الرئيسية الأنشطة الملكية كيفاش الحسن الثاني كان كيخلع الرئيس الجزائري ( صور )

كيفاش الحسن الثاني كان كيخلع الرئيس الجزائري ( صور )

كتبه كتب في 13 يناير 2023 - 11:32 م

جريدة البديل السياسي :

الرئيس الجزائري كان معقدو الملك الراحل طوال مساره الدبلوماسي والرئاسي ، قلده في مشيته وسيجاره وبروتوكوله وخطبه وكلامه ونخوته ومؤتمراته ومسجد ودروسه الحسنية

قصة عقدة عمرها 40 سنة طبعت مسار الرئيس الجزائري بوتفليقة في علاقته بالحسن الثاني

كشف تاج الدين الحسني عن وجود عقدة اسمها الحسن الثاني طبعت شخصية الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة . وقال أستاذ العلاقات الدولية في تصريح لـ”  ” عن بوتفليقة كان يقتدي إلى درجة التقليد بشخصية الحسن الثاني ، الشخصية التي تأثر بها وصار يقلدها في كل شيء “.

بوتفليقة يعاني من مركب نقص شديد أو من خطيئة أصلية ” ،يقول أحد المعارضين السياسيين الجزائريين :” إنه لم يولد على أرض الجزائر لو كان الأمر بيدي لجعلت الميلاد في أرض الوطن شرطا من شروط تولي الرئاسة ، كما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية “. ويضيف :” إنه يتشبه بالحسن الثاني في لهجته وفي مشيته. إخوته ينادونه ب ـ” سيدي حبيبي “، وهو أسلوب ليس جزائريا .والآن وصلنا إلى طقوس أمير المؤمنين على الطريقة المغربية الانحناء وتقبيل الأيدي والتغني بمناقب الزعيم “.

فعندما دفع الملك الراحل بتجريدات عسكرية لتقديم المساعدة اللوجستيكي والإنسانية والحربية أحيانا ،إلى بعض الدول الإفريقية في بداية الستينيات من القرن الماضي ، سارع بوتفليقة إلى القيام بالمثل .

وعندما بنى مسجدا عظيما أبهر العالم وشد إليه أنظار ملايين المشاهدين يوم افتتاحه ، حث بوتفليقة حكومته على تخصيص ميزانية مالية ضخمة لبناء أكبر مسجد يضاهي مسجد الحسن الثاني .

وعندما كانت شخصية الملك الراحل تستأثر باهتمام المنتظم الدولي ، حيث كان مشهورا عالميا بقدره على لم شمل الدول في مؤتمرات وقمم حطمت كل الأرقام القياسية في عددها ، رغم أن المغرب كان حينها فقيرا من حيث مداخيله العامة – كما لاحظ ذلك الكاتب المصري حسنين هيكل في إحدى خرجاته على قناة الجزيرة القطرية ،” جاهد ” بوتفليقة لسحب صفة راعي المؤتمرات والقمم من الملك ، وبعد فشله ” حول أموال النفط الجزائري لكسب رئاسة مجموعة عدم الانحياز”.

وفي عز الانتباه الحسن الثاني إلى الدور الكبير الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل في المنطقة ، أقام صدقات إستراتيجية قوية معها فحاول بوتفليقة السير عل نهجه ، لكنه سيفشل مرة أخرى ، الأمر الذي سيترك في نفسه حقا دفينا على الإسرائيليين والأمريكيين عبر عنه من خلال تحالفه مع السوفيات. وفي الوقت ذاته كان ينتقد سياسة تقارب الحسن الثاني مع الإسرائيليين . المش فين ما كايوصلش اللحمة كايكول خانزة”،يعلق سعد الركراكي أستاذ العلاقات الدولية لـ” المشعل “.

عداء بوتفليقة للملك الراحل انتقل من عالم الدبلوماسية إلى الملاعب الرياضية ، فقد سبق لأحد اللاعبين السابقين ، في صفوف المنتخب الجزائري لكرة القدم ،أن اعترف لإحدى القنوات العربية ، بـ” أ، بوتفليقة كان يعمد إلى تخصيص مكافآت مالية كبيرة للفوز على المنتخب المغربي ، بل تصل أحيانا إلى درجة تحطيم كل الأرقام القياسية ، كما كان غضبه يشتد في حالة خسارة أي مواجهة مع المنتخب المغربي”.

ما عقد بوتفليقة من شخصية الحسن الثاني ، هو نخوته، ” خاصة أنه رغم ما جرى من صدام بين الجزائر والمغرب في حرب الرمال سنة 1963، إلا أنه كان يظهر واضحا أن المغرب هو الطرف الذي كان يتناول دائما ، يبحث عن السلام في غالب الأحوال “، يؤكد تاج الدين الحسيني.
برودة دم الحسن الثاني كان يقابلها سخونة الراس عند بوتفليقة .

بعد انتهاء الحرب 1967 ، لا حظنا كيف أن الحسن الثاني حاول أن يطبع هذه العلاقات إلى أقصى حد ممكن وأن ينهى ظاهرة الصراع بشكل كبير ، بحيث وقفنا على توجهه بنداء مفتوح إلى الجزائريين . الملك الراحل حاول حل مشكلة الحدود وكان يومها بوتفليقة وزيرا للخارجية سنة 1969 ، إذ وقع الطرفان اتفاقية اعتبرت في زمنها بمثابة أمر استثنائي في المنطقة ، وهي الاتفاقية التي تحمل شعار ” الصداقة وحسن الجوار ، والتعاون ” أكثر من هذا عبر الملك الحسن الثاني على موافقته لإنهاء مشكلة الحدود مع الجزائر وأست عام 1970 لجنة مختلطة للقيام بعملية رسم للحدود والحسم فيها نهائيا ،” أظن أن هذا هو الذي دفع الطرفيين في سنة 1972 قبل أن يشرع المغرب في المطالبة بصحرائه كان هناك توجه لإنهاء كل نزاع مع الجزائر ، مما دفع الحسن الثاني وكان بوتفليقة وزيرا للخارجية آنذاك إلى توقيع اتفاقية افران حول الحدود “، يشير الحسيني في محاولته قراءة مسار علاقة الرجلين والظروف التاريخية التي أحاطت به “.
تخيلوا أن اتفاقية الصداقة وحسن الجوار لم توقع إلا سنة 1992، وهي السنة التي كان قد غادر فيها بوتفليقة وزارة الخارجية ، والحسن الثاني كان يفضل ذلك رغبة منه في إقامة علاقة ود حقيقية مع شركائه الجزائريين.

وقد عمل بوتفليقة على محاولة شد رئاسة الاتحاد لمنافسة الحسن الثاني – حسب الفيلالي وزير الخارجية الأسبق في مذكراته وهنا يؤكد الحسيني ،” بأن بوتفليقة للأسف ، لعب دورا يكاد يكون محترم للالتزامات.

ففي عهد بومدين لرأينا كيف أن الجزائر كانت في مؤتمرات للجماعة العربية تحاول إعاقة المغرب كانت قبل نزاع الصحراء سنة 1973 تصرح علنا على لسان هواري بومدين بأن مسألة الصحراء ، لا تهم الجزائر على الإطلاق وهي مسألة تهم المغرب وموريتانيا ، ويمكنها أن تتعاون يعتقدان حينها أ، مسألة إرجاع الصحراء للطرف المغربي مسألة غير منتظرة ، وأ، إسبانيا قد حسمت الأمر عندما قررت عن طريق الأمم المتحدة بأن تنظم استفتاء لتقرير المصير ، وأن تهيء دولية مجهرية تابعة لها يمكن أن تستفيد الجزائر من منطقة تواجدها ، لذلك حاولت منذ ذلك التاريخ ، نهج أسلوب المناورات”.

لم أكن أسعى إلى مزاحمة الجزائر ولكنني لم أكن أقبل أن تزاحمني “، بهذا الكلام كان الملك الراحل قد استهل حديثه عن الرئيس الجزائري هواري بومدين الذي كان الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة ، يشغل وزير خارجيته حينها، كان الملك الراحل ،” يريد أن يقوم تعاون بين البلدين”.

وصرح الحسن الثاني في آخر أيام حياته:” أحست بفراغ بعد موت بومدين لأن كلينا اعتاد أن ينظر إلى الأخر ويقول مجاملا : ” مرحى : لقد سجلت هدفا علي “، ربما كان هذا هو الإحساس الذي شعر به الملك الراحل بعد رحيل بومدين ، هو نفسه الذي شعر به بوتفليقة بعد وفاة الملك الحسن الثاني .

في مذكراته بحكي عبد اللطيف الفيلالي وزير الخارجية الأسبق ” كان الحسن الثاني يقول لي :” إن إفريقيا مريضة بقادتها “، ولعل المقصود بهذا الكلام كان واضحا . والحاصول الله يشافي.

 

حكاية السؤال الصحفي المدسوس من بوتفليقة

اعتمد بوتفليقة في سياسة علاقته ” المسمومة ” بالحسن الثاني على استدراج صحافيين أجانب لإثارة أسئلة محرجة خلال الندوات الصحفية التي كان الملك الراحل يعقدها .

وحسب مصدر مطلع فإن غاية بوتفليقة من وراء هذه العملية كانت العمل على إحراج الحسن الثاني ، وذلك عبر كسر ” قفل ” المعلومات السرية عن المغرب الذي لا توجد مفاتيحه إلا داخل جبة الحسن الثاني

لكن بوتفليقة غادي يزيد يتصادم ، فعوض أ، يطيح بالملك الراحل في فخ الأسئلة زادت هذه الأسئلة في تحسين شعبية وجاذبية الحسن الثاني المعروف بدهانه وإجادته ” فن الكلام ” كيف ذلك ؟

فأثناء إحدى زياراته لفرنسا ، وبعد أن أنهى حديثه مع الرئيس ” فاليري جيسكار ديستان” أجاب عن أسئلة الصحفيين إلا أن أحدهم باغثة بسؤال مثير :” الجزائر لا يروق لها زيارتكم لفرنسا وتقول إنكم هنا للحصول على نصائح وأسئلة لمواصلة الحرب ضد البوليساريو ؟”.
ليجيبه الحسن الثاني : أقول .. الرجل الحكيم هو الذي يستمع للنصائح أولا ، أما السلاح فهو موجود في كل مكان “.
علاقات الملك الراحل وتدخلاته المثيرة لإعجاب أمام الصحفيين كانت تثير غيظ بوتفليقة “،يؤكد مصدرنا .

  

بيريك “بوتفليقة والحسن الثاني وجيسكار ديستان

في السبعينيات من القرن الماضي جرى تداول قصة غريبة عن بوتفليقة بفرنسا ، مفادها أنه شبه أصلح ويحمل دائما فوق رأسه “بيريك “(باروكة)، أشيع وقتها – وفي دائرة ضيقة بالعاصمة الجزائرية – بأن اكتشاف أمر غطاء الشعر المصطنع لرأس بوتفليقة وتمرير المعلومة في شكل نكتة للرئيس الفرنسي ، ربما يكون من بين مقالب الحسن الثاني عبر وزيره القوي حينها إدريس البصري الذي كانت تربطه علاقة خاصة بأحد الفرنسيين النافذين في قصر الإليزيه وهي المعلومة التي نصح أحد أصدقاء بوتفليقة من المقيمين بالمغرب في جهته الشرقية بعدم تصديقها لأن الحسن الثاني – حسب صديق بوتفليقة – لم يعرف عنه أبدا الضرب في الظهر أو تحت الحزام لكن الرئيس الفرنسي وقتها ” فاليري جيسكار ديستان “، لمح في كتاب مذكرته بأن المعلومة استقاها بواسطة المخابرات الفرنسية ، وهو ما أشارت له ” الفيكارو” الفرنسية في مقال لها بعنوان :”بورترية بوتفليقة في مذكرات فاليري جيسكار ديستان “.

عندما كان بوتفليقة يلجأ إلى الفقيه بجاوي لتخليصه من كابوس الحسن الثاني

معظم جولات بوتفليقة في ” مسلسل ” عراكة السياسي والدبلوماسي ضد الملك الراحل خرج منها منهزما ومنكسرا ، حيث كانت خبرة ودهاء الملك عاملين مهمين في حسم نتيجة الصراع لصالح الملك . ويحكي أحد قيدومي الصحافة المغربية ” أن بوتفليقة كثيرا ما يلجأ إلى ” فقيه ” محمد البجاوي وزير خارجيته وأستاذ القانون الدولي لتخليصه من مطبات أوقعه فيها الحسن الثاني “.

محمد بجاوي كان وزيرا شابا زمن وزير الخارجية المغربي الحاج أحمد بلافريج .. كان أبوه وقتها طرافا .. يصلح الأحذية ،في دكان صغير في مدينة سيدي بلعباس ، اختاره بوتفليقة ليكون وزير خارجيته… هذا العجوز القوي الذي وقف في منصة الأمم المتحدة – يحكي الصحافي مصطفى العلوي في مذكرته – ” يعرض الأول مرة ملف الصحراء . وكان البجاوي يمثل الجزائر في المنطقة الدولية . وبمجرد ما أنهى الفيلالي عرضة المطول والمحضر بإتقان مسبقا في وزارة خارجية المغرب، حتى طلب البجاوي الكلمة ، وصعد إلى المنصة بعد الفيلالي بدقائق ،وأخذ يرد على النقط التي عرضها الفيلالي واحدة واحدة ، ليتضح في ما بعد لجميع المندوبين ،أن البجاوي حصل بوسائله الخاصة على كلمة وزير الخارجية المغربي قبل أن يقرأها ، وهو سر تأكد لأعضاء الوفد المغربي، الذي كانت من بين أعضائه قيدومة الدبلوماسيين المغاربة حليمة الورزازي التي فطنت للكارثة ، وعندما جاء البجاوي ليسلم على أعضاء الوفد المغربي محركا في نفوسهم مدية الاستهزاء قالت له الدبلوماسية المغربية : إني أكرهك يا سي بجاوي”.
معيورة هزها وحطها سخونة لبوتفليقية.

  

كيف ” جاهد” بوتفليقة لسحب صفة راعي المؤتمرات والقمم من الملك

حرص الملك الراحل على تقوية علاقاته بدول العالم ، ومن الأساليب التي اعتمدها عقد المؤتمرات والقمم فالمغرب تحول في عهده إلى قبلة لمؤتمرات عربية ودولية لها قيمتها الوازنة يشير أحد الباحثين إلى “أن الملك الراحل عندما كانت تأتيه فكرة ويدرسها جيدا، يعقد مؤتمرا أو قمة ، صحيح أنه لم يكن دائما يخرج بنتائج ، غير أنه حقق إشعاعا مبيرا للمغرب “، وتحول الملك إلى شخصية مشهورة عالميا تجاوزت كل الحدود.

دعا الحسن الثاني في عز الصراع العربي الإسرائيلي إلى تأسيس ” منطقة المؤتمر الإسلامي ” وتمكن من عقد مؤتمرها الأول بفاس ويحكي وزير الخارجية الأسبقية عبد اللطيف الفيلالي ، كيف ” كان بوتفليقة يطمح إلى الاضطلاع بدور الزيادة بالنسبة لبلدان عدم الانحياز ، وكان يعتبره المسلك الأكثر نجاعة بالنسبة لمجموع العالم العربي من طنجة إلى الخليج .وهكذا – يروي الفيلالي – كثف بوتفليقة وبومدين دعمهما للفلسطينيين مسجلين تميزهم”.
هذا وسيوجه بوتفليقة اهتمامه بعد ذلك – يضيف الفيلالي-” تجاه إفريقيا يهتم أكثر فأكثر ليس فقط بإفريقيا الفرنكفونية ، لكن حتى بالبلدان الناطقة باللغة البرتغالية .. غير أن هذا الاختيار لم يخدمه كما تصوره في برنامجه الصناعي الذي من المتوقع أن تستفيد منه إفريقيا . وغن وجد في البلدان الإفريقية دعما استراتيجيا في حرب الصحراء”.

بعد مضي سنوات سيجاهد بوتفليقة لسحب رئاسة لجنة القدس المنبثقة عن ” منطقة المؤتمر الإسلامي من المغرب “، يشير تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية ، ويضيف بـ” أنها المناورة التي تكشف الوجه الحقيقي لبوتفليقة”.

   

مسرحية بوتفليقة

كان الوضع الداخلي مهيئا للانفجار ،خاصة بعد محاولتين انقلابيتين ، تقول الكاتبة أنيا فرانكوس في مؤلفها ” جزائري اسمه بومدين”: حينما كنا مطمئنين إلى أن الحسن الثاني يعيش معزولا في قصره معرضا لانتقادات ضباط جيشه ، مشكوكا في حب الشعب له ، تغير الوضع في رمشة عين .. وأصبح رجلا قويا في منطقة المغرب العربي ، والجزائر مشغولة بدعم الشعب الصحراوي ، تجد نفسها معزولة وحدها لتقول التقارير الدولية إنها نهاية هواري بومدين.

أعلن الحسن لثاني المسيرة الخضراء وضحك كل الجزائريين ، وقالوا إنها مهزلة … إطلاق 350 ألف مغربي بالقران في أيديهم لمواجهة مدافع وصواريخ الإسبان ، وقلنا في الجزائر إنها حسابات ميكيا فيلية وسيناريو هوليود ، وصرح بومدين بلسانه : ” إنها السينما ” ، لكن بومدين تجرع كأس المرارة عندما جاءه عبد العزيز بوتفليقة رئيس دورة الأمم المتحدة متحدثا عن حصوله على توصيات . فقاطعه مندوب الجزائر في الأمم المتحدة ، عبد الرحمان رحال ، أمام الرئيس بقوله:” إنك يا بوتفليقة تمثل علينا مسرحية، فكل البلدان العربية وكل دول عدم الانحياز وكل الدول الغربية اتخذت موقفا مؤيدا للمغرب ، واحتفل المغرب بالصفعة التي تلقاها تعنتنا”.

وتضيف أنيا فرانكوس :”كان الحسن الثاني قد أقفل على بومدين بعد اتفاقية مدريد قفصا وأدخله في عزلة قاتلة “، وعندما أعلن الملك (الراحل) في خطاب 15 فبراير 1976:” إني أنتظر فقط أن تعلن الجزائر الحرب على المغرب”، اجتمع مجلس القيادة الجزائري ليصدر بيانا يقول :” لا حرب مع المغرب من أجل البوليساريو ولا سلم مع المغرب بدون البوليساريو ” وجرى سحب الجيوش الجزائرية التي كانت تتوغل داخل الحدود المغربية.

   

كيف خاف بوتفليقة من أن يستيقظ الحسن الثاني من ثابوته

يوم 23 يوليوز 1999 توفي الحسن الثاني ، الراحل الذي ظل يرهب بوتفليقة في حياته ، وحتى بعد مماته أيضا .

يوم جرى تشييع جنازة الملك الراحل ، وقف بوتفليقة مشدوها أمام حجم الإقبال والحضور الذي طبع هذا الحدث .

نخوة الحسن الثاني التي عقدت بوتفليقة ظهرت واضحة أثناء جنازته التي جمعت حب وتبن الأعداء والأصدقاء.
يروي أحد السياسيين الذين حضروا هذه الجنازة ،” أن الرجل كانت شاداه ” التقفقيفة ” من تابوت الملك الراحل وتمنى- في قراره نفسه- شي موتا بحال هاذي “.

عاش بوتفليقة حتى شاهد الشبح الذي طارده طوال مراحل حكمه يموت شامخا ، وهو اليوم – حسب سعد الركراكي أستاذ العلاقات الدولية – ” غير قادر على تحريك فرشة أسنان ، انتهى قبل أن ينتهي ،ومات قبل أن يمت .وودع مكائد الدمى التي حركها ضد الحسن الثاني”.

    

مزحة الخطيب التي قبضت أنفاس الرئيس الجزائري في حضرة الحسن الثاني

الخطيب يعين بوتفليقة على رأس وزارة الشرطة .
في بداية الستينات من القرن الفائت ، توجه الحسن الثاني إلى الجزائر لمقابلة الرئيس الجزائري أحمد بنبلة ، حيث يشير عبد الهادي بوطالب المستشار الراحل للحسن الثاني إلى ” أن الملك أعد كل ما يلزم لتعكس زيارته مشاعر المودة والأخوة والتعاطف المتأصلة بين شعبي المغرب والجزائر ، وحرص على أن يحس القادة الجزائريون بدفء حرارة العواطف المخلصة التي يكنها لهم ملك المغرب ، وأطلق للإعراب عنها يده سخية معطاءة ، حيث حمل معه متنوع الهدايا ، وكان من بينها 23 سيارة مرسيدس من النوع الكبير جاءت من مصانعها بألمانيا إلى المغرب ليلة الزيارة ، فوضعها في خدمة الوزراء الجزائريين الثلاثة والعشرين الذين كانوا يشكلون حكومة بن بلة “.

خلال إحدى اللقاءات التي جمعت الوفدين المغربي والجزائري ، وبينما كان بوتفليقة في جلسة الاستراحة والاسترخاء ،إذ بعضو الوفد المغربي وزير الدولة في الشؤون الإفريقية الدكتور عبد الكريم الخطيب يبادر الرئيس بنبلة بنكتة في شكل سؤال :” ألا تفكرون فخامة الرئيس في إدخال تعديل على حكومتكم أعتبره منطقيا ، إذ به تضعون الرجل الصالح في المكان الصالح ، فتستندون وزارة تربية المواشي إلى الوزير بومعزة ، ووزارة التموين بومنجل في وزارة الفلاحة ، والوزير بوتفليقة في الشرطة ؟”.

   

المصافحة التي فتحت باب جهنم لبوتفليقة

لم تكد تتوارى صورة الملك الراحل ساعات على وفاته يوم 23 يوليوز 1999، حتى جاءت جنازته وتدفق زعماء ورؤساء من مختلف دول العالم.

وغطت مصافحة بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، على اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية التي جرت على هامش الجنازة لتصبح المصافحة موضوعا مفضلا لوسائل إعلام عربية وإسرائيلية وعالمية. ودشنت تلك المصافحة عهدا من دبلوماسية المصافحات كان آخرها مصافحة الوزيرين العراقي والإسرائيلي في الحبر الميت.

وحسب رواية مستقلة، فإنه في يوم الأحد 25 يوليوز 1999، وبينما كان باراك ينتظر في باحة القصر الملكي في الرباط ترتيبات جنازة العاهل المغربي الحسن الثاني، مر من أمامه العاهل السعودي فهد بن عبد العزيز، فتجاهل باراك الذي كان مستعدا لمصافحته ثم مر علي عبد الله صالح الرئيس اليمني فتجاهله هو الآخر، وعندما ظهر الرئيس الجزائري من بعيد، التمس باراك من رافي إدري وروبير أشراف، وكلاهما من أصول مغربية أن يتوجها نحو بوتفليقة الذي جاء إلى حيث يقف باراك، بدون تردد، وصافحه بحرارة قائلا :”لم تكن لنا أبدا مشكلة مع إسرائيل”.

وبدت المصافحة التي تمت بالصدفة وكأنها الخطوة التي كشفت ما خفي من علاقات بين الجزائر وإسرائيل أو جبل الجليد – تبعا لوصف صحف إسرائيلية وفرنسية، ووصف بوتفليقة من صحافة بلاده بالشجاع الذي حقق اختراقا لم تجرؤ عليه السياسة الخارجية الجزائرية سابقا.

تلك المصافحة فتحت المجال لظهور خصوم سياسيين جدد وانقلاب الخلفاء العرب ضده، وكان لسان حاله يقول :” الحسن الثاني دارها بيا حتى وهو ميت!”.

   

كيف انقلب القذافي على بوتفليقة لمصالحة الحسن الثاني

كانت علاقة الملك الراحل بالعقيد الليبي متوترة وفي المقابل ربط بوتفليقة صداقة غير عادية مع القذافي، لكن الحسن الثاني غادي يقلب الطرح وسيدعو العقيد إلى الرباط، سيخرج منها بعدها متنكرا لبوتفليقة ولدعاويه الانفصالية.

عام 2005، سيكشف الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أنه كان عبر أن أسفه للوضعية التي تمر بها العلاقات المغربية – الجزائرية، وقال إن المغرب سبق أن دعم جبهة التحرير الجزائرية ثناء كفاحها من اجل الاستقلال، وقال في هذا السياق أيضا :” المغرب كان عمق الثورة الجزائرية في معركة التحرير والتاريخ يشهد بله بما فعله من اجل تحرير الجزائر، وعلى الجزائر ألا تنسى هذا الأمر، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة نفسه كان يعيش في المغرب ومنه انطلق فلا ينبغي أن تكون العلاقة بين البلدين الجارين في هذه الحالة”.

وأردف القذافي قائلا:” حاولت مرارا مع الإخوان في البوليساريو أن يعودوا إلى المغرب ويندمجوا كليا في الشعب المغربي، وأكثر من ذلك، أن يشكلوا حزبا سياسيا حتى وإن كان ثوريا ونتخلص من هذه المشكلة نهائيا”.

وأوضح وزير خارجيته على هامش هذا لقاء الرباط :” رفعنا يدنا عن البوليساريو بعدما اقتنعنا برأي الحسن الثاني ، لكننا استأذناه في الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية أما الدعم العسكري فقد أوقفناه نهائيا”.

بوتفليقة سمع هذا الكلام الذي وصله عبر إعلام بلده، وكان ذلك خسارة جولة أخرى له في مواجهاته “الثقيلة مع الملك الراحل.

  

جامع ليا جامع ليك

ألن الملك الراحل مطلع سنة 1986 في خطاب له قرار بناء مسجد الحسن الثاني ودعا إلى اكتتاب شعبي لتمويل المشروع

وخلال صيف عام 1986 أعلنت الحكومة المغربية رسميا الشروع في تنفيذ هذا البناء حيث استدعى أكثر من 35 ألف عامل و90 مهندسا تحت إشراف المهندس الفرنسي ميشيل بينسو واستغرق العمل لإنجاز المسجد سبع سنوات متتالية وبلغت تكاليفه أزيد من خمسة مليارات درهم جملة، بوتفليقة ما تصرطاتش ليه، كيف ينجز الحسن الثاني مشروعا بهذا الحجم ؟ والمغرب آنذاك يجتاز أزمة اقتصادية واجتماعية عسيرة جراء تنفيذ سياسة التقويم الهيكلي، وكان قد خرج توا من أحداث 1981 بالبيضاء وأحداث 1984 بمراكش والشمال.

قرر بوتفليقة استنساخ مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء من حيث الموقع والمساحة والشكل والمرافق الدينية والزخرفة المغربية في محاولة من رئيس الدولة الجزائرية لمنافسة الإشعاع الدولي الذي كسبه مسجد الحسن الثاني.

غير أن انتقادات الجزائريين لحجم الأموال المرتقب صرفها على المسجد، ستكسر حماسة بوتفليقة الذي لن ينسى أن جامع الملك شيد بإجماع شعبي وتمويل شعبي وود شعبي”، يؤكد سعد الركراكي أستاذ العلاقات الدولية المشعل” وهاد الشيء للي مرض بوتفليقة.

  

بوتفليقة ضارب حساب الحسن الثاني حي وميت

عبد العزيز بوتفليقة ولد في كنف عائلة جزائرية بسيطة مقيمة بوجدة، ويقول مقربون من العائلة أن لقبه الأصلي بن لزعر عبد القادر، حيث كانت سياسة سائدة أيام الاستعمار الفرنسي تتمحور حول تفريق العائلات الكبيرة بتغيير أسمائها وألقابها، هو ابن أحمد وغزلاوي منصورية وهو ابن الزوجة الثانية، له إخوة أشقاء هم عبد الغني، مصطفى، سعيد، عبد الرحيم، لطيفة. أما غير الأشقاء فهم فاطمة، يمينة ، عائشة، وهن بنات الزوجة الأولى بلقايد راضية.

تربى وترعرع في وجدة التي كان كلها زارها تقيم له عائلته بها طبق المعقودة، وهي خليط من البطاطا والتوابل.. ودرس بمدرسة “سيدي زيان” ومن غريب الصدف أن يبدأ مشواره الدراسي الحقيقي إلى درجة النبوغ في المدرسة الابتدائية التي ستربطه ومنذ طفولته بالحسن الثاني الذي أسس المدرسة الحسنية التي كان يدرس فيها بالقرب من حمام الحديقة “الجردة” الذي تعود ملكيته لوالدته وكذلك كان الارتباط حين انضم لجبهة التحرير وكان من أبرز “جماعة وجدة” التي حكمت الجزائر منذ استقلالها وإلى غاية يومنا، ثم بعد استقلال الجزائر، وخاصة عندما تم تعيينه كأصغر وزير خارجية في العالم، إلى ما بعد وفاة هواري بومدين، وحتى وفاة الحسن الثاني خيم ظله عليه، حيث اقترنت الجنازة الضخمة ليون 25 يوليوز 1999، التي حولت العاصمة الرباط على عاصمة دولية بامتياز، باللقاء الذي عرى عن الأواصر العميقة للعلاقات الجزائرية- الإسرائيلية، لقاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة برئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي الحالي “إيهود باراك” الذي كان رفقة وزير الخارجية الإسرائيلي داوود ليفي، طبعته تلك المصافحة الحارة الشهيرة والعلنية بينهما والتي أرختها صور جابت جميع جرائد ومجلات وتلفزيونات العالم.

وذكر كيسنجر واصفا ضيفه وزير خارجية الجزائر، في الوثيقة الإستخباراتية الأمريكية التي نشرها الموقع الإلكتروني “ويكيليس” بقوله :”عندما قابلته أول مرة كان رجلا ثوريا والآن (1975/12/17) صار دبلوماسيا ثوريا”، فرد عليه بوتفليقة بقوله :”من الضروري أن ينحرف المرء عن مساره في بعض مراحل حياته:” والأكيد راه لقا سيدي محمد ول الحسن فات باه فلفهامة وعارف بالوراثة قوالب سكان “المرادية” وعايق بجميع دهاليز قصر عاصمة “الباي” الجديد.

  

خطة واحد – جوج التي دوخت الرئيس الجزائري

العداوة من الدبلوماسية إلى الرياضة

مراوغات الحسن الثاني لكسب مزيد من الوقت وحصد التأييد الدولي في حرية ضد “اعتداءات” بوتفليقة الدبلوماسية حيرت “الرئيس” الذي لمح في العددي من المرات إلى ألاعيب الملك الراحل ودهائه الخطير في تدبير هذا الصراع وحسمه لصالح المغرب، قبول الاستفتاء كان ضربة موجعة وجهها الحسن الثاني لبوتفليقة الذي كان حينها وزيرا للخارجية حيث أظهر الملك الراحل للعالم أنه لا يخاف الاستفتاء واعتبر أنه يسكون تأكيديا على مغربية الصحراء، بوتفليقة كان – وكما سجلت اعترافاته السرية- يعلم أن الملك أراد فقط ربح الوقت وإعادة ترتيب مؤسساته وجيشه الذي أنشئ حديثا بعد الاستقلال وزيد وزيد.

 الحسن الثاني كان يعتبر حرب الرمال التي انتصر فيها “مجرد فترة تدريبية لجيشه المشكل حديثا”. مواقف الملك “المراوغ” هذه عقدت الرجل طوال 40 سنة من عمله الدبلوماسي”. يشير سعد الركراكي أستاذ العلاقات الدولية لـ”المشعل”.

سنة 1979 انتهت مقابلة كروية مع الجزائر بهزيمة قاسية للمنتخب المغربي.

عند عودة المنتخب الجزائري إلى مطار العاصمة تخيلوا كان بوتفليقة على رأس وفد رفيع المستوى لاستقبال “الأبطال”.

بوتفليقة كان يغار من الملك الراحل، حين يقدم أحد الرياضيين المغاربة على تحقيق إنجاز عالمي في إحدى الرياضات يشير – احد الرياضيين- :” كون صاب كون “جنس” نوال المتوكل وعويطة باش يحرم الحسن الثاني منهم”.

ويروي آخر “أن الرئيس الجزائري دعا على اجتماع طارئ ضم خيرة رياضيي ألعاب القوى الجزائرية وحثهم على بذل المزيد من الجهود لمضاهاة ومنافسة عدائي المغرب”.

بعد هزيمة المنتخب الوطني التاريخية بحصة 5 أهداف لواحد، قرر الملك حل الجامعة، وأعاد تشكيل المنتخب الوطني “بل إنه سيصبح واضع خطط اللاعبين”-حسب ما صرح به اللاعب السابق عزيز بودربالة في إحدى خرجاته الصحفية.

الحسن الثاني سيظهر لبوتفليقة ن هذه المقابلة ما هي إلا سحابة صيف عابرة حيث سيجري منتخب وطني قوي أبهر العالم في مكسيكو 1986 وهكذا لم تكتمل فرحة بوتفليقة بإنجاز منتخب بلده.

إعجاب المراكشي بالحسن الثاني الذي أغضب بوتفليقة

سنة 2009 سيتلقى بوتفليقة صفعة جديدة، جاءت هذه المرة من أقرب المقربين إليه، من الرجل الأول في البوليساريو عبد العزيز المراكشي الذي أبدى إعجابه بعدو بوتفليقة، وقال على هامش حوار شاهده بوتفليقة على قناة “الجزيرة” في جوهنسبورغ على هامش مشاركته في مراسيم تنصيب “جاكوب زوما” رئيسا لجنوب إفريقيا :”إن الملك الراحل الحسن الثاني كان أفضل في تعامله مع نزاع الصحراء”، مشيرا على “أن الملك الراحل نادى عام 1981 باستفتاء لتقرير المصير وتفاوض في إطار الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء”.

تصريح المراكشي آثار بوتفليقة الذي سيصب جام غضبه عليه “كما يكشف أحد الصحافيين الجزائريين في إحدى مقالاته اللاذعة ضد نظام بوتفليقة.
بوتفليقة عاش حتى سمع رفيقه في العداء على المغرب يعبر عن إعجابه للحسن الثاني.

          

الحسن الثاني كان يعتز بـ”النخوة” وبوتفليقة شد فـ”النيف

كانت حرب الرمال فرصة أمام الملك الراحل ليظهر نخوته . والجيش المغربي- رغم أنه كان منتصرا- فقد تلقى أوامره من قائده الأعلى بالانسحاب. أراد الحسن الثاني في الحوارات التي أدلى بها بالمناسبة أن يظهر بصورة رئيس الدولة – الإنسان الذي يراعي مشاعر الجيران ويحافظ على الأرواح والممتلكات. هذا النبل سيجعله القائد العاقل في المنطقة، الذي تلجأ إليه الدول الكبرى، طلبا لخدماته وتدخلاته.

وبعد الحرب سيزور الملك الراحل مصر. هنا أيضا ستظهر نخوته واعتزازه بنفسه إذ أن القوات المسلحة الملكية كانت قد أسرت عددا من الضباط المصريين الذي قدموا مساعدات تقنية للجزائريين أثناء الحرب. الحسن الثاني أخذهم معه في طائرته الخاصة إلى مصر وقدمهم هدية للرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكان بوتفليقة يومها صديقا لعبد الناصر وكثيرا ما “خلوص” بين الملك والرئيس المصري، لكن سلوك الملك الراحل سيكسر حاجز العداء بينه وبين عبد الناصر، وسيكسب ود الرئيس المصري الذي لم ينس هذه “الهدية” حيث طوى الرجلان مرحلة كان مسممها هو بوتفليقة.

مقالب الحسن الثاني وافتخاره بنخوته في جلساته الخاصة بين الرؤساء والملوك، ستثير بوتفليقة الذي سيبتكر عبارة “مقابلة لـ”النخوة” ففي إحدى خطاباته المثيرة، والتي ضمنها آراءه حول الصحراء ودفاعه عن أطروحة الانفصال، سيخاطب شعبه بأعلى صوته “الجزائريون عندهم أهم حاجة ..النيف”، وكرر العبارة ثلاثة مرات.

بين عبارة “النخوة” و”النيف” ليس هناك فوارق في المعنى وإن اختلف الاصطلاح.

           

شبيه بوتفليقة وشبيه الحسن الثاني

بوتفليقة كان يتشبه بالحسن الثاني والملك الراحل كان يتشبه بالملك لويس الحادي عشر.

يجمع جل الدارسين والمتتبعين لمسار الحسن الثاني على أنه ذا شخصية جذابة إلى درجة كبيرة أذهلت رؤساء وملوك العالم، وكانت جل سلوكات بوتفليقة تنصب على محاولة التشبه بالحسن الثاني دون أن يعلن عن ذلك صراحة. وهي الجرأة والشجاعة التي افتقدها طوال مسار حكمه، هذا في وقت كان الراحل أكثر جرأة حين وصف نفسه أنه –حسب اعترافاته- يشبه الملك لويس الحادي عشر الذي وحد المملكة الفرنسية ورسخ أسسها.

بين التهرب من الاعتراف والصراحة، يظهر علاش بوتفليقة معقد من شخصية الحسن الثاني.

     

بوتفليقة يريد أن يتطبع ببعض الطباع التي ميزت الحسن الثاني

كيف كانت العلاقة بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والملك الراحل الحسن الثاني؟

بوتفليقة اليوم كرئيس للجمهورية الجزائرية ليس بالشخصية الحديثة العهد، وعلاقاته بالمغرب علاقة قديمة جدا، وقبل أن يكون وزيرا للخارجية فإننا نعلم أن بوتفليقة كان من مواطني وجدة وعاش هناك فترة طويلة من الزمن ، وتكاد تجربته وعلاقته بالمغرب تكون متميزة مقارنة مع باقي المسؤولين الجزائريين ، هل هذه الحياة بأحضان المغرب كتب لها أن تنقلب لتصبح نوعا من العدوانية في سياق علاقته بالمغرب على كافة المستويات؟ هذا من الأشياء المثيرة جدا للجدل ولكثير من التساؤلات.

في عهد الحسن الثاني عندما كان بوتفليقة وزيرا للخارجية يبدو واضحا أن الملك الراحل تجاوز كل العقبات من اجل إقامة علاقات اعتيادية وتطبيعها مع الجزائر لتحقيق السلام.

سنة 1972 وقبل أن يشرع المغرب في المطالبة بصحرائه كان هناك توجه لإنهاء النزاع مع الجزائر مما دفع الحسن الثاني إلى توقيع اتفاقية افران حول الحدود، ورغم توقيع الاتفاقية ترك الباب مفتوحا لأن الاتفاقية لا يمكن أن تصبح ذات صبغة رسمية إلا بعد المصادقة عليها من طرف البرلمان المغربي، بعد أن سارع البرلمان الجزائري وصادق عليها في فترة وجيزة سنة 1979، لكن البرلمان المغربي سوف لن يوافق على هذه الاتفاقية إلا سنة 1992، والملك الراحل كان يفضل ذلك رغبة منه في إقامة علاقة ود حقيقية مع شركائه الجزائريين.

في عهد الحسن الثاني وبوتفليقة حين كان وزيرا للخارجية جرى التوافق بإنشاء اتحاد المغرب العربي، من خلال معاهدة “زيرالدا” التي وقعت بالجزائر كمرحلة أولى تؤشر على قيام هذا الاتحاد ليتم التوقيع على الاتفاقية المؤسسة في مراكش سنة 1989 . ويعلم الجميع أن اتفاقية إنشاء المغرب العربي لم تكن مجرد تطور ظرفي.

كان الحوار يتم دائما بدعم من المغرب وبتقديم بعض التنازلات ، لأن الحسن الثاني كان يرغب في تحقيق سلام فعلي مع الجزائر، وهنا يمكن القول بأن بوتفليقة للأسف لعب دورا يكاد غير محترم للالتزامات ففي عهد هواري بومدين رأينا كيف أن الجزائر كانت في مؤتمر للجامعة العربية عقد بالمغرب، قبل نزاع الصحراء سنة 1973 تصرح علنا على لسان هواري بومدين بأن مسألة الصحراء لا تهم الجزائر – على الإطلاق- وهي مسألة تهم المغرب وموريتانيا ويمكنها أن تتعاون في هذا الإطار غير أن هواري وبوتفليقة كانا يعتقدان حينها أن مسألة إرجاع الصحراء للطرف المغربي مسألة غير منتظرة، وأن إسبانيا حسمت الأمر عندما قررت – عن طريق الأم المتحدة- أن تنظم استفتاء لتقرير المصير، وأن تهيء دويلة مجهرية تابعة لها يمكن أن تستفيد الجزائر من منطقة تواجدها، وأعتقد أن بوتفليقة وقتها كان يقف وراء هذا النوع من المناورات، لكن عندما أفلت الزمام من جديد من بين أيدي إسبانيا والجزائر على السواء، ظهر الوجه الحقيقي لبوتفليقة وللنظام الجزائري بشكل عام بحيث مباشرة بعد نجاح السميرة الخضراء، وبعد استقلال الصحراء لاحظنا كيف أن عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة المقيمين في الجزائر طردوا شر طردة وعوملوا بشكل همجي لا مثيل له في التاريخ.

ولاحظنا أن الجزائر تعلن مباشرة بأن مغرب الأنظمة قد انتهى، وآن أوان مغرب الشعوب ليجري خلق إذاعة تبث برامج عدوانية بشكل مفتوح، بل تتجه ليس فقط إلى دعم البوليساريو واستضافتها في تندوف التي هي جزء من التراب الجزائري وإنما أكثر من هذا اعتبارها بمثابة جمهورية مستقلة، وتدفع بعضويتها في منظمة الوحدة الإفريقية، هذه المناورات التي عاش في ظلها بوتفليقة تظهر هذا الوجه العدائي الذي هو راسخ في ممارسات الجزائر تجاه المغرب قبل أن يغدو بوتفليقة رئيسا للجمهورية.

ماذا عن بوتفليقة اليوم، هل لا زالت عقدة الحسن الثاني تلازمه؟

بوتفليقة اليوم – رغم أنه يحكم الجزائر ظاهريا – فهو في الحقيقة يقوم بتلبية رغبات مؤسستين مركزيتين في إدارة السلطة في الجزائر، يتعلق الأمر بالمؤسسة العسكرية وما يعرف بالجنرالات، ومن جهة ثانية جبهة التحرير التي تعتبر نفسها وصية على النظام الجزائري. ولا أظن أنه يمكنه في المرحلة الراهنة –على الأقل- أن يغير مجريات الأمور، حيث لاحظنا كيف أن الرئيس الراحل محمد بوضياف وهو القادم من المغرب والرجل المثالي في مجموعة حركة التحرير الجزائرية، عندما عاد أدراجه إلى الجزائر، قادما إليها من المغرب وقام بفضح الفساد فيها يتعلق بالدعوة لحل مشكلة الصحراء وراهن على مبادرات خلاقة مع المغرب لطي صفحات مرحلة العداء، لاحظنا كيف تم اغتياله من طرف أياد خفية ولا حظنا كيف أن كل رؤساء الجزائر كانوا يخضعون بقوة لهذا النوع من التوازن الذي نشأ داخل السلطة.

بوتفليقة حاول بذكاء أن يستغل هذا الوضع ويستمر في مناشدة العداء للمغرب بأسلوب يتميز بالدهاء عبر الدعم اللامحدودة للبوليساريو والتمسك بأطروحة تقرير المصير، بدعوى أن بلد المليون ونصف شهيد لا يمكن أن يتخلى عن حق الشعوب في تقرير المصير.. إلى غير ذلك من الأسطوانات المشروخة التي أصبحت متجاوزة.

بوتفليقة يدرك الآن جيدا أن الاقتراح لذي يقدمه المغرب المتعلق بالحكم الذاتي هو اقتراح معقول مهد له الحسن الثاني. لإنهاء مشكلة الصحراء بشكل نهائي وهو معقد من حيث ظروفه والصراعات الداخلية التي تعيشها الجزائر ، ويغار – بكل تأكيد من استقرار الوضع الداخلي للمغرب.

عاش بوتفليقة سنوات طوال من مرحلة حكم الرئيس الجزائري هواري بومدين كوزير للخارجية ليس فقط في مواجهة المغرب، ولكن في كل المجالات الأخرى.

الجزائر أصبحت تحتل مركز الوصي على الأنظمة الموجودة في هذه المنطقة من العالم، وتعتقد بأن وجودها على رأس منظمة عدم الانحياز يمكنها من تبني مواقف كل ما يسمى بحركات التحرر والحركات الهادفة على تقرير المصير…

 ولكن هذه الشعارات العدائية تخفي وراءها رغبة دفينة في الهيمنة واستغلال النفوذ بهذه المنطقة.

فبوتفليقة يسلح الجزائر ويبتعد عن جيرانه الأقربين، ولا يريد إقامة شراكة معهم، حتى لا يحققوا مكاسب على حسابها، وهذا من الأخطاء القاتلة، التي يمارسها النظام الجزائري. فخلالها يظهر واضحا أنه في عهد بوتفليقة ولأول مرة –نلاحظ كيف أن الحدود البرية تبقى مغلقة بين الطرفين.

ما هي الصورة التي رسمها بوتفليقة عن الملك الراحل؟

كان ينظر إليه بكثير من الإعجاب ويسعى إلى تقليده، ونقد تلاحظون الآن ممارسات بوتفليقة وطريقته في الخطاب وأسلوب تعامله مع الآخرين، يرغب في الاقتداء ببعض الطباع التي ميزت الحسن الثاني.

الشعب الجزائري يعاني اليوم من عدة نكسات سياسية واقتصادية واجتماعية، هل تعتقد أن الجزائر كانت ضحية عقدة بوتفليقة؟

الشعب الجزائري هو أكبر الخاسرين من عقدة الحسن الثاني التي لازمت بوتفليقة وقد لاحظ أحد رجال المحاسبة المالية أن الجزائر تخسر سنويا ما بين 2 و2.2 مليار دولار كنتيجة لإغلاق الحدود مع المغرب. وهذا طبيعي لأن المنتجات المغربية تصل إلى الأسواق الجزائرية عن طريق مدينة مرسيليا الفرنسية المواطنون المغاربة والجزائريون لا يتواصلون مع بعضهم البعض.

حاول الرئيس بوتفليقة سحب رئاسة المغرب للجنة القدس قبل سنوات قليلة إلى أي حد تعتبرون هذه الخطوة منسجمة مع المواقف المعادية اليت كان بوتفليقة ينهجها ضدا في الحسن الثاني؟

المغرب دائما في شخص عاهله يرأس لجنة القدس، غير أن المناورات الجزائرية لا تنتهي حتى على المستوى الاقتصادي القطاع الأهم من غيره، ونتذكر جيدا كيف قام بوتفليقة بإنشاء أنبوب الغاز بعيدا عن التراب المغربي حتى لا تستفيد بلادنا من خفض سعر الغاز، رغم أن تكلفة هذا الخط الرابط بإسبانيا هو أضعاف أضعاف تكلفة الأنبوب لو أنجز بالتراب المغربي. هذه هي سياسة بوتفليقة الحاقدة التي لا تحب الخير للمغرب

كانت علاقتهما علاقة أشخاص أكثر ممالا هي علاقة نظام بآخر

كيف كانت العلاقة بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والملك الراحل الحسن الثاني؟

العلاقة التي ربطت الملك الراحل والرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، كانت علاقة شخاص أكثر مما هي علاقة نظام سياسي بآخر، شخصية أكثر مما هي علاقة شعوب أو دول
وغلى يومنا هذا منذ حرب الرمال، ظلت الجزائر تنظر إلى المغرب على أنه ساحة للمعارك، وتعطي انطباعا للمنتظم الدولي أنها تملك حقا ثوريا تدافع عنه، وهو حق الدفاع عن الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا إرث يحرسه جنرالات الجزائر وقد جرى تجاوزه اليوم

بوتفليقة – منذ تولي الحسن الثاني الحكم- وهو يمارس ضغطا دوليا ضد الملك، انطلاقا من الميراث الذي تكلمت عنه

بوتفليقة كان يعيش في المغرب وتربى في ترابه، ولو كانت له بذرة واحدة للتفكير السليم ما كان لينفث سمومه في جذوع المغرب، منذ أن كان وزيرا للخارجية بالجزائر.
هو اليوم “شخشيخة وضرضور” كما يقول الأشقاء المصريون في يد جنرالات الجيش الذين كانوا بحاجة إلى رجل مدني ينجز ما تطلبه منه المؤسسة العسكرية.

هناك اعترافات وشهادات أجمعت على أن بوتفليقة كان يقلد الملك الراحل في كل شيء في مشيته وسيجارته وخطبه بل حتى في لباسه واستنساخ مسجد على شاكلة مسجد الملك…هل يمكننا أن نتحدث عن عقدة اسمها الحسن الثاني يشكو منها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة؟
بدون شك فبوتفليقة كان يشكو من هذه العقدة ولكن شتان بين الثرى والثريا، لن يصل بوتفليقة إلى نخوة الملك الراحل، ويمكنني أن أشبه موقف الأخير بقصة “كليلة ودمنة” و”حكاية الغراب” الذي حاول تقليد الطاووس فلم يستطع، وعندما حاول العودة إلى مشيته نسيها.
لا يمكننا أن نقارن بوتفليقة بالحسن الثاني ، لا ثقافيا ولا على كل المستويات.

ما هي الصورة التي رسمها بوتفليقة عن الملك الراحل؟

الحسن الثاني كان رجل دولة شهد له بها العالم أجمع، ولا زالت المراجع التاريخية توثق مواقفه المثيرة والجذابة، كان مرجعا بمثابة “شيخ” حكيم يقدم النصيحة لهذا القائد العربي ويوجه ذاك ويفك الألغاز المستعصية. كان استثناء في تاريخ رؤساء وملوك العالم. بوتفليقة لم يصل على هذا المستوى، وربما تكون هذه إحدى عوامل عقدته.

ألا تعتقدون أن حجم المؤتمرات والقمم التي كان ينظمها الحسن الثاني داخل المغرب، كانت أحد العوامل التي أسقطت بوتفليقة في فخ عقدة الملل الراحل؟
الجزائر منذ زمن بومدين وإلى يومنا هذا عاشت ولا تزال تعيش على ميراث ثوري أكل عليه الدهر وشرب. بوتفليقة لم يطرح بديلا لحل أزمات بلاده، وربما تكون هذه أحد دواعي عقدته.

أستاذ العلاقات الدولية

        

1937: 2 مارس ولد عبد العزيز بوتفليقة بمدينة وجدة.
1956:
التحق بصفوف جيش التحرير الوطني الجزائري وهو في التاسعة عشرة من عمره.
1957: 1957
و1958أسندت مهمة مراقب عام للولاية الخامسة.
1959 :
ألحق بهيئة قيادة العمليات العسكرية بغرب الجزائر وبعدها بهيئة قيادة الأركان بذات المنطقة ثم لدى هيئة قيادة الأركان العامة.


1960 :
جرى إيفاده إلى حدود البلاد الجنوبية لقيادة “جبهة المالي” أصبح الرائد عبد العزيز بوتفليقة يعرف باسم “عبد القادر المالي
1961:
انتقل سريا على فرنسا، وذلك في إطار مهمة الاتصال بزعماء الثورة التاريخين المعتقلين بمدينة (أولنو).
1962:
تقلد العضوية في أول مجلس تأسيسي وطني، ثم اشتغل وزيرا للشباب والسياحة في أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال.
1963:
أصبح في المجلس التشريعي قبل أن يعين وزيرا للخارجية في نفس السنة.
1965:
شارك بوتفليقة في التصحيح الثوري ليونيو، ثم أصبح عضوا بمجلس الثورة تحت رئاسة هواري بومدين
1978:
ألقى كلمة تأبيدية في وفاة الرئيس هواري بومدين، لكنه أصبح في ذات السنة الهدف الرئيسي لسياسة “محو أثار بومدين”.
1987:
عاد بعد ست سنوات إلى الجزائر إذ كان من موقعي “وثيقة الت18” التي تلت وقائع 05 أكتوبر 1988.
1989:
شارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني وجرى انتخابه عضوا باللجنة المركزية
1992:
رفض شغل منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة ومنصب رئيس الدولة في إطار آليات المرحلة الانتقالية.
1999:
انتخب رئيسا للجمهورية الجزائرية
2004:
أعيد انتخاب بوتفليقة رئيسا بما يقارب 85 في المائة من مجموع الأصوات.

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .