الرئيسية منبر البديل السياسي الإنتخابات وآ فة المال السائب

الإنتخابات وآ فة المال السائب

كتبه كتب في 26 أغسطس 2021 - 3:15 ص

 جريدة البديل السياسي  محمد حداوي

في بلدنا المغرب، رغم أن كل مكونات المشهد السياسي في خطاباتها تجمع قبل كل دورة انتخابية  على ضرورة أن تكون الانتخابات المقبلة شفافة ونزيهة لإعادة الثقة الشعبية في المؤسسات بعدما تصاعدت وتيرة العزوف عن الانخراط في الأحزاب ،وتزايد ضعف المشاركة في الانتخابات ؛وافتقدت الثقة في المنتخبين والمؤسسات التي يمثلونها،  إلا أن ذلك لايمنع كل مرة من أن  نرى أيام الانتخابات أغلب الأحزاب تفضل ترشيح أصحاب الشكارات على أصحاب الكفاءات والمثل والقيم والمبادئ،أصحاب الشكارات من مقاولين وأباطرة المخدرات والتهريب و…الذين يخاطبون بطون الناس وجيوبهم قبل عقولهم في حفلات وولائم مدفوعة الأجر  توزع فيها الأموال السائبة  تارة  بالحيص بيص وأخرى على عينك بابن عدي إلى حد تتساءل فيه إن كان م
ليفكر الوطني بالأجيال القادمة أما السياسي فيفكر بالانتخابات القادمةايجري ضحك على الذقون وسياسية من السياسات التي تطبقها الأحزاب لاستئثار أصحاب المال بالانتخابات وتنفير العامة منها.وهذه الظاهرة تنتشر بقوة أيام الانتخابات، برلمانية كانت أم محلية ،ويعرفها القاصي والداني .وبهذه الطريقة تحول  من هو أكثر مالا في هذا السيرك الانتخابي العجيب هو الأكثر حظا في النجاح في الانتخابات ،مما يعني أن المال هو المتحكم في صناديق الاقتراع وليس المبادئ والمثل او البرامج.وفي كل مرة ترى المتنفذين في العملية السياسية أصحاب المال في عرس النفاق هذا  يتحا صون رغم خلافاتهم التي تقوم ليست  على أساس برامج للنهوض بالبلد بل من أجل إعادة توزيع الحصص حيث يشعر البعض منهم أنهم قد أصبح لهم تأثير أكبر ويطالبون بحصة أكبر..وكلما تناول الناس ومعهم  الصحافة الوطنية بشتى ألوانها ومشاربها هذه الظاهرة الخبيثة التي ليست بالجديدة على مجتمعنا والتي تصيب الديموقراطية في الصميم ترى أصحاب الحال يقولون: سنشكل فرقا ولجنا ولجينات للتصدي لمثل هذه الظواهر..وسوف ..وسوف  وس… ورغم كثرة كل هذه الوعود التي تبتدئ بحرف السين ،ترى السلطة اثناء الانتخابات تغض الطرف عن هذا أو ذاك ولاحياه لمن تنادي..

        الكل يعلم اليوم إن سيطرة المال على مقدرات العملية الانتخابية ،برلمانية كانت أم محلية وعلى كافة أطرافها هي آفة بالغة الخطورة والجسامة على سلامة التمثيل الانتخابي وعلى مصداقية تعبير أفرادها عن إرادتهم. فلم يعد المال أمراً حيوياً لإدارة المعارك أو الحملات الانتخابية من جانب تمويل نفقاتها وإنما أضحى سلاحاً خطيراً للتأثير على إرادة الناخبين وتوجيههم نحو تأييد الشخص المعني بعينه أو قائمة بعينها سواء استخدم هذا السلاح من قبل المرشح ذاته أو من قبل أنصاره لا فرق. ولم يعد الأمر يقتصر على التأثير على إرادة الناخب فحسب، وإنما يتجاوز ذلك لتكون إرادة المرشح ذاته فريسة لتلك الآفة بحيث يدين المرشح بالولاء لمن يدفع أكثر وبذلك تتجلى سيطرة جماعات الضغط واللوبيا التي تمتلك النفوذ والمال على مجريات العملية الانتخابية وبالتالي على الحياة الانتخابية بأثرها ومن ثم تتضاءل الفرص أو تنعدم أمام ذوي المثل والمبادئ المحققة للصالح العام المجردين من سطوة المال أو النفوذ لمنافسه تلك القوة الغاشمة لرأس المال وسيطرته على نتائج الانتخابات والوصول إلى مقاعد المحليات أو البرلمان، فمن يراقب الحملات الانتخابية في بلديات وجماعات قروية كثيرة سيرى  بأم عينية كيف يصنع المال نتائج الإنتخابات.

        في دوائر انتخابية كثيرة نعرفها بسبب المال وحده ،تحول الكثير من السراق الاميين والمتعلمين المحتالين والمستثمرين الانتهازيين  في الميدان الانتخابي إلى “أبطال”مشهورين يضرب بهم المثل  ويصنفون في خانة “الشاطرين” بدل أن يدرج أسماءهم على لوائح المحتالين  المطاردين والمبحوث عنهم من طرف الأمن والعدالة. فالقصة هنا هي قصة المال الذي صنع منهم أبطالا مزيفين من الكارتون يستغلون فاقة الناس التي كانوا سببا في جانب كبير منها وهم يخاطبون بطونهم الفارغة  وجيوبهم المثقوبة قبل عقولهم . وما أكثر الذين تفقدهم بطونهم الجائعة وجيوبهم الفارغة مع الجهل والأمية عقولهم تفضي بهم الى بيع أصواتهم في أسواق النخاسة مقابل دريهمات معدودات لاتسمن ولاتغني من جوع.إضافة إلى هذا ،خلق  الفساد السياسي نمط من الثقافة السياسية لدى أصحاب المبادئ والمثل ،ترى أن لا فائدة من المشاركة لأن القضية في يد الأقوياء أصحاب المال “ماليين الشاكرات”الذين يتنافسون على شراء الأصوات والتناطح من أجل المحاصة . وهو الامر الذي سبق وأن نبهت الى خطورته الكبيرة    ماري روبنسون Mary Robinsonمفوض الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان قائلة : “إن الفساد السياسي يؤدي إلى العزوف عن المشاركة السياسية واليأس من الحصول على العدالة لأن الأمر يتعلق بتشكل ذهنيات ترى أن لا فائدة من المشاركة ولا الرقابة وأن الأمر يتعلق بالأقوياء».

            والأخطر من كل مسلف، أن هناك من يسعى الى نشر ثقافة هدامة تستغفل الناس وتجرهم الى المستنقع الاسن الذي يصطادون فيه ،وذلك من خلال إقامة وزن كبير لكل ما من شأنه ان يقوم بتمييع بل وإفساد وإفقار الناس بما يضمن ولائهم واستعبادهم، وتراهم يقيمون وزنا للراشين والمرتشين ، ويقيمون وزنا لمرا كمي الترواث من كل حدب وصوب بأي طرق ولو كانت غير مشروعة ،وذلك مادامت الثروات تفيدهم في إفساد الناس وشراء ذممهم  مستغلين وضع الفاقة التي كانوا سببا في جزء كبير منها .ويجر الثراء في أذياله البذخ ،والبذخ عدو الفضائل البطولية كما تعلمون، وعندما يقيم كل شيء بالمال ، يصبح هذا الاخير بديلا عن المواهب والكفاءات ، فيكافح الناس للحصول عليه كأنه أعظم ما في الوجود..ويغزو الجشع القلوب وعندما يحب الناس المال أكثر من أي شيء آخر، يضحون في سبيله بحقوقهم الفطرية ويكون اخر ما يفكرون فيه هو الاخلاق والفضيلة والديموقراطية، بل اكثر من ذلك ان التعطش الى الثروات يضع المال فوق الحرية ، فيعرض الناس شرفهم للبيع ، ولا يحجمون عن ارتكاب شائن الافعال والفواحش مقابل حصولهم على المال. وهذا ما يسعى البعض  لتحقيقه لضمان امنهم وراحة بالهم في مجتمع كان فيما مضى  يوثر القيم الروحية على  القيم المادية الدنيوية الزائلة  ..

          نحن اليوم لمكافحة هذه الأفة الخبيثة لإعادة الاعتبار للانتخابات والمثل الأخلاقية للمجتمع،لن نقوم بإعادة اختراع العجلة التي اخترعها الإنسان البدائي الأول في غابات ما قبل ظهور ما يسمى بالمدارس والجامعات .فأمامنا أقوام متحضرة في دول ديموقراطية معاصرة كثيرة تحترم نفسها وشعوبها اكتشفت أكثر من طريقة لردع المرشحين الانتهازيين الجشعين  أصحاب المال الذين يستغلون ظروف  وحاجة بعض الناس للمال لشراء ذممهم. وهنا نسترشد بتجربة الولايات المتحدة مثلا التي لتتوانى دائما في سبيل ردع المرشحين ضعاف النفوس، وهم ليسوا بالقليلين، لم تكتف الأجهزة الأمنية الرقابية فقط برصد الحسابات والتلصص على الاجتماعات المغلقة، بل أيضا دبرت عمليات تمويل مزورة لتضبط من عنده استعداد لاستقبال الأموال القذرة، وكانت إحدى العمليات المفبركة -على سبيل المثال لا الحصر-في إحدى الانتخابات يظهر فيها عملاء المباحث الفيدرالية بلباس عربي خليجي ومعهم حقيبة مليئة بالدولارات وكانوا دبروا كمينا لأحد المرشحين الذي أخذ المال من دون أن يدري أنها مكيدة مصورة دفعته الى المساءلة والمثول أمام القضاء ليقول كلمته في النازلة .وهذا مايميز الدول الديمقراطية الحقيقية عن الديموقراطيات المزيفة التي تتغنى بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما يخلق تناقض لدى المواطنين انعكس “في إحباط مركب يؤسس بدوره لنوع من الهروب الجماعي أو شبه الجماعي عن عمل مسؤولية التحضير للغد المفعم بالتحديات، حيث تصبح أولوية المجتمع إما التعايش مع الواقع بكل مرارته وخموله وتراجعه… وإما البحث عن وسيلة خارج القانون العام للتغيير، وكل هذا يؤدي إلى الاغتيال المعنوي والمادي لأجيال بكاملها..

        ومن جهتنا نحن ،نرى اليوم أننا لسنا بحاجة إلى فتاوى أو فلسفة وتنظير أو حتى ترسانات قوانين مستمدة من أرقى دساتير العالم، بقدر ما نحن بحاجة ماسة إلى غسل العقول، وإحياء الأخلاق والضمائر المحنطة، ونصب الكمائن المصورة والضرب بأيادي من حديد على الجشعين ،حتى لا يتحول السرّاق والمحتالين والانتهازيين الى “أبطال” يُضرب بهم المثل.وبدون هذا ، ستبقى حليمة على عادتها التي فطمت وترعرعت عليها و سنرى دائما هذا أو ذاك يترشح ، بهدف جمع الريوع والغنائم وملء “الشكارة” وإبرام الصفقات المشبوهة التي تمكنه من الاحتكار الدائم  للأسواق الانتخابية ومواسمها لإسترداد ما أنفقه من اموال الحملات الانتخابية بأضعاف مضاعفة .وسنرى هذا وذاك يعزف عن المشاركة في العملية السياسية مادام أن الامر يتعلق بلعب الكبار أصحاب المال .وهذا ما نشك أن تقوم به الطبقة المستفيدة من هذه اللعبة التي اهلكت الحرث والنسل  ،فمن سيقاوم هذه الرداءة ياترى؟،ومتى يسقط المال ويبقى العلم؟،ومتى تسقط الميوعة ويسقط الارتزاق لتبقى الحقيقة؟..

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .