينهما على المستوى المادي، إلا أنه وعدها بالعناية بها وتشبث بها وبطفلها الذي أنجبته في تجربة زواج سابقة، ووعدها بتدريسه.

عاشت كوثر معه ومع أسرته في البيت نفسه، لكن صورة الخادمة ظلت في أذهانهم ولم تعوضها صورة الزوجة، وتجلى لها ذلك عبر سلوكات عائلته، التي تصغر منها في كل مناسبة، لتكتشف أن رغبته بالزواج بها لم تكن سوى لضمان سيدة تقوم بأعمال المطبخ وإنجاب الأطفال.

أما والدها الذي كان يحتضن طفلها من زوجها الأول ويساهم في تربيته فتوفي قبل مدة قصيرة، وحين أرادت أن تجلب الطفل لترعاه بمنزل زوجها الثاني منعت من ذلك، وكانت تتعرض لمختلف أنواع التعنيف، “كيقولي بنات الزنقة خير لي منك، عجبك الحال جلسي طيبي وصبني، وإلا الباب وسع من كتافك”.

الرجل الميسور لا يعتني بزوجته وأبنائه، وهي اليوم زوجة مطرودة تواجه مصيرا مجهولا رفقة رضيعها، وتريد أن تعود لبيت الزوجية على يد المحكمة بحقوقها الكاملة، ولا ترغب بالطلاق، وترجو أن يكون الحكم القضائي لصالحها.

خلايا العنف

لمياء بن سلامة، النائبة الأولى للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، ورئيسة الخلية الجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، أكدت أن الخلية تستقبل شكايات ذات طابع جنائي، كهتك العرض والاغتصاب الاستماع الاستماع وشكايات ذات صلة بالضرب والجرح، مبرزة أن العنف الأسري يشكل أغلب الحالات التي تتوافد على الخلية، من النساء والأطفال، إضافة إلى العنف الذي تتعرض له المرأة خارج الأسرة، سواء من طرف شخص غريب، أو من طرف زميل عمل.

وعن طابع الشكايات التي استقبلتها الخلية خلال سنة 2022، أشارت القاضية إلى أنه لا يختلف عن أنواع الشكايات التي سجلت خلال السنوات الماضية، حيث أن أغلبها ذات طابع جنائي ولها صفة اعتداء جنسي.

وهي تشدد على أن العمل داخل الخلية يبتعد عن الرسميات ويوفر قدر الإمكان أجواء من الثقة من أجل تمكين المشتكيات من البوح عن طريق توفير ظروف الإنصات الإيجابي، أوضحت بن سلامة أن هذا الفضاء يضم نائبا للوكيل مكلف باستقبال الضحايا والاستماع إليهم، وإلى جانبه مساعدون اجتماعيون يعززون دور الخلية، ودورهم أساسي باعتبارهم أول من يستقبل الضحايا.

عند الاستماع للضحية، يتم إجراء محضر استماع يتضمن البيانات الخاصة بها وتصريحاتها بالإضافة إلى بيانات حول المشتكى به، والتي تكون أحيانا مهمة كقرينة خاصة في حالة الاعتداء الجنسي، التي في الغالب تواجه بالإنكار من طرف المتهم، لذلك يتطلب الأمر مساعدة من طرف الضحية في تقديم البيانات.

تشكو الحركة النسائية بشكل متكرر غياب وسائل قانونية ناجعة لإثبات العنف الأسري، وهو الطرح ذاته الذي أكدته القاضية، مشيرة إلى أنه “في حالة العنف الجسدي إذا تقدمت المعنية بالأمر بشهادة طبية تثبت أثر الاعتداء، بالإضافة إلى صور، فيتم تضمينها في محضر المعاينة، كما نستمع في بعض الحالات للأطفال في سن 15 فما فوق على سبيل الاستئناس وفي الحدود التي تراعي ظروفهم النفسية”.

وأشارت القاضية إلى أنه في حالة شكايات “هتك العرض” الواردة على الخلية يتم الاستعانة بتقرير الطبيبة الشرعية للوقوف على حقيقة الأمر من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة.

وكشفت المتحدثة أن الإحصائيات تسجل في بعض الأحيان ارتفاع مستوى حالات تعنيف الأطفال مقارنة مع النساء، مؤكدة أن أثر العنف يصل كذلك إلى الأبناء، “حين ترد علينا حالات في هذا الإطار ذات طابع جنحي نحيلها على وكيل الملك المختص، وإذا كانت ذات طابع جنائي فينعقد لنا الاختصاص للاستماع للضحية والأطفال المرافقين لها، ويتم توجيه التعليمات للضابطة القضائية من أجل الاستماع لهم باستعجال والقيام بالمتعين”.

قاصر مدمن وابنة طموحة مهملة

الخاسر الأكبر في معادلة “العنف الأسري” هم الأطفال، ففي الغالب يدفع بهم الفراغ العاطفي والتفكك العائلي نحو الإدمان والانحراف، أو يزج بهم في سجن الاكتئاب والمشاكل النفسية.

عايدة، امرأة من أصل أمازيغي، تحدت ظروف إدمان زوجها التي جعلتهم أسرة معدمة بالإضافة إلى انعدام مسؤوليته تجاه أبنائه، فلا هو رعاهم وأنفق عليهم بالشكل الواجب، ولا هو ساهم في تربيتهم ومساندتهم معنويا.

ابن عايدة الذي يدرس في سلك الثانوي، كان يافعا متفوقا في دراسته، قبل أن تنقلب حياته ويعانق السيجارة، ويفقد الرغبة في الدراسة. ووالدته تبحث إلى غاية اليوم عن طبيب مختص في معالجة الإدمان من أجل استدراك ما فات ابنها إبراهيم من نجاح دراسي واستقامة كانت لصيقة به. أما ابنتها فقد حصلت على شهادة الباكالوريا وتسعى إلى بلوغ مراتب أعلى في الجامعة، لكنها لم تخرج من الأزمة بدون صدمات تجلت في تقلبات نفسية وحزن يحتل داخلها من حين لآخر ويجعلها فتاة محبطة.

عندما تحاول عايدة الاتصال بالأب للاستعانة به في لملمة انكسار ابنها يجيبها “ضريتيني فراسي” ويفصل المكالمة، تواصل المتحدثة بلهجة لا تخفي أنفة الأمازيغ، ناهيك عن عدم التزامه بأداء مبلغ 1500 درهم شهريا كنفقة أقرتها المحكمة بعد دعوى رفعتها الزوجة.

“من الصعب جدا تربية الأبناء بشكل فردي”، تقول الأم متعددة الأدوار، فهي تشتغل منذ 6 صباحا بمحل لصنع الحلويات كانت تعمل فيه رفقة زوجها وتعود إلى منزلها دقائق قبل منتصف الليل، وتشرع في التوضيب والتنظيف والطبخ، ولا يتبقى لنفسها ولأنوثتها سوى أن ترمي جسدها المثقل بالألم والتعب على الوسادة، في انتظار إشراق صباح يوم جديد بالروتين نفسه.

مرت أم ابراهيم بأيام وأشهر عصيبة قبل أن تقف مجددا على قدمها، “كنمشي فالشارع كنبكي لأنو ما كينش لي يقبل لي على 3 دلولاد”، خاصة أن والدتها متوفية ووالدها متزوج وكون أسرة أخرى. لكنها اليوم تملك عقد محل تجاري بعد أن ساعدها ابن عمها في اقتناء آلياته ومعداته التي أقدم الزوج على بيعها قبل إهماله للأسرة الأولى، ليتزوج بسيدة أخرى.

وإذا كانت عايدة لم تملك فرصة اللجوء إلى المحكمة بسبب زحمة الأحداث وتعدد الوظائف التي تقوم بها، فإن فاطمة أم مريم لم تملك القوة والنفس الطويل من أجل متابعة الإجراءات والانتظار، بالإضافة إلى عدم رغبتها في تأثر ابنتها، “عندي بنتي أهم لي من كولشي، ما بغيتش نهرسها”.

التزمت فاطمة بالصبر كي لا تكسر طموحها، ولأنها سيدة متقاعدة بالكاد تستطيع توفير لقمة العيش في غياب “مسؤولية الأب” تلجأ من حين لآخر لبيع الأثاث وبعض المجوهرات، “كنبيع فالميخالة par moment” تقول بلغة منكسرة تزاوج بين العربية والفرنسية “كما ماما وقفات معايا بغيت نوصل بنتي”.

الأطفال كانت نقطة ضعف بعضهن ممن لم يملكن الطاقة للمضي في مسار بين ردهات المحاكم، أما سارة، التي يحتفظ خدها بذكرى سيئة خطها سكين زوجها، فقد لجأت للطلاق وأمضى رضيعها أشهره الأولى بمركز لإيواء النساء والأطفال ضحايا العنف، حيث التجأت لاتحاد العمل النسائي بالمغرب، ووجهتها الجمعية للمركز بعد أن باتت ليلة في العراء في انتظار أن تفتح الجمعية بابها في صباح اليوم الموالي، وظلت سارة وطفلها بالمركز حوالي ثلاث سنوات إلى أن نالت طلاقها، وساعدوها في أن يلج ابنها دار حضانة الأطفال، وفي إيجاد عمل يمكنها من كراء منزل ومتابعة تكاليف دراسة ابنها.

طلاق يسير وأرقام مقلقة

جوابا على سؤال يطرحه عدد من الفاعلين حول التخوف من إقرار قوانين تساهم في تشتت الأسر عبر تشجيع الطلاق، قالت مريم عوادة، عن اتحاد العمل النسائي، إن النساء لا يلجأن إلى مسطرة الطلاق إلا بعد استنفاد خطوات قانونية سابقة؛ وتقديم شكايات، مبرزة أنه “لا يمكن أن نطالب امرأة هجر زوجها بيت الزوجية لمدة ثلاث سنوات دون تحمل مسؤولية أبنائه بالصبر والاستمرار في العلاقة دون تمكينها من آليات للدعم كالاستفادة مثلا من صندوق التكافل العائلي، وكذلك الأمر بالنسبة لسيدة تكتشف أن زوجها متزوج وله أسرة ثانية”.

ومن جهة أخرى نبهت الحقوقية لخطورة “تزويج الطفلات”، الذي اعتبرته من بين الأسباب الرئيسية لارتفاع نسب الطلاق، إذ “يفرض عليها تحمل أعباء مؤسسة الزواج في سن مبكرة وحينما تبلغ سنا متقدمة ويتقدم وعيها، وخاصة إذا وجدت نفسها إلى جانب زوج يجسد خيارا خاطئا فتكتشف أنها أضاعت حياتها وأضحت مثقلة بالأطفال، تلجأ للطلاق”.

بحسب المتحدثة تتوافد على كل فرع من فروع الاتحاد على المستوى الوطني مئات الحالات سنويا، مسجلة بلغة الأرقام تراجع النشاط الاقتصادي للنساء، إذ لا يتعدى حضورهن في سوق الشغل 20.9 بالمئة حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط.

كما أن ارتفاع نسبة البطالة في صفوف النساء سجل سنة 2021 16,8 بالمئة، فيما أكدت أن 16,7 بالمئة من الأسر المغربية تعيلها نساء وحيدات مطلقات وأرامل.. وحوالي نصف النساء العاملات في الوسط الحضري لا يتوفرن على عمل قار، وما يزيد على 53.5% من النساء في الوسط الحضري و98.8 بالمئة في الوسط القروي لا يتوفرن على تغطية صحية.

وسجلت مريم بأسف تفشي تزويج الطفلات وما ينتج عن ذلك من انتهاك لحقوقهن الأساسية، كما أن نسبة وفيات الأمهات، القاصرات تصل إلى 40% حسب دراسة قامت بها النيابة العامة، بالإضافة إلى ظهور ما يسمى بزواج الرهن في بعض المناطق المغربية بمقابل مالي، تحت مبررات الهشاشة والفقر، ناهيك عن تنامي معدل العنف ضد النساء والفتيات وعلى رأسه العنف القانوني والاقتصادي، والتحرش الجنسي المتجذر في الفضاءات العامة وفي أماكن العمل، مشيرة إلى أن العنف النفسي يخترق كل أشكال العنف وتنتج عنه اضطرابات نفسية وفقدان القدرة على الإنتاج وسيادة الشعور بالخوف وانعدام الأمن، حيث صرحت 60 بالمئة من النساء والفتيات ضحايا العنف النفسي بإصابتهن باضطرابات نفسية عند تعرضهن للعنف الجسدي، تضيف الحقوقية.

لا صلح مع العنف

في حديثها لهسبريس طالبت جميلة بمزيد من الحماية القضائية، مؤكدة أنه خلال حضورها لجلسة بمحكمة الأسرة، طلبت منها القاضية التنازل والقبول بالصلح، وهو ما وصفته الزوجة بنوع من التعنيف “ما عجبنيش أنها شافتني مضروبة وقالت لي سمحي ليه”.

حملنا السؤال المتعلق بحماية النساء ضحايا العنف لنائبة وكيل الملك لمياء بن سلامة، التي أكدت أن القضاء لا يمكن أن يتساهل في موضوع العنف؛ مبرزة أن المشتكية في هذه الحالة تقدمت بدعوى قضائية للطلاق، لذلك فمسطرة الصلح تعد إجراء عاديا، أما في حال تقدمها بشكاية ذات طابع جنحي أو جنائي فلا تتبعها أي دعوة للصلح، و”حتى إذا أرادت المشتكية تقديم تنازل، نبحث خلفيات ذلك، وما إذا كان الأمر يتعلق بتنازل تحت التهديد أو الضغط، ومع كل ذلك تبقى لدينا السلطة التقديرية في حال وجود قرائن تدين المعنف ونطلب من الضابطة القضائية تقديم الأطراف المعنية أمامنا لإعادة الاستماع إليهم من جديد”.

وكشفت المتحدثة أن عدد الشكايات الواردة على الخلية الجهوية خلال سنة 2022 تجاوزت 100 شكاية، فيما أكدت أن حالات العنف المسجلة ضد الأطفال مرتفعة نسبيا مقارنة مع باقي أشكال العنف.

وأضافت القاضية أن الخلية تحرص على تنزيل المقتضيات التي أتى بها إعلان مراكش، والبروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف المنبثق عن الإعلان والذي قامت بإعداده رئاسة النيابة العامة إلى جانب شركائها، كما حرصت النيابة العامة من خلال عدد من الدوريات من بينها الدورية 20 التي صدرت في 9 يوليوز 2021 على حث النواب والوكلاء العامين ونواب وكلاء الملك المكلفين بالخلايا على بذل المزيد من الجهود لتعزيز التكفل بضحايا العنف.

من جهة أخرى، تتابع نائبة وكيل الملك أن النيابة العامة تحرص على أن يكون هناك تنسيق مع باقي القطاعات الشريكة، خاصة قطاعات الصحة، والتربية الوطنية، في إطار الحد من الهدر المدرسي للوقاية من زواج القاصر، وعقد اجتماعات في إطار لجان التنسيق مع الأكاديمية الجهوية لإعادة عدد من الفتيات لكراسي الدراسة، باعتبارها العامل الرئيسي الذي يجعل الفتاة تستبعد الزواج المبكر.

ومن جانب آخر “نحرص كخلية جهوية أن تحضر معنا القطاعات الشريكة في الاجتماعات، سواء رؤساء الخلايا على مستوى المحاكم وعلى مستوى الشرطة القضائية وقطاعات أخرى، كما نحرص على التنسيق مع عدد من الفاعلين لمواجهة العنف الإلكتروني، كاللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وعقد شراكة معها في هذا المجال”.

ومن جهة أخرى شددت المتحدثة على أهمية توفير الحماية الاجتماعية، ذلك أن الضحية والأطفال في حالات العنف يصعب عليهم العودة إلى بيت الزوجية، وقد نص القانون 103.13 على توفير هذه الحماية، مسجلة بأسف ضعف عدد مراكز الإيواء ومحدودية طاقتها الاستيعابية، “للأسف هناك مناطق ومدن لا تتوفر على هذه المراكز، فنضطر للتنسيق أحيانا مع جمعيات فاعلة في الميدان، أو مع شخص من أسرة المعنية بالأمر، الذي يمكنه مؤقتا استقبالها”.

مسؤولية الحكومة

عواطف حيار، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أكدت في هذا السياق أن للوزارة التزامات مع مجلس إعلان مراكش، وفي هذا الإطار تقوم بإحداث مراكز “محاربة العنف ضد النساء”، مؤكدة أنه “تم الاشتغال على أزيد من 82 مركزا، نطلب في دفتر التحملات أن يكون فيها الإيواء الاستعجالي وتفعيل القانون 103.13 الذي يتحدث عن المقاربة الوقائية والتحسيس حول محاربة العنف، والمقاربة الحمائية، حيث ينبغي التكفل بالمعنفة وإحضارها للمركز ومساعدتها من أجل ضمان حقوقها، والمقاربة الزجرية ضد المعنف، إذ لا يسمح لأي كان أن يعنف أحدا آخر سواء امرأة أو رجلا”.

وأوضحت حيار أن الوزارة خلقت “علامة الجودة” لفائدة المراكز التي تذهب أبعد من توفير الإيواء الاستعجالي وتوفير التمكين الاقتصادي؛ وتنخرط في خدمات إضافية عن طريق تحقيق التواصل بين هذه المراكز والمحكمة ووزارة الصحة والشرطة والدرك، و”بما أنهم انخرطوا في تفعيل حزمة الأمم المتحدة مكناهم من سيارات ومساعدين اجتماعيين من أجل اصطحاب المعنفات من منازلهن إلى المراكز”، تضيف الوزيرة.

ومن جهة أخرى، أكدت المسؤولة الحكومية أن الوزارة تشتغل على رافعة السياسة الأسرية في محوري حقوق المرأة ومحاربة الصور النمطية في المجتمع، “وهو أمر ينبع من داخل الأسرة التي ينبغي أن تشكل فضاء لترسيخ مبدأ المساواة منذ ولادة الأطفال، وبتربية نموذجية تناصف بين الفتيات والفتيان”.

وتسعى الوزارة في إطار هذه السياسة إلى المواكبة قبل الزواج، لتحسيس الأزواج بمسؤوليتهم تجاه الطفل، وتوعيتهم بضرورة تدبير النزاعات بعيدا عن الأطفال، بالإضافة إلى محاربة الصور النمطية في الإعلام.

كما أوضحت الوزيرة أن الوزارة تشتغل على مفهوم “الذكورية الإيجابية” عن طريق تشجيع الرجال الذين يدعمون نساءهم داخل المنزل، ويدعمون طفلاتهم في مسارهن الدراسي عوض تزويجهن في سن مبكرة، بالإضافة إلى الأزواج الذين يشجعون زوجاتهم لتمكينهن اقتصاديا، وتمكينهن من الولوج للمعرفة.

وعن ظاهرة التحرش التي تعاني منها النساء بالفضاءات العمومية، وقصور القانون في معالجتها أو التقليص منها على الأقل، قالت عواطف حيار “لا يعقل أن تتعرض النساء للتحرش في كل مرة تطأ قدمهن الشارع، هذا أمر لا يقبل وينبغي القطع معه”، مبرزة أن “القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء أبان عن قصور في بعض الجوانب، وتواصلت معنا عدة هيئات حقوقية من أجل إعادة النظر في عدد من النقط التي تضمنها القانون، والوزارة قامت بتقييم، وفي إطار المقاربة التشاركية مع المجتمع المدني، وسنعمل على مناقشة المقتضيات التي تشكل عائقا أمام محاربة العنف”.

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .