الرئيسية كتاب وآراء أحكام المصادرة و دور السلطات العمومية لضبط زراعة القنب الهندي

أحكام المصادرة و دور السلطات العمومية لضبط زراعة القنب الهندي

كتبه كتب في 10 يونيو 2021 - 3:24 ص

بقلم: عبد الحي الحسني: طالب باحث بسلك الدكتوراه شعبة القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بطنجة:

    لا يختلف إثنان على ان جرائم المخدرات و المؤثرات العقلية من الجرائم الأكثر شيوعا في كل بقاع العالم، و الأكثر تهديدا للأمن الصحي  و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي و السياسي في كل المجتمعات .

وهي بانتشارها السريع وخطورتها المتزايدة أصبحت محط اهتمام من طرف كل الهيئات و المنظمات المحلية و الدولية، فتعالت الأصوات الداعية إلى تشديد العقاب في حق مقترفيها عقابا لا يطال حرياتهم فحسب، وإنما يمتد إلى متحصلاتهم وعائداتهم من هذه الجرائم.

و قد أثبتت اغلب الدراسات الميدانية أن خطر المخدرات يهدد الدول الغنية و الفقيرة على حد سواء، كما أثبتت أن هذا الخطر يتركز بالأساس في الأموال الناتجة عنها و التي يضطر أصحابها إلى سلوك طرق ملتوية لتحويلها إلى أموال مشروعة بمشاركة مؤسسات البنك و شركة السمسرة ووكالات تحويل الأموال .

ومما لاشك فيه أن في الآونة الأخيرة  أثير نقاش سياسي و حقوقي حول مدى إمكانية الترخيص بزراعة الكيف أو ما يسمى بالقنب الهندي بالمغرب.

وهذا النقاش يجد سنده لدى البعض في اعتبار أن هذه الزراعة في حد ذاتها ليست عملا غير مشروع، وإنما تصنيعها و إعادة دمجها بمواد طبيعية أو اصطناعية هو العمل الغير المشروع.

ثم انه على الصعيد الواقعي، فلا يمكن إنكار أن بعض الفلاحين في منطقة الشمال المغربي اتخذوا من زراعة نبتة الكيف حرفة معتادة لهم، و أصبح لدى بعضهم الاعتقاد بأن ما يقمون به عملا مشروعا ورثوه عن أبائهم، بل أنهم ضحايا أباطرة المخدرات الذين يستغلون فقرهم و ظروفهم الاجتماعية و النفسية من اجل الاغتناء على حسابهم ،وان مركزهم القانوني لا يقل عن العامل المذعن لطلبات تجار المخدرات .

أما بالنسبة للجانب الرسمي، فإن الدولة تبنت إستراتجية وطنية من اجل القضاء

على زراعة الكيف، و اقتراح زراعة  بديلة ، مع تقديم إعانات مالية لليد العاملة في هذا المجال ، و ذلك انسجاما مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية .

و انطلاقا مما سبق و التطرق إليه نطرح الإشكاليات التالية:

كيف تعامل المشرع المغربي مع المصادرة في جرائم تجارة المخدرات ؟

كيف تعاملت السلطات العمومية لضبط زراعة  القنب الهندي بالمغرب ؟

 المحور الأول :الطبيعة القانونية للمصادرة في جرائم المخدرات طبقا لمدونة الجمارك والضرائب الغير المباشرة

ينص الفصل 279 المكرر مرتين من مدونة الجمارك على انه :”تشكل جنحا جمركية من الطبقة الأولى:

أولا – تصدير أو استيراد المخدرات و المواد المخدرة و محاولة استيرادها أو تصديرها بدون رخصة أو تصريح ،و كذا استيرادها أو تصديرها بحكم تصريح غير صحيح أو غير مطابق .

ثانيا –  الحيازة الغير مبررة بمفهوم الفصل 181 أعلاه  للمخدرات و المواد المخدرة .

ثالثا – كل خرق للأحكام المتعلقة بحركة و حيازة المخدرات و المواد المخدرة داخل دائرة الجمارك

رابعا – و جود المخدرات أو المواد المخدرة في مستودع أو مخازن أو ساحات الاستخلاص الجمركي .

وينص الفصل 279 مكرر من نفس المدونة على انه يعاقب عى الجنح الجمركية من الطبقة الأولى :

1 – بالحبس من سنة إلى ثلاثة سنوات.

2 – بغرامة تعادل 5 مرات مجموع البضائع المرتكب الغش من شأنها ووسائل النقل و البضائع المستعملة لإخفاء الغش [1].

3 – بمصادرة البضائع المرتكب الغش من شانها ووسائل النقل و البضائع المستعملة لإخفاء الغش .

إن نفس السؤال الذي و ضع بشأن طبيعة المصادرة من خلال نصوص الظهير 21-5-1974 يوضع بنفس الصيغة في ظل أحكام مدونة الجمارك و الضرائب الغير المباشرة .

و لعل في مضمون الفصلين 279 مكرر و 279 مكرر مرتين بشأن مصادرة المرتكب الغش من شأنها ووسائل النقل و البضائع المستعملة لإخفاء الغش جزء من العقوبة المقررة عن جرائم المخدرات  التي تشكل في إطار القانون الجمركي جنحة جمركية من الطبقة الأولى .

لكن إذا كانت المصادرة انطلاقا من ظاهر نص  الفصل 279 مكرر المذكور تندرج ضمن العقوبات المقررة عن جرائم المخدرات المصنفة ضمن الجنح الجمركية من الطبقة الأولى، فإن ذلك لا يعني جزما إنها عقوبة أصلية او عقوبة إضافية أو تكميلية ،فالأصل أن العقوبات الأصلية و ردت محددة في الباب الأول من الجزء الأول من الكتاب الأول  من القانون الجنائي في الفصول من 15 إلى 18 و ليس من بينها المصادرة ،و الأصل كذلك إن المصادرة المنصوص عليها في البند الخامس منة  الفصل 36 من القانون الجنائي كعقوبة إضافية تنفرد بخصائص منها مبدأ الجوازية الممنوح للمحكمة في الحكم بها أو عدم الحكم بها و هو ما لا تملكه بخصوص المصادر المنصوص عليها في مدونة الجمارك إلا في حالات استثنائية محددة مما لا يجعلها عقوبة إضافية في حكم هذه المدونة .

انطلاقا من نص الفصل 62 من القانون الجنائي [2]في بنده الأول بأن من بين التدابير الوقائية العينية مصادرة الأشياء  التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة و الخطيرة أو المحظور امتلاكها ، و اعتبار لكون المصادرة المنصوص عليها في الفصل 279 مكرر من مدونة الجمارك تشمل البضائع الغش  بشأنها ووسائل النقل و البضائع لإخفاء الغش ،فإنه يمكن القول بأنها تنطوي على خصائص التدبير الوقائي العيني على النحو المقرر في الفصل 62 المذكور[3]، خاصة و أنه يمكن طبقا للفصل 211 من مدونة الجمارك الحكم بمصادرة البضاعة موضوع الغش و لو كانت هذه البضاعة ملكا لشخص أجنبي او لشخص مجهول أو لم يصدر أي حكم بشأنها .

لكن على الرغم أن المصادرة في الجنح الجمركية تنطوي تبعا لما ذكر على خصائص التدبير الوقائي العيني ،فإنها تنفرد ببعض المميزات التي تجعلها بمثابة تعويض مدني،  ويتجلى ذلك من خلال الحق الممنوح لإدارة الجمارك في ان تطلب بدلا من المصادرة الحكم لها بتعويض يعادل قيمة البضائع ووسائل النقل القابلة للمصادرة (الفصل 213 من مدونة الجمارك( .ومن خلال حقها في ملاحقة تركة المحكوم عليه لاستخلاص مبالغ المصادرات المحكوم بها عليه قبل وفاته( الفصل 265 من مدونة الجمارك(  .

المحور الثاني :مجهودات السلطات العمومية لضبط زراعة  القنب الهندي (الكيف( في المغرب

  • واقع تعامل السلطات العمومية مع زراعة الكيف

تعاملت السلطات العمومية المغربية مع آفة المخدرات و الاتجار غير مشروع فيها تعاملا واقعيا ،و ذلك عن طريق الترهيب أو الترغيب حسب الأحوال و الظروف الاجتماعية و السياسية .

2- الإرشاد و تقديم المساعدات التقنية و المالية :

أفاد تقرير الهيأة الدولية لمراقبة المخدرات خلال سنة 2003 أن المغرب أول منتج عالمي للكيف و تعيش من هذه النبتة حوالي 96 ألف أسرة بمعدل 66 في المائة من مجموع 146 ألف أسرة من فلاحي الشمال المغربي.

فيما أكد وزير الداخلية أمحند العنصر في عرض له أمام لجنة الداخلية و الجماعات الترابية و السكنى و سياسية المدينة بمجلس النواب بمناسبة تقديم مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الداخلية برسم سنة 2013 أن المجهودات المبذولة من طرف الدولة في مجال محاربة زراعة القنب الهندي مكنت من تقليص المساحات المزروعة بحوالي 60 في المائة مقارنة مع سنة 2003 باعتبارها سنة مرجعية ،باعتبارها السنة التي بدأت فيها بجدية حملة إتلاف حقول الكيف[4] .

  • تبني إستراتجية وطنية لمكافحة المخدرات :

و هكذا تم إدراج محاربة المخدرات ضمن إستراتيجية وطنية مندمجة مبرمجة زمنيا ،و ذلك بالاعتماد على تشخيص للواقع و تبيان مكامن القوة و الضعف لأهم التدخلات في هذا المجال ،و تم تفعيل هذه الإستراتيجية على ثلاثة مستويات:

أولا :على مستوى العرض:

تم العمل على تقليص عرض المواد المخدرة كإجراء وقائي ،و ذلك بالتقليل من المساحات المزروعة للكيف و تعويضها بزراعة بديلة .

ثانيا: على مستوى الطلب :

إتباع مقاربة أمنية فعالة و مندمجة ترمي إلى محاربة تجار المخدرات سواء في المدن أو القرى.

ثالثا:على مستوى الترويج:

عملت السلطات العمومية على توفير و تحسين المراقبة سواء على المستوى الداخلي أو الحدود .

  • تعزيز التعاون الدولي في محاربة المخدرات :

وقد تم في هذا الإطار العمل على البحث عن طرق جديدة للتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمحاربة الجريمة و المخدرات، بتنسيق مع وكالة تنمية الأقاليم الشمالية ،و كذا تبادل الزيارات مع الوكالة الأمريكية لمحاربة المخدرات من اجل التعريف بالمجهودات المبذولة  من طرف المغرب في مجال محاربة المخدرات[5].

3- موقف الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات من مجهود المغرب في محاربة المخدرات

استنادا إلى المعاهدات الدولية لمراقبة المخدرات  يتعين على الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة لأمم المتحدة ان تنجز تقريرا سنويا عن أنشطتها، يتضمن على الخصوص تحليلا لحركية المخدرات في جميع أنحاء العالم، و كذا تصرفات الحكومات العضو، من اجل الحد من هذه الآفة.

وفي هذا الإطار أعدت الهيأة المذكورة تقريرها السنوي سنة 2011، وقد جاء في هذا التقرير انه في سنة 2011 عايش عدد من البلدان في شمال إفريقيا تغيرات اجتماعية و سياسية .

و المغرب أول بلد في شمال إفريقيا و كذلك في العالم العربي، يسمح باستخدام “الميتادون “في علاج الارتهان للمخدرات .

و قد اعتبر ت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، القنب من النباتات البرية التي تنمو في مختلف البقاع الإفريقية و تزرع على نحو غير مشروع في بعض بلدان المنطقة و هو أشيع المخدرات المتعاطاة في القارة الإفريقية .

وخلاصة القول و من خلال ما سبق يمكن القول أن هناك حربا عالمية ضد المخدرات، انخرط فيها المغرب بجدية، إيمانا منه بأن هذه المادة تخرب الإنسان و المجتمع و البيئة على حد سواء، وان السياسة العقابية غير كافية بمفردها للحد من هذه الآفة، على اعتبار أن الجاني المحكوم عليه بالعقوبة المقررة لمسك أو الاتجار في المخدرات ، بعد قضائه للعقوبة، يتحول إلى منحرف ذي سوابق عدلية [6].

و العالم يعي أن الاتجار في المخدرات لم تعد تجارة هواة ، و إنما تمارس من طرف أباطرة محترفين ، ومنخرطين في مافيات عالمية، تقدر إرباحهم بما يفوق 500 مليار دولار، و تأتي هذه التجارة الثانية في الترتيب العالمي للأنشطة المدرة للربح بعد تجارة الأسلحة قبل عائدات البترول.

[1] حسن البكري : الأحكام العامة للمصادرة في جرائم المخدرات ،ص:34

[2]  أحمد الخمليشي القانون الجنائي الخاص ، مكتبة المعارف ،الرباط،ص:55

[3]  مصطفى مجدي هرجة ،البراءة و الإدانة في قضاء المخدرات ،ص:43

[4]  مصطفى فارس :الأحكام العامة في جرائم المخدرات،ص:34

[5]  أحمد علي الزغيبة:أحكام المصادرة في القانون الجنائي، ص:67

[6]  حسن البكري الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية، ص:57

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .