الرئيسية كتاب وآراء “الملكية الفكرية في مجال الإعلام بين الواقع و القانون”

“الملكية الفكرية في مجال الإعلام بين الواقع و القانون”

كتبه كتب في 19 فبراير 2021 - 12:55 ص

أشرف بوكنزير : طالب باحث في ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة:

تعد الملكية الفكرية من بين أهم المواضيع التي يمكن التطرق إليها و الإبحار في تفاصيلها , و الإلمام بمضامينها , نظرا لتطور الحياة الاجتماعية و الاقتصادية , وفي ظل الثورة المعلوماتية التي يعيشها العالم , إذ أضحى تبادل المعلومة و نشر الإبداعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي , من أهم الصور التي يمكن أن نلامسها في الواقع المعاش.
لعل نجاح أي مجتمع يرتبط أساسا بحرية الإبداع و التأليف و الاختراع , غير أنه بالموازاة مع ذلك , لابد من وجود حماية قانونية من شأنها أن تبعث في نفوس المبدعين , الطمأنينة و الأمان , إذ كل شخص أبدع مصنفا ما , الحق في الاستفادة من مجهوداته وابتكاره , في وقت لا يحترم فيه البعض حرية الفكر , فيستفيدون من مجهودات غيرهم لغاية في نفس يعقوب , إما بحثا عن الشهرة , أو جريا وراء المال .
و جدير بالذكر و الإشارة , أن الملكية الفكرية هي جزأ لا يتجزأ من حقوق الإنسان , فليس هناك أعز على المرء من ثمرة أنتجها انطلاقا من إبداعاته الفكرية ,ففي سبيلها ناله السهر الطويل , و أضناه العمل الشاق , من أجل الحصول على نتيجة مرضية , من شأنها أن تفيد المجتمع , ونظرا لهذه الاهمية والقيمة المعنوية والمادية , فإن المبتكر و المبدع , يتألم أشد الألم بمجرد الاعتداء على ملكيته الفكرية , حيث أن بمجرد شعوره بنوع من الضعف و انعدام حماية إنتاجاته , في هذه الحالة ينصرف الإبداع والتميز والعطاء.
ونعلم جميعا , أن المجال العربي شهد تحولات عميقة في مختلف المجالات , من بينها وسائل الإعلام و الصحافة , التي أسهمت في خلق نسق قوي داخل البيئة الثقافية والعلمية , غير أنه مع انتشار الصحافة الرقمية , التي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مكانا لها لنشر المعلومة , و أخر المستجدات و الأخبار , هدفا في تنوير الرأي العام الوطني والمحلي بشأن قضايا مختلفة ومتنوعة .
ونصادف في الكثير من الأحيان , و في مختلف المواقع الإعلامية , محتويات إخبارية بنفس الأسلوب و اللغة و الترتيب , فنتساءل , من الذي نشر الخبر أولا ؟ , وكيف انتشر هذا المحتوى بنفس الصياغة عبر كل هذه المواقع .؟
هنا نطرح إشكالية عدم احترام الملكية الفكرية للإعلامي , الذي يسهر طويلا طمعا في خلق منتوج إعلامي من شأنه أن يكون قيمة مضافة لمساره الصحفي , وبمجرد نشره للجمهور , يظهر البعض مستعملا خاصية النسخ واللصق , لينشره بدوره في موقعه , وهكذا ذوا ليك.
يمكن القول في هذا الإطار أنه بغض النظر عن الجزاءات المترتبة , بموجب قانون 02.00 الذي جرى تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 34.05 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة, وكذا قانون الصحافة والنشر المغربي 88.13 , فإن المسألة ترتبط بالأخلاق و الضمير الإنساني , والقيم التربوية و الدينية التي من شأنها أن تبث فينا ضرورة احترام الشخص و إبداعاته, لاسيما في المجال الاعلامي , و نستحضر بالأساس في هذا الإطار القواعد المتعلقة بأخلاقيات المهنة.
فعلامة الحزن و الألم بادية بشكل واضح على وجوه العديد من الصحفيين ,الذين تحملوا مشقة البحث و التنقيب و تكبدوا العناء و التعب ,وهم كلهم حماس وطموح لتقديم محتوى إخباري للجمهور , فيجدون بين ليلة وضحاها مقالاتهم منشورة في مواقع الكترونية أخرى , همها و شغلها الشاغل هو سرقة مجهودات زملائهم , وهي ظاهرة تنامت بشكل كبير ,والتي تزامنت مع ظهور العديد من المواقع التي تدعي ممارسة مهنة المتاعب , غير أن العديد منها اختصرت هذه الكلمة في خاصية بسيطة تسمى ” النسخ واللصق و من بذل مجهودا له الأجر والثواب.
ولكن ما يحز في النفس هو الاحتفاظ بنفس الأسلوب و الكلمات المستعملة , بل و أحيانا حتى العنوان يظل هو نفسه , دون بذل جهد إعادة صياغة الموضوع بطريقته الخاصة, وفي هذا الموضوع يرى الصحافي المصري ياسر خليل , أنه يجب سن قوانين أكثر صرامة لمواجهة سرقة المحتويات الاخبارية و ضرورة أن توفر محركات البحث والشبكات الاجتماعية أدوات جديدة للتقليل من رواج و انتشار المحتويات الاخبارية المسروقة التي من شأنها أن تؤدي إلى انتشارا الإشاعات و الأخبار الزائفة والمضللة.
الصحافة حسب المادة 2 من قانون الصحافة والنشر هي ” مهنة جمع الأخبار أو المعلومات او الوقائع ,أو التحري أو الاستقصاء عنها بطريقة مهنية قصد كتابة أو إنجاز مادة إعلامية مكتوبة او مسموعة أو بصرية أو مصورة أو مرسومة أو بأية وسيلة أخرى, كيف ما كانت الدعامة المستعملة لنشرها أو بثها للعموم .
وحرية الصحافة هي مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من اشكال الرقابة القبلية حسب الفصل 2_ من الدستور المغربي ,و للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار و الأفكار و الأراء بكل حرية ومن غير قيد…
إذن فالتقصي والتحري من اجل خلق منتوج إعلامي ونشره بكل حرية ودونما قيد هو مبدأ قانوني دستوري من الدرجة الأولى , حيث أن المشرع حاول الاهتمام بهذا المجال نظرا لأهميته الكبيرة في تقديم المعلومة للمواطنين ومواكبة مختلف الفعاليات و المستجدات التي تطرأ داخل الوطن وخارجه ,وعلى كافة المستويات و الميادين ,, كما أن المشرع لم يغفل عن الحديث على الصحافة الالكترونية مبرزا في المادة 33 من نفس القانون على انها مكفولة ومضمونة , كما تلتزم بالمقتضيات الواردة في قانون 09.08 المتعلق بحماية الاشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.09.15 بتاريخ 22 صفر 1430 الموافق ل 18 أبريل 2009.
بالرجوع لقانون حق المؤلف و الحقوق المجاورة , نجد أنه في إطار الحقوق المادية حسب المادة 19 يرخص دون إذن المؤلف ودون اداء مكافاة استنساخ وشريطة ذكر اسم المؤلف اذا تضمن مصدره بالاستنساخ في الجرائد أو عن طريق الإذاعة أو ببلاغات إلى الجمهور لمقالات اقتصادية او سياسية او دينية منشورة في الصحف او في النشرات الدورية لها نفس الطابع شريطة الا يكون ذلك محفوظا بكفية صريحة.
إذن على كل صحفي و طبقا للقانون , أن يذكر مصدر الخبر واسم الصحافي الذي أنتج ذاك العمل , إذا ما هو استحدث صور مطابقة للـأصل لمحتوى اخباري اخر , احتراما للقانون و لمجهودات غيره , وهذا لا ينقص من قيمته , بل سيكون نقطة حسنة , يجب أن تعمم على الجميع .
نلاحظ عن كثب في الواقع المعاش , انتشار ظاهرة النسخ واللصق دونما اعتبار للقانون ولا الضمير ,بشكل مريب لا يبشر بالخير , وفي المقابل نشاهد ان المعتدى على حقوقهم يدخلون في دوامة الصمت و الصبر ,دون اللجوء إلى المصالح المختصة , خشية مساطر بطيئة , وخوفا من عدم استرجاع حقوقهم المضمونة بموجب القانون والدستور.
لكن القيام بالواجب ضروري لإعادة الاعتبار لحقوق الملكية الفكرية حتى يتنسى للسلطات المعنية تسليط الضوء على هذا الموضوع , ومواجهة كل معتد أثيم على إنجازات غيره.
من هذا المنطلق حاولت التشريعات الدولية والوطنية حماية هذا الحق , الذي به و من خلاله , تتواصل وتيرة النشاط و الابداع والتطور وتحفظ لصاحبه حقه المعنوي و المادي كما تشعره بالأمان , و تدفعه الى المزيد من العطاء والابتكار .
لابد من أن نتحدث في نفس الاطار على مرحلة الحجر الصحي , عند انتشار وباء كوفيد 19 , الذي أدخل مختلف الفعاليات و المؤسسات الى استعمال وسائل التواصل الاجتماعي من اجل بث ندوات و محاضرات و لقاءات , في ظل ما يمسى بثورة الاتصال ولكن هذه المرة “عن بعد”, وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن موضوع مدى حماية الملكية الفكرية في ظل التواص والاتصال عن بعد.
وبفعل توسع مجال التأليف بصورة هائلة بفضل التقدم التكنولوجي الذي شهده العالم خلال العقود الاخيرة ,و أدى الى استحداث وسائل جديدة لنشر الابداعات , بمختلف طرق الاتصال والتواصل العالمية , لابد من طرح السؤال التالي:
إلى أي حد استطاع المشرع أن يقرر الحماية القانونية للمصنفات الرقمية في ظل التطور التكنولوجي وبالموازاة مع انتشار ظواهر تحد من قيمة الابداع و الابتكار و الاختراع ؟

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .