الرئيسية كتاب وآراء الأحزاب السياسية بالمغرب بين الأمس و اليوم : أي تغير ؟

الأحزاب السياسية بالمغرب بين الأمس و اليوم : أي تغير ؟

كتبه كتب في 30 يناير 2023 - 4:54 م

بقلم: عليوي مراد

كما هو معلوم أن المغرب بعد حصوله على الاستقلال تبنى نظاما ملكيا قائما على التعددية الحزبية،و هذا المنطق فرضته الظروف التاريخية التي عاشها المغرب،فلا يمكننا تصور مغرب قائم على الحزب الواحد،نظرا لكون الاستعمار تمت محاربته من طرف مؤسستين المؤسسة الملكية بقيادة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه و ولي عهده آنذاك جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني قدس الله روحه” و ” الحركة الوطنية ” ، و بالتالي رأت المؤسسة الملكية أنه لا يمكن بناء مجتمع ديمقراطي إلا في ظل التعددية الحزبية .

فالحزب السياسي هو مجموعة من الأفكار التي تصب في نفس المنحنى هدفه الوصول          إلى السلطة عبر الانتخابات ، و يتكون الحزب السياسي حسب نظرنا مما يلي :

  • ناخبي الحزب .
  • المتعاطفون .
  • المنتمون .
  • المناضلون .
  • قيادة الحزب .

و يعود إنشاء الأحزاب السياسية المغربية إلى سنة 1937 ما سمي بالحركة الوطنية التي تحولت إلى حزب الاستقلال سنة 1943،و إن كان البعض يرجح تاريخ البدء الحزبي بالمغرب سنة 1926 ما عرف بإسم”الرابطة المغربية”و مع ذلك يبقى البدء الحزبي الفعلي مع انشقاق كتلة العمل الوطني و ظهور كل من الحزب الوطني بزعامة علال الفاسي و الحركة القومية بزعامة محمد حسن الوزاني .

فالمغرب بمجرد حصوله على الاستقلال برهن عن نيته في إقامة التعددية الحزبية من خلال صدور ظهير الحريات العامة سنة 1958،و تم تعزيز ذلك بصدور أول دستور   سنة 1962 الذي أكد أن نظام الحزب الواحد غير مشروع(2) .

و تميزت الفترة ما بعد الاستقلال بوجود خلافات بين أحزاب سياسية او بين قيادات داخل نفس الحزب مما أدى إلى حدوث انشقاقات داخلية و ميلاد أحزاب جديدة،فالتاريخ يذكرنا أنه رغم الخلافات بين حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي اللذين ينتميان إلى نفس رحم “الحركة الوطنية” إلا أنهما التقيا في عدة مناسبات بحيث ألفا “الكتلة الوطنية” سنة 1970 بعد انتهاء حالة الاستثناء التي أعلنها أبونا الروحي جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه،ثم في بداية التسعينات ألفا “الكتلة الديمقراطية سنة 1992 لإطلاق دينامية الإصلاحات الدستورية و السياسية،و “التوافق” حول الانتقال إلى السلطة بتكوين حكومة “التناوب التوافقي” في 14 مارس 1998  – (3) ،لكن كل هذا لا يعني أن الثقافة الحزبية أصبحت قائمة على ترشيد تدبير الخلافات .

إن المتتبع للشأن العام الوطني في السنوات الأخيرة يلاحظ تدني مستوى الأداء الحزبي،فرغم أن الدستور الجديد (4) نص على صلاحيات مهمة للأحزاب السياسية حسب الفصل السابع منه،و أنه من حق المواطنات و المواطنين الانخراط في الأحزاب السياسية،و رغم أن القانون التنظيمي  29.11  (5) المتعلق بالأحزاب السياسية نص    على مستجدات مهمة من أجل تحقيق الحكامة الحزبية و الديمقراطية إذ لأول مرة تم الارتقاء بالقانون المنظم للأحزاب من قانون عادي(36.04) إلى قانون تنظيمي،إلا أن    هذا يظل مجرد قيمة ما لم يتم تعزيزه بالممارسة .

نلاحظ أن هناك عجز ديمقراطي داخل هياكل الحزب السياسي و طريقة اشتغاله،على سبيل المثال نجد نفس الأشخاص الذين كانو منذ عشر سنوات في اللجنة التنفيذية للحزب هم نفسهم مع العلم ان القانون التنظيمي الجديد 29.11 لم يتوقف عند التعريف بالحزب السياسي و تحديد القواعد المتعلقة بتأسيس الأحزاب السياسية و الانخراط فيها و ممارسة أنشطتها و مبادئ تنظيمها و تسييرها و نظام تمويلها و كيفيات مراقبته و معايير تخويلها الدعم المالي للدولة،بل أكد أيضا على إلزامية التداول على المسؤوليات و عدم الإبقاء على نفس المسؤولين بصفة أبدية .

فأول التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية بالمغرب هي الديمقراطية الداخلية،إذ كيف يعقل أن يتبنى حزب سياسي في برنامجه الانتخابي أو الحكومي “الديمقراطية” و هو بعيد كل البعد عنها و لا يطبقها في هياكله،فالمؤتمر العام الذي يحدد توجهات و سياسة الحزب السياسي،كيف يتم إختيار المؤتمرين هل على منطق الانتخاب أم أن هناك منطق آخر،بمعنى أن العقلية تحن إلى الماضي ، فالحزب السياسي أشبه بالزاوية و القبيلة فزعماءه يحظون بنفس التقدير الذي يحظى به شيخ الزاوية،إلا أنه مع كامل الأسف الأحزاب السياسية بالمغرب لا زال يغلب عليها طابع “القرابة”.

و رغم كل الجهود المبذولة من طرف الدولة المغربية لتقوية الأحزاب السياسية،إلا أننا نلاحظ قصور هذه الأحزاب عن القيام بدورها و عجزها عن تنفيذ التزامها الدستوري المتمثل بالأساس في تأطير المواطنين،و هذا في نظرنا بسبب كثرة الخلافات بين الأحزاب السياسية و داخل الأحزاب نفسها،و هذه الخلافات غير قائمة على رؤى و مستقبل للوطن و إنما صراعات على المصالح الشخصية،و بالتالي تم إفساد الحياة السياسية و أصبحت تتسم بغياب التنافسية بين الأحزاب و تشابه البرامج و غياب معايير واضحة للتزكية للترشح،و سيادة المعيار المالي في اختيار أطر الحزب و ليس معيار الكفاءة و النضال و الانضباط،فالأحزاب السياسية مسؤولة عن تدني الأخلاق السياسية و عن أزمة السياسة من خلال نفور قطاعات شعبية واسعة من الأحزاب أو المشاركة في الانتخابات،إذ كيف يعقل أن يتم الرهان على أحزاب سياسية في قيادة معركة الإصلاح الديمقراطي تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس أعزه الله،و هي بذاتها في أمس الحاجة إلى تقويم هيكلي و إصلاح .

فالأحزاب السياسية المغربية كما يرى “واتر بوري”ليست سوى مجموعة من الأندية    التي تجتمع على صديق واحد،و بالتالي كثرة الخلافات تؤدي إلى انشقاقات و ميلاد أحزاب سياسية جديدة التي تفسر لنا “التعددية المفرطة” التي نشاهدها اليوم،إذ نستشف من هذا أن التعددية في المغرب غير قائمة على الخلافات الإيديولوجية بقدر ما هي قائمة على الخلافات بين الزعماء،و لتوضيح ذلك مثلا قيادات في حزب سياسي معين وقع بينهم خلاف فسيذهب أحدهم إلى إنشاء حزب آخر و التحالف مع أحزاب كانت في الماضي القريب أحد خصومه فقط تعنثا لضرب الحزب الذي كان منتميا إليه ،و هنا تطبق المقولة الشهيرة:”في السياسة ليس هناك عدو دائم و لا صديق دائم”، إذ أننا نعيش تعددية في الطموحات السياسية و ليس تعددية سياسية إيديولوجية .

إن المشاركة السياسية للمواطنين تعد مظهرا ثانيا للديمقراطية،إلا أننا لاحظنا في السنوات الأخيرة ضعفها و كثرة العزوف السياسي بسبب فقدان الثقة في الأحزاب السياسية .

إن القانون التنظيمي الجديد 29.11 عمل على معالجة الأمراض التي يعاني منها المشهد الحزبي ببلادنا من تعددية مفرطة و ترحال سياسي،إذ تم المنع من الترحال السياسي تماشيا مع الفصل 61 من دستور 2011 الذي يؤكد على التجريد من العضوية في حالة التخلي عن الحزب السياسي الذي ترشح بإسمه،و تم إعطاء مكانة مهمة للمرأة المغربية في الحياة السياسية عبر تمكينها من الثلث في أفق بلوغ المناصفة المنصوص عليها في الفصل 19 من الدستور الجديد،بل أكثر من ذلك تكريسا للجهوية المتقدمة تم التنصيص على إحداث هياكل محلية للحزب على المستوى الجهوي،إلا أننا نلاحظ لازال الاشتغال بالمنطق القديم،فإختيار أطر الحزب السياسي قائم على المحسوبية و الزبونية و القرابة لو اعتماد المال بدل اعتماد منطق الكفاءة و الاستحقاق،كل هذا دفع بالشباب المغربي و جميع فئات المجتمع إلى الثقة فقط في مؤسسة وحيدة و هي “المؤسسة الملكية” تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله رائد العهد الجديد .

إن الجهوية المتقدمة التي تعتبر ورشا ملكيا من أجل مغرب متقدم و متوازن لا يمكن أن تنجح في ظل أحزاب سياسية ضعيفة،و اكراهات قانونية مرتبطة بالأساس بنمط الاقتراع الذي يسمح للأميين بإنتداب مناصب المسؤولية،فعدم اشتراط المستوى التعلمي من أجل الترشح للانتخابات حسب القانون التنظيمي 11.59، لا يعد مبدأ ديمقراطي كما يدعي البعض أو تماشيا مع الفصل 30 من الدستور الجديد،بل ينبغي إعادة النظر فيه و اشتراط المستوى التعلمي ليس فقط كما كان في السابق”الشهادة الابتدائية” بل يجب اشتراط البكالوريا او الإجازة،خصوصا أن هناك شريحة واسعة من المجمتع حاصلة على الإجازة سواء في العالم القروي او الحضري،و بالتالي إعطاء الفرصة للكفاءات و الشباب خصوصا و أن جلالة الملك أعزه الله منذ اعتلاءه العرش و هو يولي عناية خاصة بالشباب و يريد “مغرب الشباب”،إذ كيف يعقل ان ننتخب شخصا أميا و نضعه على رأس مجلس الجهة و يصبح بذلك آمرا بالصرف و يسير جهة بموظفيها المؤهلين،أليس هناك تناقض،و هنا نستحضر هذه الآية الكريمة:”قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” صدق الله مولانا العظيم .

و بالتالي في ظل عدم كفاءة النخب الجهوية و المحلية و عدم إلمامها بالمقتضيات القانونية و التدبيرية ينعكس سلبا على المشاريع التنموية،كما أنه في غياب تكوين مستمر للنخب     (و حتى إن كان هناك تكوين فسيصعب تطبيقه نظرا لأمية المنتخب) و غياب تأطيرهم كل هذا يؤثر سلبا على الجهوية المتقدمة .

إن الإصلاح يقتضي قيام الأحزاب السياسية على منطق الحكامة الجيدة و الديمقراطية     و بالتالي إفراز نخب سياسية حقيقية مؤطرة جدا مما سيؤدي إلى ترشيد القرار الحزبي       و عقلنة الموارد المالية و تأهيل الموارد البشرية و تبني برامج سياسية حقيقية .

إن الأحزاب السياسية مدعوة اليوم لكونها ممارسة فعلية للسلطة بتحمل المسؤولية        من خلال تأهيل النخب و تجديدها و تمكين الكفاءات من ولوج المناصب القيادية.

إن الخطاب السياسي يقتضي الصدق مع المواطن، والموضوعية في التحليل، والاحترام بين جميع الفاعلين، بما يجعل منهم شركاء في خدمة الوطن، وليس فرقاء سياسيين ،   تفرق بينهم المصالح الضيقة .

غير أن المتتبع للمشهد السياسي الوطني عموما، والبرلماني خصوصا يلاحظ أن     الخطاب السياسي، لا يرقى دائما إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن ، لأنه شديد الارتباط بالحسابات الحزبية والسياسوية .

فإذا كان من حق أي حزب سياسي ، أو أي برلماني ، أن يفكر في مستقبله السياسي ، وفي كسب ثقة الناخبين ، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب القضايا الوطنية الكبرى، والانشغالات الحقيقية للمواطنين .

أما ممارسة الشأن السياسي، فينبغي أن تقوم بالخصوص، على القرب من المواطن، والتواصل الدائم معه، والالتزام بالقوانين والأخلاقيات، عكس ما يقوم به بعض المنتخبين من تصرفات وسلوكات ، تسيء لأنفسهم ولأحزابهم ولوطنهم، وللعمل السياسي ، بمعناه النبيل .

وهو ما يقتضي اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي، بشكل عام، دون الاقتصار على بعض المواد ، المدرجة ضمن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان .

كما أنها تتطلب، قبل كل شيء، الانكباب الجدي، على الأسبقيات الوطنية، مع تغليب روح التوافق الإيجابي، وخاصة خلال إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات الدستورية والإصلاحات الكبرى…وعلى بعد أقل من سنة، على الانتخابات المحلية والجهوية، أتوجه إلى جميع الفاعلين السياسيين : ماذا أعددتم من نخب وبرامج، للنهوض بتدبير الشأن العام

إن التحدي الكبير الذي يواجه مغرب اليوم، لا يتعلق فقط بتوزيع السلط، بين المركز والجهات والجماعات المحلية، وإنما بحسن ممارسة هذه السلط، وجعلها في خدمة الموطن.

ومن هنا ، فإن الانتخابات المقبلة ، لا ينبغي أن تكون غاية في حد ذاتها . وإنما يجب أن تكون مجالا للتنافس السياسي، بين البرامج والنخب. وليس حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية .

والله والي التوفيق .

نبدة محتصرة حول الكاتب :

من إعداد : مراد علوي طالب باحث بماستر القانون العام و العلوم السياسية برحاب كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط ، فاعل جمعوي و حقوقي .

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .